ذاكرة التاريخ لا تنسى..”مناجم الحديد في غار جبيلات”لها ارتباط بالصراع المغربي الجزائري ! – حدث كم

ذاكرة التاريخ لا تنسى..”مناجم الحديد في غار جبيلات”لها ارتباط بالصراع المغربي الجزائري !

ظلت مناجم الحديد في غار جبيلات في منطقة تيندوف قطب الرحى الذي تدور حوله قضية نزاع الحدود بين المغرب والجزائر، ثم في الصراع بين البلدين حول الصحراء المغربية .

ولكي يدرك المرء أهمية الرهان الذي يكتسيه هذا الصراع لا بد من معرفة قصة مناجم غار اجبيلات وما صاحبها من تطورات وما اكتنفها من تعقيدات منذ أن كانت فرنسا الاستعمارية تتحكم في مصيرأقطارالمنطقة المغاربية .

ولقد ظلت هذه المناجم التي تعد من أغني المناجم في العالم مدار نقاش أومحل تفكير حين الرجوع الى خلفيات النزاعات المغربية الجزائرية .

ولقد أشارت إليها تقاريرالمخابرات الامريكية الأخيرة التي اتخذتها  ـ منطلقا لما أكتب ـ عندما نشرت تلك التقاريربعضا من فحوى الحديث الذي داربين الرئيس هواري بومدين وهنري كيسنغير وزير الخارجية الأمريكي في أكتوبر 1974 ، ذكرت أن كيسنغير قال له : ” الأرض مغربية موريتانية اذن ” ، وكان يقصد الصحراء الغربية ، قال له بومدين : ” نحن لا نريد منفذا ، نحن نسعى الى أستغلال مشترك لمخزونات مناجم الحديد، لكننا لا نريد أن يصبح ذلك موضوعا للصراع ” .

ثم تساءل كيسنغير : كيف يمكنكم استغلال المناجم ان لم تكن داخل ترابكم ؟ فأجابه بومدين قائلا : ان المناجم تقع داخل التراب الجزائري ـ  وإذ أسجل النص الذي قدمته تلك التقارير ـ ، أتساءل : هل فعلا كان كيسنغير يجهل ما سأل عنه ؟ أم كان يريد الوصول الى معرفة ما يفكرفيه بومدين وما يخفيه ؟

ووردت الإشارة الي مناجم الحديد في المقترحات التي قدمتها السعودية لتسوية النزاع بين المغرب والجزائر بأن عرضت مساعدات اقتصادية من أجل استغلال المعادن في الصحراء .

لقد جاءت الوساطة السعودية في بداية سنة 1976 على شكل مسعى من الملك الراحل فهد ابن عبدالعزيز، للحيلولة دون نشوب حرب مفتوحة بين المغرب والجزائربعد معارك أمغالا ، حيث استطاعت القوات المغربية أن تحبط ما كانت تسعى اليه القوات الجزائرية ، وقد تقدمت في عمق الصحراء المغربية وعلى مسافة أكثر من 300 كيلوميتر في محاولة لإيجاد موطئ قدم لها في أمغالا ، وذلك في  إطارمخطط يمهد لفرض هيمنة الجزائر على المنطقة المغاربية ، كما يستنتج من التساؤل الذي طرحه كيسنغيرعلى بومدين في أكتوبر سنة 1974 ، ومن تم احتلال الصحراء وفرض واقع يكرسه ، كما تخيلته القيادة الجزائرية قبل الإعلان عن قيام جمهوريتها الوهمية .

ولكي يدرك المرء تطور قضية مناجم غارات جبيلات، يتعين عليه النظر إلى الخريطة الجغرافية لمنطقة شمال غرب إفريقيا ليرى أين توجد تلك المناجم ، ثم يرجع الى التاريخ وما سجله من أحداث كان لها اتصال بهذه المناجم التي يقال بأنها اكتشفت بالصدفة .

ومما لا شك فيه أن هذا الاكتشاف كان الدافع لكي تلحق السلطات الاستعمارية الفرنسية منطقة تيندوف بالتراب الجزائري ، على اعتبار أنها كانت تعتبر الجزائر أرضا فرنسية ، وعلى أساس أن فرنسا كانت تفكر في إنشاء دولة صحراوية مقتطعة أرضها من المغرب والجزائر.

والواقع أن ضم جزء مهم من التراب المغربي للتراب الجزائري، ألحق غبنا كبيرا بالمغرب، وفصل منه منطقة تيندوف ، بما في ذلك مناجم غار جبيلات .

وهكذا خلقت السلطات الاستعمارية نزاعا بين المغرب والجزائر، تمثل في خلاف مزمن حول الحدود الى أن تمكن البلدان من الوصول الى صيغة لحله سنة 1972 .

لقد كان من المفروض أن تنهي الاتفاقية التاريخية التي تم التوصل اليها ،لا فقط طي مشكل الحدود ، بل أن تمهد لتعاون واسع يشمل استغلال مناجم الحديد في غار جبيلات ، لكن مع الأسف الشديد وقع التأخر في تنفيذ مقتضيات تلك الاتفاقية إما عرضا أو اهمالا ، أو متعمدا بمبررات عندما ظهر لدهاقنة نظام هواري بومدين، أن في الإمكان الاستغناء عن المغرب وأن هناك بديلا محتملا يقدمه فرض الهيمنة الجزائرية على المنطقة المغاربية ، بما أصبح لدى الجزائر من أمكانية الحصول على منفذ الى المحيط الأطلسي .

