حكام الجزائر واللعب بالنار‏! – حدث كم

حكام الجزائر واللعب بالنار‏!

ما يجمع الشعبين المغربي والجزائري، هو أكثر من رابط وأكثر من علاقة يمكن أن تجمع بين شعبين وبلدين عربيين. فهناك علاقات التاريخ والجغرافيا وهناك روابط الدين والدم واللغة، وهي صلات ووشائج إن كان لا يقرأها أو لا يريد أن يقرأها بعض من النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة في بلد المليون شهيد، فإننا كمغرب وكمغاربة نقرأها بشكل جيد ونحرص عليها أشد الحرص، ونحن نراهن قيادة وشعبا على العقلاء – إن كان تمت عقلاء في تلك النخبة – على إعادة القراءة بشكل صحيح يخدم مصلحة الشعبين والبلدين.

فأن يطلق جندي جزائري النار على مدنيين مغاربة ويصيب أحدهم بجروح بليغة، فهذا قمة الاستهتار بعلاقات حسن الجوار وقمة التضحية بتلك الروابط الأنفة الذكر، فالأمر خطير ولا يمكن إدراجه سوى في الباب الذي أدرجته فيه الحكومة المغربية في بيانها الاستنكاري وهو أنه حلقة في سلسلة من الأفعال المستفزة تجاه المغرب من قبل الجار الشرقي، وينتهك أبسط قواعد العلاقات التي تجمع الشعبين المغربي والجزائري.

ولعله من الوقاحة السياسية والأدبية أن يجنح أولي الأمر والنهي في الجزائر إلى الهروب نحو الأمام، والى ممارسة شيء من “السنطيحة” وقلة الحياء في التعاطي مع رد الفعل المغربي تجاه حادث الاعتداء بإطلاق النار على مواطنين مغاربة، ومحاولة التملص من تبعاته وتداعياته على المستويين الإقليمي والدولي، خصوصا وأن المغرب قرر الرد بحزم على ما وقع. فبيان الخارجية الجزائرية بدا مرتبكا ولا تسعفه الكلمات والعبارات، إلى درجة لجوئه إلى الاستنجاد بطريقة ” البابييه/كولي ” والنقل الحرفي بطريقة متعسفة من بيان الحكومة المغربية، فالأعمال الاستفزازية التي أشار إليها المغرب هي في البيان الجزائري استفزاز من قبل مغاربة –  وصفوا بالمهربين – لحراس جزائريين، وهو ما يعني من هذا المنطلق أن التعامل معهم بإطلاق النار جائز ومشروع . ومضى البيان الجزائري إلى اعتبار رد الفعل المغربي، محاولة تروم توظيف الحادث سياسيا و إعلاميا، وأن ذلك مناف لقيم الأخوة وحسن الجوار..و..و..و..الخ.ولسان حال بيان الخارجية الجزائرية ينطبق عليه المثل العربي القائل ( رمتني بدائها وانسلت ). لكن قبل أن تنسل، علينا إن نجيب عن بعض التساؤلات المطروحة، فيما يتعلق بالأسباب الكامنة وراء الاستفزازات المتكررة والمتتالية للمغرب، من قبل صناع القرار في الجزائر وسياقاتها الظرفية والموضوعية. وهي سياقات منها ما هو داخلي ومنها ما هو إقليمي أو دولي، وكلها تحيل على انسداد في حسن السلوك والتدبير، وتدفع للبحث عن شماعة أو بديل تتجه نحوه الأنظار، بدل انكباب العقل السياسي الجزائري على معالجة المشاكل الجمة والمستعصية التي يتخبط فيها كل من الشعب والنظام هناك، ومحاولة البحث الجاد عن حلول حقيقية لها. فالداخل الجزائري يجتر المعاناة التي كابدها أجداده إبان الاستعمار الفرنسي، وزاد من حدتها سوء وفساد النظام السياسي بعد نيل الاستقلال، حيث سعت الرؤوس المتتالية لهذا النظام إلى افتعال الأزمات مع المغرب منذ البداية، رغم المواقف المشرفة التي وقفها المغرب ملكا وشعبا مع الأشقاء في الجزائر من أجل نيل الاستقلال، ورفضه عرض المستعمر الفرنسي وهو استعادة أراضيه المتمثلة في منطقتي ” تيندوف ” و “كولومب بشار”، مقابل التوقف عن دعم المقاومة الجزائرية، لكن جزائر أحمد بن بلة آنذاك، وبعد نيل الاستقلال عام 1962، تعنتت ورفضت أن تفتح مع المغرب – في إطار أخوي – قضية إلحاق فرنسا لأجزاء من التراب المغربي بالجزائر، فكانت حرب الرمال بين المغرب والجزائر في أكتوبر من عام 1963، التي دخلها المغرب مكرها .

