تحولت لفظة “صعلوك” في الدارجة المغربية إلى “بعلوك” أو “برهوش”، وينعت بها كل من يتعامل بسلوك غير ناضج. أما “الصعلكة” في اللغة فتعني التشرد والتسكع، وقد اتسعت لتشمل مفهوم اللصوصية والسلب.
لكن العرب كسوها بمفهوم غير قدحي، في مرحلة من مراحل العصر الجاهلي، حين أطلقت على جماعة من اللصوص الشرفاء والثوريين، كانوا يقطعون الطريق، ويسلبون مال الأغنياء ليوزعوه على الفقراء.
ولعل هذا المفهوم الاشتراكي للثروة، يشبه إلى حد بعيد تلك المطالب التي ننادي بتحقيقها اليوم، كالتوزيع العادل للثروة، والإنصاف والمساواة في المعاملة وحماية الحقوق.
والتوزيع العادل للثروة ن لا يعني بالضرورة أخذ مال الغني وإعطاءه للفقير، بل هو إتاحة الفرصة للفقير وللفئات المتوسطة، كي يستفيد الجميع من نفس الفرص المتاحة، بعيدا عن الاحتكار والاستغلال والزبونية، في الولوج إلى الفرص المتاحة.
ومن أشهر الشعراء “الصعاليك” عروة بن الورد، الذي تمنى معاوية بن أبي سفيان لو عاصره كي يصاهره، وقال عنه عبد الملك بن مروان:” من قال إن حاتما أسمح الناس”، فقد ظلم عروة بن الورد”.
ومن أشهر الأبيات التي رددها التاريخ وراء عروة بن الورد :” أفرق جسمي في جسوم كثيرة ***وأحسوا قراح الماء والماء البارد”.
هؤلاء كانوا لصوصا شرفاء وظرفاء ووطنيين، فهل يجود الزمان بأمثالهم اليوم؟ وهل يرق قلب واحد من مهرب أموال البلاد إلى الخارج، وتأخذه الشفقة على حالها ووضعها الاقتصادي، فيسارع إلى إرجاع هذه الأموال إلى الوطن، كي يستفيد منها هو أولا، ويستفيد منها وطنه بعد ذلك؟
وهل يرق قلب من نهبوا وسرقوا وعاتوا فسادا في أموال الدولة، وبإدارتها وكاتبها، وشركاتها الوطنية وأبناكها، ووكالاتها وصناديقها العمومية، وجماعاتها المحلية، فيتحرك ضميرهم، ويتوبوا الله والوطن، وهما غفوران رحيمان؟
لقد قرأت أن لصا في الولايات المتحدة سرق كاميرا من سيارة، فأعادها بسرعة وهو يبكي ويندب وجهه، بعد أن عرف أن صاحبتها مريضة بالسرطان، وأنها تقوم بأخذ صور لنفسها بهذه الكاميرا، ليتذكرها أطفالها الصغار بعد وفاتها، ولتوجههم في تربيتهم ومعاملاتهم المستقبلية. وفي أستراليا، قام لص بسرقة سيارة، لكنه سرعان ما أعادها بعد سماعه بكاء طفل مفزوع بداخلها. وقد غضب اللص كثيرا من والدي الطفل، حين وجدهما مذعورين يبحثان عن السيارة؟ وصرخ في وجههما:” كيف تتركان طفلا صغيرا لوحده في السيارة، والله ما رأيت أبوين أقسى منكما على الأبناء وعلى اللصوص مثلي”، وغادر المكان مهرولا.
وفي ألمانيا، قام لص بسرقة سيارة مفتوحة النوافذ، وكانت غنيمته عبارة عن هاتف جوال، وعندما فتح اللص الهاتف الجوال وجد به صورا تظهر صاحب الهاتف وهو يتحرش بأطفال صغار، فثارت ثائرته، وتحركت وطنيته، فسلم نفسه للشرطة التي ألقت القبض على صاحب الهاتف لتحقق معه، وأدى السارق غرامة صغيرة، بينما أودع صاحب الهاتف السجن.
إذن، هناك لصوص ترق قلوبهم وتلين في بعض المواقف، وبالتالي فمن حقي أن أتوسم خيرا في لصوص بلادي، فقد يظهر فيهم كريم أو رحيم أو أصحاب آنفة وعزة وكبرياء، فيعلنوا في لحظة من اللحظات عن عزمهم الدخول في صلح مع ضمائرهم وأوطانهم، خاصة أن معدل النمو في وطنهم لم يتعد 2.3 في المائة،وهي نسبة غير كافية لهذا الوطن لتقوم له قائمة في مجال التنمية والتقدم إلى الأمام. أتراني أحلم أم ماذا؟ فو الله ما أنا أحلم، فالمركب الذي نمتطيه جميعا عليه أن يشق عباب البحر، وينجح في ذلك، قبل أن تنقلب عليه المياه فلا تنفع حسرة ولا عويل.
لا نريد أبدا لأحوال سفينتنا أن يصح عليها قول مجموعة “المشاهب” حين غنت في السبعينات:”السايق تالف، والراكب خايف، وسفينتنا تحت الماء عوامة، وجميل بابا في الكلام أغياث…”.
وللسرقة حكايات أخرى في برلماننا العجيب، ومنها يحكيه محمد بنيس في مذكراته حول البرلمان، فأثناء عودة أحد البرلمانيين من مهمة في الخارج، سرق منديلا من داخل الطائرة التي كانت تقله إلى المغرب، فأخبر الصحفي مصطفى العلوي – شافاه الله- السرقة وكتب ينبه زملاءه المحتملين في الحكومة بأن يحذروه ويخبئوا خواتمهم حين يريدون السلام عليه، وكان هذا المقال سببا في عدم استوزاره.
* الموضوع يؤرخ للحظة!
التعليقات مغلقة.