العلاقات المغربية التونسية.. زخم متواصل يتعزز باستمرار – حدث كم

العلاقات المغربية التونسية.. زخم متواصل يتعزز باستمرار

محمد حدادي(ومع):ظلت العلاقات المغربية التونسية وفية لزخمها المتواصل من خلال روابط متينة، تستمد قوتها من القواسم المشتركة المتعددة، وحرص القيادة في البلدين على تعزيز عراها العريقة.

وقد اختزلت برقية التهنئة التي بعث بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى السيد قيس سعيد بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية التونسية، عمق هذه العلاقات، حيث أكد جلالته عزمه القوي “على العمل سويا معكم من أجل تعزيز علاقات التعاون المتميزة القائمة بين بلدينا، والارتقاء بها إلى مستوى الروابط الأخوية المتينة التي تجمع شعبينا الشقيقين، بما يستجيب لتطلعاتهما إلى المزيد من التضامن والتكامل والتنمية المشتركة”.

وأشاد جلالة الملك في البرقية ذاتها بنجاح “الاستحقاق الرئاسي الذي بقدر ما يؤكد التزام الشعب التونسي الراسخ بمواصلة مساره الموفق نحو إرساء دولة الحق والقانون والمؤسسات، يعكس تلكم الثقة الغالية التي أولاكم إياها، تقديرا منه لما توسمه فيكم من غيرة وطنية صادقة وحرص شديد على خدمة مصالحه العليا”.

وشكل حضور وفد مغربي رفيع المستوى مثل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في حفل تنصيب الرئيس قيس سعيد، يتكون من رئيسي مجلسي النواب والمستشارين السيدان الحبيب المالكي وحكيم بنشماش، إحدى المحطات البارزة في درب تعزيز العلاقات الوطيدة بين البلدين، توقف المراقبون ووسائل الإعلام المحلية عند مغزاها مطولا وحظيت بإشادة واسعة.

ولقي حضور الوفد المغربي تقديرا كبيرا من قبل الرئيس التونسي المنتخب، لاسيما أن الوفد المغربي كان هو الوفد الوحيد الذي حضر حفل التنصيب على الصعيدين العربي والمغاربي.

وقد عبر الرئيس التونسي عن بالغ شكره وتقديره لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على مبادرة جلالته بإيفاد وفد رفيع المستوى للمشاركة في حفل تنصيبه رئيسا للجمهورية التونسية.

وأفاد بلاغ لرئاسة الجمهورية التونسية صدر على إثر استقبال الرئيس قيس سعيد، لرئيسي مجلسي النواب والمستشارين، بقصر قرطاج، بأن الرئيس التونسي أكد “عمق ومتانة الروابط التاريخية التي تجمع البلدين”، معربا عن “استعداد تونس الدائم لمزيد تعزيز علاقاتها مع المغرب من خلال إيجاد صيغ وتصورات جديدة للتعاون في كافة المجالات لمواجهة مختلف التحديات وتجسيم تطلعات الشعبين الشقيقين نحو مزيد من التعاون والتكامل والتضامن”.

وصرح السيد الحبيب المالكي في أعقاب ذلك الاستقبال، بأن “المغرب يغتنم هذه المناسبة، للتأكيد أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حريص ليس فقط على الحفاظ على جودة العلاقات المغربية التونسية من أجل المضي قدما، ولكن أيضا من أجل تعميق التقارب بين الشعبين”.

وقد شهد شهر يونيو المنصرم إحدى محطات التواصل المستمر بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرئيس التونسي قيس سعيد من خلال الرسالة الشفوية لجلالته التي نقلها السيد ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، والتي “تتعلق بالعلاقات الثنائية وتطويرها، وكذلك بالوضع الإقليمي والدولي”، وفق ما أفاد به بلاغ لرئاسة الجمهورية التونسية.

وقد سجل المراقبون والإعلام المحلي في تونس على الخصوص أن الرسالة الملكية تأتي في ظل زخم دبلوماسي جديد للعلاقات التونسية المغربية، وفي سياق إقليمي متحرك، وضمن مواصلة توطيد وتطوير العلاقات بين المملكة وتونس منذ أن تولى الرئيس قيس سعيد مقاليد البلاد.

وغني عن القول إن الزيارات المتبادلة بين وفود المسؤولين من مختلف القطاعات وكذا رجال الأعمال والمثقفين من البلدين خلال تظاهرات ولقاءات متعددة، شكلت بدورها لبنات في بناء صرح هذه العلاقات.

وقد ساهمت كل هذه العوامل في جعل العلاقات التونسية المغربية تشهد حركية مهمة، تميزت، فضلا عن تبادل الزيارات رفيعة المستوى، بتوقيع اتفاقيات وبروتوكولات تعاون شملت ميادين مختلفة، منها النقل البحري والتكوين المهني والتشغيل والشباب والتعليم العالي والشؤون الدينية والتصدير.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تعد المملكة الشريك الاقتصادي الثالث لتونس على المستوى المغاربي والعربى، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية في عام 2017 حوالي 830 مليون دينار تونسي (2.8 مليار درهم).

