سؤال إصلاح مدونة الأسرة بين إرادة ملكية و ترهل حكومي.. ‎‎ 2/2 – حدث كم

سؤال إصلاح مدونة الأسرة بين إرادة ملكية و ترهل حكومي.. ‎‎ 2/2

سبق وان نشرنا الجزء الاول من موضوع الدكتور عبد النبي العيدودي، المتعلق باصلاح مدونة الاسرة ، نُشر في نفس الركن ، وفيما يلي الجزء الاخير:

 أولا: زواج القاصرات.

 زواج القاصرات هو اغتصاب للفتاة وتدمير لمستقبلها، فمكانها في هذه المرحلة العمرية هو المدرسة والتعلم، لذلك فتحديد سن الزواج في 18 سنة أصبح مستعجلا أكثر من أي وقت مضى و القطع مع الإذن للقضاء بتزويجه ، لكن هناك خصوصية بالمناطق الاطلسي العميق ترى في زواج القاصر ضرورة لانقاذها من العنوسة .. وهذه الخصوصية  وجب الانتباه لها حتى لا يقع أي انفلات خارج القانون بهذه المناطق  و عدم الاستمرار في تجارب زيجات  .

فإذا كان القرن الفارط يزف بتجارب زيجات ناجحة لفتيات قاصرات، فإن الحاضر عكس ذلك تماما حيث انفتح المغرب على العالم وأصبحت المرأة كالرجل تتطلع لإتمام دراستها وتحقيق ذاتها قبل الزوا ، في أغلب مناطق البلاد ، لكن بعض المناطق الجبلية و البدوية لازالت تعاني من الهدر المدرسي في صفوف الفتيات مما يكرس فكرة الزواج المبكر للفتاة قبل بلوغها سن18.. فتتجه الاسرة الى طلب اذن القاضي بالزواج لها رغم عدم توفر الشروط الاجتماعية و البنيوية لانشاءالاسرة ، مما يدفع القاضي الى عدم الاستجابة لبعض الطلبات  .

وفي ظل عدم استجابة القاضي المكلف بالزواج لإذن زواج بعض القاصرات نظرا لانعدام الشروط، يسعى بعض الأزواج إلى الركون لزواج الفاتحة الغير معتد به قانونا، وعند نشوء النزاع يفك ميثاق الزوجية شفهيا ويجد نفسه في نهاية المطاف رهن الاعتقال ومتابعا بجريمة التغرير بقاصر. وهنا يبرز دور المؤسسات التربوية و الثقافية و الرياضية في مزيد من العمل لمواجهة هذه الظاهرة و الحد منها .

ثانيا: غياب تكوين للخطيبين حول مؤسسة الزواج واستفحال ظاهرة الطلاق.

من ضمن سلبيات تمكين المرأة من تطليق نفسها للشقاق، ارتفاع نسبة الطلاق بالمغرب لأرقام فلكية، وأمام هذا الإشكال أصبح لزاما إقرار مؤسسة مختصة بتأطير الخطيبين قبل إبرام عقد الزواج وتحسيسهم بمقاصد الزواج وغاياته حتى يكون كلا الخطيبين على بينة من أمرهما مستوعبين لما هو مُقدمين عليه.

ويبقى التنصيص على وثيقة التأهيل تسلمها المؤسسة المذكورة  المختصة مرفق ضروري لباقي مرفقات ملف عقد الزواج.

 ثالثا: تعدد الزوجات:

الإذن بالتعدد في ظل المدونة الحالية هو دمار للأسرة والمجتمع، فمسطرة التعدد هي معقدة تكاد تكون مستحيلة نظرا للشروط الغير ممكنة والواجب توفرها في التعدد.

وفي حال توفر هذه الشروط -تجاوزا- يتطلب الأمر استدعاء الزوجة الأولى وإشعارها بواقعة التعدد وإتاحة الفرصة لها لطلب التطليق حال رفضها.. و هو حق شرعي لها يحول الى اختيار بدل الإلزام بالحفاظ على بيت الزوجية .. ينادي الحداثيون بحريتها في الاختيار .

 وأمام هذا التعثر التشريعي وما ترتب عليه من تذبذب قضائي حول الاستجابة من عدمه لمقالات التعدد، أصبح لزاما فتح نقاش مجتمعي حول تعدد الزوجات في المدونة المرتقبة. 

 رابعا: إشكالية حرمان المرأة المطلقة من المتعة حال تقدمها بطلب التطليق.

 من ضمن مستحقات المطلقة المتعة تعويضا عن ما أصابها من فقر وبؤس بسبب الطلاق وجزاءً لها عن ما حققته لزوجها من استمتاع.

وإن كانت مدونة الأسرة قد نصت بشكل صريح عن تمكين المرأة من متعتها بعد الطلاق، إلا أن الاجتهاد القضائي (محكمة النقض) استقر على حرمانها من هذا الحق حال تقدمها -أي الزوجة- بطلب التطليق.

 وهذا حيف في حق المرأة وخرق سافر للنص القرآني حيث قال تعالى: “فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة.”

