البرلمان في 2016: سباق اللحظات الأخيرة لتدارك الزمن التشريعي الضائع – حدث كم

البرلمان في 2016: سباق اللحظات الأخيرة لتدارك الزمن التشريعي الضائع

تميزت سنة 2016 في فصولها المتعلقة بالحياة البرلمانية، بوتيرة عمل مهمة تحكم فيها هاجس المصادقة على أكبر عدد من النصوص ،لتدارك الزمن التشريعي الضائع الذي تراكم طيلة الولاية التشريعية الممتدة من 2011 إلى 2016.
لقد عرفت سنة 2016 باعتبارها السنة التي كان من المفروض أن تتم خلالها المصادقة على ما تبقى من النصوص التشريعية التنظيمية المرتبطة بتنزيل دستور 2011 ، مجموعة من الإكراهات حالت دون إغناء الحصيلة التشريعية التي تأثرت بهيمنة الجدل السياسي على الإنتاج التشريعيى، والذي اتخذ أحيانا كثيرة طابع الصراع بين الأغلبية والمعارضة نجم عنه تعطيل آليات الاشتغال في العديد من المحطات.
وعلى الرغم من النتائج السلبية لهدر الزمن التشريعي خلال الولاية التشريعية والناجم بصفة خاصة عن ما عانته الأغلبية الحكومية جراء تفككها في سنة 2012 عقب خروج حزب الاستقلال من الحكومة وما تبع ذلك من ملاسنات حادة بين الفرقاء السياسيين ، أو بسبب نتائج الانتخابات الجماعية لسنة 2015 وانتخابات رئاسة مجلس المستشارين والتي كانت لها تداعيات على وتيرة الاشتغال قلصت شيئا ما من فرص إغناء الرصيد التشريعي ، فإن سنة 2016 عرفت وتيرة عمل مهمة ما أدى إلى المصادقة على مجموعة من النصوص المؤسسة سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو ما يتعلق بالحقوق والحريات ومجالات أخرى إعلامية واجتماعية واقتصادية وثقافية.
وفي قراءة استيعادية لأهم المحطات التي ميزت عمل المؤسسسة التشريعية خلال هذه السنة ، لا بد من الوقوف عند القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية الذي يندرج في إطار المبادرات التشريعية الهادفة إلى تنزيل مقتضيات الدستور، لاسيما تلك المتعلقة بالقوانين التنظيمية.
وقد حرص جلالة الملك كما أكد على ذلك السيد ادريس الضحاك الأمين العام للحكومة خلال التقديم على أن يخرج هذا النص على شكل قانون تنظيمي يعرض على أنظار المؤسسة التشريعية، خلافا لما عرفته الدساتير السابقة عندما كان يتم نشره بظهير شريف.
ويحدد هذا المشروع ، جملة من المقتضيات التي تؤطر عمل مجلس الوصاية “من أجل ضمان استمرارية الدولة واستمرارية نظام الحكم وفق آليات دستورية محددة في الحالة التي يكون فيها جلالة الملك غير بالغ لسن الرشد، وكذا في السنتين اللتين تلي هذا السن من عمره، أي من الثامنة عشرة إلى العشرين سنة”.
ويأتي إقرار الدستور لهذه الآلية المؤسسية المتمثلة في مجلس الوصاية ل ” ضمان ترسيخ القواعد الدستورية التي تنظم المؤسسة الملكية التي تشكل أحد ثوابت النظام الدستوري المغربي، إلى جانب الدين الإسلامي والوحدة الترابية والاختيار الديمقراطي والحفاظ على ما حققه المغرب من مكتسبات في مجال الحقوق والحريات”.
وفي مجال العدل والحريات الذي يكتسي أهمية كبيرة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تمت المصادقة بالخصوص على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة واللذين تم إعدادهما حسب مصطفى الرميد وزير العدل والحريات استنادا إلى توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة وكذا إلى المواثيق الدولية المرجعية والقوانين المقارنة، فضلا عن إشراك المهنيين والجمعيات المهنية وبعض المؤسسات الوطنية.
وعلى الرغم من بعض النقائص التي أثيرت خلال النقاشات التي عرفها مجلس النواب والمستشارين حول المشروعين فإنه تم التأكيد على أن هذين النصين “جد متقدمان” ويشكلان ركائز لبناء الدولة والمجتمع، وأنهما جاءا ليؤسسا مدخلا لتوطيد السلطة القضائية وجعل القضاء سلطة مستقلة، فضلا عن كونهما سيمثلان عاملين أساسيين في تحسين مناخ الاستثمار والأعمال. البرلمان في 2016
ولتنظيم المجال الإعلامي، فقد تميزت السنة التي ستطوي آخر صفحاتها بعد ايام قليلة، بالمصادقة على مجموعة من القوانين التي تندرج في إطار مدونة الصحافة والنشر وبصفة خاصة مشروع قانون الصحافة والنشر ومشروع قانون المجلس الوطني للصحافة ومشروع القانون المتعلق بالصحافيين المهنيين.
