المفتشية العامة لوزارة العدل .. رهان على تجويد منظومة العدالة في ظل إكراهات ذاتية وموضوعية | حدث كم

المفتشية العامة لوزارة العدل .. رهان على تجويد منظومة العدالة في ظل إكراهات ذاتية وموضوعية

20/10/2022

عادل بلمعلم /ومع/ : شكل النهوض بتدبير المرفق العمومي تحديا حقيقيا للمغرب خلال الآونة الأخيرة، وعيا منه بدوره المركزي في دعم المسلسل التنموي، مما دفع إلى تقييم التطورات التي عرفها هذا المرفق ، والبحث عن آفاق جديدة لجعله أكثر نجاعة من خلال إخضاعه لمبدأ الشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
على هذا الصعيد، يبرز الدور الكبير الملقى على عاتق المفتشيات العامة باعتبارها المؤهلة تنظيميا لصون التنزيل السليم لهذه المبادئ على أرض الواقع، والعمل على ترسيخها في الممارسة المهنية بشتى القطاعات.
ومن هذا المنطلق، تضطلع المفتشية العامة لوزارة العدل، إلى جانب باقي المفتشيات بقطاعات أخرى، بأدوار هامة من خلال العمليات التي تتوخى مواكبة المرافق العمومية في سياق العمل على تحسين جودة الخدمات التي تقدمها للمرتفقين، والوقوف على مدى توف ر المؤهلات والكفاءات اللازمة لذلك، ومدى تمث ل قيم المرفق العام وسيادة المصلحة العامة لدى القائمين على هذه المرافق دون إهمال للبعد الزجري إن اقتضى الأمر، من خلال رصد التجاوزات بشتى مستوياتها وأشكالها، وإحالتها على الجهات المعنية قصد اتخاذ ما تراه مناسبا بشأنها، إن على المستوى التأديبي أو على المستوى الزجري.
هي مقاربة تمزج، حسب لطيفة الحرادجي، المفتشة العامة بوزارة العدل، بين الشق التحسيسي من أجل الانخراط التلقائي في مسارات الإصلاح وتحسين جودة الخدمات المقدمة إلى المرتفقين، “وبين الشق الزجري لوجود فئة لابد من إعمال النصوص القانونية الزجرية في حقها لكبح الممارسات المهنية الماسة بمقتضيات الوثيقة الدستورية وميثاق المرافق العمومية”.
تقول السيدة الحرادجي ، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن المشرع المغربي اعتبر المحاكم جزءا لا يتجز أ من المرافق العمومية، إذ خصها بمقتضيات قانونية خاصة، باعتبارها مجالا مشتركا تتقاطع فيه المهام ذات الطبيعة القضائية بالمهام ذات الطبيعة الإدارية والمالية، لذلك فإن المفتشية العامة لوزارة العدل “تعمل على تتبع ومراقبة وتقييم أداء الموارد البشرية التابعة لها أو الخاضعة لسلطتها، والتي تضطلع بأدوار بالغة الأهمية بمختلف محاكم المملكة”.
وتابعت أن المفتشية العامة لوزارة العدل تباشر عملها، في هذا الصدد، إما تلقائيا من خلال البرنامج السنوي الذي يصادق عليه وزير العدل أو من خلال مهام التحري والتفتيش التي يأمر بها والمتعلقة بأحداث أو نوازل معينة ترد على الوزارة عبر الشكايات أو الوشايات أو عبر ما يتم تداوله في وسائل الإعلام أو غير ذلك، وهي المهام المؤطرة بالمواد 21 و98 و100 من القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، وأيضا من خلال العمل المشترك مع المفتشية العامة للشؤون القضائية بناء على مقتضيات المادة 30 من القانون رقم 38.21 المتعلق بالمفتشية العامة للشؤون القضائية.
وبخصوص المهام الرئيسية للمفتشية العامة لوزارة العدل، أوضحت المفتشة العامة أنه يمكن إجمالها، سواء على مستوى المصالح المركزية واللاممركزة لوزارة العدل أو على مستوى محاكم المملكة، في تفتيش وتقييم تسييرها وأسلوب أداء وطرق إدارتها وكيفية أداء الموظفين لمهامهم؛ والبحث والتحري في وقائع محددة والتحقق من مخالفتها للقانون؛ ومعالجة شكايات المرتفقين في حدود الاختصاص المنوط بها؛ ورصد الإخلالات المهنية والشوائب والسلبيات التي تمس سمعة القطاع؛ والتحسيس بالدور الهام للتفتيش باعتباره أداة ناجعة في تجويد الأداء والرفع من منسوب المردودية بأساليب حديثة بعيدا عن الأشكال التقليدية للرقابة، وذلك عن طريق المواكبة والتأطير والتكوين.
