رشيد الصديق رئيس المركز المغربي للمواطنة : يجب إطلاق حوار وطني حول أولويات السيادة الغذائية الوطنية
استطلاع : 89,3 في المائة من المغاربة غير راضين عن مخطط المغرب الأخضر
عمل المغرب منذ استقلاله على تنزيل العديد من الاستراتيجيات العمومية الهادفة إلى الإصلاح الزراعي وتطوير القطاع الفلاحي الوطني وتنمية العالم القروي. وبالنظر للتمويل العمومي المخصص له، يعتبر مخطط المغرب الأخضر أحد أهم تلك الاستراتيجيات، والذي أطلق سنة 2008 ويطمح إلى جعل الزراعة محركاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
رغم الإمكانيات الهامة التي وُفرت له، أثار مخطط المغرب الأخضر جدلا واسعا داخل أوساط المجتمع المغربي من النخب المسيرة للشأن العام وحتى عامة الشعب، بحيث تباينت الآراء حول فعاليته ونجاعته ومدى تمكنه من تحقيق أهدافه المنتظرة. فبينما أشاد القطاع الحكومي المعني بمعية المهنيين الكبار بنتائجه الإيجابية وحصيلته الاستثنائية، يرى المواطن، المكتوي بنار غلاء أسعار المواد الغذائية والمنتوجات الفلاحية الضرورية لقوتهم اليومي، أنه لم يحقق ما كان منتظرا منه. وكانت بعض المؤسسات الدستورية والرسمية قد نبهت إلى بعض نواقص المخطط والإخفاقات التي سجلها.
وعرف المغرب خلال الأشهر الأخيرة ، نقاشا واسعا حول حصيلة المخطط الاخضر الذي تبنته المملكة خلال السنوات الماضية لتطوير الزراعة الانتاجية.
النقاش حول المخطط ارتبط أساسا بموجة ارتفاع اسعار الخضر والفواكه المنتجة محليا ، وانعكاساتها على القدرة الشرائية للمواطن المغربي، في هذا الاطار انجز المركز المغربي للمواطنة استطلاعا مس مجموعة من النخب والمواطنين المغاربة حول تقييمهم لحصيلة المخطط الزراعي، في الحوار التالي مع رشيد صديق رئيس المركز نلقي الضوء على أهم خلاصات الاستطلاع نص الحوار :
لماذا اختيار هذا الموضوع الأن؟
*هذا الاستطلاع يدخل ضمن مباردة بارومتر المواطنة، والذي أنجز من خلال المركز المغربي للمواطنة إلى حدود الساعة 5 استطلاعات، والمخطط الاخضر كان مبرمج مند أكثر من سنة. وهناك استطلاعين اخرين مبرمجين من طرف المركز خلال هذه السنة، الأول بخصوص الادماج الاجتماعي والثاني بخصوص تشغيل الشباب.
وماهي أهم خلاصات الاستطلاع؟
- هناك درجة مرتفعة من عدم رضا المواطن بخصوص المخطط
- كما أن غالبية المشاركين يعتقدون أن المستفيد الأول من المخطط هم الفلاحين الكبار
- عدم إنجاز تقييم خارجي موضوعي جعل المواطن لا يثق في المعطيات الرسمية الإيجابية للمخطط
- التدبير الحكومي لملف ارتفاع أسعار المواد الغذائية ساهم كذلك في فقدان ثقة المواطن في السياسات العمومية الموجهة للفلاحة
وكيف ترون مستقبل هذا المخطط ، وكيف يمكن إعادة توجيه وفقا لحاجيات المغرب؟
- يجب اشراك حقيقي للجميع في تحديد ماذا نريد لبلدنا فيما يخص السيادة الغذائية الوطنية
- الاهتمام بشكل أكبر بالقلاحين الصغار وإدماج الشباب في القطاع الفلاحي من خلال دعم انشاء المقاولات الفلاحية
- الاهتمام بتعبئة موارد مائية إضافية
- فتح نقاش بخصوص قدرة المغرب للتحول الى دولة فلاحية مصدر بمنتجات فلاحية مستهلكة بشكل كبير للمياه
تقرير المركز حول نتائج الاستطلاع
أجرى المركز المغربي للمواطنة استطلاعا لآراء المغاربة حول مخطط المغرب الأخضر، نتائجه مقدمة في هذا التقرير.
