الإعلام والصورة النمطية عن المغرب بإسبانيا – حدث كم

الإعلام والصورة النمطية عن المغرب بإسبانيا

جمال المحافظ: اختتمت أشغال الدورة الثانية عشرة من الاجتماع رفيع المستوى بين المغرب واسبانيا المنعقدة الخميس ثالث فبراير الجاري بالرباط بإصدار بيان مشتركأكد فيه الجانبين ” الالتزام باستدامة العلاقات المتميزة بينهما، والعمل على إثرائها باستمرار في إطار معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون والحوار السياسي”.

كما جدد البلدان في أعقابهذه الدورة،تأكيدهما على أهمية البيان المشترك الصادر في سابع  أبريل 2022، الذي ينص بالخصوص على ” مبادئ الشفافية والحوار الدائم والاحترام المتبادل وتنفيذ الالتزامات والاتفاقيات الموقعة من قبل الجانبين، بروح الثقة وبعيداً عن الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع”.

وإذا كان هذا اللقاءتميز بالتوقيع، لأول مرة على ما يناهز 20 مذكرة تفاهم، تهم عدةمجالات، أبرزها التعاون الثنائي وإدارة الهجرة والبنى التحتية وحماية البيئة والتكوين المهني وتدبير المياه، فإن الغائب الأكبر في هذا الاجتماع رفيع المستوى كان ملف الثقافة والاعلام الذي يضطلع بدور حاسم في تشكيل الرأي العام وصناعته، ويفرض كذلك أجندته على سياسة الدول.

وعلى الرغم مما يلاحظ من تحسن في العلاقات بين البلدين وتدشينهمالمرحلة جديدة، خاصة بعدما أعلنتمدريد بأن المقترح المغربي حول الحكم الذاتي، هو ” الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية” لتسوية نزاع الصحراء، فإن غالبية وسائل الاعلام الاسبانيةظلت على عكس هذا التوجه، رهينة نظرة نمطية سلبيةفي تعاملها مع الشأن المغربي، عكسته معالجة العديد منها لمختلف قضايا جارها الجنوبي الذي لا تفصله عن بلادها سوى 14 كلم.

و في ظل الثورة الرقمية، لا يجادل أحد اليوم حول أهمية ودور الصورة الإعلامية وخطورتها في تشكيل الصور الذهنية للرأي العام وفي تحديد توجهاته وسلوكياته، وجعلها تترسخ في عقول الأفراد والجماعات، إذ غالبا ما تأثر في هذا السياق الصور التي تقدمها وسائل الإعلام على صناعة القرار السياسي وأيضا في حقل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.

فتصحيح الرسائل الخاطئة التي تمرر عبر وسائل الاعلام والذي غالبا ما يكون جانبا منهامبنياإما على عدم الفهم أوالجهل أيضا، يتطلب كذلك اعتماد استراتيجيات واضحة في مجال الثقافة والاعلام الوطني، والارتقاء بمستوى التبادل ما بين الفاعلين الاعلامين والمجتمع المدني، علاوة على تكثيف التعاون الثقافي والإعلامي وفي مجالات البحث العلمي والأكاديمي، لما لهذه القطاعات الحيويةمن أهمية ودور في إعادة إنتاج الأفكار والمعرفة بصورة صحيحة ومواجهة الصور النمطية السائدة، وهو ما قد يساهم إيجابا في التأثير  على الرأي العام وتحقيق معرفة أفضل ما بين مجتمعي البلدين،وذلك استناداعلى معطيات واقعية وأيضا على معلومات دقيقة وواقعية.

وعلى الرغم من عشرات اللقاءات الإعلامية والفكرية، هنا بالمغرب وهناك بإسبانيا، فإنها لم تتمكن لحد الآن من معالجة الصور النمطية التي تروجها وسائل الإعلام الإسبانيةحول المغرب والمغاربة، وهو ما يتطلب فضلا عن إعادة النظر في طريقة وأسلوب تنظيم هذه التظاهرات وكذلك في مضامينها، العمل على تقييم فعاليتها، وذلك وفق مقاربة موضوعية، للمساهمة بفعالية أكبر في تجاوز الأفكار النمطية والأحكام المسبقة التي تقف حائلا أمام مبادرات تجسير التواصل وتعيق التفاهم بين البلدين الجارين اللذين أعلنا- كماجاء الاجتماع رفيع المستوى –عن ” فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، على أساس الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة والتشاور الدائم والتعاون الصريح والمخلص، في إطار حسن الجوار”.

وبعد إعلان مدريد مؤخرا بأن المقترح المغربي حول الحكم الذاتي، هو ” الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية”لتسوية قضية الصحراء، أجمعتوسائل الاعلام المغربية ومعها الطبقة السياسية، قد على وصفت التحول الذي عرفه الموقف الاسباني من قضية الصحراء، ب” التاريخي والغير مسبوق “

لكن على الرغم من هذا التحول والمرحلة الجديدة التي دخلتها العلاقات بين البلدين، إلا أنهيلاحظ أن وسائل الإعلام الإسبانية التي تعد لاعبا حاسما في دينامية العلاقاتبين مدريد والرباط،ظلت تعتمد ” مواقف جاهزة، ونظرة استعلائية” في تعاملها مع المغرب وقضاياه،ويزيد من مغالاتها في الاهتمام بالشأن المغربي،تأثرهابالخلافات السياسية الداخلية حول جارها النوبي، مما تبقى معالجتها الإعلامية، مرتهنة للصراعات السياسية الداخلية، ولجماعات الضغط،وهو ما يرخى بظلاله على العلاقات بين البلدين الجارين.

ومن أجل الاسهام في تجاوز النظرة النمطية السلبية في تعاطي وسائل الإعلام الإسبانيةمع المغرب وقضاياه، فإن المرحلة الراهنة على ما يبدو، تتطلب ” معركة إعلاميةبخطاب مهني جديد “، ذلك لأن تطوير العلاقات الثنائية، يحتاج كذلك لتوفر إرادة واضحة ورؤية متجددة،تعلى من شأن البعدين الاعلاميوالثقافي،حتى يكون بمقدورهما المساهمة في تغيير الصورة النمطية التي تعمل على تروجهاوسائل الاعلام الإسبانية.
ومما يزيد من أهمية هذه المرحلة التزام اسبانيا  التي تعد أكبر مستثمر أجنبي في المغربب” الاحترام المتبادل.. وتجنب في خطابنا وفي ممارستنا السياسية كل ما نعرف أنه يسيء إلى الطرف الآخر، لا سيما فيما يؤثر على مجالات السيادةوالشؤون الداخلية”، كما قال رئيس حكومتها خلال اجتماع الرباط. كما أن رئيس الحكومة المغربية فاعتبر بدوره أن القمة الثنائية التي قال بأنها تمهد لمرحلة جديدة جوهرها التركيز على القضايا ذات الاهتمام المشترك” تجسيد للإرادة القوية للعمل سويا من أجل شراكة متميزة، متجهة بثبات نحو المستقبل “.

ومن جانبه أكد وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني على أن من شأن الحوار السياسي المعزز، والشراكة الاقتصادية الجديدة وتعزيز دينامية العلاقات في المجالات الاقتصادية، والثقافية والتعليمية، أن تعود بالنفع على الطرفين حتى يتعرف الشعبان الإسباني والمغربي على بعضهما البعض بشكل أفضل على أساس أكثر متانة “.

 

التعليقات مغلقة.