دوحة الناشر لما يربط في دوحة قطر بين القرنين الثاني بعد العشرين والسادس عشر..أو ما يجمع بين المغرب وقشتالة والبرتغال من كر وفر ونزال !
باحث مغربي يقرأ مقابلات المغرب على ضوء صفحات تاريخية
التاريخ يعيد نفسه يا عبد الرحمان يا ابن خلدون. ونحن نلعب كرة منفوخة بالهواء، فنستمتع ونتآخى ونتلاقح، بعيدا عن مخالب السياسة. لكن التاريخ يداهمنا، رغما عنا، يا ملك التاريخ ومؤسس السوسيولوجيا والنظريات الاقتصادية والمالية. كيف لا، والمغاربة، انطلاقا من أرض قَطر، يصنعون التاريخ من جديد، ويوحدون العرب المستميتين في الشتات والشقاق، يا المهدي يا المنجرة. بل إنهم بصدد اختطاط عالم جديد، بالتفاف شعوب وأمم حولهم، ضدا على العالم الجديد الذي رسمته أمريكا. المغاربة يا عبد الرحمان، يا مهدي، يرسمون عولمة جديدة، في تناغم وتلاقح ثقافي يحفظ الاختلاف ويضمن التكامل، بشكل قل نظيره.
هل هي صدفة أن يستعيد التاريخ، في 2018 و2022، عقاربه مجتمعة فيجمع بين ثلاثي صنع تاريخ المتوسط وأفريقيا بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر ؟ ففي مونديال فيفا روسيا 2018 التقى المغرب والبرتغال وإسبانيا في مجموعة واحدة، وفي2022 بدولة قطر، التقى المغرب إسبانيا وظفر بها في دور ثمن النهائي ليلتقي البرتغال في دور الربع، قبل أن ينازل فرنسا في نصف النهائي. والأسد الذي غلب الثور وسيغلب التنين لن يجد صعوبة في لي عنق الديك الفرنسي.
في روسيا 2018، داق الغريمين الإبيريين الأمرين في مواجهة المغرب، ولم ينقدهما كلاهما من أنياب أسد الأطلس سوى تلك الآلة العجيبة المسماة في لغة العجم “الڤار” الذي يبدو أنه كان على نهر الڤولكا، يشرب الڤودكا. بينما في دوحة العرب 2022 حيث خرج إليهم “راس لاڤوكا”، وفي انتظار إخماد مدافع ماديرا وإلجام تنين پورطو وإسكات الديك عن الصراخ، تاه حفيذ الملكة إيزابيل الكاثوليكية، فاستسلم في آخر النزال، مستكينا، متألما، في جانب من ساحة الوغى، وقد استنفذ من قبل مخزونَ مُـحَركه الذي لم يسعفه في الإقلاع، حين وقف يحرك شفتيه فوافق صوتهما صوت محرك بارد يعمل بالدييزيل الرخيص وبطارية نفدت شحنتها، ذات صباح بارد، برودة الأوربيين تجاه ثقافة الآخر.
لا الإسبان ولا البرتغاليون يستحضرون التاريخ حين يواجهون أبناء الإمبراطورية الشريفة، بينما جل المغاربة، حتى من عموم المواطنين، يستدعون بعض صفحات التاريخ كلما حل نزال مع الأشقاء الإبيريين، أكثر منه حين يلاقون منتخبا أوربيا آخر. ولعل الإبيريين، من شدة النخوة الأوربية الزائدة، المتخمة بالعنجهية، لا يستفيدون من صفحات الماضي البعيد جدا ولا القريب جدا، سياسيا كان أم رياضيا. فيبدو كما لو أنهم تناسوا نزال وادي الحجارة بالمكسيك فيفا 1986 وإمطار شباك البرتغال بثلاثية جميلة ومحاصرة بريطانيا العظمى وپولونيا القوية للمرور على رأس المجموعة والوقوف على نفس قامة ألمانيا المبهرة، مثلما تغافلوا عن يونيو 2018، في ضيافة بوتين. ومن عنجهيتهم يتناسى الأوربيون أول لاعب عربي سجل في مرمى ألمانيا، في مونديال 1970. يتناسون حُمان (محمد جرير) مثلما يتناسون الجوهرة السوداء العربي بنمبارك وعبد الله مالقا، فكيف لهم أن يذكروا الغزواني وباموس وحسن أقصبي وفرس والزهراوي والتيمومي والبياز ولمريس وبودربالة وكماتشو وبصير وبوصوفة. مثلما لا يذكرون لخضر بلومي ومصطفى دحلب والعػربي وطارق تميم وحسام حسن ومحمود الخطيب. يعرفون الزاكي ومحمد صلاح، لحس حظهم. واللائحة لا حصر لها من النجوم الذين لا يقلون أهمية عن نجومهم.