المنهجية:
*أنجز الاستطلاع خلال الفترة ما بين 3 و31 مارس 2023 استطلاع رأي المغاربة حول مخطط المغرب الأخضر من خلال استبيان إلكتروني نشر على منصة التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”.
*عرف الاستطلاع مشاركة 4864 شخصا. تشكلت العينة المشاركة من نساء ورجال من فئات عمرية مختلفة يمثلون جميع جهات المملكة، قرروا بشكل تطوعي المشاركة. وبالتالي ومن المنظور العلمي، النتائج المحصل عليها لا تمثل وجهة نظر الرأي العام المغربي في الموضوع، بقدر ما تعكس فقط آراء المشاركات والمشاركين في هذا الاستطلاع، إلا أنه يمكن اعتبارها تعبير عن توجه هذا الرأي العام.
*كما عرف الاستطلاع المنشور على الفيسبوك تفاعل 13780 شخص من خلال الضغط على أحد أزرار الرضى أو الاستياء المتاحة وكذلك من خلال 4806 تعليق. بالإضافة الى نتائج الاستطلاع، تم تحليل هذه التعليقات وتلك الواردة في الاستبيان واستخدامها لبلورة مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات التي تم ذكرها في هذا التقرير.
*الاستطلاع يرتكز على مبدأ أن لكل مواطن الحق في تعبير عن رضاه أو استيائه من الخدمات والسياسات العمومية الموجهة له. وأنه ليس من المفروض أن يكون ملما بالجوانب التقنية للموضوع لتعبير عن موقفه، خاصة عندما يتعلق الأمر بسياسة عمومية تؤثر نتائجها سلبية كانت أم إيجابية على حياته اليومية.
المميزات الديمغرافية للعينة المشاركة
*مثلت النساء نسبة 9,1 في المائة من المشاركين في هذا الاستطلاع، في حين وصلت نسبة الرجال 90,9 في المائة.
*نسبة المشاركين الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة بلغت 20,5 في المائة، و44,9 في المائة بالنسبة للمشاركين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 30 و40 سنة، و23,1 في المائة بالنسبة لما بين 40 و50 سنة، في حين أن المشاركين الذين تزيد أعمارهم عن 50 سنة وصلت النسبة إلى 11,5 في المائة.
*شكل المشاركون من ذوي المستوى الجامعي نسبة 75,9 في المائة والمستوى الثانوي نسبة 11,6 في المائة، في حين مثل التكوين المهني نسبة 8,4 في المائة، أما المستوى الابتدائي-الاعدادي فشكل نسبة 4,1 في المائة.
* شكل الموظفون نسبة 38,5 في المائة من المشاركين، والأجراء نسبة 17,8 في المائة، وأصحاب المهن الحرة نسبة 13,6 في المائة، والطلبة والتلاميذ نسبة 7,1 في المائة، كما شكل الفلاحون نسبة 6 في المائة، والنسبة المتبقية تمثل فئات أخرى من قبيل المقاولون والمتقاعدون وربات البيوت.
التوزيع الجغرافي
*مثلت جهة الدارالبيضاء-سطات نسبة 19,8 في المائة من المشاركة، وجهة الرباط – سلا – القنيطرة نسبة 14,1 في المائة، وجهة سوس – ماسة نسبة 12,6 في المائة، وجهة فاس – مكناس نسبة 11,2 في المائة، وجهة مراكش-أسفي نسبة 9,9 في المائة، وجهة بني ملال – خنيفرة نسبة 6,3 في المائة، وجهة الشرق نسبة 5,8 في المائة وباقي جهات المملكة ومغاربة العالم نسبة 7,5 في المائة.
النتائج:
*بخصوص درجة معرفة المشاركين بمخطط المغرب الأخضر، أكد 66,2 في المائة أنهم يعرفون الكثير عن المخطط، و31,1 في المائة يعرفون عنه القليل، و1,8 في المائة لا يعرفون أي شي عنه، في حين أن 0,9 في المائة من المشاركين سبق لهم الاستفادة من دعم المخطط.
