كيف تجرأت مجلة ( لوبوان ) الفرنسية على الخلط بين الاحداث؟ .. لتقدم تحقيقا يوحي بترنح المنطقة المغاربية ! “
في خضم الاحداث المثيرة التي تعيشها تونس والجزائر، والإنزعاج الذي تشكله الحركات الإسلامية في المغرب العربي لفرنسا ، عمدت مجلة ( لوبوان ) الفرنسية، إلى نشر تحقيق يتضمن عدة مقالات توحي بما يسود الأوساط المالية الفرنسية التي تنطق المجلة باسمهم ، من قلق من جراء الانعكاسات التي يمكن أن يحدثها ما يسود من تطرف وسط تلك الحركات ، ومن خلال القراءة الأولى لاستعراض ما تضمنته تلك المقالات ، فإن لي شخصيا عدة مؤاخذات تمس في الشكل وفي العمق الطريقة التي قدم بها الملف :
فمن حيث الشكل لا يوجد ما يوحي بان التحقيق كان موفقا في إدماج المغرب في مواده ، لأنه اعتمدعلى ما كتبه مراسل المجلة في تونس بينوا ديلماس ، وعلى ما صاغه الكاتب الجزائري المرموق كمال داوود ، دون إن يكون أي منهما قد زار المغرب زيارة استطلاعية ليتعرف على الوضع في عين المكان عن طريق الاتصالات المباشرة والزيارات الميدانية .
اما من حيث محتوى التحقيق، فقد بدا لي أن مقدمي التحقيق والكتاب قد أختلطت عليهم الأمور ودمجوا بشكل اعتباطي الأوضاع المضطربة في كل من تونس والجزائر مع الوضع المستقر والآمن في المغرب .
ويمكن لي أن أقول بأن مراسل المجلة في تونس تشابكت أمامه الاستنتاجات واختلطت مع بعضها البعض لتنتج فذلكة أدبية تقارن الأوضاع في كل من تونس والجزائر، مع الأوضاع في المغرب ، ودمجها في بوثقة واحدة ، وقد تخيل الكاتب كون الجامع بين الأوضاع في الأقطار المغاربية كلهاً هو الحركات الإسلامية ، مع أن تيارات هذه الحركات تختلف بعضها عن بعض ، ولا ترتوي من نبع واحد ، وهو إذ جمعها بوثقة موحدة أبان عن جهل بما يوجد من خلاف بين تلك الحركات والإطار ألذي تعمل فيه كل حركة على حدة والسيرورة التي مرت بها .
ربما تتاح لي الفرصة فيما بعد لتناول ما قدمته المجلة بالنقد الموضوعي لأوضح الأخطاء التي وقعت فها المجلة وكتابها ، ولا يمنعني ذلك من تقديم ما كتبته على عجل ، لأتساءل أولا ، وأتوجه بالخطاب بصفة أساسية الى الكاتب المحترم كمال داود فأقول :
هل يحق لي ككاتب أن أعلنها ثورة ضد زملاء من الكتاب الذين يسايرون الطلب المقدم لهم مجهزا بآفكار مسبقة ، كما حدث مع مجلة ( لوبوان ) ، فيتحدثون عن وجود تماثل وتقارب بين أنظمة وأوضاع مختلفة بعضها عن بعض في كثير من الجوانب ، كما هو الحال في المنطقة المغاربية ، ثم يخلطون بين تصورهم لوضع يبدو مستقرا كما هوالحال في المغرب مع أوضاع أخرى ، وأكبر شاهد على ما يتمتع به المغرب من استقرار تضاعف الاستثمارات وتعدد المشاريع الكبرى المنجزة في شماله وفي جنوبية ؟، لقد فعلوا ذلك وهم يتحدثون عن الوضع في الجزاير وفي تونس ، حيث يعاني شعباهما من تبعات ذلك الوضع المضطرب وما يمكن أن يؤول إليه ليصبح مصدرقلق وانزعاج داخليا وخارجيا.
