مصطفى ابن الرضي:الصحافة تكون أو لا تكون… الصحافة ليست حالة وسط، أو وضعية مساومة، أو أنصاف رأي، أو نصف حرية.. هي حرية كاملة غير منقوصة، أو حالة “نضالية” لأجل الحرية عند انتفائها، أو تكون شيئا آخر.
تكون الصحافة أو لا تكون.. وقد لا تكون هناك صحافةٌ في وطنٍ ويكون هناك صحافيون، لكن ليس في وسعهم القول، أو حتى التنفس دون “أمرٍ صباحي ومسائي”، وإلا تكون الصحافة عاقّة تحتاج إلى تأديب و”تنظيم”.
هذا التبخيس والتخسيس و”إفقاد الوزن”، الذي يكاد ينسحب على امتداد سنوات، خيارٌ ويجسّد رؤية لما يجب أن تكون عليه الصحافة، وليس عنوانَ تردٍ طارئ في مهنة، فعلا وحقيقة، هي مهنة متاعب حين تتلازم مع النزاهة.
ما يجري من نقاش المجلس الوطني للصحافة هو “باكورة” السقوط المريع منذ سنوات طويلة. ليس حدثا معزولا عن سياق، ولا أزمة طارئة، ولا خصامَ أفراد. هو عنوان مرحلة، ونتاج سيرورة لأجل تسْييد من لا يستحقون السيادة.
لقد صار معنى أن تكون صحفيا باهتا بلا مضمون، ولا يضمن لك شيئا. لقد صار عبئا، ولربما مجْلبة للخجل.. مهنة يمكن أن يدخلها أي أحد، وأن يمارسها أي أحد، وأن يمثّلها أي أحد، وأن يمثّل بجثتها أي أحد، وينظّمها الجميع وأيُّ أحد، إلا الصحافيون، فيما يسمى كذبة (التنظيم الذاتي) بصيغتها المُغَغْربة.
لسنا أمام حالة تنظيم ذاتي. نحن أمام واقع تنظيم الجميع لمهنة الصحافة، إلا الصحافيون، وقتما تتمتع مهن أخرى بتنظيم ذاتي لا بكذبة.
وهذا الهوس بإقحام الجميع أنفه في تنظيم الصحافة يمكن أن يكون مقبولا على سبيل الدعم باعتبار الصحافة شأنا مجتمعيا. لكنه بصيغته الحالية وكثافة حضور غير المنشغلين والمشتغلين بالإعلام، ناشرين أو صحافيين، لا أعتقد أنه يجد تفسيره إلا في أحد أمرين، أو هما معاً: أن الصحافيين قاصرين عن تنظيم أمورهم للحد الذي يحتاجون إلى “الرُّفقة” ومن يأخذ بيدهم، أو أنها عملية ضبط و”ربط” يتورّط فيها الكل، لا عملية تنظيم.
(وأستسمح في الاستدراك: هل تمكّن هذا الجميع الذي يريد أن ينظّم الصحافة وفق المثل (يدِّي ويْدْ القابلة والحرامي يخرج عْور)، من تنظيمنا؟).
لقد صار المجلس الوطني عبْئا على الصحفيين، وحتى على الدولة، وعلى أهل السماء والأرض، ومن كثرة ما (خْرج عْور)، يريد هذا الجميع (اللي دار يديه مع يد القابلة) دفنه في التراب. (يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ).
دع عنك الكاذبين الذين يزعمون، دون أن تعلو وجوههم حمرة الحشمة، أنهم يريدون خدمة المهنة أو أنهم خدموا المهنة. جميعهم مشاركون في الجريمة بمستويات.
من ساهم في الهبوط بالممارسة الصحافية يتصّدر الآن مزاعم الإصلاح، ومن تواطأ ومشا في جنازة الصحافة و(كلا مع الذيب) راه تيبكي مع السارح (أو لعلنا المسروح).
ثم على ما نأسف وقد ضمّ المجلس (المُطال في عمره عبر التنفس الاصطناعي للإيهام أنه لايزال حيّا) ممثلي كل القطاعات، حتى الهيئات التي ما عاد لها «وجود» ولا تستطيع تنظيم نفسها حتى تنظمنا، كاتحاد كتاب المغرب، وضمّ من سبق له أن نطق بالإدانة في محاكمات صحفيين في قضايا النشر. هذا المجلس غير مأسوف عليه، ممدّاً له، أو لجنةً موقتة، أو حتى محلولا أو متحلّلا..
وعلى ذكر المجلس «المحْلول». ألا يستحق هذا المجلس لجنة تقصي حقائق صرف، وحتى «تحويل».
الرأي أنه مجلس بحصيلة هزيلة، ولا خلاف بشأن ذلك لفرط بداهة هذا القول، لكنه أيضا أنه صار مجلس حظوظ ومحظوظين، ومجلس مترفين، ومجلس ريع..
جزء من معركة كسر العظم الجارية لا علاقة لها بالصحافة ولا بالصحافيين على ما أزعم. هي معركة مصالح، وامتيازات، ونفسٍ أمّارة بالسوء استطابت الأكل من المال العام (لا حلالا ولا طيبا).
التعليقات مغلقة.