الاتحاد الاشتراكي.. استراتيجية التقدم إلى الخلف 2/2 – حدث كم

الاتحاد الاشتراكي.. استراتيجية التقدم إلى الخلف 2/2

أنور المرتجي.. (الجزء الثاني):  لقد انخرط  حزب الاتحاد الاشتراكي  في الانتخابات الاخيرة ، التي عرفت اقبالا مُواطنيا واسعا وارتفاعا حماسيا منقطع النظير، خصوصا في المناطق الجنوبية ،الذين أبانوا عن مواطَنة حماسية مغربية رفعت نسبة المشاركة الانتخابية للجماهير إلى  مداها، ولقت صدى  واسعا لدى الرأي العام  الوطني والدولي، لكن بالرغم من هذا الوضع المفارق الذي يعيشه الحزب،نجد أن الكاتب الأول ادريس لشكر يصرح لجريدة”القدس” قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة عن تنبؤاته الاستشرافية، التي رأى فيها  أن  حزب “الوردة ” (سينتقل من20 برلماني  إلى ان يتبوأ الصف الأول) و من هنا يمكننا أن نسأله بتواضع كبير، مع الشاعر الكبير فتحي سرور  في مسرحيته (منين أجيب ناس ؟) فالناس قليل  أو بالأصح المناضلون قليلون والكلام كثير ،ومن جملة البدع  التي استحدثها الكاتب الأول ما أسميه بالإيديولوجية الشفاهية التي تتمثل في تصريحاته العديدة قبل انطلاق  الحملة الانتخابية  وتتعارض مع مقررات المؤتمر وايديولوجية الحزب ، والتي لا تلزِم إلا قائلها ، كما نجدها في القاموس الدخيل على  حزب الوردة الذي انتشر  في الحملة الانتخابية الاخيرة،  وليس له أدنى علاقة مع فكر ونضال الاتحاد الاشتراكي،يتجلى في منح الكاتب الأول بسخاء كبير للتزكية للانتخابات لمن لا يستحقونها ، لأن الحزب لم يعد على لسان الكاتب الأول  يشترط  في المترشحين  شروط  الكفاءة والالتزام الحزبي، بل صارت تمنح جهارا للخارجين عن التنظيم الحزبي بدعوى أنهم أغنياء أو “أعيان” حسب تعبيره، يمتلكون الثروة  لشراء الدمم، و هذه الحالة ليست سوى الوجه الآخر لما كان يسميه الاتحاديون بالفساد الانتخابي.

و الأدهى و الأمَر، أن المسؤولين صاروا يستعملون هذه الورقة لتتمة إفراغ الحزب من منضاليه  الأوفياء و لا يخجلون في ترهيب  المناضلين الحزبيين الأقحاح باستعمال فزاعة عدم امتلاكهم  للثروة لشراء التزكية الحزبية  والقيام بالحملة الانتخابية،  التي صارت تمنح  في الحزب  بأريحية باذخة  لفئة اجتماعية مارقة، لايُعرف لها ذكر في أدبيات الفكر الاشتراكي، أو تمنح   لبعض المتخلي عنهم الوافدين من جهة بعض الأحزاب الإدارية الصغيرة ، وأحيانا تمنح في إطار تصريف الخدمات المتبادلة (مرشحة مراكش مثلا)، ولقد نتج عن تزايد  أصحاب الشكارة  الذين فازوا بالمقعد البرلماني  في الانتخابات الأخيرة ،أنهم سوف يكون بمُستطاعهم مستقبلا،وتحديدا في المؤتمر المقبل أن يحدثوا  انقلابا في البنية الديموغرافية والتنظيمية والتقريرية والتنفيذية  لحزب الوردة، ستؤهلهم إلى فرض “هيمنتهم” بالمعنى الغرامشي كأغلبية  كمية  وعددية  على كل دواليب القرار في حزب الاتحاد الاشتراكي.

  فإذا أخذنا مثلا الفوز الأخير للحزب ب35 مقعدا وبفارق خمسة عشر برلمانيا عن التجربة السابقة،فإن هذا التقدم العددي والافتراضي  المتضخم،لا يعني أن الحزب يتقدم إلى الأمام ، خاصة إذا عرفنا أن من ضمن المناضلين الأوفياء  للحزب في هذه القائمة ، لا يتجاوز عددهم  سوى اثني عشر برلمانيا، بينما البقية هي من فئة “الأعيان” الدخلاء الجدد على حزب القوات الشعبية ، وسوف  يؤثر هذا التحول الديمغرافي الجديد على الأداء السياسي الحزبي مستقبلا، بحيث أن مشاركتهم في الحملة الانتخابية كانت شبه غائبة.