وإذا كان الدون كريستيانو يعرف المغرب جيدا ويعلم أنه محبوب جدا في المغرب، فإنه مع ذلك من دون شك لم يقرأ صفحات التاريخ، أو لم يقرأها جيدا على الأقل، وسيخسأ يوم السبت 10 دجنبر 2022، ونأسف لذلك لأننا نحبه كثيرا، وندعمه دوما، باعتباره “ولد البلاد”، لأننا نشترك في الدم والأصل والثقافة وحتى في اللغة. أما قرينه لويس إنريكيه، فيبدو أنه يعاني من متلازمة المركزية الأوربية، فلم يعرف حتى إسم اللاعب رقم 8، وتساءل من أين خرج له ذاك الفتى، خريج أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، مثله مثل المهاجم المقاتل يوسف النصيري والمدافع الصنديد نايف أكرد وآخرين. هي قمة الاستهتار بالخصوم يا سينيور لويس، المحترف لاعبا ومدربا. والمحترف، مثل قائد المعركة، لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ودرسها مسبقا، ويغير خطة ألف بخطة باء وخطة سين بخطة دال، كلما اختلت أو استجدت أمور في ساحة الوغى. رقم 8 هذا أيها الكونط إسمه عز الدين أوناحي، وقد كان هو “اكتشاف كأس إفريقيا” الأخيرة. لكنكم أنتم الأوربيون المتعالون تعتبرون، في غالبيتكم الساحقة، السحيقة، باستثناء السماسرة، أن تظاهرة عالمية مثل كأس إفريقيا ليست جديرة بالمتابعة. وها هي نتائج ذلك تخرج فيكم وعليكم.
يا سادة، حين كان عمُر الأخ إنريكيه خمس سنوات، لم يكن بإمكانه متابعة زحف أسود الأطلس على الرمال لاسترجاع الصحراء التي اغتصبها أجداده واقتطعوها من أرض الإمبراطورية الشريفة في ثمانينيات القرن التاسع عشر، لعزل إقليم شنقيط عن مراكش، في إطار مخطط إمبريالي أوربي، كشر عن أنيابه عام 1830 باحتلال الجزائر، بالجزء الأوسط من الإمبراطورية المغاربية ومملكة الأمازيغ عهودا سحيقة من قبل، وانطلق الاحتلال الذي تعرفون. الأخ لويس إنريكيه لم يدرس ذلك في المدرسة الإسبانية المتعالية على التاريخ المشترك، ولم يطالع كتبا عن ذلك. ولعل هناك من ذكره اليوم في الربط بين 6 دجنبر 2022 و6 نونبر 1975.
أما المدرسة الإسبانية فلا تلقنهم جميعهم لا ما خلفه أجدادنا هناك في بقاع إشبيلية وغيرها، إلى شمال لشبونة، ولا تاريخ المورسكيين ولا المدجنين من أبناء جلدتهم. لا تلقنهم إسبانيا كيف ولماذا احتلت قشتالة مدينة مليلية المغربية عام 1497، ذات حروب صليبية دشنتها البرتغال باحتلال سبتة المغربية الأزلية في 21 غشت 1415 بعد حرب ضروس ضد المغاربة وليس ضد الأشباح، تمهيدا لطرد المسلمين من شبه الجزيرة الإبيرية بالأندلس الإسلامية. لا تلقنهم كيف سرق الإسبان لاحقا مدينة سبتة المغربية من إخوانهم البرتغاليين، في خيانة عظمى للإخوة الأعداء. فالمدرسة الإسبانية من دون شك لا تلقن أبناءها وبناتها درسا كونيا إسمه معركة وادي المخازن. هي معركة القصر الكبير، 4غشت 1578، التي هزم فيها عبد الملك وأخوه مولاي أحمد مسنودين بعزيمة شعبية عارمة، جيوش الشاب المقدام سباستيان المدعوم بفيالق من مختلف دول أوربا، وبمباركة من الفاتيكان، بعد أن كانوا جميعهم قد حذروه من مخاطر مغامرة الهجوم على المغرب لإدراكهم قوة إمبراطورية ظلت بلادها هي الوحيدة التي لم تخضع للعثمانيين الأشاوس. مات سباستيان، ولم يكن بالإمكان إعمال مقولة “مات الملك. عاش الملك”. ظل العرش البرتغالي بدون وريث. وفي عام 1580 ضمت إسبانيا الحديثة النشأة عرش البرتغال إلى حدود عام 1640، حيث أرجعت إلى البرتغاليين عرشهم وكل مستعمراتهم، من البرازيل إلى تيمور الشرقية، بينما احتفظ ورثة إيزابيل بمدينة سبتة المغربية، لأنهم يعلمون خطورتها، وقد كانت هي القاعدة الخلفية التي بفضلها ارتاح المسلمون في الأندلس وأبدعوا فيها أيما إبداع، من عهد طارق ابن زياد، إلى الزمن البئيس للأمير أبي عبد الله، 1492.
