الجيلالي بنحليمة: تطرح شروط الانتقاء، التي فرضها شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، لولوج مهن التدريس، وهي المتعلقة بشرطين أساسين يتعلقان بالسن والميزات المحصلة في الباكلوريا والإجازة، عددا من الأسئلة التي تبقى لحد الساعة دون جواب.
أول هذه الأسئلة، ما دام أن شكيب بنموسى، يثق في خطته لإصلاح منظومة التعليم ويثق في أن الأهداف التي سطرها، لا يمكن بلوغها إلا بموارد بشرية بكفاءة معينة وقادرة لوحدها، ودون غيرها على بلوغ الهدف المرسوم بدقة، وعليه ما الضرورة التي استدعت فرض سن معينة وفرض الميزات لولوج مهن التدريس. لنبسط الفكرة قليلا لنفرض أن بنموسى مدرب كرة قدم ويعرف تمام المعرفة مقدرات لاعبيه، ويعرف مثلا أن ثلاثة لاعبين ألف وباء وجيم قادرين لوحدهم على تسجيل ضربات الجزاء، فخياره يقع عليهم لوحدهم في هذه المهام لكن هذا لا يعني عدم إشراك باقي اللاعبين في المباريات.
الأهم في هذه النقطة هو أن يكون الهدف محددا بدقة ومهما كانت المشاركة واسعة العدد فلن يستطيع الكل بلوغه، ما يعني أن هذا الهدف عندما يكون مسطرا بالدرجة الكافية، فإن مدبري الشأن العام سيضعون المتبارين أمام امتحان تحقيق الهدف بغض النظر عن سنهم أو ميزات الشواهد.
وإلا فإن حالة بنموسى تشبه حالة المتشكك في الهدف المسطر في مرسوم الانتقاء أو أن يحمي فئة معينة من أصحاب الميزات والسن الذي لا يفوق الثلاثين سنة من أن يكون غيرهم أقدر على بلوغ الهدف.
ثاني هذه الأسئلة، التي تبقى عالقة ولم يجب عنها لا بنموسى ولا كاتب وزارته العام، هو كيف وصل هذا القرار لفكرة أن فئة معينة من الطلاب هي القادرة فعلا على تحسين مستوى التدريس في بلادنا؟ ألم يكن الأجدر أن يقدم بنموسى إحصائيات عن التجارب السابقة دعما لموقفه من سن التدريس والميزات الواجبة لولوجها، ليعلم الرأي العام أن وجهة نظره لها ما يدعمها فعلا من خلال الميدان. والأكيد أن بنموسى إما أنه لا يتوفر على هذه المعطيات أو أنه لا يريد النظر فيها إطلاقا لأنها حتما ستدحض ما بنى عليه قراره.
ثالث هذه الأسئلة التي ينتظر الرأي العام جوابا شافيا لها، يتعلق بعملية تسقيف السن نفسه، ألا تفرض مثل هذه العمليات ( أي التسقيف) وضع حدود دنيا وحدود قصوى؟ فكيف يُعقل على سبيل المثال أن نصدق أن أستاذا في سن الثلاثين هو القادر على إنجاح المنظومة التعليمية في حين قد نجد أن الفصل الذي يدرس فيه يجاور فصلا أخرا يُدرس فيه زميل له ذو ستين سنة أو ما يفوق ذلك؟
رابع سؤال ويبدو من الأهمية ما يجعل قرار بنموسى وحوارييه غير مسنود على أساس متين، بل غير مسنود على أي أساس، يقر الخبراء أن منطلق إصلاح المنظومة لا بد أن تكون نقطة بدايته من المخططات المؤطرة وفي حالتنا هذه توجد بين يدي الوزير وثيقتان مهمتان، الأولى هي الرؤية الاستراتيجة لإصلاح منظومة التربية والتكوين 2015، 2030 وهي الوثيقة التي قدم لجلالة الملك كثمرة لاشتغال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وقدمت بعنوان عريض “من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء“.
قدمت هذه الوثيقة تشخيصا لواقع المدرسة المغربية، وعلى الرغم من تعداد المكتسبات التي تم تعدداها ضمن ذات الوثيقة، لكن التشخيص المذكور اعتبر أن المدرسة العمومية لا زالت تعاني من من اختلالات وصعوبات مزمنة، كشف عنها التقرير الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، سنة 2014 حول “تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبحث العلمي 2000-2013 :المكتسبات والمعيقات والتحديات“
واعتبرت هذه الوثيقة أن هذه الاختلالات ترتبط في عمومها بضعف تماسك وانسجام مكونات المنظومة التربوية.
ومستوى نجاعتها ومردوديتها الداخلية والخارجية، وملاءمة مناهجها وتكويناتها مع متطلبات المحيط، وذات صلة أيضًا بالنقص الشديد في إدماج بنيات مجتمع المعرفة وتكنولوجياته المتجددة، وبمحدودية مواكبتها لمستجدات البحث العلمي ومجالات التنمية البشرية والبيئية والثقافية“.
لكن الأهم في استعراض الوثيقة المذكورة لأعطاب المدرسة العمومية أنها لم تأت على عطب محتمل مرتبط بسن الموارد البشرية في منظومة التربية والتكوين أو مرتبط بالدرجات التي حصل عليها المدرسون في سنوات الباكلوريا والإجازة.
الوثيقة الثانية التي تُعد مرجعا مؤطرا لكل إصلاح في المنظومة، هي المتعلقة بالقانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين، والذي أثار الكثير من الجدل بسبب اعتماد هندسة لغوية تعتمد اللغات الأجنبية في المواد العلمية والتقنية. القانون الإطار اعتبر أن التكوين يُعد بالأساس شرطا لازما لولوج مهن التربية والتكوين والبحث العلمي، فضلا عن الاستجابة للمعايير والمؤهلات المحددة في الدلائل المرجعية المشار إليها في المادة 37 التي حددت مهام وكفايات الأطر التربوية والإدارية والتقنية المنتمية لمختلف الفئات المهنية العاملة في مجالات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في دلائل مرجعية للوظائف والكفاءات، تعتمد لإسناد المسؤوليات التربوية والعلمية والإدارية، وتقييم الأداء، والترقي المهني، وفي كل هذا لم تأت هذه الوثيقة الثانية على ذكر ما ورد في قرار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
هذه أسئلة أجدها مشروعة لتطرح على الحكومة وعلى مدبري الشأن التربوي والتعليمي في بلادنا، الذين يعتبرون اليوم أن الارتقاء بجاذبية التعليم تمر عبر جعل مباريات التعليم غير متاحة للجميع أو ما وصف مسؤول حكومي الأمر بأن التعليم لن يكون لوحده مجالا يصدق فيها القول “ادخلوه بسباطكم“.
أحد الظرفاء العارفين بخبايا منظومة التربية والتكوين، اختصر الأمر في سؤال جوهري الإجابة عنه ستحل الكثير من العُقد وفحوى السؤال تقول “ما الذي يجعل أستاذا في القطاع العام يذهب كل صباح لإيصال أطفاله لمدرسة خاصة قبل أن يتوجه للمؤسسة العمومية، التي يُدرس فيها أطفال آخرين لم يستطع آباءهم تلبية مصاريف القطاع الخاص؟
التعليقات مغلقة.