الحنق من المغرب.. العلة المزمنة في القيادة الجزائرية – حدث كم

الحنق من المغرب.. العلة المزمنة في القيادة الجزائرية

بقلم: طالع السعود الأطلسي: القيادة الجزائرية تُدبِّر علاقات بلدها مع المغرب بموجه صراع الوجود… ولا “تخاصمه” بتبِعات ونوازل احتكاكات الحدود… الحدود الجغرافية، الحدود الاقتصادية، الحدود الديبلوماسية والسياسية. احتكاكات،  مُتوفرٌ العديد منها في علاقات دول كثيرة، وحتى تلك غير المشتركة في الجوار… احتكاكاتٌ، تشتدُّ حين تَدوس مصالح بلد حدودَ مصالح البلد الآخر، أَكانتِ الحدود جُغرافية، أو سياسية أو اقتصادية… وتبقى مُجرد احتكاكات قابلة للتحكم فيها والتفاهم لإعادة رَسْمها واحترامها أو فَتْحها على المنفعة المتبادلة… حتى بعد توترات ديبلوماسية أو حتى عسكرية… جنرالات “قيادة الجزائر صاغوا لحكمهم عقيدة، جوهرُها صراع الوجود مع المغرب… وأسَّسوا تلك “العقيدة” رافعة نفعية لهم، تُدير تحكُّمهم في تدبير الدولة ومركزيتهم فيها… وبالتالي يتحسَّسون لاحتمال فتح مسارات تفتح “حدود” العلاقات المغربية الجزائرية على التفاهم والتضامن والتعاون… لأنها مسارات سيَتقلَّص فيها نُفوذهم وتتآكل فيها صلاحيتهم… ونُمُوُّها يناقض وجودهم… ولهذه الغاية احتضنوا الحركة الانفصالية في الصحراء المغربية… ومنحوها رعايتهم الخاصة والشاملة والدائمة… بحماس وحدة من يدافع عن وجوده هو، وليس وجود “محضونته”… ويشغلونها ” آلية ” ناسفة، تقصف مسار الحل السلمي وتشلُّ فعاليات الوساطات الأخوية… بل إنها اليوم لا “تستحي” من شن حملة على قرارات مجلس الأمن، وتتحدث بلغة، يتطاير منها غبار التقادم، تجاوزها المجتمع الدولي، منذ سنوات.

المغرب لا عُقدة لديه مع الجزائر ولا مع رئاستها… والمغرب، دولة وشعبا، له حق تاريخي في نشأة الدولة الجزائرية، عبر مساهمته في الإسناد القوي لكفاح الشعب الجزائري من أجل الاستقلال… وله واجب، بالانتماء المغاربي، في تعبيد وتمنيع الممرات إلى التفاعل المغاربي، المأمول والضروري، بين دُوله، و يكون مُحركه الصَّفاء، الأُخوَّة والتَّعاون في علاقات الجزائر مع المغرب… ولهذا، رغم عنف حكام الجزائر اتجاه المغرب بإعلان تلك القطيعة، الحادَّة معه، السياسية، الاقتصادية، البرية والجوية… رغم تلك “الشَّراسة”، حافظ الملك محمد السادس، وباسم الشعب المغربي، على الأمل في تراجُع رئاسة الجزائر عن غيِّها، والأمل في صحوها على حقائق التحولات الاستراتيجية، التي اعتَرتْ المنطقة المغاربية وحواليها… وما تفرضه من مفاهيم وسلوكات مُغايرة في تعامل قيادة الجزائر مع المغرب… ومرَّات ومرَّات… ومن موقع هادئ، مُريح وواثق، وجَّه الملك نِداءات أخوية لرئاسة الجزائر للحوار وللتفاهم… وبدون شروط ولا ضغوط… نداءات، هي حتى اليوم، بلا تجاوب ولا تفاعل من جهة حكام الجزائر.

المغرب ذهب في مسعاه السلمي إلى مداه الأقصى… وفي الموجه الواقعي لسياساته… حين اقتحم الملك، وبحكمة القادة التاريخيين، المنازعة الجزائرية حول الصحراء المغربية، وبعد تلغيم الجزائر والبوليساريو لمسلسل إجراء الاستفتاء، عبر عرقلة عمليات تحديد هُوية المشاركين فيه… اقتحم ملك المغرب، ذلك الاستعصاء، بمبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية المغربية… وهي المبادرة التي تحوز اليوم تأييد وتفهُّمٍ دوليين واسعين… بل ومضمونهما، هو اليوم المرجع الدولي المُعتمد لدى الأمم المتحدة، من خلال قرار مجلس الأمن لأكتوبر من السنة الماضية.