 ومن هذا المنطلق من الواجب التنصيص في التعديل المرتقب على تمكين المرأة المطلقة من واجب متعتها حتى ولو كان التطليق من طرفها.

خامسا: سلطة تقديرية واسعة للقضاء في تحديد مستحقات الزوجة والأطفال.

 من آثار انحلال ميثاق الزوجية وجوب مستحقات للزوجة كالصداق المؤخر والمتعة ونفقة العدة و السكن أثناء العدة، كما للأطفال حقوق من قبيل النفقة و مصاريف السكن وأجرة الحضانة والرضاع.

 وما يعاب على المدونة الحالية أنها فتحت الباب على مصراعيهللقضاء في تقدير هذه المستحقات حسب كل قضية على حدى، وحتى وإن كان للقضاء سلطة تقديرية في حل النزاعات التي تفتقر للنص التشريعي فإن موضوع مستحقات الزوجة والأطفال يجب أن يخرج عن هذا السياق ويُنظم بشكل دقيق ويُحدد في التعديل المرتقب معيار يركن إليه القضاء في هذا المضمار وذلك تفاديا للحيف الذي يطال النساء المطلقات والأطفال من بعض المحاكم

 سادسا: نشد عضد الصلح القضائي بالوساطة الأسرية مسنود بمساعدين اجتماعيين .

 أمام ارتفاع حالات الطلاق والتي بلغت السنة الماضية 300 ألف حالة بمعدل 800 حالة طلاق كل يوم، أصبح لازما مراجعة *مسطرة الطلاق والتطليق* خصوصا ما تعلق بمحاولة الصلح القضائي.

 ولئن كانت مدونة الأسرة منحت هذا الاختصاص للقضاء ومعه الحكمين و مجلس العائلة إلا أن الممارسة أبانت عن الاختصاص الحصري للسلطة القضائية في هذا المضمار.

وفي ظل كثرة الملفات الرائجة أمام أقسام قضاء الأسرة ونظرا للخصاص المهول الذي تعرفه المحاكم في العنصر البشري، أصبح إجراء الصلح كمحطة مسطرية اجبارية، إجراءً روتينيا لا يترتب عليه سوى تسريع مسطرة الطلاق.

 وبناء على ما سبق فالوساطة الأسرية هي قارب النجاة وهي الملاذ الناجع للحد من ظاهرة الطلاق، ولا بد من إسناد مساعدين اجتماعيين لصلح القضائي .. لأنهم أصحاب الخبرة و الصلاحية في تقديم تقرير للهيئة القضائية تستند عليه قبل إصدار أي حكم .. سيساعد في إنجاح محاولات الصلح.

 سابعا: إشكالية حق الكد والسعاية للمرأة المطلقة.

 تحدثت المادة 49 من مدونة الأسرة عن تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، وأعطت إمكانية الاتفاق على طريقة تدبير وتوزيع هذه الأموال حالة فك رابط الزوجية، وفي حالة غياب الاتفاق يرجع للقواعد العامة للإثبات مراعاة لمساهمة كل زوج على حدى.

ماذا لو لم يتم الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية، ولم تكن الزوجة موظفة أو عاملة وكان لها الدور البارز في تنمية ثروة زوجها في إطار ما يصطلح عله فقهيا *بحق الكد والسعاية.*

ففي ظل صعوبة إثبات كد الزوجة وسعيها نصطدم مع فراع تشريعي مرة أخرى يضرب بشكل صارخ حق المرأة بعد وفاة زوجها أو طلاقهما.

ومن الواجب وفقا لما سبق أن يتم التنصيص على طريقة تعويض الزوجة بعد افتكاك عصمتها عن ما ساهمت به من عمل منزلي وتربية للأطفال و تقديم المشورة لزوجها ومدى الاستقرار النفسي والأسري الذي توفره له .. 

ويمكن التنصيص على الزام الهيئة القضائية بضرورة الاستناد في تحديد قيمة هذا الكد و السعاية بناء على تقرير مفصل من المساعدينالاجتماعيين يحدد حاجيات هذه المرأة بعد الطلاق في تناسب مع مجهوداتها طيلة مدة الزواج . 

 ثامنا: تمكين الأم الحاضنة من الولاية على أبنائها، واستمرارية حضانتها رغم زواجها.

 من منطلق النساء شقائق الرجال، و تكريسا لمبدأ المناصفة ومساواة المرأة بالرجل، أصبح من الضروري مراجعة باب الولاية على الأبناء.

 ومن ضمن هفوات مدونة الأسرة في هذا السياق منح النيابة الشرعية على الأبناء بعد الطلاق للأب حصرا، ما يطرح أكثر من إشكال على مستوى الممارسة، فالنزاع المستمر بين الطليقين يروح ضحيته الأطفال، حيث يمتنع الأب عن تدبير أحوال الطفل بحكم نيابته الشرعية عليه وتبقى الأم في حيرة من أمرها لانعدام ولايتها.

 كما أن السفر بالمحضون خارج المغرب أو تسجيله بمدرسة للتعليم أو نقله منها يحتاج لموافقة من الأب ، وهو ما يطرح أكثر من إشكال عندما يكون الأب مريض نفسيا أو فاقد لأهليته أو متهورا ، أو يكون المحضون مريضا ويحتاج إلى العلاج بالخارج.