ولم يكن المغرب ولا الذين يهمهم الوضع في المنطقة ومصيرها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية ، غافلين عما كان يدبر في الخفاء ، وهذا ما أتاح للمغرب احباط ما كان سيحرمه من استرجاع أقاليمه الصحراوية الأطلسية.

وعلى كل حال،  والواقع كما هوالآن ، أرى أن لي الحق كمواطن وكشاهد على التاريخ في فترة هامة وحاسمة من تطور العلاقات المغربية الجزائرية ، وانطلاقا من معايشة فترة الجهاد المغاربي المشترك ضد الاستعمار الفرنسي منذ الخمسينات من القرن الماضي ، لي الحق أن أقول انه بحكم الواقع الذي فرضته الظروف ، فأن مشكل الحدود لم يعد مطروحا بيننا وبين الجزائريين ، حتى وإن كنت من بين المغاربة الذين احسوا بهول الصدمة من جراء ما أصاب وطننا من غبن كبير في التقسيم الاستعماري لخريطتنا ،ومع ذلك تحملوا عبأه بصبرالمومن بالأخوة المغاربية وبالمستقبل الذي سيبنيه المواطنون المغاربيون

وأعتقد أن المطروح الآن،  هو تسوية نزاع الصحراء بما يضمن سيادة المغرب على أراضيه ، أما مشكل الحدود فلم يعد مطروحا منذ التوصل الى الاتفاقية التي وضعت أسس الحل وأرست قواعد للتعاون .

ولقد حرص المغرب على أن يعلن عن تلك الاتفاقية في محفل كبير ، أي في مؤتمر القمة لمنظمة الو حدة الافريقية في صيف سنة 1972 ، ولقد أبى الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني إلا ان يعلن عنها بنفسه ويصرح على مسمع من الملأ ان له الحق في أن ينهي مشكل الحدود مع الشقيقة الجزائر انطلاقا من الشرعية الثلاثية الأركان التي يملكها ، وهي الشرعية الوراثية التي تمثلها وراثة الملك ، والشرعية النضالية من أجل الاستقلال التي يستمدها من رفقة والده المنعم محمد الخامس ، ومن التعاون مع المناضلين الوطنيين، وأيضا من الشرعية الدستورية المستمدة من مقتضيات وأحكام الدستور بصفته أمير المؤمنين .

والآن وقد أعلنت الجزائر أنها وصلت إلى مرحلة متقدمة على طريق الاستغلال المقبل لمناجم الحديد في غار جبيلات ، سواء بالنسبة للدراسات التي تعاقدت مع الصينيين لإنجازها ، آو بالنسبة للإجراءات المتعلقة بالاستغلال كالربط الكهربائي وحفر بعض الآبار والتنقيب عن الماء ، الان وقد و صلت ألى هذه المرحلة ، ماذا يخبئ لنا القدر، أو بالاحرى ماذا يمكن أن يقدم عليه المسؤولون الجزائريون اذا ما قرروا المرورالى مرحلة الاستغلال ؟ فحسب ما تم الإعلان عنه فقد تم في مارس 2017 ابرام اتفاقية صينية جزائرية لدراسة الجدوى من الاستغلال ، وبثت احدى القنوات التلفزية الجزائرية ، روبورتاجا عما بلغته مراحل الاستعداد لدخول مرحلة الإنتاج وقدرت احتياطات مناجم جبيلات ، كما قيل بثلاثة ملايير طن.

والان هل ستحاول الجزائرالرجوع مرةاخري الى احياء اتفاقية سنة 1972 مع مايمكن أن يتطلبه الوضع من تعديلات ؟ إذ من المعلوم انه بعد المصالحة التي تحققت على عهد الرئيس الراحل الشاذلي بنجديد ، والتي أثمرت إنشاء اتحاد المغرب العربي ، تم الاعلان عن تجديد ذلك الاتفاق وأعيد نشره في الصحافة المغربية كإشارة الى حسن النوايا .

نتساءل ونعيد التساؤل : هل سيفعل الجزائريون ذلك ؟ أم سيظلون يتوهمون أن في استطاعتهم تنفيذ ما خططه لهم نظام بومدين من قبل ؟ فحتى سنة 1992 كان قد ورد على لسان شخصية تحمل اسم عبد القادر بنرمضان تصريحا يعكس ذلك المخطط قال فيه : ” تريد الجزائر في أن تجعل من الصحراء ( المستقلة ) احتياطيا معدنيا لصناعتها التي توجد في أوج انطلاقها ،وتجعل منها أيضا منفذا الى المحيط الأطلسي لتسويق إنتاجها من حديد غار جبيلات ” .

ومحتوى هذا التصريح ظل راسخا في أذهان كثير من الجزائريين ، وظلوا يروجونه ليصبح بمثابة مخطط يجب تحقيقه، منذ سنة 1992 جرت مياه كثيرة من تحت الجسور ومن فوقها ، ومنيت بالهزيمة والخسران كثيرا من المساعي والجهود التي بذلها أعداء الوحدة الترابية والوطنية المغربية ، ومنذ عقود ضاعت كثير من الجهود والإمكانيات لبناء المستقبل لمنطقتنا المغاربية .

فهل سيكون في ذلك عظة لمن يتعظ ؟

 

التعليقات مغلقة.