عندما يختار المرء الربح المعنوي على الربح المادي – حدث كم

عندما يختار المرء الربح المعنوي على الربح المادي

عبد السلام البوسرغيني :إلى إبني البار رشيد البوسرغني :

“تفرض علي الروابط الأسرية والصداقة المتينة والرفقة الطويلة التي تجمعني بك أن أقاسمك أحتفالك وأسرتك بعيد ميلادك الذي يصادف يوم 11 يونيو ، وتفرض علي أن أتحدث عن موضوع تكون له صلة بحياتك المهنية بما يفيد من يسعى لاستخلاص العبر والدروس من الحياة ، ولقد زودتني ذاكرتي بما يساعدني على الحديث عن مواضيع أوجزها فيما يلي :

– مقامك للدراسة في منطقة لابروطانيه شمال غرب فرنسا وما استخلصته من ترددي منذ نهاية العقد السابع من القرن الماضي على مدينة رين الجميلة حيث تابعت دراستك في جامعتها منذ ذلك الحين.

– مساهمتك – كما افترضت ذلك – في مسيرة فرنسا نحوأخذ مكانتها المتميزة بين الدول في ميدان الإعلاميات

ارتباطك الأسري والمهني بفرنسا ومساهمتك المفترضة في تعزيز الروابط بين هذه الدولة الصديقة التي تجمعنا بها أكثرمن علاقة سياسية واقتصادية ، بل وحتى أسرية لما بيننا من مصاهرة ٠

لقد كان مقامك يا إبني رشيد في مدينة رين للدراسة في جامعتها المتميزة فرصة لي للتعرف على لابروطانيه التي تعتبر احدى الجهات المزدهرة بفلاحتها وصناعتها والتعرف على ما تزدهر به من مآثر ،وكانت هذه المنطقة المتميزة بسكانها قد شهدت ربما مع مطلع السبعينات انهيار حركة انفصالية كانت مخلفاتها حتى ذلك الحين ماتزال تظهر في الشعارات المكتوبة على الجدران ، وبذلك الانهيار اختفت الميول الانفصالية لدى سكان المنطقة ، وحصل ذلك نتيجة تمكين البروطانيين من المحافظة على جصوصياتهم الأثنية واللغوية ، إلى جانب انتهاج السلطات المركزية في الدولة سياسة التنمية التي نهضت باقتصاديات المنطقة ، وبذلك اختفت مظاهر الاحتقان الاجتماعي الذي يساهم عادة في تأجيج الحركات الإنفصالية .

وبالنظر لوضعنا ، فإنه ليس من المستغرب القول بآن نفس المصير آلت إليه الحركة الانفصالية في صحرائنا حيث أتيح لإخواننا الصحراويين المحافةعلى خصوصيتهم وان تتوفر لهم الإمكانيات التي عبأتها الدولة للنهوض بمنطقتهم ومهدت لاندماجهم في المجموعة الوطنية وللتوفرعلى ما يجعلهم يتمتعون بالعيش الرغيد في ديارهم .

 وبالمقابل يمكن القول بأنه من الإجرام أن يستمر الرجال الذين يحكمون الجزائر في تعنتهم وإصرارهم على أن تستمر معاناة إخواننا المحتجزين في صحراء تيندوف وأن يزرعوا فيهم الروح الانفصالية ويؤلبوهم على وطنهم ويزرعوا فيهم روح الحقد والعداوة لإخوانهم ، مع الأصرار على جعلهم يعانون شظف العيش والحرمان مما يتوفر في المدن الصحراوية المغربية من التقدم والخير العميم .

وإذ أعود الى الحديث عن حياتك يا إبني رشيد ، لا أخالك وأنت تتحرك إلا مساهما في مسيرة فرنسا نحو أخذ مكانتها المتميزة في مجال علوم الإعلاميات ، وهي المسيرة التي اتاحت لك الالتحاق بمن تضمهم في صفوفها بعد انتهاء دراستك وحصولك على الدكتورة بميزة مشرف جدا ، وكانت أطروحتك التي حضرت مناقشتها في سبتمبر 1989 قد تناولت موضوع الذكاء الإصطناعي ، وهو مصطلح لم يكن متداولا على ألسنة الناس كما هو الحال اليوم ٠ وإذ أقول مساهمتك في تلك المسيرة فلأنني استخلصت ذلك من حديثي معك بعد أن انهيت دراستك العليا وقلت لي إنك تفضل ان تظل منتسبا الى الوسط الجامعي ليتاح لك المساهمة في البحث العلمي ، عوض الانتقال الى المجال التجاري والصناعي رغم ما يوفره من الكسب المالي لمن يفضل الربح المادي على الربح المعنوي .

لقد اخترت يا رشيد أن تتخذ من فرنسا مكانا للإقامة ولتكوين أسرة ، ومن منطقة لابروطانيه كنت تشع بما تملكه من معارف وتجارب على كثيرمن المدن الفرنسية لتلقي فيها الدروس والمحاضرات ، بل لقد تنقلت الى وطنك المغرب وإلى عدد من الأقطار الافريقية لينال الناس حظهم من علوم الأعلاميات ، ولفترة طويلة كنت تنتقل إلى باريس أسبوعيا لتنضم إلى زملائك في وزارة البحث العلمي لإنجاز ما يتطلبه تحقيق التقدم التكنولوجي من عمل وتعاون جماعي متواصل ٠

ان اختيارك يا إبني رشيد لفرنسا كبلد إقامة ولتكوين أسرتك فيها وممارسة نشاطك الدراسي والعلمي فيها قد ساهم كغيرك من الأطر المغربية المهاجرة في تعزيز روابط الصداقة التي ترقى الى مرتبة الأخوة في كثير من الحالات بين الفرنسيين والمغاربة ، بيد أن مقامك هناك لم يكن لينسيك وطنك الذي تحرص على خدمته متى اتيحت لك بالفرصة ، ولا ليبعدك عن أسرتك التي لا تبخل عليها بالعطف والرعاية.

أعتقد أنك يا رشيد الأب والأستاذ قد حققت كثيرا من رغباتك وكان أهمها أنك أنجبت إبنا استطاع آن ينال الإجازة من المدرسة المركزية لباريس ، وأنجبت بنتا هي الآن على وشك ان تنهي دراستها فيما أختارته من تخصص في الطب ، كل ذلك حققته بشراكة وانسجام مع شريكة حياتك الدكتورة ماريفون لوكوك الطبيبة الاختصاصية التي تقاسمت معك حلو الحياة ومرها .

فإليك مني ومن والدتك تهنئتنا لك بعيد ميلادك ، ودمت سعيد مطمئنا وفي رعاية الله وعنايته ولطفه “.

الدار البيضاء 11 يونيو 2011

 

التعليقات مغلقة.