ويحق لنا أن نتساءل ، كيف يمكن لمراسل في تونس أن يتحدث عن الأوضاع في المغرب وهولم بزره ولا يتوفر على المعطيات التي تتيح له الكتابة عن تلك الأوضاع ثم تجرأ على ذلك ، فقط لأنه طلب منه أن يفعل .
ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة للكاتب الجزائري الذي كان عليه كمثقف كبير، أن يفكر ليصل الى حقيقة الأوضاع من خلال الاستنتاج التالي :
أن ربع قرن من القطيعة بين المغرب والجزائر تمثلت في إغلاق الحدود ، وانعدام الواصلات وتوقف المبادلات التجارية تقريبا وغيرها ، جعلت الأوضاع تختلف من بلد إلى بلد .
وإذا ما أنطلقنا فقط من الفترة المتقاربة التي وصل فيها إلى الحكم جلالة الملك محمد السادس، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، فإننا نجد أن المغرب في عهد محمد السادس، تميز بالتخطيط لمشاريع عمرانية وإنمائية غير مسبوقة وبتنفيذها بإحكام ، وتميز كذلك بحكامة جيدة ، وفوق كل ذلك بقيادة صارمة تسهر تنفيذ المشاريع الكبرى المخطط لها بإحكام ، وليس المجال هنا لجردها بتفصيل ٠كما تميز بالانفتاح على محيطه الإفريقي .
فلماذا إذن أتعمد الإشارة إلى تلك المشاريع التي أدعو من يهمه الأمر، إلى محاولة الاطلاع عليها ليتأكد مما قطعه المغرب من خطوات ؟ لقد فعلت ذلك لان المنجزات الأقتصادية الكبرى ، وحتى الصغرى هي الكفيلة بأشاعة السلم الاجتماعي ومن تم الامن والاستقرارالذي يسود ربوع المغرب ، بلامنازع .
وإذا رجعنا إلى الخلط الذي وقع فيه مراسل (لوبوان) والكاتب كمال داود ، يحق لنا أن نقارن ما حصل إيجابيا بالمغرب، مع ما حصل سلبيا في الجزائر ، حتى وإن كانت لا تعجبني المقارنة مع هذا البلد الشقيق، الذي أتمنى لشعبه الخير العميم ، وأفضل المقارنة بمن حقق النهضة لدولته أو حافظ لها على مكانتها كدولة متقدمة ومسالمة ، وأقول متسائلا : ماذا تم إنجازه بالقابل في الجزائر ؟ وكيف كانت طبيعة الحكم فيها خلال العقدين السابقين ؟ .
الواقع أنه بعد اقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بطريقة مهينة ، وسقوط أركان الحكم في جانبه المدني على يد المؤسسة العسكري الحاكمة في البلاد، تم الكشف عن طبيعة الحكم الذي كان سائدا في الجزائر والذي يستحق الإدانة لا فقط لجانبه المدني كما حدث ، بل وأيضا لجانبه العسكري .
ويبدو مما كشفت عنه محاكمة رموز الحكم والأوساط الاقتصادية المرتبطة بهم أن الجزائر كانت تخضع لحكم عصابة تصرفت في مقدرات البلاد بشكل عشوائي إذ كان مصير أكثر من ألف مليار دولارالتبذير والنهب والتوظيف في مواجهة ومحاربة المغرب ، دون التفكير في تأمين الحاجيات الأساسية للسكان وبالقدر الكافي ، ولا نحتاج الى مزيد من التفصيل في هذا المجال، فماذا حدث نتيجة لذلك ؟ يطول الحديث لو أثرنا الثورة السلمية الشعبية وتخبط النظام في إخراج مشروع ( الجزائر الجديدة ) ألى الوجود وأذا ما عرجنا على محاولات النظام البائسة التي تنسب الفشل في معالجة معضلات الجزائرإلى المؤامرات الخارجية .
الدار البيضاء 20 غشت 2021
عبد السلام البوسرغينيىى
التعليقات مغلقة.