في الملتقى البرلماني الخامس للجهات: رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة يدعو إلى التفكير في الآليات المؤسساتية والتمويلية الكفيلة بتسريع تفعيل الجهوية المتقدمة – حدث كم

في الملتقى البرلماني الخامس للجهات: رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة يدعو إلى التفكير في الآليات المؤسساتية والتمويلية الكفيلة بتسريع تفعيل الجهوية المتقدمة

اكد رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة ، في كلمته اثناء افتتاح أشغال الملتقى البرلماني الخامس للجهات، الذي ينظمه مجلس المستشارين تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، على أن المنهجية والتمويلية والمؤسساتية التي من شأنها تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة وتشجيع الالتقائية في تدخلات السلطات العمومية، “وذلك بالنظر إلى الوضع الراهن لممارسة التنمية الجهوية”.

وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي القاها بالمناسبة، تعميما للفائدة:

“حضرات السيدات والسادة؛

يسعدني أن أفتتح أشغال هذا الملتقى، الملتقى البرلماني الخامس للجهات، الذي اخترنا له هذه السنة موضوع “الجهة: فاعل رئيسي في النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة”، سعيا منا إلى مناقشة وتقييم السياسة الجهوية للدولة من زاوية الالتقائية والتكامل، والاستشراف الجماعي لمداخل تطوير نظم اقتصادية محلية مندمجة، وإعداد التراب وفق مقاربة شمولية ومندمجة لتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين وتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.

واسمحوا لي في البداية أن أعبر، باسمكم جميعا، عن عميق الامتنان لمولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله على تفضله بإضفاء رعايته السامية على أشغال هذا الملتقى، الذي يندرج في سياق تفاعلنا المؤسساتي المتواصل مع توجيهات جلالته السامية، لاسيما تلك الواردة بالرسالة الملكيةالسامية الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة بأكادير يوم 20 دجنبر 2019، والتي جاء فيها أن “التطبيق الفعلي لمختلف مضامين الجهوية المتقدمة ببلادنا، يظل رهينا بوجود سياسة جهوية واضحة وقابلة للتنفيذ، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك وفقا لسياسة عمومية مبنية على البعد الجهوي وعلى اقتصاد ناجع وقوي، يهدف إلى خلق النمو، وتوفير فرص الشغل، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وكذا الرفع من نجاعة السياسات والبرامج والمشاريع على المستوى الجهوي، لضمان استفادة المستهدفين الفعليين منها، إحقاقا لمبادئ العدالة الاجتماعية والمجالية التي نريدها لجميع مواطنينا على حد سواء”.

كما أود التذكير بأن هذا الملتقى البرلماني الذي دأب مجلس المستشارين على تنظيمه، بمعية شركائه (المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجمعية جهات المغرب والجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات)، يعتبر إطارا مؤسساتيا مبتكرا لتنزيل روح الدستور، الذي ينص في فصله 137على مساهمة الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين.

حضرات السيدات والسادة؛

لقد التزمت الحكومة ضمن البرنامج الحكومي للفترة 2021-2026 باستكمال الجهوية المتقدمة من خلال نقل اختصاصات واسعة من الدولة إلى الجهة بالموازاة مع تحويل الموارد المالية والبشرية الكافية لذلك، وعلى نحو يضمن الاستقلالية في التدبير المالي والإداري للجهة، ويجعل من هذه الأخيرة قطبا تنمويا حقيقيا ورافعة للتنمية البشرية والارتقاءالاجتماعيوشريكا أساسيا للدولة. لهذه الغاية، أكد البرنامج الحكومي على السعي لإبرام برامج تعاقدية بين الدولة والجهات وفق مقاربة ترتكز على النتائج وتفعيل صندوق التضامن بين الجهات مع ضمان التوزيع المنصف والعادل لموارده طبقا لمعايير موضوعية وشفافة.

