أزمَةُ دِيمُقراطيّة! – حدث كم

أزمَةُ دِيمُقراطيّة!

أحمد إفزارن:■‌ ديمُقراطيّاتٌ ليست علی ما يُرام۔۔
إنّها في حالةِ تراجُع، علی الصّعيد العالمي۔۔
وفي أُوربّا نَفسِها، تُطرَح بأوساطِ الخُبراء تساٶلاتٌ عَن مُستَقبلِ عالَمٍ تتهاوَى فيه التّجارِبُ الدّيمُقراطية۔۔
وكيفَ يا تُرَی يَكُونُ شَكلُ العالَم، إذا انتَفَت آلياتُ الحِوار، والتّدبيرِ العَقلانِي، للخِلافاتِ السّياسيّة بين أفرادٍ وجماعاتٍ وأحزاب؟
هذا حالُ كثيرٍ من دُولِ المَعمُور۔۔
والإشكالُ يَكمُن في انتِخاباتٍ مُتَتاليةٍ يُقالُ فيها “إنّها لا تَصنعُ الدّيمُقراطيّة”۔۔
■‌ ونَحنٌ أيضًا، في جنُوبِ العالَم، مِنَ الأكثرِ حَساسيّةً بالاهتِزازاتِ “الانتِخابِيّةِ” التي تُكلّفُ ميزانيّات، وتُحرّكُ طُموحاتِنا إلی حياةٍ ديمُقراطية۔۔
وعِندَنا، كما هُو الشأنُ في أمكنةٍ أُخرَی، انتِخاباتٌ تمّ إجراٶُها، ولكنّ الدّيمُقراطيةَ ما زالَ الجمِيعُ، وبكُلّ اللّغات، في انتِظارِها علی أرضِ الواقع۔۔
ويُقالُ عِندَنا، نحنُ أيضًا: هذا الانتِظارُ الوَردِي منَ النّمَطِ الذي قد يَطُول۔۔
والدّيمُقراطيةُ المُنتَظَرَة، رُبّما ورُبّما۔۔
وإلی الآن، ليسَت لها إطلالة۔۔
علی العُموم، تأتِي بخَيبةِ أمَل۔۔
■‌ انتِخاباتٌ لا تُثمِرُ واقِعًا دِيمُقراطيّا۔۔
ولقد جَرَت عِندَنا انتِخاباتٌ مَحلّيةٍ وبرلمانية في عقُودٍ سابقة۔۔ وحكوماتٌ انبَثَقَت عن هذه الانتِخابات۔۔ ومِن زَمانٍ إلی الآن، ونحنُ في انتِظارِ انعِكاساتٍ إيجابيّةٍ لصناديقِ الانتخابات، في حياتِنا اليومية۔۔
الدّيمُقراطيةُ المَنشُودَةُ لم يَظهَر لها أثَرٌ في واقِعِنا المُعاش۔۔
• وإلی الآن، نتَسَاءل: ماذا تعنِي الانتخاباتُ إذا لَم تُواكِبْها الدّيمُوقراطيّةُ الفَعّالة؟
أينَ الدّيمُوقراطيّةُ التي منَ المَفروضِ أن نكُون، نحنُ أيضّا، نَنعَمُ بِها جميعًا، مِثلَمَا تَنعَمُ مَناطِقُ من العالَمِ الدّيمُقراطي؟
أليسَت الدّيمُقراطيةُ مَنتُوجًا للانتِخابات؟ وبتَعبيرٍ آخَر: أليسَت الانتِخاباتُ هي تَصنَعُ حياةً دِيمُقراطيّة؟ ألاَ نَستَأهِلُ بَرلمانًا يُحسِنُ التّشرِيع؟ وحُكومةً تُحسِنُ التّدبِير؟
لماذا لا تَرتَبطُ الحُكومةُ بالانتِخاباتِ والدّيمُقراطيّة؟
ما زِلنا نُعانِي مِن بَونٍ شاسِعٍ بينَ التّمنّي والواقع۔۔
