ذكرى اليوم الدولي للمهاجرين كل 18 دجنبر من كل سنة، ليست مناسبة للاحتفال بقدر كونها مناسبة لمراجعة شريط احداث قضايا الهجرة واللجوء في العالم، وتقديم صورة عن وضعية المهاجرين في مجتمعات الاستقبال، وكذا إعادة قراءة تقارير وأرقام المنظمات والهيئات الأممية المختصة بالهجرة واللجوء.
لكن قبل كل هذا، فإننا نغتنم فرصة مونديال قطر 2022 للتذكير بأهمية الهجرة في مجال الرياضة، و كيف نجحت دول الاستقبال في ادماج الموهوبين في كرة القدم من أبناء المهاجرين في فرقها الوطنية و الدفاع عن تاريخها الكروي وحمل ألوانها الوطنية..كفرنسا واسبانيا وألمانيا وبلجيكا والبرتغال وكندا وهولندا وإنجلترا و غيرها…
مما اعتبره الكثير من المحللين بانه تعبير عن مجتمعات متعددة الثقافات…كما استفادت دول الأصل من تجارب أبناءها في البطولات الأوروبية ومن بينها المغرب والسنغال وغانا ونيجيريا وغيرها…لتبقى الرياضة إحدى النقط المشرقة في الهجرة بصفة عامة.
لكن لغة الأرقام تتكلم عن واقع مؤلم و ان المناطق الساخنة و الحروب والتغيرات المناخية والجفاف والتصحر ونذرة الماء والبطالة…جعلت اكثر من 280 مليون نسمة في خانة المهاجرين من بينهم 90 مليون من طالبي اللجوء…كما لازالت لغة الأرقام لسنة 2022 تتكلم عن موتى ومفقودين سواء في البحر المتوسط حيث تجاوز الرقم 3آلاف خلال 8شهور الأولى لسنة 2022 حسب منظمة الهجرة الدولية ، أوعلى الحدود التركية / اليونانية و دول البلقان…
وقد عرفت الأرقام بعض التراجع في فترة الجائحة ، لكنها سرعان ما عادت الى الارتفاع خاصة مع اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022 و الهروب الجماعي لأكثر من 6,5 مليون اوكراني في اتجاه حدود الدول المهاجرة و خاصة بولاندا ومولدافيا ورومانيا وألمانيا…لكن العديد من التقارير الإعلامية و منظمات حقوقية تحدثت عن خروقات و لعمليات انتقاء في عملية استقبال الفارين من الحرب في اوكرانيا…حيث تم تسهيل استقبال المواطنين الاوكرانيين في دول الحدود أو غيرها من الدول الأوروبية..
في حين تم رفض استقبال وعرقلة مرور بل وطرد للعديد من المهاجرين من أصل افريقي او من سوريا واليمين وأفغانستان…أكثر من هذا فقد تُرك العديد من الطلبة والمهاجرين في الغابات الحدودية بين بولاندا وبلاروسيا حيث كانوا عرضة للموت بسبب البرد القارس والجوع وعصابات الحدود…تلك التقارير فضحت المعايير المزدوجة في التعامل مع الفارين من منطقة حرب…
المشهد الإعلامي والحقوقي لهذه السنة لم يخلو من الحديث عن السجال القانوني و الإنساني بين المنظمات الإنسانية العاملة في مجال الإنقاذ في البحر المتوسط و دول أوروبا ،خاصةً إيطاليا و فرنسا و اليونان و مالطا و مسألة فتح الموانئ في وجه قوارب الموت من اجل إنقاذ المهاجرين من الغرق…وهو السجال الذي كاد ان يتحول الى أزمة ديبلوماسية كبيرة بين رئيسة الحكومة الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني و حكومة ماكرون و الدفع بفتح ميناء مارسيليا في وجه سفن انقاذ تابعة لمنظمات حقوقية ، كما تم طرح الملف على طاولة الاتحاد الأوروبي ببروكسيل..خاصة بوجود ” اتفاق مالطا ” لسنة 2019 حول توزيع المهاجرين العالقين فـي البحر في اطار المسؤولية العادلة بين جميع الدول الأعضاء في اتفاقية شينغن..
ومن جهة أخرى، و بعد ان وصل عدد المهاجرين من فرنسا الى إنجلترا عبر المانش الى اكثر من 40 الف فقط في هذه السنة..