وإذا كانت الفترة الممتدة من سنة 2015 إلى سنة 2018قد شكلت مرحلة تأسيسية في مسار الجهوية المتقدمة، لتزامنها مع إحداث وتفعيل مختلف هياكل المجالس الجهوية، واستكمال إصدار النصوص التطبيقية للقوانين التنظيمية الثلاث (71 نصا تطبيقيا)، فضلا عن إصدار الميثاق الوطني لللاتمركز الإداري نهاية سنة 2018، الذي يعد دعامة أساسية لإنجاح هذا الورش (المرسوم رقم 2.17.618 الصادر بتاريخ 26 دجنبر 2018)، فإننا نعيش، اليوم، مرحلة انتقالية تستوجب استخلاص الدروس وتقويم منظومة الحكامة الترابية بما يكرس مداخل الالتقائية على صعيد الاختصاصات التنموية اللامركزية واللا ممركزة في التدبير الأمثل للاقتصاد الترابي على ضوء المستجدات التي أتى بها الميثاق الوطني الجديد للاستثمار، الذي يتطلب تنفيذه تعبئة مبلغ 550 مليار درهم فيأفق 2026.

لأجل ذلك، وبالنظر إلى الوضع الراهن لممارسة التنمية الجهوية، يجدر بنا التفكير في طبيعة وأشكال التدخلوكذا الآليات المنهجية والتمويلية والمؤسساتية التي من شأنها تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة وتشجيع الالتقائية في تدخلات السلطات العمومية، من منطلق أن الجهة، واعتبارا لمكانة الصدارة والاختصاصات التي تحظى بها في مجال التنمية الاقتصادية، تبقى المستوى الترابي الأنسب لتحقيق التقائية الاستراتيجيات التنموية القطاعية ولتحقيق الانسجام بين جهود وأشكال تدخل كافة الفاعلين المعنيين بالتنمية الجهوية.

ضمن هذا المنطق، وعلىخلفيةاتساعالفوارقالتنموية بين الجهات،والرغبة المؤكدة في إعطاء زخم جديد لديناميات الاستثمار،يتعين علينا ضمن أشغال هذا الملتقى أن نعمق النقاش حول الفلسفة الكامنة وراء التوزيع الجهوي للاستثمارات العمومية في سياق تبقى فيه الدولة هي الفاعل الرئيسي على مستوى تخصيص الموارد وعلى مستوى معادلة التنمية الجهوية (Péréquation)؛ وأن نستشرف آفاق تعزيزمكانة وأدوار الجهة، كجماعة ترابية، في التنمية الاقتصادية وفي النهوض بالاستثمار العام والخاص على ضوء الآليات والتدابيرالجديدة لتشجيع وتحفيز الاستثمارالخاص ودعم ريادة الأعمال المنصوص عليها في ميثاق الاستثمار، والتي تحيلنا إلى التساؤل عن الميكانيزمات الت يينبغي من خلالها أن يؤدي مسارت نزيل اللا تمركز إلى التكييف الترابي للتدابير التحفيزية للاستثمارمن أجل ضمان فعاليتها.

حضرات السيدات والسادة؛

لقد شهدت هذه السنة صدور تقريرين فيموضوع الجهوية المتقدمة: الأول عبارة عن رأي صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي شهر أبريل  2023 تحت عنوان”من أجل تنمية متجانسة ودامجة للمجالات الترابية: مداخل التغيير الأساسية”، والثاني عبارة عن تقرير موضوعاتي صدر عن المجلس الأعلى للحسابات شهر أكتوبر المنصرمتحت عنوان “تفعيل الجهوية المتقدمة: الإطار القانوني والمؤسساتي، الآليات والموارد، والاختصاصات”.

وقد تضمن هذان التقريران توصيات على قدر كبير من الأهمية، وجب علينا تثمينها وترصيدها ضمن أشغال هذا الملتقى، وتعزيزها بتوصيات دقيقة ومركزة حول الآليات والميكانيزمات التي من شأنها تعزيز الالتقائية في تدخلات السلطات العمومية فيما بينها،وبينها وبين الجماعات الترابية.