* بالإضافة إلى 4864 مشاركة في الاستمارة، تفاعل العديد من المواطنات والمواطنين مع منشور المركز المغربي للمواطنة على صفحته على الفيسبوك، بحيث تم تسجيل 13780 تفاعلا من خلال الضغط على أحد الأزرار المتاحة. وقد اختار أكثر من 70 في المائة منهم الضغط على زر الغضب تعبيرا عن موقفهم من المخطط. كما أظهر تحليل 4806 تعليق على صفحة المركز المغربي للمواطنة أنه على الأقل واحدًا من بين ثلاث تعليقات استخدم تعبير “المخطط الأسود” لوصف المخطط الأخضر.
*بعض التعليقات اعتبرت أن فكرة استطلاع حول المخطط في حد ذاتها استفزازًا للمغاربة، على اعتبار أن الواقع اليومي وارتفاع أسعار المواد الغدائية والغليان الشعبي تعتبر دليلًا على فشل المخطط وبالتالي تقييمه لا يحتاج إلى استطلاع. كما شكك البعض في أهداف هذا الاستطلاع واعتبروه محاولة لتلميع صورة المخطط.
*89,3 في المائة من المشاركين غير راضين بشكل عام عن مخطط المغرب الأخضر.
*94,2 في المائة من المشاركين يرون أن مخطط المغرب الأخضر لم يتمكن من خفض أثمنة المنتوجات الفلاحية.
*86,8 في المائة من المشاركين يعتبرون أن المخطط لم ينجح في تحسين ظروف عيش ساكنة العالم القروي.
*83,7 في المائة من المشاركين يعتبرون أن المخطط لم ينجح في تعزيز الأمن الغذائي الوطني.
* 75,1 في المائة من المشاركين يرون أن المخطط لم ينجح في تعبئة مصادر مائية إضافية.
* 72,7 في المائة يرون أن المخطط لم يتوفق في دعم الشباب لإحداث مشاريع في القطاع الفلاحي.
* 57,2 في المائة من المشاركين يعتبرون أنه لم ينجح في خلق فرص شغل إضافية في القطاع الفلاحي.
* 56,5 في المائة يرون أن مخطط المغرب الأخضر لم يتمكن من الرفع من الإنتاج الفلاحي الوطني.
* 85,2 في المائة يرون أن المخطط المغرب الأخضر لم يساهم في الزيادة في كمية المنتوجات الفلاحية المتوفرة في السوق الوطني.
* 87,8 في المائة من المشاركين يعتبرون أن النتائج المحصل عليها في إطار المخطط لا تبرر الأموال العمومية التي صرفت عليه.
* 93,9 في المائة يرون أن المستفيد الرئيسي من مخطط المغرب الأخضر هم الفلاحين الكبار.
* 87،6 في المائة يرون أن مخطط المغرب الأخضر لم يعطي الأهمية اللازمة للقضاء على الحشرة التي أضرت بنبتة الصبار.
* 88,4 يرون ان المخطط المغرب الاخضر استهدف التصدير وجلب العملة الصعبة على حساب تحقيق الأمن الغذائي للمغرب.
* 87,3 في المائة من المشاركين غير راضون (مستاء ومستاء جدا) عن درجة تواصل الوزارة الوصية بخصوص مخطط المغرب الأخضر.
* 91,5 في المائة يرون أن البرلمان لا يقوم بدوره في تتبع وتقييم مخطط المغرب الأخضر.
* 91,2 في المائة من المشاركين يعتقدون أن التنزيل الميداني لمخطط المغرب الأخضر لم يكن في مستوى تطلعاتهم وانتظاراتهم
* 34,1 في المائة يعتبرون أن ارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية يرجع إلى التصدير، و30,7 في المائة إلى المضاربة وتعدد الوسطاء، و29,6 في المائة الى طريقة تدبير الحكومة للملف، و3,8 في المائة الى أسباب أخرى، في حين أن فقط 1,8 يرون أن ذلك يعود إلى العوامل المناخية.
* من بين 294 فلاح مشارك في الاستطلاع، فقط 24 شخص يؤكدون أنهم إستفادوا من دعم المخطط، أي 8,2 في المائة.
الاستنتاجات
*لا يمكن إنكار الإنجازات الهامة لمخطط المغرب الأخضر خصوصا مساهمته في تطوير الاستثمار الفلاحي الوطني وتنويع والرفع من الإنتاج الزراعي ومن الصادرات الفلاحية وتنظيم القطاع. في المقابل، تطور وازدهار القطاع الفلاحي الوطني ليس وليد المرحلة الحالية بل انطلق منذ استقلال المغرب، والقول بأنه لولا المخطط لما توفرت المواد الغذائية الضرورية لحياة المواطنين اليومية هو كلام مجانب للصواب وغير موضوعي.
