الحلم الذي تبخر ! – حدث كم

الحلم الذي تبخر !

 بماذا يوحي استقبال الرئيس الجزائري عبد الحميد تبون لمتزعم البوليساريو إبراهيم غالي وإحاطة ذلك الاستقبال بما يوحي بأنه يكتسي أهمية بالنسبة للنظام القائم ؟.

إنه في كل مرة يريد رجال النظام المتحكمون في الجزائر إحياء ذلك الحلم الهيمني التوسعي الذي يراودهم ، يختلقون المناسبات أو الفرص ليؤكدوا أنهم ما يزالون يحافظون على ذلك الإرث الثقيل الذي تركه لهم عهد الرئيس الراحل هواري بومدين .

وباستثناء بوادر نادرة باحتمال التخلي عن ذلك الإرث ، ظهرت في أواخر الثمانينات من القرن الماضي إثر الثورة الشعبية في أكتوبر 1988، وأسفرت عن تأسيس اتحاد المغرب العربي ، يعود اليوم رجال الحكم ليؤكدوا مرة أخرى انهم ما يزالون سجناء عهد مضى وتغيرت معالمه ببزوغ عهد جديد أضحت تتحكم فيه معطيات تختلف عما كان سائدا بحكم التطورات التي فرضت وجودها على العالم .

ويبدو للملاحظين الآن، وكأن الجيل الذي تربى على أفكار وآراء خطابات هواري بومدين ، منذ ما يزيد على أربعين سنة ، لم يستوعب أفراده بعد ما حملة العصر الحديث من تغيير في العقليات ، بل وحتى في الأديولوجيات وما فرضته الأوضاع من مستجدات ، لا في منطقتنا المغاربية فحسب ، بل وفي مختلف أنحاء العالم.

فأين الاتحاد السوفياتي ونفوذه ؟ وأين الاديولوجيات وما تفرضه من ضغمائية تسجن وتكبل الأفكار والذهنيات ؟ وكيف انهارت التوازنات في مجالات القوة والنفوذ ؟ وكيف استطاعت دول أن تنهض سياسيا واقتصاديا ، وأن تنهار دول أخرى وتفقد التحكم في مصيرها ؟

سيكون ما قلته هنا لايعدو أن يكون مطلق نظريات ، لكن وأنا بصدد الحديث عما يتصل بنا وفي منطقتنا المغاربية أقول : إن ما كان يراود الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين ورجاله من خلال فرض وجود دولة صحراوية حتى ولو كانت وهمية ، سيتيح للجزائر تعزيز ما كان لها من نفوذ أقليمي  بمكاسب اقتصادية وأستراتيجية تتيح لها لا فقط الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي من أجل تصدير معادن مناجم غار جبيلات الغنية ، بل السيطرة على ما تتوفر عليه الصحراء الأطلسية من ثروات طبيعية ومن معادن تريد استعمالها في صناعتها الفتية ، كما قال أحد أفراد النخبة سنة 1992 اسمه الرمضاني، ـ اذا لم تخني الذاكرة ـ  وسيمكنها ذلك كله من فرض إرادتها على المجتمع الدولي في كل ما يطرأ من قضايا ومشاكل لها أرتباط بالمحيط الإقليمي والقاري للجزائر .

فكما تخيل رجال عهد بومدين ، فإن تحكم الجزائرفي واجهتين بحريتين هامتين على البحر الأبيض المتوسط، وعلى المحيط الأطلسي،  سيضيف لبنة أخرى الى تحكمها في جزء هام من موارد الطاقة التي أضحت تشكل بالنسبة للقارة الأوروبية مصدرا أساسيا لاقتصادها ، بل ولحياتها .

لقد كان الرجال الجزائريون الذين راودتهم هذه الأفكار،  قد أغروا بها جزء هاما من نخبهم الأكاديمية والأعلامية على الخصوص لكي يتبنوها ويتجندوا من إجلها .

وبالتأكيد فانهم استهانوا بصاحب الحق في صحرائه الأطلسية ، ولم يقيموا وزنا لوجود دولة عريقة في تاريخها وراشدة في تدبير شؤونها وأمورها، وذات بعد صحراوي ظل عبر الأزمان وتقلب الأحوال يحافظ لها على تأمين عمقها الإفريقي .

هذا ما كان يستشف من خطب الراحل هواري بومدن ، وهي خطب ظل رجال المخابرات الجزائرية يحرصون على إذاعتها وبثها من حين لآخر ليذكروا بها الأجيال الجزائرية، لعلها تقتنع بالحلم الهيمني التوسعي الذي راودهم ، اعتقادا منهم أنه ما يزال في المكان تحقيقه ، وما أدركوا أنه حلم تبخر بحكم الواقع الذي تجدد والذي فرضته المملكة المغربية ، تكريسا لوحدتها الترابية والوطنية.

ويشهد على ذلك ما تم تشييده وبناؤه من عمران ، وما تم نسجه وتحقيقه من أندماج اقتصادي. اجتماعي بين مكونات أمتنا المغربية ذات المجد العريق والمتبعة بالقيم النبيلة وبوجوب التعايش بين الأمم والشعوب .

كاريكاتير من اختيار الموقع عن: هيسبريس

التعليقات مغلقة.