الوفرة والاستهلاك العام للمياه – حدث كم

الوفرة والاستهلاك العام للمياه

بقلم .. محمد حسيكي : تقوم الحياة على كوكب الارض من البر والبحر على الماء، الذي يصب مطرا من الفضاء، يحيي الأرض ومن يحيا عليها من الانسان والحيوان والنبات، من دورة فضائية على مدار الموسم من السنة بين قطبي اليابسة والمتجمدة .

دورة شمسية تتم من مدار الشمس صيفا على القطب فوق خط الاستواء، ودورة فضائية من مدار فضائي شتاء على القطب تحت المدار الشمسي، ودورة ربيعية من مدار استوائي على اليابسة، وايضا دورة خريفية على الاستواء من مدار فضائي .

والانسان الذي يسود على الحياة من كوكب الارض، والذي طور أدوات العمل من الاشتغال على الحيوان، الى الاشتغال بالآلة الميكانيكية في القرن العشرين، قد أسرف في هذا الاستغلال على الطبيعة من سطحها وعمقها من البر والبحر، مما كان له انعكاس سلبي على طبيعة الحياة وأجوائها المناخية من كوكب الارض، بل ومن مجال فضائها العام الذي يربطها مع الكواكب السيارة بالفضاء، من مدارها الفضائي داخل مدارها السنوي .

الانسان والطبيعة :  

الحياة الطبيعية على سطح اليابسة، ذات مدارين فضائيين قطبيين متعاقبين على اليابسة من خط الاستواء، ضوئيين من السطح والفضاء من يوم ضوئي من مدار استوائي، وفصل فضائي من مدار قطبي، على مدار استوائي، يبعث الحياة في البر والبحر .

وقد عاش الانسان والحيوان ولازال على خيرات الطبيعة، وإن يدرك أخطار صنعه وتجاوزاته عليها، كما لايزال من البشرية من يعيش في الغاب، الحياة الأولى التي لم يصلها دين سماوي ولا حضارة بشرية .

والانسان الذي يعيش في الطبيعة ويقتات منها، هو أقرب الى إدراك المنحى السلبي الذي تتدهور فيه الطبيعة، من الفضاء ومن السطح والعمق .

مدار الحياة على الماء :  

كانت الحياة الأولية للبشرية مع الحيوان تتركز حول جنبات الأودية الجارية، وحول مصبات الأنهار في عرض البحر، وفي الغابات المطيرة، والجبال الشاهقة، جريا على القرب من تواجد الماء .

وقد كان الانسان الذي يركب البحر أقرب الى العلاقة البشرية خارج مجاله الترابي، مما كان له أثر في المبادلات البشرية، ومعرفة مناطق تواجد الماء من الطبيعة القارية، ومن تم عاش الانسان ولا زال أطوارا بين القطبين .

وإن تدفقات بحيرة فيكتويا من افريقيا، ونهر الأمازون من امريكا، وشلالات نياجرا بالشمال، وبحيرة بايكال في روسيا الاتحادية، لا يستبعد أن يكون لتدفقاتهم المائية امتدادات قطبية من جيوب القشرة الارضية .

وفي البرية تطور انتشار عيش الانسان من جنبات الأودية والغابة، الى البراري الموسمية من الفترات الفضائية، والعودة جهة المجاري المائية من الفترات الشمسية، حيث سادت حياة الترحال من البراري على مدار الغيوم الموسمية من الفضاء .

وأمام التزايد المرتفع في عدد السكان، بدأ الانسان ينقب عن الماء من جوف الأرض، بدءا من المناطق الهشة التي تختزن تربتها من السطح المياه الموسمية .

وحين خرج من العصر الحجري، الى العصر المعدني واستخدام النار والفحم الحجري والحديد في الأشغال تطورت خدماته، ورفع من البحث عن الماء في أعماق البرية، فظهرت حياة التمدن والعمران، وارتفعت الحاجيات المائية من مجاري السواقي والأودية، الى الآبار الجوفية من داخل المدن العتيقة . .

وعصر تطور الصناعة الحديثة، ارتفع الطلب على الماء من حاجيات الانسان والحيوان والنبات، الى المناجم والآلات الصناعية وخدماتها، وأصبحت حياة الإنسان بالحواضر تخلف ملوثات صلبة وسائلة، وكذا مخلفات المياه الصناعية المضرة بالطبيعة البرية، والأجواء العليا التي ينحبس منها المطر عن الطبيعة والانسان، نتيجة زحف الغازات الدفيئة على الاجواء، مما يهدد الطبيعة بالجفاف من الفضاء والتصحر من السطح .

