بقلم.. عبدالسلام العزوزي: أفلح حادث سقوط الطفل “ريان” في بئر ضواحي شفشاون في أنسنة الكون خلال خمسة أيام على الأقل، وبعث بشكل جلي رسالة قوية إلى العالم تنطق بسمو القيم الانسانية عن كل ما دون ذلك، وأكد مرة أخرى للعالم سمو نبل المغاربة في التضامن والتآزر ، وفي الصبر على المحن، والجد وقت الضراء.
وحادث سقوط “ريان” في البئر كانت أيضا، محنة مؤثرة عاشها المغاربة الذين حجوا إلى عين المكان يتابعون عملية الحفر ليل نهار، كما تابعها الرأي العام العالمي عبر القنوات الاعلامية العالمية التي غطت الحدث على مدى أزيد من خمسة أيام دون انقطاع…
وأبانت عملية الحفر أيضا، عن خبرة الدولة المغربية بكفاءاتها وأطرها في مختلف التخصصات التي بصمت عن تميزها وحنكتها ودُرْبتِها في التعامل مع هكذا أحداث مفاجأة..وخطيرة.
وأكد سقوط الطفل” ريان” الذي اهتز له الجبل بالقدر الذي اهتز له العالم، أن المملكة المغربية دولة عظيمة ومدرسة في الحضارة الانسانية بكل أبعاد قيمها المثلى وسمو روح شعبها الفياض بالسخاء وقت الشدة أكثر من وقت الرخاء، تلك هي الصورة التي سوقتها وسائل الاعلام الجَادَّة وهي تنقل مباشرة أطوار هذا الحدث الكوني الذي التف حوله صناع القرار في العالم قبل شعوب الكون، في تعبير غير مسبوق عن تضامنهم ودعواتهم للطفل “ريان” بالخروج حيا من قعر البئر، مثمنين الجهد الكبير الذي قامت به الدولة المغربية وباللحمة الشعبية للمغاربة بمختلف أطيافها المجتمعية وتعدد حساسياتها الفكرية والحقوقية والسياسية.
وحيث توفي الطفل، كان ملك البلاد سباقا إلى الاعلان عن الوفاة في بلاغ ملكي رسمي، واتصال مباشر بوالدي الطفل يعزيهما في هذا الرزئ الجلل ويواسيهما في أفق استقبالهما بالقصر الملكي.
خمسة أيام كانت كافية لتبصم على روح الجهاد السخي للمغاربة الأشاوس الذين هبوا إلى عين المكان من كل صوب وحدب، وواصلوا الليل بالنهار مآزرين ومتضامنين ومشجعين لرجال الدولة وأطرها بمختلف مشاربهم وتخصصاتهم، ليبدعوا جميعا سمفونية نضالية وكفاحية وجهادية قوية التأثير، وجاذبة للألباب وأخاذة للعقول. فكانت بحق مسيرة اهتز لها جبل”إغران”الذي هوى في قعره “ريان” على غرة وهو في نصف العقد من عمره. مسيرة تعيد إلى الأذهان محطتان تاريخيتان مميزتان وعظيمتان في سجل التاريخ المغربي المعاصر؛الأولى، لما أمر بطل التحرير، الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه بشق طريق الوحدة في قلب جبال الريف في العام1957 التي هب إليها شباب المملكة في همة كبيرة يتقدمهم أنذاك ولي العهد الأمير مولاي الحسن( الملك الحسن الثاني) الهدف منها ربط شمال المغرب بجنوبه مباشرة بعد جلاء الاستعمار الفرنسي.
والثانية، لما قرر الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، تنظيم المسيرة الخضراء التي استرجع بها المغرب أقاليمه الجنوبية في الصحراء المغربية، والتي هب المغاربة إلى المشاركة فيها بسخاء كبير وسمو عظيم في روحهم الوطنية،وفي كفاحهم المستميت من أجل استكمال الوحدة الترابية والوطنية، تلك المسيرة التي أبهرت العالم أنذاك، ووصفت بالمسيرة المعجزة التي استكمل بها المغرب جزءا من ترابه بشكل سلمي وبدون إراقة دماء، حيث انصرف الاسبان دون أدنى ردة فعل من جانبهم.
وإذا كان للاعلام دور كبير في إشاعة خبر سقوط “ريان”، وفي تهييج مشاعر الناس والتأثير عليها من خلال الضغط المتواصل للشبكة العنكبوتية، حمَّالة غزارة الأخبار المتفاوتة الجدية والموضوعية، ما جعل حدث “ريان” يستبيح القلوب قبل العقول، ويطرح ألف سؤال وسؤال حول ملايين “ريان” التي إما يترصد لها بئر مخفي، و أفعى و عقرب في قرية نائية، أو تحشرها الحرب في مخيمات معزولة لا تحتملها حتى الحيوانات، أو تقذف بها عصابات المتطرفين والارهابيين إلى جحيم الحروب، كما يحدث في مخيمات تندوف وفي العديد من بؤر التوتر بأكثر من بقعة في هذا الكون،حيث يجد الطفل نفسه في مواجهة ظلم بشع ومجاعة فظيعة لا تقْدر طراوة جسمه وفكره على تحديه.
لذلك كان حادث “ريان أورام” أبلغ رسالة إلى صناع القرار في العالم الذين تعاطفوا معه في رسائلهم القصيرة قبل تأكيد وفاته، وبعد الاعلان الرسمي عن وفاته، وهم يعزون ملك البلاد في فقد المغرب للطفل “ريان”. رسالة مفادها أن الطفولة في العالم تعاني الخصاص والهشاشة والاهتمام بها لايفرض فقط التنديد وعقد المؤتمرات وتشكيل منظمات أممية وقارية واقليمية ومحلية ، يبقى دفاعها عن الطفولة دفين رفات الأوراق التي تتزاحم في الرفوف. بل يتطلب وبإلحاح شديد من المنتظم الدولي أن تهب هبة واحدة، كما حدث في قرية “إغران”، وتُفَعِّل قراراتها في حق طفولة الكون الأكثر عرضة للهشاشة والضياع من خلال الاهتمام المباشر بها تغذية وتطبيبا وتعليما.
وكان أيضا، أبلغ رسالة إلى ضمير الاعلام بحد ذاته الذي اشتغل ليل نهار على هذا الحادث، موزَّعا بين الرداءة والجدية في تغطية مسار الخمسة أيام من الحفر لإخراج الطفل “ريان” من قاع البئر. رسالة مفادها أن الذين استرزقوا من وراء “ريان”، لن يفلحوا في أن يكونوا يوما ما إعلاميين حقيقيين، وهم في التفاهة والصلافة والوضاعة منغمسون وبها مهووسون من أجل”صبيبمالي”تسيلهالرداءة والخساسة الإعلامية الرافع شعارها أشخاص تتبرأ منهم الصحافة الجادة ويلعنهم ضميرها، ويرمي بهم نبل “صاحبة الجلالة” إلى الوحل العقيم.
التعليقات مغلقة.