“بهيجة سيمو” : معرض”المغرب الوسيط” بباريس والرباط فرصة لإبراز عراقة الدولة المغربية واستمرارية وحدتها الترابية والسياسية – حدث كم

“بهيجة سيمو” : معرض”المغرب الوسيط” بباريس والرباط فرصة لإبراز عراقة الدولة المغربية واستمرارية وحدتها الترابية والسياسية

أجرى الحديث : نزار الفراوي: أكدت السيدة بهيجة سيمو، مديرة مديرية الوثائق الملكية، أن المعرض المتجول الذي سيحتضنه متحف اللوفر بباريس ومتحف محمد السادس بالرباط، حول “المغرب الوسيط إمبراطورية ممتدة من إفريقيا إلى إسبانيا”، يشكل فرصة لإبراز المعالم التاريخية وعراقة الدولة المغربية واستمرارية وحدتها الترابية والسياسية وإشعاعها الحضاري، كما يبين الروافد الثقافية التي نهلت منها هذه الحضارة في تلاقحها مع محيطها الإقليمي والدولي بالتأثير أحيانا والتأثر أحيانا أخرى.
وقالت سيمو، المندوبة العامة للمعرض، عن المغرب، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذا المشروع الثقافي غير المسبوق، بقدر ما يسمح للزائر الأجنبي بالاطلاع على صفحات مشرقة من تاريخ المغرب ويعينه على الفهم الجيد لحاضره، فإنه يشكل للمغاربة أيضا فرصة سانحة للعناية بتراثهم وإيلائه الاهتمام اللازم والعمل على ترميمه والحرص على صيانته وحفظه. كما سيمكن المغرب، من جهة أخرى، من الانخراط في تطوير مجال التحافة لتربية الأجيال على تذوق الفنون وعلى ثقافة المتاحف حفظا للذاكرة التاريخية والهوية الوطنية.

وسجلت أن هذا المعرض، الذي تنظمه المؤسسة الوطنية للمتاحف ومتحف اللوفر، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ورئيس الجمهورية الفرنسية، بباريس من 17 أكتوبر 2014 إلى 19 يناير 2015، وبمتحف محمد السادس بالرباط من 2 مارس إلى فاتح يونيو 2015، يستجيب للتوجهات السامية لصاحب الجلالة الرامية إلى تطوير الثقافة كرافعة للتنمية وعامل من عوامل اقتسام المعارف وتقريب الشعوب والأمم فيما بينها.

وذكرت بأن الرعاية الملكية السامية التي خص بها جلالته مجال المعرفة والثقافة “لتشهد على ما يوليه جلالته من اهتمام للتراث المغربي بشكل خاص وللفنون الإسلامية بشكل عام. فمنذ تربع جلالته على عرش أسلافه الميامين لم يأل جهدا في التأسيس لثقافة مغربية تقوم على السخاء والتسامح والانفتاح واقتسام المعارف”. والواقع أن هذه القيم، تضيف السيدة سيمو، تجد بالفعل تجسيدا لها في هذا النوع من التظاهرات ذات الصبغة الثقافية والكونية.

وأضافت أن المبادرة تندرج ضمن الإنجازات الملكية التي تهم صيانة التراث المكتوب والمنقول مساهمة في حفظ الذاكرة المغربية، حيث فتحت المكتبة الوطنية للمملكة أبوابها، وكذا الأرشيف الوطني، كما عرفت مديرية الوثائق الملكية تنظيما جديدا محكما على عهد جلالته، وأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، ومتحف محمد السادس الوطني للفنون المعاصرة، وغيرها من المنشآت الثقافية.

وعن اختيار هذه المرحلة المتعلقة بتاريخ المغرب الوسيط كموضوع لهذا المعرض، توضح السيدة سيمو أن الأمر نابع من الوعي بأهمية الفترة بالنسبة لتاريخ المغرب ككل، حيث تمكن المولى إدريس الأول من تأسيس دولة مستقلة عن مركز الخلافة بالمشرق.