إفشال مناورة “الكركرات”، الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، التحول النوعي والجذري للعديد من الدول الأوربية، وخاصة منها إسبانيا وألمانيا، لصالح القضية الوطنية المغربية وانتصارا لمقترح الحكم الذاتي الذي بادر به المغرب لحلها سلميا ودائما… والتأكيد المُستمر للعديد من الدول العربية على مناصرتها للحق المغربي في وحدة تُرابه ومغربية صحرائه، خاصة منها دُول مجلس التعاون الخليجي، مصر والأردن… تزايُد افتتاح القنصليات في مدينتي الداخلة والعيون من طرف دول عربية، إفريقية ومن الكرايبي… هذه المنجزات التي حققتها الديبلوماسية المغربية، بقوة التوجيهات الملكية لها، وغيرها من المنجزات لصالح المغرب في تصدِّيه للمُنازعة الجزائرية في مغربية صحرائه… ولصالح إخماد توتُّرات تلك المنازعة، عبر إقرار مقترحه السلمي، المُفضي إلى حل دائم، عادل، سياسي ومتوافق عليه… تلك التحوُّلات ليس هيِّنا على القيادة الجزائرية تلقيها وهضمِها… وطبعا لن تستمر مَشْدوهة وهي تَتَوالى أمامها… بل اشتدَّ سُعارها وهبَّت إلى محاولة وقف مدِّها والقضْم منها…

على خط ذلك الهدف، تجتهد القيادة الجزائرية بأمل فتح ثغرات في متاريس المكتسبات المغربية… والوصول إلى الإضرار بها… وعبَثا تحاول… الدَّعم الدَّولي لعدالة القضية المغربية، ليس نِتاج مُقايضات ولا إغراءات… إنه محض قناعات سياسية، ذاتية وخالصة، لدول رأت في المسعى الوطني المغربي صِدقية تاريخية، واقعية سياسية، بمردودية سِلمية وتنموية على المنطقة وعلى علاقاتها مع المغرب… الحنق مستبد بقيادة الجزائر اتجاه المغرب… و هو مصدر مناورتها ضده… حتى ولو لم تنتج لها ما يشفي حنقها…

غضب القيادة الجزائرية من فرنسا، والتي “عابت” عليها حماسها لمقترح الحكم الذاتي… ومُشاغباتها ضدَّها بحرب الذاكرة واستفزازها بفزاعة نشر الإنجليزية في المدرسة الجزائربة… وصولا إلى إغرائها بزيارة الرئيس ماكرون إلى الجزائر… كل ذلك لم و لن يُؤثر في الموقف الأصلي لفرنسا من حلّ النزاع حول الصحراء المغربية عبر مَدخل مُقترح الحكم الذاتي… فرنسا ليست دُوَيْلَة ولا شركة ولا جمعية… هي دَوْلَة تحترم “عقلها” وتحترم علاقاتها وتصون مصالحها والتزاماتها، خاصة في علاقات ذات حمولة تاريخية وتطلُّعات مُستقبلية، كما هي العلاقات الفرنسية المغربية… ومن منطلق خاصية هذه العلاقات، يدعو المغرب فرنسا إلى تعميق دعمها لمقترح الحكم الذاتي، بمُؤدَّاه الطبيعي، الاعتراف  بمغربية الصحراء… وحتى التوتُّرات (الموصَفة بالصامتة) الملحوظة في العلاقات الفرنسية المغربية، لها مجالات وقضايا، و هي احتكاكات قابلة للمعالجة والتجاوز… وبعيدة عن الموقف الفرنسي الداعم والمتحمِّس للحكم الذاتي في الصحراء المغربية… وعلى هذا المستوى المشاغبات الجزائرية بلا أظافر، وعديمة الجدوى لأصحابها…