*يظل مخطط المغرب الأخضر سياسة عمومية معرضة للنجاح وللفشل، ولا يجب اعتبار هذا المخطط مقدسًا ومحصنًا عن التقييم والمحاسبة والنقاش العمومي. وأن أي تقييم خارجي له فهو ليس موجها ضد أشخاصا معينين بل من أجل تقييم نجاعة وفعالية واستدامة سياسة عمومية تتلقى تمويلًا عموميا.
* تم تناول المخطط المغرب الأخضر في العديد من التقارير والدراسات الأكاديمية والمقالات الصحفية، والتي رصدت مؤشرات متعددة توضح نجاحه وفشله في تحقيق النتائج المتوقعة. وتشمل هذه التقارير أيضًا التقارير الرسمية التي صدرت عن مؤسسات دستورية ووطنية مثل المجلس الأعلى للحسابات والمندوبية السامية للتخطيط. ولوحظ وجود ميل رافض لأي تقرير سلبي يتعلق بالمخطط، بما في ذلك الصادرة عن مؤسسات دستورية، دون تقديم معطيات مقنعة لتبرير هذا الرفض.
*أشرف القطاع الوصي على إنجاز تقييم داخلي لمخطط المغرب الأخضر للفترة من 2008 وإلى 2018. ألا أن المنهجية المعتمدة تشوبها بعض العيوب ولا سيما الاعتماد على التقييم الداخلي بدلاً من التقييم الخارجي المستقل والموضوعي، والاكتفاء بآراء المهنيين المستفيدين بشكل مباشر من دعم المخطط (غرف الفلاحة والتنظيمات المهنية). كما أن التقرير عبارة عن حصيلة مرحلية أكثر منه دراسة تقييمية للمخطط. وبالإضافة إلى ذلك، تختلف السنوات المرجعية المستخدمة في مقارنة التطور من مؤشر إلى آخر، مما يعطي انطباعًا بوجود توجه لاختيار السنة المرجعية التي تظهر تحسنًا أكبر في قيمة المؤشر المعني.
*رغم المطالب العديدة بضرورة إنجاز تقييم خارجي مستقل للمخطط، الا انه لم يجد الأذان الصاغية. كما أنه لم يتم تفعيل مجموعة العمل الموضوعاتية التي أحدثها البرلمان سنة 2022 والمكلفة بتقييم مخطط المغرب الأخضر. مما يسائل دور البرلمان في المسائلة المسؤولة والموضوعية للسياسات العمومية.
*يتعرض المخطط للانتقاد بسبب توجهه نحو تطوير قطاع فلاحي موجه للتصدير ومستهلك لكميات كبيرة من الماء، دون مراعاة الظروف الطبيعية للمغرب وموقعه في منطقة تعاني من نقص حاد في الموارد المائية وتفاقمه من سنة لأخرى. وبالتالي، فإن قدرة المغرب على التحول إلى دولة فلاحية مصدرة للمنتجات الفلاحية رغم نقص موارده المائية تثير العديد من الأسئلة.
*تواجه القطاع الفلاحي الوطني تحديات جوهرية تتمثل في نقص موارده المائية وتأثره الشديد بالجفاف الذي أصبح ظاهرة بنيوية مستدامة. فعلى الرغم من التقدم التكنولوجي في مجال تحلية مياه البحر والطاقات المتجددة، وباستثناء تشييد محطة تحلية مياه البحر الوحيدة في أكادير الموجهة للسقي، يُعتبر عدم إيلاء المخطط الاهتمام الكافي لتوفير موارد مائية إضافية مستدامة للتخفيف من تأثير الجفاف على القطاع الفلاحي أحد النقط السلبية للمخطط.
*من المفارقات التي ميزت مخطط المغرب الأخضر الانتشار الواسع لزراعة البطيخ الأحمر، الذي يتطلب مياه كثيرة، في منطقة ذات مناخ صحراوي تعاني أصلا إشكاليات في توفير المياه المخصصة للشرب.
*أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية أثارت تساؤلًا أساسيًا حول أولويات الأطراف المتدخلة في تنفيذ المخطط. بينما يعتبر منطقيا أن يستهدف المستثمر التصدير لتحقيق ربح أكبر، فقد أثار الموقف الغير المؤثر للحكومة في خفض الأسعار تساؤلات حول فعاليتها وأولوياتها، خصوصا مع تسجيل بعض المواقف الحكومية الداعية لضرورة احترام المصدرين بالتزاماتهم مع الخارج.
*أثارت أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية تساؤلًا أساسيًا حول أولويات الأطراف المتدخلة في تنفيذ المخطط. في حين يُعتبر منطقيًا أن يهدف المستثمرون لتحقيق أرباح أكبر من خلال التصدير، إلا أن الموقف ورد فعل الحكومة في تخفيض الأسعار أثار تساؤلات حول فعاليتها وأولوياتها، خاصة في وجود مواقف حكومية تدعو إلى ضرورة احترام المصدرين لالتزاماتهم مع الجهات الخارجية.
*تبرير ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال عام 2022 بسبب الجفاف الذي تعرض له المغرب في نفس العام يفتقد للموضوعية، بحيث كيف يفسر تحقيق أرقام قياسية من العملة الصعبة من خلال تصدير المنتجات الفلاحية خلال نفس السنة.
*تصنيف المغرب في مؤشر الأمن الغذائي الصادر عن مؤسسة “إيكونوميست إمباكت” يسأئل كذلك الساهرين عن المخطط، بحيث أن المغرب حل في المرتبة 57 عالميًا من بين 113 دولة، وفي المرتبة 12 في قائمة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهو بذلك يعكس إشارة أخرى غير مطمئنة بشأن نتائج المخطط المتعلقة بتحقيق الأمن الغذائي.
*في العقود الأخيرة، لم يكن يعاني المغرب من عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي في عدد من المواد الغذائية الرئيسية التي يستهلكها المواطن خصوصا الخضر. ومع المخطط، أصبح يطرح سؤال حول ثمن الذي يؤديه المواطن للحصول على هذه المواد. كما أن تفويض المستوردين تزويد المغرب بالعديد من المنتجات الفلاحية التي لا ينتج المغرب كفايته منها مثل الحبوب والقطاني والزيوت والسكر جعل المواطن ضحية تقلبات الأسعار الدولية.
*يوجد شبه إجماع على أن المخطط لم يول الاهتمام اللازم للفلاح الصغير بالمقارنة مع الفلاح الكبير صاحب الأهداف الاستثمارية. مما ساهم في خفض كمية المنتجات الفلاحية الموجهة للسوق الداخلي، لكون الفلاح الصغير يوجه إنتاجه بشكل أساسي لتلك السوق. كما ساهم أيضًا في تضعيف تنافسية الفلاح الصغير مقارنةً بالمستثمر المدعم.
*التنزيل الترابي للمخطط يطرح بعض التساؤلات المتعلقة باستهداف أولويات كل جهة، بحيث لوحظ عدم إعطاء الاهتمام الكافي والتدخل القبلي لإنقاذ بعض المناطق السقوية التي كانت المزود الرئيسي للسوق الوطني والتي تم قطع ماء السقي عنها مثل دكالة وتادلة والحوز. بينما استفادت بعض المناطق الحديثة النشأة من مبادرات لتمكينها من موارد مائية مستدامة، والتي توجه نسبة مهمة من إنتاجها للتصدير.
*على الرغم من تأكيد الحكومة بأن ارتفاع أسعار المنتحبات الفلاحية سببه المضاربين والوسطاء بين الفلاح والمستهلك، مع التذكير بأنهم جزء لا يتجزأ من السوق، إلا أنه لم يلاحظ تبني إجراءات فعالة للتصدي لهذه الإشكالية. إحداث أسواق عصرية غير كافي للحد من تأثيرهم في الأسعار.
*لم تكن الحكومة فعالة في تدبير ملف ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخاصة عدم دقة توقعاتها بانخفاض الأسعار. كما سُجل نقص على مستوى التواصل السياسي الضروري في فترة الأزمات لطمأنة المواطن. من جهة أخرى، تظهر بعض المؤشرات على أن التدبير التحضيري للحكومة لعيد الأضحى قد تكون له عواقب سلبية على سوق اللحوم الحمراء بعد العيد، كما تساءل قدرتها على تعبئة العدد الضروري من رؤوس القطيع وبثمن معقول.
