قراءة في زيارة الرئيس الاميركي جوبايدن للسعودية | حدث كم

قراءة في زيارة الرئيس الاميركي جوبايدن للسعودية

15/07/2022

+د.حسن عبيابة:يبدو أن السياسية الدولية التي سادت بعد الحزب العالمية الثانية، وما تلاها من تحولات جيوسياسية، بعد إنتهاء الحرب الباردة، وظهور القطب الواحد في السياسة الإقتصادية، وما تبع ذلك من عولمة إقتصادية جعلت العالم يشترك في إستهلاك الطاقة والغذاء ومعظم المنتوجات الصناعية الإستهلاكية، كل هذه الأحداث بدأت تتغير نحو تشكيل سياسات دولية جديدة مبنية على موازن القوى الإقتصادية بدل القوى العسكرية، كما أن عودة روسيا من بوابة سوريا، وغيرها من الدول التي لها مصلحة مشتركة تؤكد وجود تشكل سياسات دولية جديدة، لكن الجديد في هذا الموضوع ، هو أن القوى الإقتصادية لم تعد مقتصرة على الدول الصناعية الكبرى، G7, وإنما أصبحت القوى الإقتصادية تتجسد في الدول التي تملك مصادر الطاقة، ومصادر الغذاء، وظهر ذلك جليا في الأثار الإقتصادية التي ظهرت أثناء الحرب بين روسيا وأكرانيا، وبالتالي نجد أن دول الاتحاد الأوربي مجتمعة أصبحت تحت رحمة روسيا، لإستراد الغاز، وتقوم بحرب عسكرية غير مباشرة ضدها، كما أن العالم أصبح مهددا بالأمن الغذائي بعد توقف صادرات القمح من أوكرانيا، بل أن مجموعة G7، إجتمعت عدة مرات منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولم يجدوا حلا أو بديلا عن الغاز الروسي، مما جعل عملية التحكم السياسية الإقتصادية الدولية تصبح خارج الحدود الجغرافية لأوروبا، وخارج الولايات المتحدة الاميركية، وسأعطى هنا مثالا واضحا لدولة عربية، أصبحت تتحكم في السياسات الإقتصادية الدولية وتؤثر فيها بقوة، وهي المملكة العربية السعودية، فالسعودية حاليا هي الدولة التي بإمكانها إنتاج نحو 13 مليون برميل فأكثر، وهي الدولة الوحيدة التي تتحكم في سعر البترول، من خلال التحكم في زيادة إنتاج البترول أو تحفيظه حسب ماتراه مناسبا لمصالحه، وكانت السعودية تقوم بدور التوازن في الأسواق الدولية بخصوص أسعار النفط ، لكنها لم تكن تستخدم هذا النفوذ الإقتصادي الذي يتحكم في نمو العديد من بلدان العالم، منها دول الإتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، ودول كثيرة أخرى، لكن سياسات الولايات المتحدة إتجاه السعودية في كثير من المحطات والمناسبات كانت تتجاهل قوة ونفوذ السعودية، وبمجرد تغيير السعودية لسياساتها الداخلية والخارجية ، كأكبر دولة مصدرة للنفط، في عهد الملك سلمان وولي العهد السعودي محمد بسلمان،
جعل كثير من دول العالم تغير سياستها إتجاه المملكة العربية السعودية، على رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، رغم الهجومات الأميركية على السعودية من طرف حزب الديموقراطين، وما يدور في فلكهم، ويبدو حاليا أن صناع القرار في الولايات المتحدة الاميركية اقتنعوا بعد الأحداث الدولية التي يعرفها العالم أن السعودية قوة إقتصادية ، وجزء من القوى الدولية، وتتحكم في نمو إقتصاديات العديد من دول العالم، إن لم يكن للعالم كله، هذه حقيقة أكدتها الدراسات والأرقام والتصريحات، قبل قدوم الرئيس الاميركي جوبايدن إلى السعودية، وبالرغم من الإنتقاذات التي واجهتها السعودية من بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الاميركية ، ومن بعض دول الشرق الأوسط تحديدا من تركيا، إلا أن الجميع يهرول
الآن نحو إعادة العلاقات مع السعودية، ولا شك أن السعودية خرجت قوية ومتماسكة داخليا بفضل الحكمة والسياسة الجديدة التي تتبعها في جميع المجالات، وخصوصا الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي إتبعها ولي العهد السعودي محمد بنسلمان، والتي كانت ضرورية لضبط الأمن والإستقرار في دولة تنتج أكبر كمية للطاقة في العالم،
لقد كان الحديث عن زيارة رئيس الولايات المتحدة الاميركية إلى السعودية شبه مستحيل قبل أربع سنوات، لكن الآن أصبحت الزيارة مهمة ليس للسعودية فقط ، وإنما مهمة كذلك للولايات المتحدة الأميركية أكثر.
وتأتي زيارة جو بايدن إلى السعودية في ظل ظروف إقتصادية صعبة يمر منها العالم، وفي ظل حرب فرضت على أوروبا من قبل روسيا ، بدون معرفة تاريخ إنتهائها، وما يمكن أن تصل إليه، وحسب التحليلات فأن هذه المرة ستكون الولايات المتحدة الاميركية هي التي ستطلب من السعودية، وليس العكس، حيث ستطلب الولايات المتحدة الرفع من إنتاج النفط ، وستطلب من السعودية الإنخراط في تحقيق السلم في السعودية وفق الإتفافيات المبرمة، أما السعودية فستطلب إحترامها لسياستها الداخلية والخارجية، لأنه بفضل الإصلاحات التي تمت فقد أصبح الإقتصاد السعودي يتطور بسرعة، ويتوسع في مجالات أخرى خارج إنتاج النفط ، ويوفر فرص عمل للشباب السعودي، ويبدو أن السعودية بالرغم من علاقتها الجيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية، إلا أنها وسعت علاقتها مع دول الشرق مثل الصين وروسيا والهند، ويمكن أن نعود في قراءتنا لهذه الأحداث لما بدأنا به، وهو إعادة توزيع القوى الإقتصادية في العالم جيواقتصاديا، والسعودية أصبحت جزءا من هذه القوى الإقتصادية لتحكمها في موارد الطاقة،
وللإشارة فقد أدركت السعودية بأن الولايات المتحدة الأمريكية تبني صراعات في الشرق الاوسط، وتتركها في فوضى بدون الحسم فيها، مما جعل دول الخليج تتكبد خسائر كبيرة، ونتائج قليلية، مما أدى بدول الخليج تبرم إتفاقيات عسكرية مع دول أخرى، وتبقى زيارة الرئيس الاميركي للسعودية حدثا تاريخيا جديدا للسعودية والولايات المتحدة الاميركية، يمكن أن يخلق تعاون جديد برؤية إسترلتجية مشتركة لمصلحة البلدين في أفق تحولات اقتصادية وجيوسياسية لا تخلو من صعوبات ومخاطر.

+وزير سابق وأستاذ التعليم العالي

التعليقات مغلقة.