فقد توصلت كل من فرنسا و بريطانيا في عهد رئيس الوزراء الجديد ” روشي سوناك ” في شهر نوفمبر الماضي الى اتفاق ستتوصل بموجبه باريس بمبلغ 72,2 مليون أورو من طرف لندن..حيث ستتكلف باريس بتعزيز الحدود و وقف عمليات الهجرة عبر المانش..
و قد عرفت سنة 2022 العديد من الاحداث الفارقة من بينها وُصُول طفلة تونسية ذات أربعة سنوات فقط لوحدها الى شواطئ إيطاليا حيث بقيت أسرتها عالقة في تونس في شهر أكتوبر 2022.. وكذا تنظيم وقفات احتجاجية يومي 9 و10 دجنبر امام مقر مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان بجنيف السويسرية بمناسبة الاحتفال بالإعلان العالمي لحقوق الانسان حيث تم رفع شعارات المطالبة بتحسين ظروف الاستقبال وأيضا إعادة النظر في مراكز الاستقبال خاصة بليبيا…
في ذات السنة أيضا كرست بعض الاستحقاقات الانتخابية سواء في فرنسا او إيطاليا والدنمارك أو السويد…ملف الهجرة واللجوء كأحد أهم نقاط السجال السياسي في البرامج الانتخابية والجدل الفكري والأيديولوجي في منصات الإعلام المختلفة…والتوظيف السياسي لملف الهجرة من طرف اليمين المتطرف…لكن مشاركة أبناء المهاجرين ضمن منتخبات أوروبية سواءً في مونديال قطر او في الألعاب الأولمبية او غيرها أحرجت بقوة قادة و منظري اليمين المتطرف بدول الاستقبال…و أفقدتهم اتزانهم و مصداقيتهم أمام ناخبيهم…
ولأن المناسبة شرط، ونحن نتكلم عن اليوم الدولي للمهاجرين..فلابد من التذكير بخطاب ثورة الملك والشعب في 20 غشت 2022 حيث خصص أغلب فقراته للحديث عن جهود مغاربة العالم في الدفاع عن الوحدة الترابية و عن ضرورة الاستجابة لخصوصياتهم و الايجابة عن انتظاراتهم.. وهو الخطاب الذي حدد بدقة إحداثيات خارطة الطريق من خلال تأهيل الإطار المؤسسي و إعادة النظر في نموذج الحكامة الخاص بالمؤسسات الموجودة..وإحداث آلية خاصة بمواكبة الكفاءات و المواهب المغربية بالخارج و دعم مبادراتها و مشاريعها…
فمغاربة العالم يبصمون على نتائج غير مسبوقة سواء على مستوى ارقام التحويلات المالية الكبيرة أو على مستوى الدفاع و الترافع في ملف الوحدة الوطنية و الترابية في كل الساحات العالمية أو على مستوى الاستثمار و الانخراط في مشاريع التنمية و عمليات التضامن الاجتماعي..
ولعل وصول ” أسود الأطلس ” لنصف نهائي كأس العالم بقطر بمشاركة قوية لمغاربة العالم و احتفالهم في كل بقاع العالم.. لهُو أكبر دليل على مدى ارتباط مغاربة العالم بوطنهم المغرب، وتقديمهم لصورة مغــرب اليوم للعالم في صورة الشاب الطموح والمثابر…
نتمنى ان تتكلم سنة 2023 لغة ارقام إنجازات المهاجرين في يومهم الدولي في 18 دجنبر، وإعلان البحر المتوسط ممر للتبادل التجاري والاقتصادي والثقافي و ليس مقبرة للمهاجرين..
نتمنى أن تختفي المعايير المزدوجة في التعامل مع ملف المهاجرين.. إذ في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير عن شيخوخة مجتمعات الدول الغربية وحاجة اقتصادها لليد العاملة، تتحدث تقارير آخرى عن ضرورة طرد المهاجرين و تنشر أرقام الجريمة والسجناء والبطالة و مشاكل الضواحي..كما نعتقد بضرورة تبني السياسات العمومية لتدابير تتنصر للمقاربات الإنسانية والحقوقية في قوانين الهجرة واللجوء بدل المقاربات الأمنية أو تيارات صناعة الخوف و الكراهية…لأنه عندما نتكلم عن الهجرة و اللجوء ، فإننا نتكلم عن الإنسان أولًا و أخيرا…
التعليقات مغلقة.