ويتعين علينا كذلك استحضار كل الخلاصات والتوصيات المنبثقة عن الدورات السابقة للملتقى البرلماني للجهات، والتي لا زال جلها ذو راهنية، لاسيما تلك الواردة بالوثيقة الختامية للملتقى البرلماني الرابع للجهات المنعقد يوم 19 أكتوبر 2022 تحت شعار “مأسسة النهج التعاقدي: دعامة أساسية لتسريع تنزيل الجهوية المتقدمة”.

وفي هذا الصدد، لقد طالبتم بدعم التوجه المتنامي نحو التعاقد بين الدولة والجهات في شكل عقود برامج اعتبارا لرمزيتها السياسية ولمرونتها وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ومساهمتها في توطيد دعائم الجهوية المتقدمة ومساعدتها على ترسيخ ثقافة التعبئة والتعاون بين المستويين المركزي والجهوي. 

وتأسيسا عليه فإني أقدر بأن تأطير شروط وشكليات الشراكة بين الدولة والجهات عبر آلية التعاقد قد تحتاج إلى سند تشريعي أكثر منه إلى سند تنظيمي. وقد شرعنا بالفعل، على مستوى مجلس المستشارين، في التفكير الجدي في اتخاذ مبادرة تشريعية في هذا الشأن، قناعة منا بأهمية وملحاحية مأسسة النهج التعاقدي في هذه المرحلة الانتقالية التي يمر منها مسلسل تنزيل الجهوية المتقدمة.

وضمن نفس التوجه، علينا تجديد التأكيد على ضرورة التسريع بفتح ورش الملاءمة التشريعية والتنظيمية المتعلقة باختصاصات القطاعات الوزارية ذات الصلة باختصاصات الجماعات الترابية؛ ومراجعة الإطار القانوني المنظم للجماعات الترابية لجعله أكثر وضوحا وتجانسا، لاسيما فيما يتعلق بتدقيق الاختصاصات وإعادة النظر في توزيعها بين الدولة والجماعات الترابية.

وفي سياق متصل، أقدر بأن الشروط قد اكتملت، في هذه المرحلة الانتقالية، لبلورة منظومة مبادئ (Doctrine) مشتركة بين مصالح الدولة وبين الدولة والجهات في مجال برمجة ومعادلة التنمية الجهوية.

حضرات السيدات والسادة؛

ختاما، وقناعة منا بأهمية تتبع تنفيذ التوصيات المنبثقة عن الملتقى البرلماني للجهات وعن باقي التقارير التي تصدر بين الفينة والأخرى عن مؤسساتنا الدستورية، نتعهد، على مستوى مجلس المستشارين، بتسخير كافة الإمكانات المؤسساتية المتاحة، خاصة ما يرتبط منها بصلاحيات اللجان الدائمة، لاسيما لجنة الداخلية والجماعات الترابية والبنيات الأساسية ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية، لمأسسة تتبع تنفيذ مختلف التوصيات ذات الصلة على نحو دوري ومنتظم.

وأغتنم هذه الفرصة لتوجيه الشكر للسادة الوزراء المشاركين معنا في أشغال هذا الملتقى، ولشركائنا المؤسساتيين: المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وجمعية جهات المغرب، والجمعية المغربية لرؤساء مجالس العمالات والأقاليم والجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات، على انخراطهم الدائم في إنجاح فعاليات هذا الملتقى.

والشكر موصول أيضا إلى رؤساء وأعضاء مجالس الجهات ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وممثلوا القطاعات الوزارية، والخبراء والأكاديميون، الذين لبوا الدعوة للمشاركة في أشغال هذا الملتقى؛ دون أن أنسى نساء ورجال الإعلام الذين يواكبون معنا فعاليات هذا الملتقى بكل احترافية ونكران للذات.

أتمنى لأشغال ملتقانا هذا كامل التوفيق والنجاح.

وشكرا على حسن الإصغاء والمتابعة”.

 

 

التعليقات مغلقة.