أما بالنسبة لموضوع سقوط الحضانة عند زواج الأم الحاضنة فهو الآخر وجب إعادة النظر فيه، ومراعاة المصلحة الفضلى للمحضون بدل تقييد حق الأم في الزواج.. و هذا يعيد مطلب التنصيص على إشراك المساعدين الاجتماعيين في تحديد البيت الذي يصلح للابن المحضون العيش فيه بكرامة و راحة .هل بيت الأم المتزوجة .. أم بيت الأب المتزوج .

 تاسعا: العلاقات الرضائية وإشكالية لحوق النسب خصوصا بالخبرة الجينية كوسيلة من وسائل ثبوت النسب.

إن موضوع العلاقات الرضائية مرتبط أساسا بمجموعة القانون الجنائي، الذي لازال حبيس رفوف الحكومة .. لكنه مرتبط من حيث المآل بمدونة الأسرة، فتنظيم النسب في مدونة الأسرة مقيد نوعا ما، ولا يمكن إثبات النسب خارج مؤسسة الزواج “فالولد للفراش“.

ولكن هناك من يرى اجتهادات إضافية في هذا الباب وجب التنصيص عليها بالمدونة مستقبلا ..منها تقارير جينية تؤكد إثبات النسب بدقتها تصل 99% .. و عليها أصبح لزاما إعادة النظر في مواد النسب. و هناك من يرفض إثبات النسب بناءا على الخبرة الجينية .

فهل يمكن اعتماد الخبرة الجينية كوسيلة من وسائل ثبوت النسب يطال جميع الأطفال بغض النظر عن نوع العلاقة التي جمعت أوليائه ؟ هذا هو السؤال يطرح نفسه بعمق على المؤسسات الدستورية المختصة لتقول رأيها .

 وهكذا فلحوق نسب الطفل أصبح سؤال جوهري في إصلاح المدونة لكونه يضمن له استقرارا اجتماعيا من حيث البنوة أولا ومن حيث النفقة ثانيا. و نرجو ان تعتمد المدونة في نصوصها المقبلة هذا الاجتهاد .

 عاشرا: المساواة في الإرث.

    يغيب على أغلب الحداثيين أن منظومة الإرث في الفقه الإسلامي. من أحكم و أمثن  المنظومات الفقهية .. بل يتحدى الفقه الإسلامي أي فقه أخر يقدم منظومة متكاملة و عادلة في الإرث .. فحالات إرث المرأة في الاسلام تفوق 30 حالة أغلبها ترث فيها المرأة أكثر من الرجل .. و حالة وحيدة فريدة يتيمة يرث فيها الذكر مثل حظ الأنثيين .. وهي حالة لها أسبابها المعقولة و شروطها المقبولة وعللها الشاهدة والصادقة و المنطوقة

  و من الناحية القانونية فمسألة المساواة في الإرث لا يمكن الحديث عنها في غياب فتوى صادرة عن المجلس العلمي الأعلى، ما دام موضوع الإرث محكوم بنصوص قطعية الدلالة، قال تعالى:” للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و الاقربون مما قل منه او كثر نصيبا مفروضا“.

    إن حقيقة المساواة في الإرث التي تدعوا إليها فعاليات المجتمع المدني خصوصا و تدعوا إلى الاجتهاد فيها من ذوي الاختصاص، فالأصول الشرعية لا تسعفهم بالقراءة السطحية المتعلقة بحقيقة المفهومين، ولا طبيعة العلاقة القائمة بينهما، فالعدل والانصاف سبيل للوصول الى أرضية علمية صلبة في الموضوع دون اللجوء إلى الشعارات الفضفاضة، فالعدل غاية ومقصد يتحقق بالمساواة كما يتحقق التباين في الأدوار والحقوق والواجبات حياة أرقى للرجل و المرأة.

   إذ يجب على المؤسسات المعنية بأمر الإفتاء وتناول المستجدات، الوقوف على إشكالية المفاهيم والمقصود والغاية وتعريفها للمجتمع و تعميم مناقشتها في الفضاء العام ليتضح الحال و يصدق المقال و يتحقق المآل.  

     بعد تلك المقدمات الثلاثة و الفقرات الاربعة من الخطاب الملكي السامي .. تأكد لنا من خلال المحور الثالث .. أن هناك عشر قضايا بمدونة الأسرة حسب تقديري المتواضع الهين اللين تعرف نقاشا شائكا ووعرا.. وهي في حاجة إلى نقاش مجتمعي مستفيض يدفع نحو توحيد الخلاف و إيجاد حلول .. وفق منهجية عمل واضحة وضع أسسها الخطاب الملكي السامي ،و على الحكومة أن تستجمع قواها العقلية و الفقهية و القانونية و تودع دائرة الترهل والكمون، و تقدم  على الاجتهاد  و الإصلاح الموعود لمدونة الاسرة وتقدم للمجتمع تصور متحامل حول إصلاح المدونة قبل انطفاء شمعتها  .

د. عبد النبي عيدودي

 

التعليقات مغلقة.