الانتِخاباتُ قد مَنَحَتنا وُرُودًا مَعسُولة۔۔ والدّيمُقراطيّةُ ما زالت كما كانت، حُلمًا لا يُطبَّق؟
لماذا تَركَبُ الانتخاباتُ علی حُلمِنا الديمُقراطي، فقط لتَسلُّقِ أحزابٍ إلی الحُكم؟
ومَن المستَفِيدُ مِن انتخاباتٍ مَغشُوشة؟
وبصراحة: لماذا كذِبَت الأحزابُ علينا، وما زالت تَكذِب؟
ألَم يُنَبّهْها بلَدُنا، قِمّةً وقاعِدة، إلی ترشِيحاتٍ فاسِدة؟
واضِحٌ أنّ عِندَنا خَلَلاً في المَنظومةِ الانتِخابيّة۔۔ خَلَلٌ يَستَحِيلُ أن تكُون لنا معهُ دِيمُقراطيةٌ سَوِيّة، وبالتالي حَياةٌ وطنيةٌ تحتَ أضواءِ حُقوقٍ وَواجِبات۔۔
ولا إشاراتٌ إيجابيةٌ في ذِهنِيَّتِنا الجماعية، لأغلبيةِ الناخِبين والمُرشّحِين، ومِن خَلفِهِم أحزابٌ ليس لها منَ الحِزبيّةِ إلاّ الاسم۔۔
وفي الطريق، مع أحزابٍ طاٸشة، تَضِيعُ أحلامُنا الديمُقراطيّة، ومعَها تضِيعُ بلادُنا۔۔
■‌ ألَم يَحِن وَقتُ المُراجَعة؟
ووَضعِ النُّقَطِ علی الحُرُوف؟ وأن نفتحَ أعيُنَنا كي نرَی الواقع، وهُو: لا عَلاقةَ – في ذِهنِيّتِنا الحِزبيّة – بينَ الانتٍخاباتِ والدّيمُقراطيّة۔۔
هذه الأحزابُ بهذه العَقلية، لا تَهُمُّها إلاّ مَصالِحُ زَعاماتِها، والاستِهتارُ بحقُوق الناخِبينَ المُغرّرِ بِهِم۔۔ وفي قاعاتِ التّصوِيتِ والتّصفِيق۔۔
ما زالت جُلُّ أحزابِنا لا تَعبَأُ – انتِخابِيًّا – إلاّ بأَتْبَاعٍ انتِهازية، وجَحَافِلَ مِن سَماسِرةِ الانتِخابات، و”ناخِبِين” بلا ضمِير، يَبِيعُون أصواتَهُم، وكأنّهُم في أسواقِ النِّخاسة۔۔
وهذه الأطرافُ المُتواطِٸة لعِبَت وتلعَبُ دورَ الوَساطةِ المَصلَحيّة بين “ناخِبِين ومُنتَخَبِين”، وبينَهُما إدارةٌ هي في الظلامِ تُحرّك الخيُوط۔۔
وما كانَت الدّيمقراطيةُ في تَصَوُّرِ هذه الكاٸنات إلاّ سُوقًا لإغراءِ فٸاتٍ اجتِماعيّةِ مِن ذَوِي الهَشاشة، بوُعُودٍ انتخابيةٍ كاذبة۔۔
■‌ إنّ الدّيمقراطيةَ عندَنا مُمكِنة۔۔
يُمكنُ أن تنجَح، إذا أُزيحَت الحواجِز۔۔
ولكنّ العراقيلَ كثيرة، وعلی رأسِها الفسادُ بأشكالِه وأنواعِه، والاستِهتارُ الحِزبي الذي لا يقُومُ بواجبِ التّوعيةِ بقيمةِ وأهدافِ الدّيمُقراطيّة۔۔
وأهدافُ الدّيمُقراطيّة، كما هي مُتداوَلةٌ في الأدبيّاتِ العالمية:
• تحقيقُ مَبادئ الحُريةِ والعَدالةِ والمُساواة۔۔
• والأمنُ الشّخصِي والاجتِماعي والاقتِصادي۔.