وتواصل منذ ذلك الوقت صرح البناء على الصعيد المؤسساتي والمذهبي والعقائدي، قبل أن يتكرس هذا التوجه مع إقامة دولة مركزية مع المرابطين وحدت مجموع التراب وجعلت من المذهب المالكي المذهب الرسمي للدولة. وقد تعزز البناء الحضاري المغربي ببسط نفوذ الموحدين على كل بلاد المغارب من طنجة إلى برقة ومن تخوم بلاد السودان إلى الأندلس.

وبعد نهاية الموحدين، تضيف المندوبة العامة للمعرض، انقسم المجال السياسي إلى ثلاث دول : الدولة الحفصية بإفريقية، والزيانية بالمغرب الأوسط، والمرينية بالمغرب الأقصى. وقد عملت هذه الدولة الأخيرة على ترسيخ دعائم الحكم بالمغرب المتمثلة في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني. وهو الصرح الذي قامت عليه الهوية المغربية وشكل عماد خصوصيتها إلى اليوم.

وأبرزت السيدة بهيجة سيمو أن التركيز وقع في هذا المعرض على التاريخ الوسيط لفهم الحاضر المغربي في امتداداته الإفريقية وخصوصية الهوية المغربية، ومن هنا تأتي أهمية اختيار هذه المرحلة لأن الاطلاع عليها يعد مفتاحا لفهم جيد للمراحل اللاحقة التي عرفها المغرب كدولة عريقة ضاربة جذورها في التاريخ.

من جهة ثانية، لفتت الانتباه إلى أن المغرب كان في هذه الفترة وسيطا تجاريا بين إفريقيا جنوب الصحراء وأوروبا اللاتينية، وشكل قبلة للتجار الأوروبيين الذين استقروا بالموانئ وببعض المدن الداخلية نتيجة اتفاقيات ومعاهدات وقعها سلاطين المغرب مع بعض الدول الأوروبية كقشتالة والدويلات الإيطالية وغيرها، ما أدى إلى تلاقح في الأفكار وتبادل للمعارف وانتقال للعلوم عن طريق الترجمة. وقد بصم هذا التلاقح العمران واللغات والعلوم وجميع الإنتاج الفكري والفني والتقني ببصمات خاصة.

معرض من هذا النوع يضطلع بدور بيداغوجي، حسب السيدة سيمو، لأنه يدعو الزائر الأجنبي لتكوين رؤية صحيحة على هذه المرحلة من تاريخ المغرب. فمن الناحية السياسية، يبرز المعرض عراقة المغرب كدولة ترتكز على هوية سياسية ابتدأت منذ العهد الإدريسي إلى اليوم، وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال مجموعة من الخرائط واللقى الأركيولوجية التي تؤكد أن وحدته الترابية ضاربة في التاريخ.

كما أن هذا المعرض يبرز مكانة المغرب كوسيط تجاري ما بين إفريقيا جنوب الصحراء والغرب اللاتيني، ويبين كيف كان هذا النشاط يسمح بتبادل السلع وتلاقح الأفكار والحضارات، حيث يتضح أن المغرب كان ولا يزال ملتقى للحضارات، تجتمع فيه روافد ثقافية عديدة إفريقية وعربية مشرقية وأندلسية ومغاربية وعبرية وأمازيغية، وهو ما تجسد في الدستور الجديد للمملكة بشكل واضح.

ومن الناحية الفكرية، يبرز المعرض المغرب كمنارة علمية أنتجت العديد من المؤلفات في مجالات علمية مختلفة كالطب والصيدلة والفلاحة والفلك والرياضيات وغيرها في زمن كانت فيه العلوم تتحدث باللغة العربية، وكان فيه العالم اليهودي إلى جانب المسيحي والمسلم يشاركون جميعا في صنع هذا العهد المعروف بالعهد الذهبي.