وجاءت هذه الترسانة القانونية وبصفة خاصة قانون الصحافة والنشر بمكتسبات كان قد أوجزها وزير الاتصال السابق مصطفى الخلفي في “إلغاء العقوبات الحبسية وتعويضها بغرامات مالية، وتحقيق الاعتراف القانوني بحرية الصحافة الإلكترونية وإرساء الحماية القضائية لسرية المصادر، وضمان الحق في الحصول على المعلومات وفقا للقانون” وفي “الحماية القضائية لحرية الصحافة وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة في قضايا النشر، وجعل الاختصاص المتعلق بحجز الصحف أو حجب المواقع الإخبارية الإلكترونية قضائيا “.
ورغم ما حمله مشروع القانون المصادق عليه من تطور ايجابي، الا أن اوساط المهنيين أبدت مخاوفها من ثغرات تضمنها المشروع، وتأويلات لعبارات فضفاضة تضمنه.
ومن بين اللحظات التي عرفت شدا وجذبا بين الفرقاء السياسيين وساهمت في تعطيل الحياة التشريعية لمدة معينة تلك التي تم خلالها المصادقة على مشروعي قانون المتعلقين بالأحزاب السياسية وبمجلس النواب وبصفة خاصة ما يرتبط بتخفيض العتبة من 6 الى 3 في المائة إلى 3 في المائة وفق ما هو مقترح في مشروع القانون التنظيمي القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب حيث كانت النقاشات منقسمة بين من يرى أن هذا التخفيض سيؤدي الى البلقنة ومن يؤكد أنه ضامن للتعددية الحزبية ولحق الأحزاب الصغيرة في التواجد بالمؤسسات التمثيلية.
كما أن اللائحة الوطنية للشباب والنساء قد استأثرت بنقاش كبير انقسم بين فريق يرى انه ريع انتخابي وبين آخر يرى أنه ضامن لتمثيلية النساء في البرلمان ولتجديد النخب.
وعرفت سنة 2016 وفي إطار تعزيز حضور النساء في مواقع القرار المصادقة بمجلس النواب على مشروع قانون يتعلق بهيأة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز والذي إن لم يرق ،برأي الفعاليات النسائية ، إلى مستوى الطموحات فإن من شأن المصادقة على هذا النص المساهمة -حسب ما أكدت على ذلك بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية – الإسهام في تنمية قدرات كل الفاعلين في القطاعين العام والخاص من خلال إثراء النقاش العمومي، وتقديم مختلف أشكال المساعدة التقنية اللازمة للسلطات العمومية والفاعلين في القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق مبدأي المساواة والمناصفة وعدم التمييز.
ومن ضمن المحطات التي ستبقى شاهدة على أن سنة 2016 شكلت سنة ولادة عسيرة لعدد من النصوص ، تلك المحطة المرتبطة بالمصادقة على مشاريع قوانين التقاعد والتي عرفت نقاشا حادا امتد إلى درجة مقاطعة المعارضة لجلسات اللجان بمجلس المستشارين لمدة طويلة بسبب ما اعتبرته تراجعات عن الحقوق المكتسبة سمتها النقابات ب “الثالوث الملعون” المتمثل في الرفع من سن الإحالة على التقاعد، والرفع من نسبة مساهمة الأجراء، وتقليص المعاشات في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تؤكد على أن الإصلاح رغم قسوته فهو ضروري بالنظر للإفلاس الذي يتهدد العديد من الصناديق.
ولا يمكن الحديث عن الحصيلة التشريعية لسنة 2016 دون التذكير بمصادقة مجلس النواب على مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء إضافة إلى مصادقة البرلمان بغرفتيه على مشروع قانون تحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين والذي يعتبر إطارا مهما وأساسيا للحد من ظواهر مشينة لا مكان لها في زمن تساوي الحقوق والفرص والحق في حياة كريمة.
ومن جملة مشاريع القوانين التنظيمية المصادق عليها من قبل البرلمان بغرفتيه ،مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع، وبشروط وكيفيات ممارسة تقديم العرائض إلى السلطات العمومية.
وعلى الرغم من إكراهات ضغط الوقت ، فإن المؤسسة البرلمانية قد ودعت سنة 2016 وفي حصيلتها مجموعة مهمة من مشاريع القوانين المصادق عليها إما من قبل مجلس النواب أو من طرف البرلمان بغرفتيه، ومنها مشروع قانون المتعلق بتعديل القانون المتعلق بالسمعي البصري، ومشروع قانون الحق في الحصول على المعلومة، ومشروع زجر الغش في الامتحانات ومشروع قانون مراجعة مدونة السير إلى جانب نصوص أخرى أغنت الرصيد التشريعية للبرلمان الذي لا زالت بذمته نصوصا تنظيمية مهمة غير مصادق والتي تهم مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ومشروع قانون تنظيمي يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ومشروع قانون تنظيمي يتعلق بتحديد شروط وكيفية ممارسة حق الإضراب، والتي صادق عليها المجلس الوزاري بعد إسدال الستار على الدورة البرلمانية لسنة 2016 .

و.م.ع/حدث كم

 

التعليقات مغلقة.