وأضافت أن المفتشية تعمل أيضا على التنسيق والتواصل والتتبع مع مؤسسة الوسيط، والتفاعل مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية والهيئة المركزية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ناهيك عن باقي الهيئات والمنظمات ذات الارتباط بمجالات اهتمام قطاع العدالة؛ وتتبع تنفيذ التوصيات المستخلصة من مهام التفتيش، وتقديم مقترحات عملية لتطوير أداء الوحدات الإدارية والمالية بناء على ما يتم رصده في الواقع العملي، أو لتوحيد مناهج العمل بها.
في المقابل، تقر السيدة الحرادجي بأن المفتشية العامة لوزارة العدل، تواجه مجموعة من الإكراهات منها ما يتعلق بالشروط الذاتية لمزاولة مهامها، ومنها ما يتعلق بالشروط الموضوعية المرتبطة بمجال تدخلها، لكنها إضافة إلى ذلك تواجه تحديات أخرى تنسجم مع خصوصيتها وكذا بالسياق العام لمسلسل إصلاح منظومة العدالة.
وأشارت ، في هذا السياق، إلى أن مجال تدخل المفتشية العامة لوزارة العدل يتسم بشساعته وتنوعه ودقته، حيث يشمل جوانب عمل خاصة بموظفي الإدارة القضائية بمحاكم المملكة، سواء منها المحاكم العادية التي تصل إلى 84 محكمة ابتدائية و23 محكمة استئنافية، أو المحاكم المتخصصة بما فيها تسع (09) محاكم إدارية وعشر (10) محاكم تجارية وثلاث (03) محاكم استئناف إدارية وأربع (04) محاكم استئناف تجارية، أو محاكم مصنفة وهي ثلاث (03) محاكم، أو مراكز قضائية وتصل إلى حوالي 84 مركزا.
وشددت على أن هذه الخريطة تتطلب مجهودات كبيرة جدا، من أجل مواكبتها ومراقبتها وتفتيشها والنهوض بجوانب العمل الإدارية والمالية المنوطة بها، لأن حصر عدد المكلفين بمهام التفتيش في إثنى عشر لا يتناسب مع حجم المهام ولا مع الطموحات الكبيرة ولا مع رهان تخليق منظومة العدالة في جوانب عملها الإدارية والمالية.
من جهة أخرى، أشارت المفتشة العامة إلى كون الفترة الممتدة ما بين صدور القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والقانون المتعلق بالتنظيم القضائي “شهدت نوعا من الركود في تفتيش مهام الإدارة القضائية ذات الطبيعة الإدارية والمالية، وهو ما تطلب دينامية وفاعلية كبيرة من أجل تدارك الأمر”.
كما شددت، في هذا الإطار، على الحاجة الماسة إلى وضع نص جامع مانع للمهام المنوطة بالمفتشية العامة لوزارة العدل، مشيرة إلى أنها لا تتوفر إلى حدود الساعة على نص يحدد تأليفها واختصاصاتها، وهو ما تعمل الآن وزارة العدل على إعداده أخذا بعين الاعتبار ما جاء به القانون رقم 38.15 بهذا الخصوص وكذلك بمقتضيات المادة رقم 5 من المرسوم رقم 2.22.400 المتعلق بتحديد تأليف واختصاصات وزارة العدل.
وهكذا، إذا كان مفهوم التفتيش قد شهد تطورا ملحوظا يعزى بالدرجة الأولى إلى التطور العام الذي تعرفه الإدارة، فإن مهام التفتيش التي تضطلع بها المفتشية العامة لوزارة العدل ينبغي أن تتضمن مجموعة من الوظائف المتكاملة؛ وألا ينحصر دورها في مجرد ضبط الأخطاء ورفع التقارير والاستشارة فقط، وذلك من خلال تمكينها من جميع الوسائل الكفيلة بالسماح لها بتطوير أدائها وطريقة عملها لترتقي إلى المستوى المأمول منها، والذي عبر عنه دستور 2011، بجعلها آلية لترسيخ قيم الديمقراطية والحداثة والحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة.

حدث/و.م.ع

التعليقات مغلقة.