مساندة المعتدين ظلم للضحايا وانتقاص من هيبة الدولة ومؤسساتها – حدث كم

مساندة المعتدين ظلم للضحايا وانتقاص من هيبة الدولة ومؤسساتها

+ د. رضوان غنيمي : إن من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الأنفس وصيانتها وحمايتها من أن يعتدى عليها بإزهاقها أو حتى ترويعها وإخافتها، لأجل ذلك جاءت التشريعات المتعددة لضمان المحافظة عليها، إلا أن ابتعاد الناس عن روح شريعتهم وتعاليم دينهم، وجراءتهم على انتهاك حرماته خلق في مجتمعاتنا ظواهر غريبة بسلوكات مرفوضة استحلت أموال الناس، واسترخصت دماءهم وأعراضهم فكثر اعتداء الناس على الناس، و رُوِّع الآمنون وتقوى المجرمون وقويت شوكتهم فتعددت وتنوعت بذلك أشكال الأذى والترويع وصنوف الاعتداء، حتى ظهر فينا من يتلذذ بقتل الطفولة واغتصاب البراءة، في وقت نقرأ فيه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ” لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق”

ليس الإسلام دينا نظريا ولا مبدأ فلسفيا بل هو واقع حياة ومشروع حضاري ظاهر في حياة الناس، لكننا ما زلنا للأسف لم نرق بعد إلى مستوى أن نضمن لأنفسنا حياة يأمن فيها بعضنا شر بعض، لم نستطع بعد أن نَحُدّ من مظاهر الإسفاف وسوء الأدب في شوارعنا، في أسواقنا، في أزقتنا، بل حتى في سلالم إقاماتنا، بل أصبح ترويع الآمنين واقعا نحاول التعايش معه كما نحاول التعايش مع وباء كورونا وكأنه ليس فينا رجل رشيد.

المصيبة أنه فينا الحكماء، ومنا خرج العظماء، وبلدنا يزخر بالعلماء الأتقياء لكنا غيبناهم عن حياتنا وابعدناهم عن مستجدات حياتنا، وحيث إن الطبيعة لا تقبل الفراغ فقد حل محلهم الدهماء وتغول الغوغاء، حتى أصبح صوت الحق خافتا، وطفقنا نعُدّ ضحايا الجهل والظلم والحسد والحقد…والرغبات المنحرفة المخالفة للفطرة السليمة المكبوتة بين أضلع أنفس مريضة يشقى بها مجتمعها.

لم يكن يتصور أجدادنا أن يوجد بينهم من قد يصل به الأمر إلى اغتصاب طفولة بريئة بدم بارد كما أصبحنا نسمع ونرى، لكن لاشك أن لهذه الانتكاسة القيمية والأخلاقية التي أصبحنا نعيشها سوابق ولواحق من الضروري التنبه لها قبل أن يسيطر علينا مبدأ ” إذا مت عطشانا فلا نزل القطر”

لأجل ذلك نقول إن استشهاد عدنان هو في الحقيقة استشهاد قيم بلد بأكمله، وموته هو موت ضمير مجتمع بأسره، مادام هذا المجتمع لا ينكر منكرا ولا يعرف معروفا، ومالم يَلْقَ الجاني فيه ما يستحق من العقاب الرادع الذي من شأنه أن يعيد لمنظومة العدل والأمن هيبتهما، لأن موته في الحقيقة ضياع لهيبة الدولة بمؤسساتها، ودعوة لضرورة مراجعة السياسة الجنائية فيها.

ولعل استنكار أمير المؤمنين شناعة هذا الفعل في رسالة التعزية إلى أهله إشارة قوية إلى الحزم الذي يجب أن يواجه به مثل هؤلاء الدخلاء على المجتمع، نعم هم دخلاء ما داموا يسعون إلى الإفساد في البلاد وترويع الآمنين، وجود أمثال هذه المخلوقات بيننا إنما هو نتيجة أدواء أصابت دعائم المجتمع وركائزه وصمام امانه، نتيجة تهميش المعلم واسترخاص دوره، نتيجة إبعاد العلماء عن ساحة الأحداث نتيجة الإعلام الفسل، إعلام الاسترزاق الذي غيب العلماء عن برامجه، نتيجة إبعاد المفكرين والمبدعين،وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وكل من يمكن أن يمثل القدوة الحسنة داخل المجتمع.

وللأسف حتى وقت هذه الشدة، والمصيبة التي أصابت المغاربة الأحرار سليمي الفطرة فنفثوا ما في صدورهم تجاه مغتصب الطفولة، وقاتل البراءة وجدنا بعض سقط الناس ممن ابتليت بهم هذه البلاد يقف ضد التيار، ويغرد خارج السرب مستنكرا على المغاربة إبداء تعاطفهم مع الشهيد وأهله، ولعل هذه الأصوات وأمثالها من يزين لمرضى النفوس ميولاتهم الشاذة مادام يوجد من يحمل لواء الذب عنهم خدمة لأجندات أصبحت مكشوفة المبنى والمعنى معلومة الحال والمآل.

إن الأصل في القضاء وعموم القوانين أنها إنما جعلت ليستتببها الأمن، وللحفاظ على مهج الناس وأموالهم وأعراضهم… ومن ثمة عرفت وتعرف كل قوانين الدنيا تغييرات وتتميمات ونسخ وغير ذلك، وما شُرعت السلطة التعزيرية للقاضي إلا  لمثل هذا، حتى يبقى للقاضي هامش مراعاة المصالح والمفاسد العامة في تطبيق القوانين وإنزال العقوبة بمن استحقها، ولعل ما يتمتع به القضاء المغربي من الحكمة واليقظة وإنزال الوقائع والأحداث منازلها ما جعل الشارع المغربي ينتفض ضد مرتكبي هذه الجريمة النكراء، -وحُقّ لهم ذلك- ولا نفهم لم يريد أحدهم التضييق على الناس، وتكميم أفواههم، والحجر على حرياتهم في المطالبة بإنزال أقسى العقوبات على الجاني فإذا كان أحدهم يرى في تعاطفنا مع الشهيد وأهله ما يدل على رغبتهم في الانتقام فإننا نقول له أنه ضيق واسعا بل في ذلك دعوة لحياة مجتمع وما دام الأمر يؤول في النهاية إلى القضاء فليترك الصفقة لصاحبها وكفانا متاجرة بهموم الناس، فليست النائحة كالثكلى.

+ رضوان غنيمي: أستاذ بجامعة ابن زهر

 

التعليقات مغلقة.