*تمويل المخطط استند كذلك على قروض دولية من مصادر مثل البنك الدولي، والبنك الأفريقي للتنمية، والتعاون الياباني، والوكالة الفرنسية للتنمية. حيث حصل المغرب على ما يقارب 21 مليار درهم بين عامي 2008 و2018، وهو ما يشكل حوالي 10 في المائة من الدين الخارجي للمغرب لسنة 2022. إلا أنه يلاحظ توجيه هذا التمويل لمشاريع ذات طابع استهلاكي تصديري. مما يطرح إشكالية حقيقية بخصوص استدامة المشاريع المدعمة، ومدى استفادة المغرب من استثمارات المخطط على المديين المتوسط والطويل. دون تجاهل ان الأجيال المقبلة ستتحمل تسديد ديون صرفت من أجل ضمان غداء حتى الدول الغنية.
*يساهم المال العام في تمويل الصادرات الفلاحية من خلال الدعم المقدم لتطوير التجهيزات الفلاحية والمكننة وتعبئة المياه وتحسين البنية التحتية وتوفير الأسمدة والتثمين والتكوين والنقل وغيرها. وهذا يعني أن جزءا من تكاليف إنتاجها يتحمله المال العام وحتى من الاقتراض الدولي. ومع ارتفاع أسعار هذه المنتجات في الأسواق العالمية وتنافسها القوي، يطرح سؤالًا حول فعالية الدعم العمومي للمنتجات المصدرة، وخاصةً وأن المغرب سيتحمل سداد الديون المستحقة عن هذا الدعم لعدة سنوات قادمة.
*استفادت القطاعات العمومية الوصية على تنزيل مخطط المغرب الأخضر من امتيازات حكومية عدة من قبيل الدعم المالي والإصلاحات المؤسساتية، وهذا ما لم يحدث في أي قطاع آخر من قبل. وفي هذا الإطار، تمت إعادة هيكلة الوزارة والمؤسسات العمومية التابعة لها وإحداث مؤسسات جديدة وتمكينها من الصلاحيات اللازمة والإمكانيات المالية الضرورية لاشتغالها.
*نجح مخطط المغرب الأخضر في تنظيم وتقوية مهني القطاع، بحيث ظهرت على الساحة مجموعة من الفدراليات والجمعيات المهنية بإمكانيات وقدرات تفاوضية هامة. كما ساهم في خلق برجوازية جديدة في القطاع الفلاحي. وقد شكلت هذه الفئة “مجموعات ضغط” قوية ومؤثرة للتفاوض عن مصالحها وامتيازاتها.
*تصدير المنتجات الفلاحية يؤدي إلى خفض الكمية المتاحة في السوق الداخلية، وبالتالي يساهم في ارتفاع أسعارها. وعلى الرغم من استفادة المصدرين من الدعم العمومي، إلا أن الحكومة لا تتوفر على أي سلطة تلزم المصدرين بتوجيه سلعهم للسوق الداخلي خلال فترات الأزمات. وبالتالي، يبقى تزويد السوق الوطني رهينا بسخاء وكرم المصدرين اتجاه المغاربة.
*في غياب أي معطيات رسمية حول الأرباح التي يحققها المصدرين، يجعل تبرير ضرورة مواصلة دعمهم لاستمرارهم في الاستثمار في القطاع غير مبني على معطيات موضوعية. العديد من المهتمين يعتبرون الاستثمار في المجال الفلاحي من بين أهم القطاعات المربحة.
*تثمين المنتجات الفلاحية لم يكن في مستوى الإنتظارات، بحيث أن نسبة مهمة من هذه المنتجات تصدر على حالتها الخامة، مما يضيع على البلاد فرص خلق قيمة مضافة. كما أن هناك تقصير على مستوى المبادرات الوطنية المشتركة بين مخطط المغرب الأخضر وباقي البرامج الحكومية لتطوير صناعة غدائية متطورة تنتج قيمة مضافة حقيقية.
*بالنظر لأهمية فاكهة الصبار لدى فئة كبيرة من المغاربة، تدبير مخطط المغرب الأخضر لآفة الحشرة القرمزية التي قضت على هذه الفاكهة في جل مناطق المغرب أثار تساؤلات حول درجة اهتمام المخطط بـأولويات المواطن البسيط.