ولئن كان مستوى المبادلات التجارية لا يرقى إلى تطلعات البلدين وروابطهما السياسية كما عبر عن ذلك العديد من المسؤولين في البلدين خلال الزيارات المتبادلة، فثمة إرادة راسخة وقوية لتعزيز التكامل التجاري والاقتصادي بينهما في ظل القواسم المشتركة المتعددة ووجود رغبة أكيدة للاستفادة من تجارب البلدين.

ومن العوائق التي طالما أثارها الخبراء الاقتصاديون في اللقاءات الثنائية والمنتديات المتخصصة ما يتصل بضعف نطاق المبادلات التجارية، نظرا لتشابه عدد من الموارد والمؤهلات، وهو الأمر الذي جعل الجانب الأكبر من الصادرات التونسية نحو المغرب ينحصر في التمور والقليل من المنتجات الأخرى.

وفضلا عن ذلك فإن من بين الإشكاليات المطروحة بحسب الخبراء عدم وجود خط بحري مباشر بين البلدين، وعدم اتساع مجال عمل رجال الأعمال وهياكل الغرف التجارية ما يحول دون قيامها بدور أكبر في سبيل تقوية المبادلات حتى ترقى إلى مستوى العلاقات السياسية القائمة بين البلدين.

وتجدر الإشارة إلى أن نسبة المبادلات التجارية الثنائية بين المغرب وتونس تناهز 3 في المائة من مجموع مبادلات كلا البلدين مع الخارج. وتظل قيمة هذه المبادلات دون الهدف الذي حددته اللجنة العليا المشتركة في أفق 2020 وهو 500 مليون دولار.

وإذا كانت تونس تصدر انتاجها من التمور نحو 80 وجهة فإن المغرب يأتي في مقدمة تلك البلدان، حيث يستورد ربع الصادرات التونسية بكميات تتراوح بين 30 و35 ألف طن، (بحسب وزارة الفلاحة والموارد المائية التونسية)، متقدما بفارق كبير عن إسبانيا التي تأتي في المرتبة الثانية ضمن قائمة زبناء تونس (9500 طن) وتليها أسواق أخرى.

وما فتئ رجال الاقتصاد والمستثمرون من المغرب وتونس يؤكدون أن واقع المبادلات التجارية بين المغرب وتونس يحتم تثمين سبل التكامل الاقتصادي بينهما في العديد من الميادين والأسواق الواعدة، وكذا إنتاج أفكار مشتركة جديدة واستغلال الخبرات التي طورها البلدان في مجالات اقتصادية يمكنها أن تشكل مصدر غنى للتكامل بينهما لتجاوز حالة الجمود التي يشهدها المجال الإقليمي المغاربي.

وعلى الصعيد الثقافي تشكل الأيام المغربية بتونس التي تعقد بشكل منتظم، إحدى المحطات المهمة في انفتاح الثقافة المغربية على الجمهور التونسي من خلال مجموعة من الفقرات والمواعيد التي تجمع بين الموسيقى والسينما والمسرح وفن الطبخ والمحاضرات والموائد المستديرة.

ويتعزز هذا الحضور المغربي أيضا من خلال المشاركات المتميزة والمنتظمة للإبداعات المغربية سواء في أيام قرطاج السينمائية أو أيام قرطاج المسرحية، حيث تحرز الأعمال المغربية على جوائز مهمة وتترك انطباعا جيدا لدى الجمهور التونسي.

وينضاف إلى ذلك الحضور المستمر للرواق المغربي في دورات معرض تونس الدولي للكتاب الذي يتابعه بانتظام رواد حريصون على التعرف على جديد ثمرات المطابع المغربية والكتاب المغاربة في مختلف التخصصات العلمية والثقافية.

وترتبط وزارتا التعليم العالي والبحث العلمي في البلدين باتفاق يتعلق ببرنامج ابن خلدون الذي يهدف إلى تشبيك الجامعات وتشجيع حركية الطلبة، عن طريق مشاريع مشتركة بين الجامعات والطلبة والباحثين في البلدين، وخاصة في المجالات الموجهة نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

ويتعلق البرنامج بتمويل مشاريع للتعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، وإقامة شراكات طويلة المدى بين الجامعات ومؤسسات البحث العلمي وتشجيع التعاون متعدد الأطراف من خلال تأطير الخبراء وتكوين المكونين، وتبادل طلبة الدكتوراه والأساتذة والباحثين الشباب والإداريين، وكذا مشاريع البحث المشتركة والابتكار.

وتظل الزيارة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس لتونس في عام 2014، والتي امتدت لعدة أيام، محطة فارقة في العلاقات الثنائية، لاسيما أنها تمت في ظل ظروف خاصة كانت تعيشها تونس في تلك الفترة، حيث ستحتفظ أذهان التونسيين طويلا بذكرى تلك الزيارة العميقة المغزى، وبتجول جلالته التلقائي بين التونسيين بشوارع تونس العاصمة.

ح/م

التعليقات مغلقة.