والداخل الجزائري يعاني أيضا من مأزق سياسي حقيقي مع تواري رأس النظام عن الأنظار وبدء طرح التساؤلات التي لم تلقى لها إجابة مقنعة، كما يعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية ومن أزمة البطالة المنتشرة في أوساط الشباب رغم الثروات وخيرات البلاد. وخلال شهر أكتوبر الحالي شهدت ولاية غرداية مزيدا من الأحداث الطائفية والعرقية أدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص. وتعرف هذه الولاية منذ 2008، تكرار المواجهات الاثنية والمذهبية بين طائفة الميزابيين الأمازيغ (المذهب الاباضي) وعرب الشعامبة (المذهب المالكي). وشهدت عدة مناطق خلال هذا الشهر أيضا وبينها الجزائر العاصمة، سابقة من نوعها وهي خروج المئات من عناصر الأمن في مظاهرات احتجاجية للمطالبة بتحسين ظروف العمل ومنحهم صلاحيات أوسع لاستعادة الأمن ومطالب أخرى.

زد على هذا وذاك هناك الانتقادات التي وجهتها منظمات حقوقية دولية ومنها هيومن رايتس ووتش ضمنيا للجزائر باعتبارها مسؤولة معنويا عن تردي أوضاع حقوق الإنسان في مخيمات البوليساريو بتيندوف، وما قضية الشابة الصحراوية محجوبة محمد حمدي التي احتجزت بشكل قسري في المخيمات بعد أن توجهت الى هناك لزيارة أسرتها المحتجزة ولم يسمح لها بالعودة إلى أسرتها بالتبني في بلنسية باسبانيا و الالتحاق لمتابعة دراساتها العليا بإحدى الجامعات البريطانية، ما هي إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد والعنوان الأبرز على المعاناة الإنسانية لسجناء المخيمات على مسمع ومرأى ورعاية ومباركة حكام قصر المرادية.

ثم هناك أخيرا وليس آخرا الدور الرائد الذي بات يلعبه المغرب وعلى رأسه جلالة الملك محمد السادس في منطقة الساحل والصحراء، فهذا الدور حسب المحللين والمراقبين، صار يزعج الساسة الجزائريين، لأن الجزائر كقوة جهوية كانت تطمح إلى الاستفراد بالهيمنة على المنطقة، خصوصا عقب سقوط نظام معمر ألقذافي، لكن الحضور المغربي الفاعل حد من هاته الطموحات. فالمغرب استطاع أن ينسج علاقات متميزة ومؤثرة مع عدد من بلدان الغرب الإفريقي، لاسيما بعد الزيارات الناجحة والمتتالية والطويلة لجلالة الملك لمجموعة من تلك البلدان، وما مثلته – إلى جانب أبعادها الاقتصادية والثقافية والإنسانية – من بعد روحي تمثل في علاقة أمير المؤمنين بالزوايا والطرق الصوفية الإفريقية، الشيء الذي أفرغ طموحات السيطرة الجزائرية على المنطقة من دون شريك أو منافس، افرغها من محتواها الاستراتيجي. إن المغرب وفي إطار الحرص على سيادة الأمن والسلم في منطقة الساحل والصحراء، وانطلاقا من إيمانه بالمقاربة التشاركية مع دول الجوار ألمغاربي من أجل مواجهة التحديات الأمنية الخطيرة المطروحة، نبه إلى أن ” الأحداث التي عرفها شمال مالي تفرض على بلدان المغرب العربي والساحل والصحراء، مزيدا من التنسيق والتعاون بشراكة مع الدول الكبرى ومختلف الفاعلين، وأن معالجتها تقتضي توحيد الجهود وتكثيف التعاون لإيجاد مقاربة أمنية متكاملة ومندمجة ووقائية ومنسقة بين دول الاتحاد من جهة، وجواره في الساحل والصحراء من جهة أخرى، ضمن استراتيجية شاملة تدمج البعد التنموي المقرون بالروح التضامنية والبعد الديني والثقافي والتربوي المستند إلى مبادئ الاعتدال والوسطية “. هذه الدعوة وهذه المقاربة لم يتجاوب معها الطرف الجزائري،المعني الأكبر والمتضرر الأكثر من تنامي وتغول جماعات العنف والتطرف في المنطقة، على اعتبار أن تلك الجماعات ولدت وترعرعت في حضن الأرض الجزائرية، وذلك لأسباب كنت قد بسطت بعضها في مقال سابق بموقع “سلا نيوز”، تحت عنوان..”الدور الجزائري وعلاقة البوليساريو بالقاعدة”. ولعل ما زاد من حنق الطرف الجزائري واعتبره تهديدا لتواجده على مستوى الغرب الإفريقي، هو التعاون المغربي الفرنسي لمكافحة التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء بدعم وموافقة من مجلس الأمن الدولي، فهذا أوغر صدر ساسة النظام الجزائري، والذين بدل أن يتعاونوا من أجل القضاء على الإرهاب الذي بات يقض مضجع المجتمع الدولي وبلدان المنطقة، لجؤوا إلى إثارة ادعاءات واهية حول قضية حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، بهدف غض الطرف أولا عن مشاكل الداخل الجزائري بما فيها الملف الحقوقي، وثانيا من أجل دفع المنتظم الدولي وعلى رأسه الولاياة المتحدة الأمريكية لاتخاذ موقف معاد للمغرب. فكانت رسالة بوتفليقة لاجتماع أبوجا في ال28 أكتوبر2013 والتي دعا فيها إلى توسيع صلاحيات بعثة قوات الأمم المتحدة (المينورسو) لتشمل مراقبة حقوق الإنسان وأشياء أخرى، خطوة أكدت بالدليل والملموس أن النظام الجزائري طرف أساسي في النزاع بخصوص ملف الصحراء المغربية وعنصر تحريضي ضد المغرب ووحدته الترابية ، وأنه يتعمد اتخاذ مواقف تمس بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وهذا أمر غير مقبول وغير معقول، ما أثار حفيظة المغرب ودفعه الى الرد بحزم وسحب سفيره من العاصمة الجزائر للتشاور، ووصف بيان الخارجية المغربية الموقف الجزائري بالمستفز والعدائي، ويكشف بوضوح الإستراتجية الحقيقية القائمة على التوظيف السياسي لقضية نبيلة هي قضية حقوق الإنسان.

