الملتقى البرلماني الثاني للجهات إطار للتنسيق المؤسساتي والتفكير الجماعي في سبل التفعيل السليم لورش الجهوية المتقدمة – حدث كم

الملتقى البرلماني الثاني للجهات إطار للتنسيق المؤسساتي والتفكير الجماعي في سبل التفعيل السليم لورش الجهوية المتقدمة

يمثل الملتقى البرلماني الثاني للجهات، الذي ينظمه مجلس المستشارين بشراكة مع جمعية رؤساء الجهات والجمعية المغربية لرؤساء الجماعات المحلية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يوم غد الخميس ، إطارا للتنسيق المؤسساتي والتفكير الجماعي في سبل التفعيل السليم لورش الجهوية المتقدمة.
ويهدف هذا الملتقى إلى القيام بقراءة موضوعية للجهود التي بذلتها المجالس الجهوية طيلة مدة اشتغالها، وأيضا المساهمة في التفاعل مع مختلف القضايا والإشكالات المطروحة، عبر الإسهام القيم المتوقع للمتدخلين، من فاعلين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين ومدنيين، وذلك في أربع لحظات أساسية تتوزع على أشغال هذا الملتقى وهي الهياكل الإدارية وتدبير الموارد البشرية الجهوية؛ وبرنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب: أسس التنمية الجهوية؛ وتعزيز الموارد المالية الجهوية؛ وتنمية العالم القروي والمناطق الجبلية.
ووفق أرضية الملتقى، فإنه من المهم جدا استئناف النقاش حول الممارسة الأولى للجهوية المتقدمة بالمغرب من أجل تقييم المرحلة والوقوف عند إيجابياتها وعوائقها، لاسيما بعد مرور سنتين من عمر هذه الممارسة، منذ صدور القانون التنظيمي المتعلق بالجهات رقم 111.14، وإجراء أول انتخابات مباشرة للجهات بتاريخ 4 شتنبر 2015، واقتراب بلوغ الولاية الجهوية الجديدة منتصف طريق هذه التجربة، التي طالما اعتبرت الإطار المناسب لتحقيق التنمية المندمجة والمستدامة وتوطيد نموذج المغرب الموحد. 
وسجلت أن تنظيم الملتقى، بالنظر للرهانات المعقودة على الجهوية في ترسيخ البناء الديمقراطي وتشجيع المشاركة المحلية في صناعة القرار، وفي بلورة سياسات عمومية جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة والمستدامة، يكتسي أهمية بالغة لكون برمجته قبل مناقشة قانون المالية، ستتيح الفرصة أمام المستشارين لاستثمار التوصيات التي ستصدر عن أشغاله، لإدخال تعديلات نوعية على مشروع قانون المالية تهم الجهات، وأيضا للمساهمة في الرقابة البرلمانية للمجلس على الحكومة في تنفيذ التوجيه الملكي السامي للحكومة “لوضع جدول زمني مضبوط لاستكمال تفعيل الجهوية المتقدمة”.
ويكتسي الملتقى أهميته كذلك بتزامنه مع الإمكانية المتاحة للجهات لتحيين برامج التنمية الجهوية كما تقضي بذلك المادة 85 من القانون التنظيمي للجهات رقم 111.14، والذي على أساسه يتم إعداد الميزانيات السنوية للجهات، فضلا عن أنه يتيح للمعنيين فضاء للتداول في ما عرفه الإطار القانوني المتعلق بالجهات من مستجدات على مستوى المراسيم التطبيقية، وللترافع من جهة ثانية من أجل تعزيز الترسانة القانونية ذات الصلة.
كما يمثل الملتقى فرصة أمام جميع الفاعلين في منظومة التدبير الجهوية للمشاركة في مواكبة تقييمية للإطار القانوني والتراكم التدبيري المنبثق من واقع الممارسة الجهوية.
ويرى المجلس أنه على الرغم من العدد الكبير من الإشكالات المطروحة على جدول أعمال الجهوية المتقدمة، التي تعد اليوم من أبرز السمات التي تميز الأنظمة السياسية والإدارية المعاصرة، إلا أن القضايا التي تلامس الهياكل الإدارية والموارد البشرية التابعة للمجالس الجهوية، وبرامج التنمية الجهوية، وطرق ووسائل تمويلها، تبقى في صدارة الأولويات التي تحتاج إلى الدارسة والتتبع والتقييم.
وأكد أن ترسيخ دعائم ومرتكزات الجهوية المتقدمة في إطار إقرار الحكامة الترابية وتعزيز رهان الديمقراطية، يمر حتما عبر تقوية الاختصاصات الممنوحة للجهات من خلال التفعيل السليم لمبدأ التدبير الحر، وعبر تضافر إرادة وجهود مختلف الفاعلين وتعبئتهم الكاملة للانخراط الجماعي في المسارات المتداخلة لعملية التنمية.
واعتبر أيضا أنه لكي تحقق الجهات وباقي الوحدات الترابية اللامركزية الأهداف الملقاة على عاتقها، لابد أن يواكبها تدعيم مسلسل اللاتمركز الإداري، وهو الصورة الإيجابية للمركزية القائمة على تفويض هذه الأخيرة لبعض الاختصاصات للمصالح الخارجية التابعة لها، لكن هذا التدعيم لا ينبغي أن يقتصر على هذا التفويض، بل يقتضي ذلك نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى المصالح الخارجية على المستوى المحلي، وهو أحد أبعاد “الميثاق المتقدم لللاتمركز الإداري” الذي دعا جلالة الملك إلى “إخراجه وتحديد برنامج زمني دقيق لتطبيقه”.