استعمالات المياه بالمغرب :  

كان المغرب يعتمد على مصادره الطبيعية من المياه السنوية للأغراض الفلاحية، عبر مدارات الغرب خريفا، والشتاء شمالا، والاستواء ربيعا .

وعهد الاصلاح الزراعي من عهد الملك الحسن الثاني، تحول الاهتمام الى بناء السدود لخزن المياه وتنظيم استعمالها في السقي عبر قنوات الري الفلاحية، فضلا عن دورها في انتاج الكهرباء وحماية البلاد من الفيضانات، ومواجهة الخصاص المائي من فترات الجفاف .

وأمام اتساع العمران من مجال المدن ومتطلبات جديدة من مياه الشرب والمياه الصناعية، أصبح ماء السدود يصب وجهة المدن، على حساب ري الأراضي الفلاحية، وانتاج الطاقة الكهربائية، مما حول الحاجيات المائية وجهة الفرشة المائية الجوفية، فضلا عن العمل على انجاز سدود مائية خاصة بالشرب لفائدة المدن .

وعهد جلالة الملك محمد السادس، تم الشروع في اقتصاد وحسن تدبير المياه الفلاحية عن طريق مخطط المغرب الأخضر، بتطوير طرق السقي من انسيابي عائم على سطح الأرض، إلى ترشيد محكم عن طريق الري الموضعي بالتنقيط .

لكن الاستهلاك الحضري المتزايد لازال غير رشيد، مما يجعل الساكنة تشتكي ماديا، ولا تراعي استهلاكيا، مما جعل الدولة تخطط لإقامة منشآت تحويلية لتحلية مياه البحر قصد مواجهة الحاجيات البشرية من الشرب والفلاحة .

غير أن تزايد تعداد السكان، واختلال الواردات المائية من فترات الجفاف، قد يرفع من تعقيدات الحاجيات، والتي لن تجد الحل الا في استيراد المياه من المناطق الدولية الوفيرة، أو البحث عن المياه العذبة من عرض البحر، وأيضا تطوير طرق معالجة واستعمالات المياه العادمة .

استعمالات المياه العادمة :  

لقد جر تلوث مجاري الأودية والفرشة المائية المجاورة للحواضر، الدولة الى العمل على إنشاء محطات معالجة المياه العادمة، الا أنها لازالت تجربة فتية بالمغرب، ولم تأخذ بعد حقها من التحويل نحو دوائر الانتاج المثمر وإعادة الاستعمال الرشيد .

ومن تم فإن تلك المياه التي لازال استخدامها محصورا على ملاعب العشب، وأماكن محدودة من المساحات الحضرية الخضراء، يمكن أن يتسع استعمالها الى الأغراض الصناعية، والى أشغال البناء، وعمليات الإطفاء، وكذا أشغال الري الفلاحي، بدلا من صبها في عرض البحر أو الفضاء الطبيعي .

رؤية الربط بين السدود :   

الدورة المائية الفضائية بالمغرب تتجدد سنويا من وجهة مياه السطح، مما تكون له فوائد على الفرشة المائية الجوفية التي تتزايد الحاجة اليها في الفترات الجافة من الصيف والخريف .

وإن يجري الربط بين الخزانات المائية بالسدود والمدن الحضرية، فإن الربط بين شبكات السدود مع بعضها، لتصريف فائض الحاجة نحو جهات الخصاص لازال غير حاضر في الأذهان، خاصة أن جهات المغرب منها من تتوفر على فائض مائي سنوي، يجلب اليها الهجرة من المناطق الجافة، وجهات تعاني من نقص في المياه وتزايد في السكان، مما يخل بالاستقرار الاجتماعي لا بالجهات المائية ولا بالجهات الجافة .

وإن الربط بين سدود الجهات من الشمال الى الجنوب، قد يحد من تفاقم المشكل ويفسح المجال أمام الانتشار المتوازن للساكنة الاجتماعية من مختلف الجهات، من فترات الجذب الطارئة والفترات المناخية المطيرة، التي تتكلل فيها قمم الجبال بالثلوج، وتجري فيها الأودية الموسمية بالسيول، وتتدفق منها بحيرات السدود من أعاليها الى مجالها، فضلا عن تحول محطات معالجة المياه العادمة، إلى مياه أكثر جودة ولياقة لإعادة الاستعمال ليس من الوسط الحضري، بل من الوسط الطبيعي والصناعي .

 

التعليقات مغلقة.