عامل آخر لا يخلو من مضاعفة وضخ منسوب التوتر في العلاقات المغربية الجزائرية، وهو الفلتان الحاصل على مستوى الشريط الحدودي المشترك بين البلدين، فلتان لا يرجع فقط إلى إقدام السلطات الجزائرية العام الماضي – ومن جانب واحد – على تشديد المراقبة على حدودها بزيادة دورياتها وحفر الخنادق، بدعوى مواجهة عمليات التهريب، كما لا يرجع أيضا فقط إلى إعلان المغرب عن خطط لإقامة سياج الكتروني من أجل حماية حدودها من التهديدات الإرهابية، وإنما يرجع في جزء كبير منه  إلى ما قبل هذه الخطوات، إلى أواخر غشت من العام 1994، حين قررت الجزائر – من جانب واحد كذلك – إغلاق حدودها الطويلة مع المغرب (حوالي 1500كلم) . هذا القرار جاء في أعقاب تعرض المغرب في ال24غشت 1994، لهجوم إرهابي، استهدف “فندق أطلس آسني” بمراكش، وتوجهت أصابع الاتهام فيه إلى المخابرات الجزائرية. ورغم الدعوات المتكررة من قبل المغرب لفتح الحدود، فان الجارة الشرقية لم تتجاوب مع هذه الدعوات، خاصة وأن المتضرر الأول من هذا الإغلاق، هو الأسر والعائلات المغربية الجزائرية شرق المغرب وغرب الجزائر،نظرا لارتباطها مع بعضها بعلاقات المصاهرة والأخوة والعمومة، ما يضطر معظمها في ظل هذا الواقع للجوء إلى المهربين، لعبور الحدود وزيارة الأقارب، أما المتضرر الثاني فهو شعوب وبلدان المغرب العربي، حيث يحول إغلاق الحدود  دون تكامل واندماج المنطقة المغاربية، ويخلف انعكاسات سلبية تتجلى أساسا في انتعاش عمليات التهريب والهجرة السرية، وذلك جراء غياب التعاون والتنسيق الأمني المشترك.

اذن في ظل هذه السياقات جميعها، يمكن فهم حادث اطلاق النار(السبت 18 أكتوبر 2014)، على مواطنين مغاربة، وفي ظلها أيضا يمكن قراءة أبعاد وأهداف اللعب الجزائري بالنار على حدودنا المغربية، وهو مايدفعنا الى القول أن تهور حكام الجزائر سيظل مفتوحا على جميع الاحتمالات، بينما سيظل العقل المغربي كالعادة متسما بالاتزان والانظباط ، كما ستظل الحكمة المغربية تراهن على الروابط والصلات المشتركة بين الشعبين الشقيقين وعلى امتداداتهما عبر الأجيال والقرون، وستحافظ القيادة المغربية الرشيدة على توجهاتها لارساء قواعد قوية ومتينة للعمل المغاربي المشترك واطلاق مسيرة الاندماج الحقيقي بهدف مواجهة التحديات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة المغاربية..!

* صحفي بالقناة الاولى المغربية

التعليقات مغلقة.