المدرسة الإسبانية يا سنيور لويس ويا الدون كريس تكذب على شعبها وتدعي أن إسبانيا احتلت سبتة قبل تكون الدولة المغربية، تلكم الإمبراطورية التي تعتبر اليوم أقدم ملكية فوق الأرض، إذ ظل المغرب دوما دولة ملكية منذ ما قبل ظهور الإمبراطورية الرومانية، أو على الأقل بالموازاة مع نشأتها، بينما المملكة الإسبانية لم تظهر للتاريخ والبشر سوى عام 1516، ولم يكن أول ملك عليها مَلِكا مكتمل الجنسية الإسبانية حتى. والمدرسة الإسبانية ربما تدرس شعبها معركة تطوان (1859) لأنها سحقت فيها المغاربة، ولا تدرسهم معركة أنوال 1921، ولا معركة الزلاقة ولا الأرك ولا وادي المخازن ولا المسيرة الخضراء، فبالأحرى أن تدرسهم كيف لقن المغاربة للإبيريين هندسة الرياضات البهية واختطاط المدن وتقنيات الحرث والسقي والنسيج، وصناعة الزليج، المغربي الفاسي، ولا دروس الطب والجراحة والصيدلة والكيمياء والجبر والهندسة والفلك، والفلسفة. وفي هذا تلتقي المدرسة البرتغالية والجزائرية وأخريات مع المدرسة الإسبانية. بكل أسف. والمدرسة الإسبانية لا تلقن شعبها حتى كيف سرق الإسبان سبتة من البرتغاليين الذين اغتصبوها من المغرب. مثلما أن المدرسة الإنجليزية لا تدرس شعبها تاريخها الدموي الشنيع. وقس على ذلك مدارس أوربية أخرى. ثم يحدثوننا عن التساكن والتفاهم والحوار. فالحوار لا يتم بميزان مختل يكيل به مُختلون مرضى بداء الاستعلاء وجنون عظمة بنَوْها على أكتاف رجالات وخيرات المستعمرات. ومازالوا ينهبون.
ثم اعلموا، أيها الأوربيون، حفظكم الله، وبارككم سيدنا عيسى، أنه ليس ضُعفا أننا نعرف تاريخكم السياسي والاجتماعي، والفني والأدبي والرياضي. بل لأننا شعوب تحب اكتشاف الآخر، ولأن مدرستنا مدرسة منفتحة على كل الثقافات ببرامج تعليمية شاملة ومختلفة. ولذلك يجري في عروقنا مبدأ احترام الآخر، كيفما كان لونه وجنسه وعقيدته، ووضعه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ولأن تاريخنا حافل، فلن تكفينا عشرون سنة على كرسي المدرسة ومدرج الجامعة لنلم به وبمعطياته وتقاطعاته ودروسه وعِبَره. لسنا ضُعفاء إذ نعرف عنكم كثيرا أو قليلا، ولستم أقوياء إذ من جهلكم تجهلون عنا كل شيء. وعند كل امتحان تاريخي، تظهر عظمتنا ونحن نختبر عظمتكم. ومتى دب الهوان في جسدنا، لا نتأخر في الوقوف والصمود. فالعيب ليس في السقوط والفشل، بل العيب كل العيب هو عدم القدرة على النهوض، وأفظع من ذلك، هو أن تعيش أمة ما على ماضي أو حاضر تعتقد خطأ أنه لها لا لغيرها.
