أين الخلل? – حدث كم

أين الخلل?

بينما أردس طلاب ماستر ( الدبلوماسية في تاريخ العلاقات الدولية للمغرب)، مادة الجغرافية السياسية، ونشرح  أهمية ومواقع الدول في العالم ، والموارد الطبيعية والبشرية التي تتضمنها كل دولة، وكيف أن دولا صغيرة المساحة، وكثيرة السكان، ومواردها قليلة ، لكنها غنية مثل سويسرا، مقابل دولة كثيرة المساحة وقليلة السكان وغنية بالموارد وضعيفة مثل ليبيا، وفي المحاضرة كان تطبيق العديد من النظريات الجيو سياسة على خريطة المغرب الجغرافية الطبيعية والبشرية، مع تميز المغرب بموقعه الجغرافي وموارده المتعددة، وأثناء الحديث عن المغرب تبين لنا أن المغرب يملك مقومات الدولة الصاعدة لأسباب متعددة، تقدم أحد الطلبة الباحثين فطرح السؤال التالي :

س/ أستاذي الكريم عندما نقرأ عن المغرب في كبريات الصحف المتخصصة في المجال الإقتصادي والإستراتيجي ندرك أن المغرب ينمو بسرعة وأصبح قوة إقتصادية ونموذج للقيادة والريادة في القارة الإفريقية، وأن المغرب بفضل الدبلوماسية الملكية الحكيمة إستطاع أن يقنع القوى العظمي بحقوقه التاريخية والسيادية للصحراء المغربية،

لكن على المستوى الداخلي نجد أن الأمور لا تمشي بالشكل المطلوب، بل أن بعض الأمور تتراجع يوما بعد يوم يأستاذي أين الخلل ؟.

فكان من الضروري أن أجيب على مستوين، بحيث تكون الإجابة على المستوي العلمي والأكاديمي المتعلقة بالمجال الجيوسياسي بناء على الأفكار والنظريات التي تراكمت في هذا المجال والتي تعرف هي الأخرى تحولات سريعة كل فترة، تم نجيب على المستوى الداخلي المقصود بالسؤال،

وكانت الإجابة تعتمد على المستوى السياسي تم على المستوى الأداري،

بالنسبة على المستوى السياسي، فقد تبين أن الديموقراطية العددية والرقمية ليس بالضرورة أن تؤدي إلى خلق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، بمعنى أن الديموقراطية الإنتخابية

قد تساهم في تطوير الديموقراطية محليا، وتعطي صورة جيدة في الخارج، ولكن لا تملك عطى سحرية لإيجاد حلول جذرية للمشاكل المطروحة، ولقد سجل لنا التاريخ في العديد من الدول الأوربية الديموقراطية، كيف تنتخب حكومات وتفشل وتعاد الإنتخابات وتصعد نفس الأحزاب ونفس النخب السياسية، حصل هذا في إيطاليا في أكثر من مرة، وحصل هذا كذلك في إسبانيا،

وأحيانا بعض الدول لظرف معينة تقوم بتغيير الحكومات بدل تغيير الإنتخابات لربح وقت، وإرجاع ولو قليلا ثقة المواطن في مشاريع التنمية،

ويبدو أحيانا أن المجتمع يعجز عن فرز النخب المطلوبة، نظرا لإعتزال نخب كثيرة عن العمل السياسي بسبب سلوك بعض الأحزاب السياسية، كما أن الناخب إذا لم يتخير في عدده، وفي فهمه ، وفي ثقته بالتغيير ، فإن الوضع الداخلي سيستمر، وفي الدول الديموقراطية نجد أن الفاعل الحقيقي هو الناخب، وبالتالي هو الذي يتحمل مسؤولية فشل الأحزاب السياسية أو نجاحها، وعليه فإن المواطن كلما إلتزم بأداء الواجبات تمكن من الحصول على الحقوق، ونحن في المغرب قبل أن نحمل المسؤولية لما يقع من مشاكل إقتصادية وإجتماعية لأي جهة، يجب أن نحمل المسؤولية للناخب الذي لايؤدي واجبه في مشاركة الإنتخابات، ولا المشاركة في المؤسسات، مع الإشارة أن المسؤولة تتحملها الأحزاب السياسية كاملة في تدبير الوضع الداخلي على المستوى الإقتصادي والإجتماعي، لأن المغرب لن يستورد أحزابا وناخبين من الخارج، ولن يستورد حكومات من الخارج، ومع الأسف أصبحت بعض أحزابنا السياسية مزارع مغلقة في وجه المواطنين، وتحصن نفسها عن أي مراقبة، وترفض أي توجيه أو نفذ أو تغيير، بل أن بعض الأحزاب تحول كل مؤسساتها إلى مؤسسة واحدة ووحيدة هي الأمين العام، وهذا ماجعل بعض الأحزاب السياسية تتحول إلى مؤسسات فاشلة لاتستفيد منها الدولة في تأطير المواطنين ولا في خلق نخب جديدة، وهذا نوع أخر من الفساد السياسي،

كما الإفراط في الثقة الإفتراضية لبعض الأحزاب قد يكون هو سببها إنهيارها سواء كانت في الحكومة أو في المعارضة.

. أما على المستوى الإداري، فهناك مساطير وسلوكيات تعرقل التنمية في المغرب، ولهذا يجب أن يكون هناك إصلاح إداري قوي بسن قوانين جديدة، وبربط المسؤولية والمحاسبة، كما أن العديد من برامج التنمية القطاعية ، إما تخطط ويتم المصادقة عليها ولاتنجز ، وإما تبدأ متعثرة ولم يستكمل أنجازها، وإما يتم إنجازها بعيدة الشروط المطلوبة، وبها شبهات فساد مالي وإداري، كما أن الوعود الإنتخابية أصبحت كلها إفتراضية، بل أن بعض البرامج الحكومية هي الآخرى دخلت إلى عالم الإفتراض، فتوفير مليون منصب شغل التي يتم الإعلان عنه من طرف الحكومات لم يحصل أبدًا ، ولايوجد قياس أو آلية للتأكد من ذلك، يبقى المؤكد هو المناصب التي تأتي في قوانين المالية،

هذا الطالب الباحث الذي طرح السؤال هو عينة من المجتمع العريض الذي يطرح السؤال العريض أين الخلل ؟،

وبالتالي تبقى مسؤولية الأحزاب في الوضع الداخلي ثابتة بالدرجة الأولى بالإضافة عوامل أخرى بعضها معروف وبعضها غير معروف.

د.الحسن عبيابة وزير سابق  وأستاذ التعليم العالي

 

 

التعليقات مغلقة.