هناك فنان ياباني، وضع منحوثة فنية، لرجل من خشب، بوجه سليم، لكن بعين واحدة، قال إنها للرجل السياسي أو رجل السياسة. النحاث وبعد تفكير طويل، وحيرة كبرى قال، إنه لايملك حلا آخر، سوى أن يكتفي بعين واحدة، فيما يؤكد أنه لم يعثر على مكان لنحث العين الثانية في وجهه، حاول مرارا أن يُعمل أزميله في الخشب، لخلق هذه العين الثانية، إلا أن كل شيء تعثر، وراح الإزميل يشتغل في أطراف أخري..
والحال، أن مرافعة النحاث عن عين السياسي الواحدة، لها ما يبررها ويصادقها لدى العديد من السياسيين المغاربة .. مع أن النحاث الياباني كان سخيا، لأن الأجدر به في حالتنا المغربية، أن ينحث الرجل السياسي، بوجه يتيم العينين.. “ولا كاع بلا عينين“..
هذه الحالة تنطبق على الكثير من السياسيين المغاربة، إلى درجة أنه من السهل جرد لائحة ميسرة من العميان السياسيين.. كي نتأكد أنهم في الظرفية الحالية، التي هي ظرفية زلزال الحوز وممتداته وما جرى ويجري بعده، كانوا مجمعين على تكميم أفواههم بالشمع الأحمر، لا كلام لا تصريحات، لا مشاركة إلا المشاركة بالقلب، ولا مساهمة، إلا المساهمة المالية التي فرضت عليهم بالإكراه.. ، ولا زيارات في الأيام الأولى للزلزال، إلى عين الزلزال أو عين المكان، إلا بعد أن وصلت متاعب الزلزال إلى نقطة النهاية والختام.. لكن أفضل فضلائهم، بعد زلزال الحوز، هو أخوكم الكبير “عبد الإله بنكيران”.. الذي لم يفلح في اصطياد منصب رئيس حكومة لولاية ثانية، والمعصوم بعون الله من الذنوب والمعصيات السياسية، السياسي الكبير في طاعة نفسه وعبادة جيبه، صاحب الوجه القاصح واللسان الطويل.. الذي يرغي ويزبد، ولا يقول إلا ما ينغص و يعصر قلوب المغاربة ويهزء بهم..
فقد عمًه الصمت طويلا بعد الزلزال، لكن فاض قلبه، وأوقف الصيام عن الكلام.. فخرج من جحره، وساح به فيضان دعوته… فتكلم يوم السبت في كلمة افتتاحية لاجتماع أمانة حزبه، فلم يصبر سامحه الله فانفجر غيضا وغضبا على الجميع، تحديدا ليس على أعضاء حزبه، بل على جميع المغاربة.. لأنهم قاموا بأمور، لا ترضي الله، وقال لهم بلسان الراقي والمصيب، “.. يجب أن نراجع كذلك كي نرجع إلى الله لأن كل شيء يصيب الإنسان فيه إنذار، والصواب هو أن نراجع كأمة ونتبين هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي، ولكن بمعناها العام والسياسي، لأن السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية، وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي، وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها”.
لكن ياسيد بنكيران.. ليس هذا “وقت السبان ولا المدابزة السياسية” فالمغاربة لم يكفكفوا دموعهم بعد، جراء ما أصابهم من الزلزال، و”دار العزا باقي عامرة“.. وفي سياق الحديث عن “مراجعته”، تساءل بنكيران عما أثير في سياق هذا الزلزال حول، صندوق تنمية المناطق القروية والجبلية، الذي رُصدت له ميزانية كبيرة تفوق 54 مليار درهم، وعن أثرها على واقع ساكنة هذه المناطق وبنيتها التحتية ومعيشها اليومي، مستحضرا ما وقع من نزاع بينه وبين وزيرالفلاحة سنة 2016 حول الإشراف على تدبير الصندوق…” .
والحال، أن الجميع لا يعرف ذنبا للمغاربة ينالون عنه عقاب الله، ولا معصية ارتكبها المغرب كبلد وأمة، جرده الله بسببها من عطفه ورضاه، فقصم ظهره وأرداه في ردم عقابه وسوء التواب، كما لا نعرف أن يعاقب شعبا لايد له فيما أصاب أرضه وجباله، ولا ما هلك من مواطنيه، وما تحطم وانكسر من دوره وبنياه.. إلا أن الزلزال أتى عليه، كما أتى على العديد من الدول قبله وبعده، وعلى بلدان لا تدين بالإسلام، وأخرى إسلامية وأخرى كتركيا، تحمل تلاءم الخط السياسي، والتناغم الايديولوجي بينها وبين حزبه.. أليس هذا ضرب من “التنقاز السياسي”.. لكن بنكيران يريد أن يقف على التذكير بمأل صندوق تنمية المناطق القروية والجبلية، حين وقع الصراع بينه كرئيس للحكومة آنذاك وبين وزير الفلاحة أخنوش، الذي تشبث بأسنانه وأظافره ليكون الصندوق من نصيب زارته، ويكون هو من يديره، فيما اكتفى بنكيران بالصمت، على غير عادته في الصراخ والعويل في أمور وقضايا أخرى أقل بكثير من الصندوق..
لكن، الآن يأتي بنكيران ليقول أن صراعه مع أخنوش كان أكبر منه.. وأنه لا يستطيع مقارعة تمساحا من فصيلة المقربين آنذاك، لكن ياسيد بنكيران.. كان المغاربة ينتظرون منك، أن لاتكون على قدر الطاعة والاستطاعة، وتكتفي بتخراج العينين، بل أن تقلب الدنيا ومن عليها ضد أخنوش، وتنتزع تدبير الصندوق منه.. لكن كنت تكتفي بالتبرير، و”الترقاع والتجيير وحدير الرأس والسكات“. بل تم تشغيلك، في أمور أخرى للإجهاز على الكثير من الملفات الاجتماعية ومن بينها، وآخرها قانون التقاعد، بدوافع غير اجتماعية وغير سياسية، وغير إنسانية، كما أنك عملت على فتح شهية تماسيح البترول، وما نتج عن ذلك من ارتفاع الأسعار، وغلاء معيشة المغاربة البسطاء، تم ساهمت بقدر وافر في تسميم الساحة السياسية، مع آخرين ( من قبيل، إلياس العماري وشباط وادريس لشكر…) و”أحلتم السياسة إلى سبان ومعيار“..
ياسيد بنكيران.. بشهادة الجميع، ولاية حكومية واحدة أدخلتك إلى ضاية التماسيح.. لم تفعل شيئا على امتداد ولايتك، فماذا ستفعل الآن مع الزلزال وبعد الزلزال.. ؟ الآن يرافع بالصراخ نفسه وبالعنجهية نفسها، كما لو كان المنقذ من الضلال، في حين يتكلم بنكيران فقط ليحين موقع حزبه بين أحزاب الإفلاس.. ويقول لهم “إما أن تعطوني حقي في الزلزال، ولَ انفركع هاد الدلاحة “، لكن مع من؟ مع المغاربة البسطاء اللي “ما واكلين دلاح مخاريين زريعة“..
ياسيد بنكيران.. من لم يصنع بنفسه حلول الأمس، واكتفى بفرض حلول الإفلاس على المغاربة، ليس من حقه أن يفتي بأهليته في صناعة حلول اليوم.. فاتكم القطار.
مصطفى الزارعي
التعليقات مغلقة.