ما الذي خفف من ارتيابنا إزاء اسبانيا.. وضاعف من تخوفنا إزاء الجزائر؟ ! | حدث كم

ما الذي خفف من ارتيابنا إزاء اسبانيا.. وضاعف من تخوفنا إزاء الجزائر؟ !

لم تعمرأزمتنا مع إسباني أكثر من سبعة أشهر بالرغم مما سادها من توتريرجع أساسا إلى الموقف المريب إزاء قضيتنا الأساسية أي وحدتنا الترابية ، ولقد ساهم في تأجيج الأزمة إثارة ذلك النزاع ا لتاريخي المزمن حول مدينتي سبتة ومليلية ، وهو خلاف ندرك أن الزمن وما يفرضه من التحلي بالصبر ، كفيل بأن يتولى تسويته إن عاجلا أو آجلا ، مثلما ندرك أنه ليس من اللائق أن يكون عائقا في وجه التفاهم والتعاون .

نعم لقد جاء خطاب جلالة الملك يوم 20 غشت ليبعث الاطمئنان على مستقبل العلاقات المغربية – الإسبانة ،وسرعان ما جاءت الاستجابة من رئيس الحكومة الإسبانة فيرناندو سانشيز لتؤكد أن اسبانيا عازمة على الارتقاء بتلك العلاقات الى أسمى مستوى ٠.

وإنه لمن سخرية القدر أن يجد المغرب نفسه أمام جيران لنا تجمعنا معهم علاقات الأخوة والمواثيق الكفيلة بأحلال جو السلام والاطمئنان إلى جانب العامل الجغرافي ، لا يرغبون في تسوية أزمتنا المستعصية معهم ، فهل يوجد ما يساعد على التسوية أسمى من ميثاق اتحاد المغرب العربي المبرم سنة 1989 بما يتضمنه من التزامات من شأنها أن تحقق آمالنا المغاربية في مستقبل مزدهر؟ وهل يوجد ميثاق أجدر من اتفاقية 1972 التي كان من المفروض أن تجعل الحدود أفضل مجال للتعاون لا وسيلة لخلق النزاع بين المغرب والجزائر؟.

وإنه لمن المؤسف والمؤلم أيضا أن ارتيابنا من جارتنا الشرقية سيظل كبيرا ، وعلى العكس من ذلك فإن تخوفنا من مضاعفات نزاعنا مع أسبانيا سرعان ما تبدد ، لأننا وجدنا أنفسنا في الواقع امام رجال لهم تكوين سياسي وتدرجوا في المسؤوليات المدنية المرشدة الى سلوك سبل الصواب والى تجنب المحظورات ، وإن الميل ألى هذا الاحتمال توحي به سلوكات وتصرفات الساسة الأسبان ، من ذلك امتناعهم عن شن أية حملة ضد المغرب ومعارضة بعضهم انضمام ممثلين عسكريين من وزارة الدفاع إلى اللجنة التي شكلت لتتبع الأوضاع الناشئة عن التخوف من التسلح الذي أقدم عليه المغرب ، ومن الشكوك التي تحوم حول مستقبل الوجود الإسباني في مدينتي سبتة ومليلية ، وقد دلت تلك المعارضة على حرص المسؤولين السياسيين على الحيلولة دون تغلب الاعتبارات العسكرية على الاعتبارات المدنية ، وهو حرص تتميز به الأنظمة الديموقراطية ، كما رأينا ذلك لدى تشكيل حكومة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن ، عندما ترشح ضابط برتبة جنيرال لتولي مسؤولية وزارة الدفاع وكان عليه الحصول على ترخيص من الكونغريس يعفيه من العرف الذي يحول دون وصول الضباط إلى التحكم في البنتاغون ضمن الوزراء المدنيين المنصبين ٠بعد تعيينهم من قبل الرئيس الجديد .

وإنه لمن سخرية القدرأننا نحس بالإطمئنان إزاء إسبانيا ولا نحس به إزاء جارتنا الشقيقة الجزائر، فالأوضاع التي تعيشها مواجهتنا مع الجزائر توحي بكثير من الريبة ، وأخطر ما يواجهه المغرب حاليا هو التهديدات الصريحة الصادرة عن المسؤولين المدنيين والعسكريين ، ألى جانب تمكين فلول الانفصاليين من أحدث الأسلحة الهجومية والتصعيد الذي ما فتئت تتجرأعلية أجهزة الإعلام الجزائرية وتعبئة أفراد من النخبة الأكاديمية ، وذلك بهدف تأليب الرأي العام الجزائري ضد المغرب باستهداف قيادته دون مراعاة ما تقتضيه وتوجبه التقاليد المرعية والقيم النبيلة ، ويحدث ذلك مشفوعا باتهامه ظلما بالتآمر على الجزائر، وذلك بالبحث عن الأسباب الواهية.

ويرجع تخوفنا وارتيابا من الجزائر مما يمكن أن يؤدي إليه سلوك من يحكمها حاليا ، فالذين يتحكمون في تدبير شؤون البلاد بما فيه الأمن الداخلي الذي يجري حوله النقاش حاليا هم من الجنرالات قادة المؤسسة العسكرية الذين اكتسبوا تكوينهم في الثكنات وورثوا السلطة من النظام العسكري المفروض على البلاد ، لا من التكوين السياسي الذي يخضع لمقاييس وقواعد الحكم الديموقراطي الضامن لقيام الحكم الرشيد وللتعايش مع المحيط الإقليمي للبلاد من أجل ضمان الأمن والسلام والإطمئنان ، وإنها لمعضلة ، بقدر ما يصعب حلها بقدر ما يحارالمرء في إدراك اسبابها ، ومع ذلك فإننا واثقون من قدرة قيادتنا على مواجهة كل الاحتمالات ، بما فها نشوب نزاع مسلح مباشر مع الجزائر

الدارالبيضاء 22 غشت 2021

عبد السلام البوسرغيني

 

التعليقات مغلقة.