مباشرة بعد نشره في الجريدة الرسمية التونسية، والإطلاع على فحواه، خرج رئيس لجنة صياغة الدستور الجديد الصادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري الأسبق، الذي عينه رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد للسهر على إعداد مسودة جديدة لدستور الجمهورية ، بدلا من دستور 2014 والذي كرس بشكل كارثي تقاسم السلط بين مكونات منظومة الحكم برؤوس ثلاثية غير متجانسة ، أقرب منها الى الإستئساد ومحاولة تقسيم مناطق النفوذ داخل الدولة الواحدة.
خرج بلعيد ، موجها انتقادات حادة للدستور المقترح الذي تم عرضه على المواطنين التونسيين من أجل التداول والمصادقة عليه في استفتاء شعبي مباشر أواخر شهر يوليوز الحالي.حيث اعتبر الصادق بلعيد أن الدستور الذي عرضه رئيس الجمهورية قيس على الشعب ، لابمت بصلة للمسودة الأولى التي قدمها لرئاسة الجمهورية ولا تشبه إطلاقا مضامن النسخة التي اقترحتها لجنة صياغة الدستور ، بل ما تم تقديمه يقول بلعيد ، يتضمن مخاطر جسيمة على الحياة العامة للبلاد ،ويمهد الطريق لنظام غير ديمقراطي، ينزع في بعض بنوده الى تكريس دكتاتورية جديدة بصيغ ناعمة.
كما تضمن ترسيخ نظام محلي وإقليمي مبهم وغامض ،قد ينذر بمفاجآت غير متوقعة.منتقدا بقوة الفصل الذي يسمح بتمديد ولاية الرئيس ، واعتبر بالمقابل الصادق بلعيد أن حصر أعضاء المحكمة الدستورية في قضاة يعينهم رئيس الجمهورية ، يقوض استقلالية المحكمة ومن خلالها سلك القضاء. فيما أيدت أحزاب عدة بقوة مشروع الدستور الجديدة معتبرة أنه أعاد تماسك الدولة ووحدة مؤسساتها الدستورية ، وقطعت مع تقسيم نفوذ مؤسسات الدولة، وأعادت نجاعة الحكم ، وتماسك مرافقها ،وأثنت على طبيعة النظام الرئاسي الذي تضمنه المشروع الجديد للدستور ، بخاصة أنه لايخول لرئيس الجمهورية الترشح لأكثر من دورتين. كما أنه ” مشروع الدستور” تصدى بشكل واضح للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ، من قبيل حزب ” حركة النهضة” ، حيث لم ينص على أن الإسلام هو دين الدولة كما كان عليه الحال في دستور 2014 ،بل يعتبر تونس جزء من الأمة الإسلامية ، وعلى الدولة وحدها أن تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية،وتضمن للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة دون تمييز.
كما نص ذات المشروع على أن القضاء والبرلمان والحكومة مجرد وظائف وليسوا سلط كما كان عليه الامر في سابق الدساتير ،سيما دستور 2014 ، باعتبارهم مؤسسات ووظائف في خدمة الشعب ومنه تستمد شرعية جميع المؤسسات، بما فيها رئاسة الجمهورية ،بالتالي لا يمكن أن تمارس عليه السلطة بشكل تعسفي،كما كان عليه الحال في العهود السابقة. وجذير بالذكر أن دستور 2014 وفق مراقبين، كان سببا في تغول مكونات منظومة الحكم الثلاث “رئاسة الجمهورية ،ورئاسة الحكومة ،ورئاسة البرلمان ” حيث كانت لكل سلطة على حدة صفة تقريرية وندية قوية.
ما جعلها تتقاسم مناطق النفوذ بشكل كبير، أدى بالنهاية الى احتدام الصراع بين المكونات الثلاث الى حد القطيعة. ما دفع في نهاية المطاف برئيس الجمهورية قيس سعيد الى استعمال فصول حالة الإستثناء بدستور 2014 ، حيث أقال بموجبها الحكومة برئاسة هشام مشيشي ، وجمد نشاط البرلمان بقبادة زعيم حزب ” حركة النهضة ” رشيد الغنوشي ، ورفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضاءه واوقف جميع الإمتيازات ذات الصلة بالمؤسسة التشريعية ، كما أوقف كافة المنح والتعويضات الخاصة بأعضاء البرلمان. لتستمر الازمة السياسية في تونس لشهور، قبل أن يعلن قيس سعيد عن تعيين لجنة لصياغة دستور جديد الجمهورية،في محاولة منه لانهاء الازمة السياسية والإقتصادية و الإجتماعية وغيرها التي تكاد تعصف بتونس في أكثر من محطة.
ح/م/ا
التعليقات مغلقة.