حتى الزلزال كان ضدنا... | حدث كم

حتى الزلزال كان ضدنا…

16/09/2023

مصطفى الزارعي: يفكرون بألسنتهم أم بعقولهم.. الأمر سيان في جارتنا الشرقية، البعض يقول قطعا أن لاعلاقة بين اللغة والسياسة،  وكأن المتتبع لأحوال تعليق الإعلام الجزائري عن اعتذار المغرب، لعدم حاجته للمساعدات الجزائرية  الخاصة بزلزال مراكش والحوز، لا بد أن ينتبه إلى أنهم أحالوا الاعتذار المغربي إلى زلزال آخر ضربهم، كانوا يتمنون أن يحققوا به إذلالا وتصدعا في كبرياء المغرب، وقد يتغنون به لمدة ربع قرن من الزمن لو قبل به المغرب. وحين عبر المغرب عن اعتذاره، وهو العارف بامتياز، من أي طينة من الجلفة العسكريين، هم قادة النظام الجزائري الحالي..  راحوا يهددون المغرب، بالويل والثبور، إذا لم يتسلم مساعداتهم.. “إياكم أيها المغاربة أن ترفضوا صدقاتنا، والغرق في تلك الزاوية المفضية إلى خزان الكبرياء الزائد عن الحد..” .

وكأن عدم القبول بالمساعدة الجزائرية، قد يؤدي إلى ولادة كبرياء مغربي آخر، ينتج عن تصدي المغاربة لمضاعفات الزلزال المدمر،  وهذا ما لم يكن يتخيله قادة قصر المرادية.. كبرياء يتصاعد من كارثة زلزال بسبع درجات.. “وقد تخرجون منه أقوى من جبال وصخور الأطلس..” هذا ما لم يكن منتظرا.. “يا إلاهي حتى الزلازل تقلب مشهد المواجهة، رأساً على عقب، تتجاوز سياسة الحدود المقفلة، و تؤدي خدماتها الجليلة، للعدو المغربي”..

عادة، الكوارث الطبيعية، مع أضرارها المدمرة أو الأقل تدميرا، لا يكون تأثيرها محايدا، فإما أنها تقوي ضحيتها، وترسم له معالم طريق أخرى، أو أنها تطمره تحت التراب، وتعلن خاتمة الغياب.. وجيراننا يعضون أصابعهم لأن معالم دمار الحوز، بدأت ترسم  من الأيام الأولى استعدادا قويا لتحقيق تحدي كبير من لدن المغاربة، أبانوا عنه بكثير من الجرأة والحماس، قبل أن تعلنه الدولة.. وكأن بهم يقولون أن الوعي بالقطيعة مع أزمنة ما قبل الزلزال، هي قطيعة مع أزمنة الانتظار، ومع التطبيع مع الضعف والاستصغار وقبول المن والصدقات والاعتراض على محاكاة معجزة الخروج من الأزمات..

فكيف للجارة الشرقية، وبإمكانياتها الهائلة تحت الأرض، ووهميا في مخيالها الاقتصادي وبلغتها السياسية الفجة، التي تطبخ عادة في طناجير العسكر، أن لا تفكر في المواجهة، وإذلال كل ما هو مغربي..

كأن العسكر، وخدمهم من الحكومة، يبتهلون إلى الله، أن لا يترك الزلزال يمر، دون أن يطحن بقية المغاربة.. وحتى لو كان زلزالا مدمرا، لا يحسن به أن يقتل المغاربة فقط، بل المطلوب أن يمنحهم بعض الوقت للتسول والتعبير عن الضياع.. وأنهم قبل الموت لابد أن يعلنوا أنهم أمة من الجياع.. ثم تطول تمنيات العسكر، لتعلن أنه لولا ألطاف  دمار الزلزال، الذي مَنٌ عليهم بفرص البقاء أحياء، لقفزوا الحدود الجزائرية المغلقة، وراحوا يعلنون حربهم على بلادهم لأنهم أمة من الرعاع..

 لذلك، يلعنون في قصر المرادية، هذا الزلزال، لأنه أيقض في المغاربة، ثورة التضامن، والتآخي، والتعاطف.. وأيضا الرغبة في التعبير عن وطنية، لا تكل ولا تفنى، بل تزيد وتتعاظم.. مع إيقاع إيماني وسياسي يصنف المغاربة، بين من يكون سباقا في إعلان إيمانه بالوطن.. ومن يكون في مقصورة من صاروا أولياء صالحين وزهاد في حب الوطن..

الإعلام الجزائري، ومنذ اللحظات الأولى للزلزال، راح يتغني بمنجزات الدمار الذي لحق بالمغرب، حتى أن صحفيا جزائريا كتب، ” دخولهم وشيك في عنق الزجاجة”، والمعنى العدائي لهذا الكلام، أن المغاربة، سيعلنون عن دخولهم الرسمي في طوابير الجياع.. وعكس متمنياتهم فان طوابير كثيرة من سيارات وشاحنات نقل المساعدات، عمت وسادت بالفعل  في المغرب، وخلقت أزمة كبيرة في الكثير من المدن المغربية، لكن، لإيجاد حلول عاجلة، حول كيفية تصريف ونقل وإيصال المساعدات الإنسانية لضحايا الزلزال. كانت بعض الطوابير تمتد لكيلومترات، وبعضها ما زال ينتظر دوره في المساعدة وتوفير الغذاء للضحايا وإصلاح ما بعد الزلزال إلى حدود هذه الساعة..

عموما شاهدنا برامج فرنسية وجزائرية كثيرة، هذا الأسبوع تتحاور في كيفية العثور على ملامح حقيقية للفوضى والخصاص والجوع في وجوه ضحايا الزلزال، والحال إنهم كانوا يعثرون عن صور تضامن حقيقي في وجوه ومسلكيات كل المغاربة، لأن الزلزال، كان مفاجئا، ظالما، فجا ومباغتا، لم يُعْلمهم  أين يكون الوداع  وكيف يكون البكاء، لكن علمهم كيف يكون التضامن في أجل وأسمى صوره، وكيف يتم التعبير عن والإخاء..

 

التعليقات مغلقة.