*من أجل تحسين ظروف عيش الفلاحين الصغار ومحاربة الفقر بالعالم القروي خصوصا في المناطق النائية والمعزولة، تبنى المخطط دعامة الفلاحة التضامنية من خلال اعتماد مقاربة تأخد بعين الاعتبار الخصوصية المحلية وتهدف إلى تقليص الفوارق المجالية بين المناطق. الا أن هذه الدعامة تعرف جدلا كبيرا حول تحقيقها للنتائج المنتظرة منها.
*المؤشرات الرسمية الأخيرة تظهر ان القطاع الفلاحي لم ينجح في خلق فرص شغل إضافية ولا التحكم في مناصب الشغل المحدثة، والتي لاتزال رهينة بالظروف المناخية، كما ان تطوير المكننة ساهم كذلك في خفض حاجة الفلاحين الكبار الى اليد العاملة. ضعف الدعم المباشر للفلاحين الصغار ساهم كذلك في خفض التشغيل العائلي. وكنتيجة، تم تسجيل تراجعا واضحا في نسبة مساهمة القطاع الفلاحي في سوق الشغل بالانتقال من 40,9 في المائة سنة 2008 إلى 34,1 في المائة سنة 2018 (المندوبية السامية للتخطيط).
*الزيادة في الدعم المخصص لمربي الأبقار الحلوب ليصل 6000 درهم للرأس عوض 4000 درهم، مثال يظهر سخاء المخطط ويسائل نجاعة القرارات المتخذة والتبريرات المقدمة لهذه الزيادة، كما تعطي الانطباع بأن المخطط بصدد تبرير فشل في تدبير القطيع الوطني من خلال الزيادة في الدعم. كما يطرح سؤال جوهري حول هل 4000 درهم أصلا مبررة؟ وما درجة استفادة الفلاح الصغير من هذا الدعم؟
*التوقيع خلال شهر ماي 2023 على عقود برامج جديدة في إطار البرنامج الجديد “الجيل الأخضر” مع نفس التنظيمات المهنية ونفس السلاسل الإنتاجية التي سبق لهم الاستفادة من دعم مخطط المغرب الأخضر، يسائل معيار الاستدامة ونجاعة هذا المخطط. كما يعطي الانطباع بأننا أمام تمويل مخطط “مغرب أخضر” جديد مع تغيير فقط في الاسم.
التوصيات
*العمل على إنجاز تقييم خارجي مستقل لمخطط المغرب الأخضر طبقا للمعايير الدولية المعمول بها في الميدان، مع إيلاء أهمية لدراسة تأثير المخطط على المواطن المغربي.
*إطلاق حوار وطني حول أولويات السيادة الغذائية الوطنية.
*العمل على إحداث هيئة وطنية عليا أكثر فعالية يعهد إليها دور بلورة وتتبع وتقييم السياسات العمومية في السيادة الغدائية الوطنية.
*إعادة النظر في منهجية تنزيل الجيل الاخضر مع الأخذ بعين الاعتبار الدروس المستخلصة من مخطط المغرب الأخضر.
*توجيه الدعم العمومي لتعبئة موارد مائية إضافية من أجل إعادة إحياء المدارات السقوية المتضررة واحداث أخرى جديدة ودعم الاستثمار الفلاحي المستدام والعمل على خلق قيمة مضافة في القطاع.
*توجيه الدعم العمومي للفلاح الصغير المزود الرئيسي للسوق الداخلي الوطني، ولفائدة الاستثمارات ذات القيمة المضافة والتي لها وقع بشكل مباشر على المواطن.
*جعل الدعم العمومي الموجه للفلاحة رافعة لتشغيل الشباب في العالم القروي ووضع فتوات الالتقاء مع البرامج العمومية الأخرى خصوصا فرصة وانطلاقة.
*التركيز على التمويل الجماعي للمشاريع الفلاحية الموجهة للتصدير (تعبئة الموارد المائية). واستثناء الشركات التي تضم أجانب ضمن مالكيها من الاستفادة من الدعم العمومي.
*وضع آليات تعزز السلطة التفاوضية للحكومة مع المهنيين المستفيدين من الدعم العمومي بهدف تحقيق الأولوية في تزويد السوق الداخلية بمتطلباتها.
*التنزيل الفعلي للمبادئ المتعارف عليها عالميا والمحددة لمفهوم الدولة الاجتماعية والسيادة الغذائية والاستدامة وجعل المواطن محور جميع السياسات العمومية.
حوار : ع/ أ
التعليقات مغلقة.