هكذا إذن تفرض علينا كرة القدم هزات تاريخية ارتدادية، من حيث لا نحتسب، مادام الآخر يعتقد أنه سيلعب معك كما لو أنه في نزهة ربيعية، وهو يتناسى أن الربيع لا يتبعه سوى صيف جاف وخريف تتساقط أوراقه اتباعا. وأنا أموت عشقا في الخريف، بكل صدق. وها هو الخريف يسعفني، إذ “خرفت أيامكم”، ألمان وفلامان وقشتاليين، والبقية في الطريق تنتظرها أنياب الأسد، وما كنا لنريد لكم ذلك، من شدة حبنا وتقديرنا لكم، ولتاريخكم، بما له وما عليه. ونحن، مغاربة وبرتغاليين وإسبان، نشترك في الدم والثقافة، مثلما نشترك في ذلك مع أبناء عمومتنا بموريتانيا والجزائر وتونس، وبشكل أقل مع أمم أخرى بما وراء الصحراء وببلاد الإفرنج. وهذا ما لا تعرفونه طبعا. بكل أسف، بسبب مدارسكم التجهيلية، الاستعلائية. ولا ينفلت من تلك الجهالة سوى بعض الأكاديميين والباحثين، وليس كل الباحثين. بكل أسف، مرة أخرى. ولنا معهم صداقات ووشائج تجمعنا.
هذا التلاقح الثقافي، والاشتراك في الدم، وبغض النظر عن عهود ما قبيل التاريخ حيث بدأ اللقاء، قد دُشنا رسميا يوم دخل دياركم ذاك الفتى المغربي الأمازيغي الذي زور المؤرخون إسمه فلقبوه ب”طارق ابن زياد”. وقد عمر أجدادنا أرض إبيريا معمارا وعمرانا، أي تراثا ماديا ولا ماديا، مثلما تزاوج أجدادنا وجداتكم، وفتيانكم وفتياتنا. ثم جاءت العاقبة على غير المتقين، فدخلتم ديارنا واستبحتم غلاتنا، منذ احتلال سبتة في 1415 ومليلية في 1497 إلى إخلاء مازغان في مارس 1769، في حصار ضربه عليكم جدنا السلطان الأغر سيدي محمد بن عبد الله، وهو يرأس جيوشه النظامية شخصيا، وقد انضمت إليه مختلف قبائل المغرب، مثلما فعلت مع عبد الملك في 1578م. وإذا كان أجدادنا لم يستعبدوا أجدادكم ولم ينصبوا محاكم تفتيش يوم كانوا هناك في أرضكم، بل أشركوهم في الحكم وفي التجارة والغلة وفي العلم، فقد فعلتم العكس لاحقا في دياركم وفي ديارنا إذ أقمتم هناك محاكم التفتيش البغيضة، ثم سٌقتم الناس هنا عبيدا وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. وربما قد تعرفون فقط قصة الفتى الأزموري، إستبانيكو، ولا يعرفها سوى القليل منكم. لكن ما لا تعرفونه، يا إخواننا الأعزاء، صبنيول وبرطقيز، هو أن استعباد الموروش، مثل الزواج الطوعي، في بلدنا وفي بلدكم، هما ما جعل اليوم دمائكم ممزوجة بدمائنا، في خليط جميل، أنتج لنا هذا الجمال المغربي-الإيبيري، والذي جزء منه يراه العالم في ملاعب قطر الشقيقة التي نحييها ونشكرها ونهنئها على هذا النجاح الباهر الذي جر عليها كثيرا من غطرسة الصليبيين الجدد الذين يضربون العرب والمسلمين من بوابة مونديال قطر 2022. وهذا موضوع آخر لنا فيه قول طويل في موضع آخر.