ففي دائرتي الانتخابية انتظرت طيلة فترة الحملة الانتخابية زيارة مرشحنا الذي يعد من الأعيان الجدد، للمجيء إلى  الدائرة التي أسكن فيها، لكنه لم يفعل، فرفع بذلك عني الحرج ، لأنني حتى يوم التصويت لم أكن أعرف اسمه أو صورته، ،كما أن قراءة تأويلية  لقائمة البرلمانيين الفائزين في الانتخابات  كانت على حساب المناضلين الأوفياء الذين لم يفوزوا في قِلاع  الاتحاد بمدينة الدار البيضاء والمدن الكبرى ، مقدما بذلك ، رسالة سلبية للمناضلين الأوفياء بأن  مستقبل الحزب سيكون بيد الأعيان،وأنه انتقل من حصون المدن الحواضر الاتحادية إلى  المدن الصغري القريبة من البوادي، وهذا له دلالته الإيديولوجية التي تفصح أن الحزب قد غير معطفه السياسي، وتعرض لعملية ترييف كاسحة لبنيته التنظيمية وإبعاده عن الطبقتين الوسطى والصغرى اللتين كان ينتمي إليهما حزب الوردة ،الحاضنتين دوما لقيم الأنوار والتغيير، وكذا افراغه من طاقته الابداعية الخلاقة وجعله كباقي الأحزاب الإدارية  الأخرى، مجرد رقم كمي لا يقدم للمشهد العام أدنى اضافة تذكر.

 في هذا المساق، يمكن فهم سحر هذه الأرقام  (35 )عضوا برلمانيا، بالفارغة من كل معنى ايجابي، لأنه لم ينج منها إلا اثني عشر برلمانيا هم من المناضلين الأقحاح  والباقي من “المؤلفة قلوبهم” ،ولقد تم الترويج لهذا الرقم السحري  على أنه انتصار باهر للحزب يستحق التبريكات والتهاني من الأحزاب الشقيقة ، لكن هذا الرقم تم تضخيمه افتراضيا  ” كالقط يحكي انتفاخا صورة الأسد “لأن هذا الرقم للاعتبارات التي ذكرناها أعلاه،لا يعبر عن التقدم  المتوجه إلى الأمام، إنه أشبه بالمشي على “سجادة الرياضيين المتحركةTapis Roulant” ،التي كلما ركضْتَ فإنك لا تبرح مكانك،،لقد تذكرت في هذا الصدد قولة خالد الذكر الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد،عن المقاعد البرلمانية الفارغة، عندما  فاوضوه على مقعده المستحق في أغادير، فقال قولته الشهيرة “إن المقاعد لا تهمنا إذا كانت مزورة”.

إننا لا نفكر في المعارضة الا عندما نُحْصر فيها قسرا  ،وعلينا أن لا ننظر إلى التواجد في المعارضة بالمقارنة مع التجربة التي خاضها الحزب قبل حكومة التناوب ، لأنه ببساطة،”نحن لا ننزل إلى النهر مرتين” كما قال الفيلسوف اليوناني، ومغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس ، بتغير رجالاته ومساقاته المرجعية واختلاف مكونات المعارضة وبتبادل  أدوار الفاعلين فيه،إن  التواجد في موقع المعارضة ليس بالأمر الهين ، لقد اخترنا جهة المعارضة ليس عن  طواعية، أوكما يقال، رُب ضارة نافعة,

 لقد أثبتنا بأن القيام بالمعارضة يستلزم أن تمتلك الأليات الرافعة  لكسب الرهان من أجل الحصول على أغلبية أصوات الناخبين وللوصول إلى السلطة وتشكيل الحكومة، و كسب مزيد من المؤيدين و الأنصار للحزب  وإيجاد البرامج التعبوية باعتمادها على جماعات الضغط و النقابات الاجتماعية والجمعيات الثقافية التي لها تأثير في الوسط الاجتماعي، وكذلك وهذا هو الأهم بتوحيد حزب الوردة الكبير، من خلال  مناضليه الأكفاء لأجل أجرأة هذه الاختيارات والمرامي التي تبقى اليوم بعيدة المنال ، لكن أملنا كبير في أن نجعل من المؤتمر القادم  فسحة للعمل والتفكير والاستنهاض في واقع ومآلات  الحزب والمجتمع،وكما قال طيب الأثر المناضل الديمقراطي عبد الرحيم بوعبيد (إن الاتحاد الاشتراكي نهر جارف لا يجف مهما كانت فصول السنة)

 

التعليقات مغلقة.