شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها نائب الرئيس الهندي السيد محمد حامد أنصاري إلى المغرب في الفترة ما بين 30 ماي وفاتح يونيو المنصرمين، بكل تأكيد، الحدث الرئيسي الذي طبع العلاقات التي تجمع الرباط ونيودلهي خلال سنة 2016.
وشكلت زيارة السيد أنصاري للمملكة، التي تجمعها بالهند روابط تاريخية ترجع إلى القرن الـ 14 حين توجه الرحالة المغربي ابن بطوطة إلى هذا البلد وأقام فيه عقدا من الزمن، خطوة إضافية لتوطيد هذه الروابط، وبمثابة دفعة جديدة للعلاقات الثنائية التي تشهد تطورا ملحوظا في عدد من المجالات.
كما جاءت هذه الزيارة لتكريس جودة ومتانة العلاقات التي نسجها المغرب والهند، مع تطلع قوي من الجانبين نحو الرقي بها إلى مستوى شراكة استراتيجية، من أجل مواصلة استكشاف آفاق جديدة للشراكة والتعاون بين البلدين الصديقين.
وفي هذا الصدد، أكد الصحفي الهندي رودرونيل غوش، في مقال رأي على الموقع الإلكتروني لصحيفة (ذا تايمز أوف إنديا)، أن الزيارة شكلت مناسبة مهمة لإرساء أرضية متينة لشراكة استراتيجية بين البلدين بأبعاد مستقبلية، وذلك انسجاما مع تأكيد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطابه أمام قمة “المغرب- مجلس التعاون الخليجي” بالرياض، أن المغرب يتطلع إلى إطلاق شراكة استراتيجية مع الهند والصين.
وأضاف غوش أن زيارة نائب الرئيس الهندي للمغرب تبرز كعنصر حيوي في إطار الروابط الجديدة بين نيودلهي والرباط، ارتكازا على مبدأ رابح- رابح، معتبرة أن العلاقات بين الهند والمغرب ينبغي أن تشكل محورا حيويا بالنسبة لامتداد نيودلهي في القارة السمراء، لا سيما في منطقتي الصحراء والساحل. وخلال هذه الزيارة، أجرى السيد أنصاري مباحثات ثنائية مع رئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران، تمحورت حول سبل تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، حيث أكد الجانبان على جودة علاقات الصداقة الطيبة التي تجمع بين البلدين وعلى أوجه التقارب العديدة التاريخية والثقافية والاجتماعية بين الشعبين المغربي والهندي.
كما سجل الطرفان الدفعة القوية التي عرفتها العلاقات الثنائية على إثر الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الهند للمشاركة في أعمال القمة الثالثة لمنتدى “الهند – إفريقيا” المنعقدة بالعاصمة نيودلهي في أكتوبر 2015، والتي توجت بقرارات وتوصيات هامة من شأنها الدفع قدما بالعلاقات الثنائية المغربية-الهندية وبالشراكة الهندية-الإفريقية على حد سواء.
وأكد الجانبان، في هذا الإطار، على ضرورة مواصلة العمل على بلورة التوجهات الهامة التي تمخضت عن هذه الزيارة، في إطار برامج ملموسة لتوسيع وتعزيز الشراكة في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة عبر تكوين فرق عمل موضوعاتية تسهر على بلورة خارطة طريق من أجل ارساء شراكة استراتيجية مغربية هندية متعددة الأبعاد في المستقبل القريب.
وأبرز أنصاري، خلال مؤتمر صحفي عقب تلك المباحثات، أن المغرب يساهم في تحقيق الأمن الغذائي للهند من خلال إمداده بالفوسفاط ومشتقاته، مضيفا “لقد أكدنا على ضرورة تعزيز التعاون الحالي وتحديد مجالات جديدة للتعاون من قبيل تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وتدبير الموارد المائية والتكوين المهني”.
وقد شكل هذا الاجتماع أيضا بالنسبة للمسؤول الهندي، فرصة لبحث القضايا الدولية والاقليمية ذات الاهتمام المشترك، مبرزا أن المغرب هو شريك موثوق به في العديد من القضايا، ومعربا عن تقديره لدعم المملكة ترشيح بلاده لتمديد ولايتها في مجلس الأمن الدولي.
وشهدت هذه الزيارة توقيع المغرب والهند على برنامج للتبادل الثقافي لسنوات 2016-2019، ومذكرة تفاهم في مجال التعاون الدبلوماسي والموارد المائية والبث التلفزيوني والتعاون المؤسساتي، في إطار الانفتاح على آفاق جديدة لتعزيز التعاون الثنائي.
كما تم، بهذه المناسبة، إحداث غرفة مغربية هندية للتجارة والصناعة كبنية موجهة للنهوض بالعلاقات الاقتصادية وتشجيع وتطوير الاستثمارات والمبادلات التجارية بين البلدين.
من جهة أخرى، قام الوفد الهندي برئاسة السيد أنصاري بزيارة لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وذلك للاطلاع على التجربة المغربية في مجال تدبير الشأن الديني، أبدى خلالها إعجابه بالعمل الذي يقوم به المعهد، كأداة من أدوات المقاربة التي أطلقها أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس في مجال تنظيم الشأن الديني، منوهين بالمجهودات التي تبذلها هذه المؤسسة في تأهيل الحقل الديني وتحصينه من نزعات التطرف.
وبرأي عدد من المراقبين، فإن العلاقات الاستراتيجية التي نسجها المغرب مع البلدان الإفريقية يمكن أن تفتح الباب أمام الهند للوصول إلى هذه المنطقة من العالم، لاسيما وأن المملكة أضحت أكبر مستثمر في منطقة غرب إفريقيا وثاني أكبر مستثمر على مستوى القارة كلها.
حدث كم/ماب
التعليقات مغلقة.