• وترسيخُ قِيّمِ الصّدقِ والأمانةِ والتّعايُشِ السّلمِي۔۔
• ومُشارَكةُ الشّعبِ في اتخاذِ القَرار۔۔
فهَلْ دافعَت هذه الأحزابُ وتُدافِعُ عن هذه “القِيّمِ الدّيمُقراطيّة”؟ هل تُحبِّبُ للناخبين المعانِي الرّفيعة للدّيمُقراطية؟
الأحزابُ، ما أنْ تَنتَهِيّ الانتخاباتُ وتُعلِنَ التّلفزةُ نتيجةَ “الفاٸزين”، حتی تنسَی ما تحسِبُه الأحزابُ “برامِجَ انتِخابيّة”، وتَتفرّغَ لصَفقَاتِها الخُصوصية۔۔۔
■‌ وهذه الظاهرةُ لا تَقتَصِرُ علی ما هو الحالُ عِندَنا۔۔ دُولٌ مُتَقدّمةٌ وناميّةٌ في القارّاتِ الخمس، لا تُخفِي أنّ الدّيمُقراطيّةَ عِندَها قد دَخلَت في مَرحَلةِ الخَطَر۔۔
وفي كلّ الأحوال، الدّيمُقراطيّةُ ليسَت انتِخاباتٍ فقط۔۔ إنّها سُلُوكٌ مِنَ المَفرُوضِ أنْ يَنعَكِسَ إيجابيّا علی الحياةِ الاجتِماعيّة۔۔ وأنْ تقُودَ بُلدَانَها إلی التنميّةِ والرّخاءِ والازدِهار والتطوُّر۔۔
فأينَ الأحزابُ والنُّخَبُ مِن حَياتِنا الاجتِماعيّة؟
■‌ عُيُوبٌ تَمنَعُ “الديمُقراطيةَ” من العملِ المُثمِر۔۔
ومِنَ العيُوب:
• ديمقراطياتٌ تمّ التّلاعُبُ بِنتَائجِها الانتِخابية۔.
• الخِدمةٌ الكُبرَی التي تُقدّمُها مَجالسُ نيابية، هي مُوجّهةٌ إلی حكومة، لا إلی مُواطنِين۔۔
• الانتخاباتُ تُلوّنُ المَفهُوم الديمقراطي، لجَعلِها مُجَيَّرَة ونَقِيضَةً للدّيمقراطية۔۔
وفي حالاتٍ نَجدُ التّلوِينَ لا يَخدُم التّداوُلَ السِّلمِي للسلطة السياسية، بقَدرِ ما يُشكّلُ أداةً تَمدِيديّةً لزَعاماتٍ حِزبيّة۔۔
والناسُ يتَساءلُون عمّا إذا كانت الانتِخاباتُ ضرُوريةً للمَفهومِ الدّيمُقراطي المُتداوَل۔۔
■‌ ونأخُذُ العِبرةَ مِن أُورُبّا۔
الدّيمقراطيةُ الغَربيةُ ليسَت علی ما يُرام۔۔ الحديثُ فيها يَدورُ عن “مَرَضِ النّمُوّ”، ويَجمعُ بين التنميّةِ وجاٸحةِ “كورُونا” التي تُواكبُها أفكارٌ مُتَطرّفةٌ عُنصُريّة۔۔
مُفكّرُونَ غربيُّون يُعلّقُون: “برِيقُ الديمقراطية، اللاّمِعُ في الغَرب، قد بدأ يَخفتُ ويُتِيحُ للأفكارِ المُتشدّدة مَوطئَ قَدم”۔۔
وفِيهِم مَن يَتسَاءلون: “هل الانتِخاباتٌ أَصبحَت نَقِيضةً للدّيمُقراطية”؟!
[email protected]

 

التعليقات مغلقة.