” ما حدث يوم 11 غشت 1979 في الداخلة وبئر أنزران” كان مكسبا وطنيا تاريخيا للمغرب

تجمعني بزميلي الأمين أزروال ذكريات ما تقاسمناه من تعاون في ميدان الصحافة والإعلام ، وبالأمس أثار معي ما حصل في أحد أيام غشت 1979 بمدينة الداخلة ، حيث كنّا معا في مهمة إعلامية دعينا للقيام بها دون أن نعرف مسبقا الوجهة التي سننقل اليها ، كما تتطلبه الأوضاع آنذاك في الصحراء .

 لم نكن نتوقع أننا بهذه المهمة سنكون شهداء على أحد أهم الأحداث في تاريخ المغرب المعاصر لا يدرك أهميته إلا الراسخون في العلم ، اذا صح التعبير أي الذين لهم إلمام بالسياسية الاستراتيجية للأمم .

كان للحدث وجهان ، أحدهما سياسي وكان مسرحه مدينة الداخلة ، والثاني حربي وكان في منطقة غير بعيدة عن هذه المدينة وفي موقع عرفنا من بعد أنه يسمى بئر أنزران، وكلاهما وقعا يوم 11 غشت 1979 ، ويجب أن نعطيهما الأهمية التي يستحقانها .

كانت القوات المسلحة الملكية، قد خاضت في ذلك اليوم أحد اضخم وأشرس العمليات الحربية في الصحراء، حيث كانت المؤسسة العسكريةً الجزائرية قد استعدت لها لتخوضها باسم “البوليساريو” ، بهدف الدخول الى مدينة الداخلة بالتالي الاستيلاء على إقليم وادي الذهب ، ظنا من الرجال العسكريين الجزائريين،  أنه سيتم إنجاز ما تم إبرامه في العاصمة الجزائرية يوم 5 غشت 1979 بين الحكومة الموريتانية،  التي تأسست عقب الانقلاب العسكري بزعامة الضابط هيداله،  وبين “البوليساريو” سيتيح للجزائر – كما يقال – إيجاد قدم لها على أرض الصحراء التي تحررت من الاستعمار الإسباني ، بمقتضى اتفاقية مدريد بتاريخ 14 نوفمبر 1975 وتسلمها كل من المغرب وموريتانيا .

ولقد ظن العسكريون الجزائريون ، أن ما فشلوا في إنجازه في المعارك السابقة التي خسروها ، وخصوصا معارك أمغالا في أوائل 1976 سينجزونه بواسطة الهجوم الذي أعدوا له العدة لغزو إقليم وادي الذهب ، ظانين أن ذلك سيمكنهم من الحصول على منفذ على المحيط الأطلسي .

علمنا أنا وزميلي الأمين أزروال، بوقوع تلك المعركة بوسائلنا الخاصة، عندما كنّا نحضر الى جانب عدد من رجال الدولة ومن الإعلاميين، ذلك التجمع الكبير لأهل إقليم وادي الذهب، حول مقر عمالة مدينة الداخلة الذي كان مقرا للسلطات الموريتانية .

 وفي هذا التجمع، تم الإعلان عن القرار التاريخي الذي أتخذه شيوخ القبائل وقادة السكان، والقاضي بانضمام الإقليم الى المملكة المغربية التي آوت أجدادهم ، وتم رفع العلم فوق بناية العمالة بعد إنزال العلم الموريتاني، إيذانا بتنفيذ ذلك القرار الذي اتخذوه عن طواعية واختيار.

ونحن نتابع هذا التجمع التاريخي، لاحظنا تحركا مثيرا للانتباه للطيران المغربي ، وعلمنا فيما بعد أن طائرات القوات الجوية الملكية ، ساهمت في القتال الذي كانت منطقة بيرأنزران مسرحا له ، وأنها كبدت القوات المغيرة هزيمة نكراء ، وتبين بالتأكيد ، نظرا لعددها ومعداتها أنها تنتمي لجيش نظامي ، وأنها أكبر مما يمكن أن يتوفر “لحركة البوليساريو” الحديثة العهد بالقتال.

وهكذا يكون التاريخ قد سجل انتصارا مزدوجا ذا طابع وطني سياسي وذا صبغة حربية عسكرية كان لهما ما بعدهما ، وأتاح ذلك للمغرب تحقيق مكاسب هامة ، إذ مكن بلدنا من أن تسترجع كل ما تبقى من أرضينا في الصحراء الجنوبية ، بعد طرفاية وإقليم العيون الساقية الحمراء.

ولقد كان الحدث الجلل الذي شهدناه في مدينة الداخلة، قد مهد لقدوم وفود إقليم وادي الذهب الى الرباط لتقديم وثيقة تجديد البيعة للدولة العلوية الشريفة ، على غرار أجدادهم سلمت للملك الحسن الثاني رحمه الله، في يوم مشهود بالقصر الملكي العامر يوم 14 غشت 1979 ، ولأهمية الحدث عد هذا اليوم من كل سنة يوما وطنيا .

ولقد كانت المعركة العسكرية في بيرأنزران التي مني بها العدو بهزيمة مدوية بمثابة احباط جديد لمخطط التوسع الذي اصرالعسكريون الجزائريون على تنفيذه ، ولما لهذه المعركة من أهمية تقرر إطلاق اسم بيرأنزران على الساحات والشوارع في مختلف المدن المغربية .

وإن ما حدث في ذلك اليوم ، مهد لما عرفه إقليم وادي الذهب من تقدم في مختلف المجالات ، ويبشر بمستقبل مزدهر يمتد مفعوله الى مختلف أقاليم المملكة.

والواقع أن التاريخ هو سلسلة أحداث تتظافر من أجل أن تعطي للدولة أهميتها وهيبتها وقيمتها المعنوية والمادية،  سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي ، ولقد كانت أحداث الداخلة في مثل هذا الشهرإحدى أبرز تلك الاحداث بدون منازع .

عبد السلام البوسرغيني 

 

التعليقات مغلقة.