وفي هذا الصدد، فإن تقوية مسلسل اللامركزية ومسار اللاتمركز الإداري أصبح عنصرا أساسيا لتجسيد سيادة التنمية الجهوية والمحلية، بما يسمح بتحقيق التقائية السياسات العمومية بين السلطة التنفيذية وبين الكيانات اللامركزية من ناحية، بغية تحسين نوعية المشاريع المنجزة من كل جهة على حدة، وحصر تكاليفها والرفع من قدرات وكفاءات القائمين عليها في مختلف المجالات، و”ملاءمة هذه السياسات العمومية لتستجيب لانشغالات المواطنين، حسب حاجيات وخصوصيات كل منطقة” من ناحية ثانية.
إن تنظيم الإدارة الجهوية وبناءها على أسس عقلانية، واستقطاب تخصصات وأطر تقنية مؤهلة، يشكلان معا، وفق أرضية الملتقى، أحد المؤشرات الأساسية للحكم على قدرة المؤسسات الجهوية الجديدة على النهوض بالمهام الجسيمة الموكولة لها، ذلك أن العوامل البشرية والإدارية لها تأثيرها البالغ في وتيرة تسريع اندماج الهياكل الجهوية الجديدة في منظومة المؤسسات المكلفة بتدبير الشأن العام المحلي، وهو ما انتبه إليه مشرع القانون التنظيمي للجهات رقم 14-111، حين خصص عددا مهما من المقتضيات القانونية التي تكتسي في مجملها صبغة إصلاحية تتوخى تزويد المجالس الجهوية بما تحتاجه من هياكل إدارية تتلاءم وطبيعة الصلاحيات التنموية المسندة إليها.
ولعل من بين أهم التدابير والإجراءات المتميزة المتخذة في هذا الشأن تنظيم الإدارة الجهوية في شكل ثلاثة أقطاب : قطب ذي صبغة إدارية وسياسية تجسده مديرية شؤون الرئاسة والمجلس التي تتولى تتبع القضايا المرتبطة بالمنتخبين وسير أعمال المجلس ولجانه، وقطب تدبيري تمثله المديرية العامة للمصالح التي تسهر على التدبير الإداري لشؤون الجهة وتمكين المجلس من ممارسة مختلف الصلاحيات التنفيذية المنوطة به، وقطب تنموي تمثله الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع التي من أبرز مهامها تنفيذ مشاريع وبرامج التنمية التي يقرها مجلس الجهة.
وعلى الرغم من ذلك، يرى المجلس أنه لابد من مواكبة هذه المرحلة التأسيسية من الحياة الجهوية بالمغرب، سواء من حيث الهياكل الإدارية الملائمة أو من جهة توفير الموارد البشرية اللازمة، ومدها بالتكوين المناسب للاختصاصات المسندة للمجالس الجهوية، وإصدار النظام الأساسي الخاص بموظفي إدارة الجماعات الترابية، وهو النظام الذي ينتظر منه مراعاة خصوصيات الوظائف بالجهات وتحديد حقوق وواجبات الموظفين بإدارة الجهة، والقواعد المطبقة على وضعيتهم النظامية ونظام أجورهم، إسوة بما هو معمول به في النظام الأساسي للوظيفة العمومية.
لقد كرس الإطار القانوني للجهوية ، يضيف المجلس، نظاما لا مركزيا قويا في أفق تحقيق الجهوية المتقدمة، وذلك من خلال التنصيص على المبادئ الأساسية المؤطرة للجهة كجماعة ترابية وهي مبدأ التدبير الحر ومبدأ التضامن والتعاون ومبدأ التفريع. كما أعطاها مكانة متميزة في تحقيق التنمية الجهوية وإعداد مجالها الترابي لبلوغ أهداف التنمية المندمجة والمستدامة المنشودة، وخولها اختصاصات هامة ذاتية ومشتركة وأخرى قابلة للنقل من الدولة إليها، ومكنها من وسائل وآليات جديدة للاضطلاع بمسؤولياتها كإحداث الصندوقين اللذين نص عليهما الفصل 142 من دستور 2011 وهما صندوق التأهيل الاجتماعي لسد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات المختلفة، وصندوق التضامن بين الجهات لضمان التوزيع المتكافئ قصد تقليص التفاوتات بين الجهات وإرساء التوازن الجهوي المنشود، علما بأن موارد ونفقات هذين الصندوقين تحدد بموجب قانون المالية للدولة.
فضلا عن ذلك، تم التنصيص على الرفع من حصص الجهات من مداخيل بعض ضرائب الدولة، وهي الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، وأحدث الرسم على عقود التأمين، وذلك زيادة على حقها في الحصول على حصة من الضريبة على القيمة المضافة طبقا للنصوص الجاري بها العمل.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن القوانين المالية أصبحت تفرد في الميزانية العامة لكل جهة حصتها من الاعتمادات المرصودة لتمويل مشاريع الدولة حسب المعايير المقررة بموجب المرسوم رقم 2.15.997 بتاريخ 30 دجنبر 2015.
وخلص المجلس إلى أن التحدي الأكبر لجعل الجهة فاعلا أساسيا في التنمية الجهوية، يتمثل في تمويل برنامجها التنموي، وهو ما يبين الأهمية القصوى التي تكتسيها وسائل تمويل الجهات للنهوض بمسؤولياتها في المجالات المختلفة، مبرزا أن التوفر على الإمكانيات المالية اللازمة يمكن أن يجعل من الجهات فاعلا اقتصاديا أساسيا لتطوير الاقتصاد المحلي، ويكرس استقلالها المالي ويقوي قدراتها على تمويل برامجها التنموية والأولويات الواردة فيها. 

ح/م

التعليقات مغلقة.