كما يتضح من خلال هذا المعرض أن المغرب كان منطلقا لنشر التصوف في اتجاه المشرق وإفريقيا جنوب الصحراء وهو التوجه الذي لا يزال المغرب يعيش تحت نفحاته كدولة تعتمد الوسطية في الدين. ومن هذا المنطلق، تشدد السيدة سيمو على أن المتلقي لهذه الخطابات التي حاول المعرض أن يمررها لا بد أن تتبدد في ذهنه تلك الأفكار المتراكمة والأحكام المسبقة التي تكونت لدى البعض بوعي أو بدون وعي.

وعن التصور الفني والبيداغوجي الذي أطر المعرض المتجول، أوضحت المندوبة أنه تم انتقاء المعروضات وفق تصور مضبوط ومحكم يحدد محاور المعرض، ذلك أن تنظيم مثل هذا النوع من التظاهرات يعتبر ممارسة لكتابة التاريخ بشكل آخر، حيث تصبح معه التحفة هي الأساس، ويغدو النص المحرر تكملة وتوضيحا لها. ومن ثمة، كان من معايير انتقاء هذه التحف ضرورة احترام الحقبة التاريخية المحددة وانسجامها مع محاور المعرض، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار لقيمتها التاريخية ولجماليتها.

ولإنجاح هذه المهمة، أوكلت المندوبية العامة للمعرض بالمغرب، عملية انتقاء التحف إلى ثلاثة لجان : اهتمت الأولى بانتقاء المخطوطات، والثانية باختيار اللقى الأركيولوجية في حين انكبت الثالثة على انتقاء التحف المتحفية. فأمكن لهذه العملية أن تتم في تناسق وانسجام تام بين محافظي المتاحف والباحثين في الأركيولوجيا والمؤرخين. وبعد مرحلة الانتقاء، انصب الاهتمام على كتابة النصوص والتعاريف التوضيحية في صيغتيها الفرنسية والعربيةـ بمشاركة ثلة من الأكاديميين المتخصصين، فرنسيين ومغاربة.

أما فيما يخص الترتيبات التقنية، فأشارت السيدة سيمو إلى أنها شملت تنظيف التحف وتقويمها، بإشراف مختصين فرنسيين في كل مادة من مواد المعروضات سواء تعلق الأمر بالخشب أو الفخار، بينما تكفلت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط بترميم المخطوطات، ما أتاح إمكانية تقييم الحالة التي يوجد عليها تراث المغرب الوسيط، وإنجاز تقارير علمية في الموضوع.

وقد مكن هذا العمل المشترك مع هؤلاء المختصين من تمرير المعارف والخبرات بين الحرفيين المغاربة ذوي التجارب والمهنية، والمرممين الفرنسيين الحاصلين على تكوين أكاديمي في الموضوع. كما استفاد منه كذلك الأركيولوجيون والمؤرخون المغاربة والأجانب، وسمح بفتح نقاش علمي واسع حول ترميم هذا التراث مستقبلا وفق مقاييس علمية محكمة.

وبعد تلفيف التحف من قبل شركة متخصصة تم نقلها من أماكنها الأصلية إلى الرباط في مرحلة أولى ثم تكفلت القوات المسلحة الملكية في مرحلة ثانية بنقلها بواسطة طائرة خاصة من الرباط إلى باريس.
وذكرت السيدة سيمو بأن مجموعة من المؤسسات المغربية شاركت أيضا، وبكل حماس، في هذه العملية إلى جانب المؤسسة المغربية للمتاحف.

ويتعلق الأمر بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وزارة الثقافة، وزارة الداخلية، والقوات المسلحة الملكية والوقاية المدنية، والأمن الوطني.

ولعل المعرض لن يكون المبادرة الوحيدة من نوعها، إذ تؤكد المندوبة العامة أن غنى التراث المغربي في العصر الوسيط يشجع على تنظيم معارض مشابهة لتسليط مزيد من الضوء على مراحل لاحقة من تاريخ المغرب الزاخر بالعطاء في علاقته بعمقه الإفريقي والعربي أو امتداده التاريخي في الأندلس وإسهامه في حضارة الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط.

حدث كم/عن ماب

صورة  مركبة من الارشيف

.

التعليقات مغلقة.