من هذا التاريخ البغيض، نتمسك نحن بتذكر الصفحات المشرقة من تلاقح شعوبنا وإسهامها في بناء الصرح الحضاري البشري، بينما أنتم لا تريدون التخلص من عقدة فكرة أربع نساء المغلوطة، وإبل تحمل بدواً في الصحراء ثم تسألوننا عن مدى توفرنا على الإنارة العمومية والإسفلت بالطرقات والشوارع. ومن ذاك التاريخ المشترك، تجهلون أيضا أنكم حملتم ثقافاتنا إلى بلاد الهنود الحمر مثلا الذين قمتم بإبادة جماعية في حقهم. ومع ذلك لم ينقرضوا جميعهم، ولذلك تحمل اليوم بعض شعوب أمريكا الجنوبية التي لفقتم لها قسرا ً لقب اللاتينية، جزءا من ثقافتنا تلك. ولكم أمثلة في البرازيل وكوبا، وفي المكسيك مثلا، في الجينات وفي العادات والطباع. “السومبريرو” ليس مكسيكيا يا سادة، وقد رحلتم “الطَرازة” من المغرب إلى بلاد الهنود فأبدعوا فيها. ولهم منا جزيل الثناء.
نحن يا سادة نلعب الكرة معكم لا ضدكم، للاستمتاع، مثلما نغني ونرقص معكم في أمسيات ومهرجانات، ونشترك معكم في محاضرات وندوات ومعارض، ونستضيفكم سياحا معززين مكرمين، ونسيح أيضا في أرضكم، بيسر أحيانا وفي عسر أحيانا أُخر، بعض تخطي حواجز الڤيزا وأصناف من الاحتقار. ونتحمل. يعمل أبناؤنا وبناتنا في دياركم، ويعمل بعض أبناؤكم وبناتكم في ديارنا، وعندنا يأتي مبجلين مكرمين شيوخكم لاستكمال ما تبقى لهم من سنوات العمر، بعد أن لفظهم نظام المعاشات مقابل مستوى المعيش عندكم. ولا يروح عندكم شيوخنا وعجائزنا. ولكم عبرة في مونديال قطر في علاقة المغاربة مع أمهاتهم وآبائهم، من خلال لقطات مؤثرة تشاهدونها عقب كل مباراة بين لاعب وأمه أو أبيه يقفز إلى أحدهما أو كلاهما في المدرجات وسط الجماهير. هذه هي الثقافة التي تحسدوننا عليها، وقد قتلتموها في إنسانكم. وتريدون أن نحذو حذوكم. لا، ثم لا. ومثل خصوصية الطبخ المغربي في توابله وناره الهادئة، فهذه هي خصوصيتنا في الالتحام، بنار هادئة، بها حاصرنا كرواتيا العظيمة وهزمنا بلجيكا وإسبانيا، وبها سنهزم، كرويا ورياضيا، أولاد البلاد، البرتغال، وكذا فرنسا أو الإنجليز فنحيي فيهم ذكرى ملكتهم المحبوبة وأميرتهم الغالية عليهم وعلينا، عليهما تتجدد كل الرحمات. ثم، وبما أننا جسد واحد، حتى ولو وهنت بعض أعضائه أحيانا، فها أنتم شهدتم وتشهدون هذا الالتحام العربي، والإفريقي حول منتخب المغرب والكل يتغنى بالمغرب، ليس فقط في ملاعب وشوارع وساحات قطر، بل في كل بقاع المعمور المعروف اليوم، حتى على متن الطائرات والعبارات والحافلات. وقد انضمت شعوب وأمم أخرى إلى هذه الهبة المغربية. ونحن مدينون لجميع الأمم بهذا السخاء العاطفي العفوي.
تعلموا احترامنا، مثلما نحترمكم، ولا تستصغروننا مثلما لا نستصغركم، رغم بعض وقاحتكم أحيانا أو كثير أحيان. فأنتم لستم خير أمة أخرجت للناس، مثلما أنكم كنتم قرونا متخلفين يوم كنا نحن نتربع، إلى حين، على عرش حضارة يبدو أنكم تقودونها اليوم، إلى حين. فمن سنينِ قد دب الهوان إلى جسد ما نسميه الغرب، عِلما وصناعة، لفائدة الشرق. ذاك الشرق الذي سيقود عالم الغد القريب، بريادة صينية ثم عربية، مثل الأمس غير البعيد. والصحوة قد بدأت من أمد غير قصير. وأنتم تدركون ذلك. ولذلك تخبطون وتتخبطون في ازدراء الآخر وتطويعه على هواكم، أو على الأقل في تجاهله، في ما يسمى في علم النفس بالتعويض. اعرف عدوك، واعرف صديقك.
ولنا موعد بعد عشرين سنة أو أقل، لنرى.
كامل المودة والمحبة، والتلاقح، يا رفاقنا العجم.
أبوالقاسم الشــــبري: باحث أثري ومؤلف
التعليقات مغلقة.