تحريض جنرالات الحكم الجزائري للرئيس التونسي، السيد قيس سعيد،   لاستفزاز المغرب، عملية خاسرة و لا تستحق مقابلها… مجرد فقاعة بلا أثر… اليابان، المنظمة لندوتها الاقتصادية مع إفريقيا، تبرأت من مسؤولية مُشاركة البوليساريو فيها، لأنها أصلا لا تعترف بها… وهي عقيمة المفعول ومحدودة الأثر أيضا، لأن تونس لا تعترف بالدولة المزعومة… وتستمر حتى الآن في عدم اعترافها بها… والقيادة الجزائرية ستواصل ضغطها، أملا في أن ترى تونس منحازة كلية لصفها… وهو تطور مستبعد الحصول…إلى اليوم، ذلك الاستقبال في المطار كان مجرد فُرجة، مُؤدى عنها، لفائدة جنرالات الجزائر… و”خدشها” في نسيج العلاقات المغربية التونسية قابل للالتئام، بمراهم أصالة العلاقات المغربية التونسية ورجحان التوجُّهات الواقعية فيها…

برلماني فرنسي واحد، من أصل 577 عضو في الجمعية الوطنية الفرنسية، استقبل عنصرين من البوليساريو في مبنى البرلمان، وأخذ معهما صورة تذكارية وهما يشهران علم البوليساريو… دون أي تصرف رسمي أو مظهر عناية من جهة إدارة الجمعية الوطنية… تلك الصور تحولت في الإعلام الجزائري إلى “فتح” سياسي و”غزو” مظفر للبوليساريو لقلعة البرلمان الفرنسي… وعدا عن النائب الشيوعي وفريق التضليل الجزائري لا علم للبرلمان الفرنسي بتلك الزيارة… و هي أصلا لاحدث، و بقي كذلك، حتى بعد محاولة التدليس بها، بقيت بلا طعم و لا معنى… طلقة فارغة في الفضاء… ومحاولة، أخرى، فاشلة لجنرالات حكم الجزائر، لإيجاد منفذ للبوليساريو إلى القلاع الديبلوماسية المغربية…

في الجامعة العربية، أيضا، حاولت قيادة الجزائر المشاغبة ضد المغرب. و هناك أيضا، تصدى “الرأي العام” للدول العربية لتلك المشاكسة، في مهدها، و مع أول جملة خرجت من الجزائر تستهدف المغرب… منعا لتسريب القاموس الجزائري إلى قمَّة الجزائر، سواء حول الصحراء المغربية أو حول لجنة القدس التي يترأسها الملك…وذلك في مجلس وزراء خارجية الجامعة… إنه فشل آخر، مُعلن، لحنق عسكر حكم الجزائر…

ضغوط الجنرالات، الديبلوماسية، الإعلامية و”الغازية”، على إسبانيا، حتى وهي متواصلة، في صورة هوس لديهم ضد اسبانيا، فهي فاشلة وقاصرة عن إبعاد إسبانيا عن موقفها الداعم للمغرب، الموقف الحاسم والقوي…  والذي أحدث للجنرالات ارتفاعا حادا في ضغط الدم السياسي… العلاقات المغربية الإسبانية اليوم، تجاوزت منطقة المطبات، وتسير بثبات وبحماس وبفعالية نحو آفاق أرحب للتعاون والتفاهم، قائمة على المنفعة المتبادلة والمؤطرة  بالإحترام المتبادل… وتشكل في ذلك أقاليم الصحراء المغربية مجال حيوي، سياسيا واقتصاديا… وهو ما سيبقى في الواقع، أما زبد الضجيج المنبعث من قيادة الجزائر ” فيذهب هباءا”…

ومع كل تلك المشاكسات، المشاغبات، المعاكسات والمناورات، والتي تعكس حدة الحنق المستبد بحكام الجزائر اتجاه المغرب… و تعبر عن عدوانية تسكن سياساتهم اتجاه المغرب، مصدرها ثقافة الحرب التي تقودهم… مع ذلك، المغرب، مبدإيا وسياسيا، جاهزٌ لتفعيل  الأخوة والتَّعاون… في العلاقات الثنائية مع الجزائر، وفي الفضاء المغاربي الأوسع… وإن يُلاحظ أن “العدوانية” ساكنة  في وعي ولا وعي الجنرالات في حكم الجزائر تمنعهم من… التجاوب مع المغرب…شافاهم الله…

حدث/عن مشاهد 24/الصورة للموقع

التعليقات مغلقة.