“المعارضة” و”المجلس الدستوري” – حدث كم

“المعارضة” و”المجلس الدستوري”

من واجب المعارضة السياسية أن تقوم بدورها في تطوير التشريعات، لتكون في مستوى عال من الجودة والتماسك والانسجام مع روح الدستور.

ومن حق أي مسؤول سياسي في حزب معارض، أن تكون له وجهة نظر في مسودات القوانين المتعلقة بالجهوية، ومن حقه أن يرفض القراءة التجزيئية للفصل 146 ومن الدستور، هذه القراءة التي دشنتها الحكومة السابقة مع القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، ، وقد أقرها المجلس الدستوري في القرار الذي حمل رقم 821.11، واعتبر منح المشرع الأولوية للجوانب المتعلقة بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، بموجب هذا القانون التنظيمي، ليس فيه ما خالف الدستور.

آنذاك لم نقرأ اي انتقاد للمجلس الدستوري على هذا الاجتهاد، طبعا لأن المعارضة الحالية كانت جزءا من الحكومة.

لكن أن تصل درجة الحماسة بمسؤول حزبي، إلى احتقار مؤسسة دستورية تعتبر من أعمدة دولة القانون في أي تجربة ديمقراطية، فهنا ينبغي أن ننبه إلى خطورة مثل هذا الانزلاق.

انتبهوا إلى ما قاله أحد قادة حزب القوات الشعبية، في معرض رده على اقتراح اللجوء إلى المجلس الدستوري للنظر في مدى دستورية القوانين التي لا تروقه، قال بملء فمه :” لا تطلبوا مني اللجوء إلى المجلس الدستوري، ومن لجأ إليه فهو حمار” ! نعم، والله لقد قالها .. وزاد فقال كلاما خطيرا ينتقص من المؤهلات القانونية لأعضاء المجلس الدستوري.

لم أصدق عيني وأذني وأعدت الاستماع إلى الفديو عدة مرات.

هذا كلام موثق بالصوت والصورة، تناقلته العديد من الصحف والمواقع الالكترونية، وهو موقف خطير تجاه مؤسسة دستورية محترمة، أوكل إليها المشرع مهمة النظر في مدى مطابقة القوانين والاتفاقيات الدولية، التي صادق عليها البرلمان، لأحكتام الدستور، والنظر في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء، بالإضافة إلى مهمة فحص القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها، والأنظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها للنظر في مدى مطابقتها للدستور.

ولأن القضاء الدستوري يحتل المكانة في البناء الديمقراطي لدولة المؤسسات، فإن قراراته لا تقبل أي طريق من طرق الطعن، وهي ملزمة لكل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية.

طبعا، من حق الفقه المتخصص أن ينتقد قرارات المجلس الدستوري بالأدلة والبراهين المقنعة، لكن أن يحمل أحدهم معوله ويشرع في هدم أحد أعمدة دولة القانون بكل ما أوتي من جهالة، ويصف كل من لجأ إليه بأقبح النعوت، فهذا موقف غير مقبول ولا ينبغي أن نبقى إزاء من الصامتين.

إن درجة التدهور الذي أصاب الخطاب السياسي لبعض الأحزاب أضحت تسائلنا جميعا، ومن واجبنا التنبيه إلى ضرورة الرقي بالخطاب السياسي إلى مستوى يغري الفئات الشعبية بمتابعة الشأن العام والمشاركة فيه.

مسؤولية النخب السياسة مسؤولة حاسمة في مصالحة المواطن مع الساسة، ومصالحته مع المؤسسات، ومبتدأ هذه المصالحة هو تأهيل النخب الساسة وتدريبها على احترام قواعد دولة الحق والقانون.

 

التعليقات مغلقة.