في ذكرى المسيرة الخضراء .. محصلة طبيعية لعملية التفاعل الحضاري | حدث كم

في ذكرى المسيرة الخضراء .. محصلة طبيعية لعملية التفاعل الحضاري

04/11/2022

مدريد _ عبد العلي جدوبي : إذا كانت للمسيرة الخضراء تأثيراتها التي شملت مختلف مجالات الحياة المغربية ،فإن تلك الإنعكاسات نفسها ،تظل المحصلة الطبيعية لعملية التفاعل الحضاري في المسيرة المغربية ، ولكن الأهمية المتميزة ،تكمن في مضمونها وفي توقيتها وفي أثرها على المستويين الوطني والدولي..

ففي الوقت الذي كانت فيه قضية الصحراء المغربية تجتاز أخطر المراحل ، وتتكالب حولها الأطماع التوسعية ، جاء قرار المسيرة الخضراء الذي أعلن عنه المغفور له الحسن الثاني ، وهو القرار الحكيم الذي يتجاوز كل مواصفات القرارات العادية ، ليضع حدا لكل الأطماع  ، وليبلور إرادة الوحدة المغربية بصورة عملية ،وقف أمامها العالم مندهشا ، ومثل هذه الخاصية التي ميزت المسيرة الخضراء كحدث تحرري بارز ،لم يكن ممكنا أن يتوفر الا لقائد ملهم ،تختزل ممارسته الحكيمة كل فترات التاريخ النضالي المغربي ، ولم يكن ممكنا أن تتوفر لها كل معطيات النجاح الا في ظل التوجيهات الرائدة لقائد مفكر ، هو جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه .

فبعد المسيرة الخضراء واعتراف إسبانيا بالحقوق المغربية المشروعة في صحرائه ، وإبلاغ الأمم المتحدة بالاتفاق المغربي الإسباني ، واجه المغرب مجموعة من التحديات من طرف خصوم وحدتنا الترابية ..

ومن غير أن نستحضر الملامح الأولى لإذكاء ذلك الخلاف ، ومن غير أن نستحضر أيضا ملامح الوضع الدولي في تلك الفترة التي شهدت تمرير مخطط إلهاء الدول العربية الإفريقية بالخلافات الهامشية : أزمة الخلاف المصري -الليبي ، أزمة القرن الافريقي ، أزمة طابا التشاد ،، فإنه يجدر التذكير بأن الخلاف المفتعل حول قضية الصحراء ،ليس منفصلا في جوهره وكأنه عن ذلك المخطط لإعتبارات أهمها :

إن منطقة المغرب العربي التي تضم رصيدا بشريا  واستراتيجيا هاما ،كان يمكن استغلاله بصورة أفضل لدعم الموقف العربي، وقد رأينا أنه كلما احتدم الصراع حول قضية الصحراء ، كلما وجدت هذه المنطقة نفسها في مواجهة أطماع محورية خارجية ، وأيضا الامتداد الإفريقي المغرب جنوبا في اتجاه القارة الإفريقية ، وشمالا في إتجاه أوروبا ، جعله بصورة أو بأخرى يمارس دورا أساسيا في المنطقة ، ولعله لهذا السبب افتعلت قضية الصحراء من طرف خصوم وحدثنا الترابية ، في محاولة يائسة للحد من التطلعات المغربية المشروعة ..

لقد استطاعت المسيرة الخضراء أن تعيد للمغرب جذوره الإفريقية التي قلمها الاستعمار ، في حملة المد الإستعماري الذي استهدف منطقة المغرب العربي مند أواخر القرن التاسع عشر، فبفضل استعادة المغرب لصحرائه، استعاد دوره الإشعاعي والحضاري في القارة الإفريقية ، في أفق بناء جديد للعلاقات الروحية والثقافية التي ربطت الأفارقة ببلادنا ، بحيث إتخدوا من المغرب مركزا ثقافيا وحضاريا ، يستلهمون مبادءه ، ويقدرون دور ملوكه في الدفاع عن الثقافة الإسلامية..

والمغرب بهذا السلوك الحضاري ،يقدم نمودجا متميزا في العلاقات الدولية ، يقف نقيضا للتعصب والتعنت ، ويعتمد الحوار والإقناع كصيغ عملية في هذا النهج..ولأن المسيرة الخضراء باعتبار مضمونها التحرري ،ظل قائما عبر أنماط الصمود والمواجهة والتصدي لكل المؤامرات التي تحاك ضد  وحدثنا الترابية ..

وإن المعاني والدلالات التي يمكن استنباطها من ذلك الحدث أكثر من أن تحد في مواصفات معينة ،لأنها تجاوزت ذلك في شمولية بالغة في التصور والإنجاز في الفكر والسياسة ، حيث لم يعد الدفاع عن الوحدة الترابية هاجسا أساسيا ، بقدر ما أصبح قدرا ومسؤولية الجميع .

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.