بقلم: نور الدين مفتاح: جمع السي محمد برادة من الشخصيات أمس بالمكتبة الوطنية ما لا يمكن أن يجمعه إلا هو! والمناسبة صدور كتابه الجديد: ” شغف وإرادة”. وكان لي شرف تقديم شهادة في هذا الاحتفاء الدافئ الذي أداره الزميل عبد الاله التهاني وشارك فيه الزملاء الأعزاء حسن عبد الخالق وعبد الحميد الجماهيري ومحتات الرقاص. وهذا نص شهادتي المتواضعة:
“السي محمد برّادة: أبو الأفضال بدون تواضع زائف، أعتقد أن هناك من هو أجدر مني لتقديم شهادة في حق السب محمد برادة، لهذا فتناولي الكلمة في هذا المقام تشريف لي، وتشريف لي أيضا في الوقت الذي أعرف مئات الزملاء، أن يكون السي محمد برادة من الأصدقاء، إذا أكد ذلك بالطبع! (نضحك) إنه رجل من معدن نفيس. أربعة أجيال من الصحافيين ستجدهم على قلب رجل واحد وهم يبصمون معك على شهادة: لم يكن بالإمكان أن نتصور صحافة في المغرب الحديث بدون السي محمد. إنه القدوة وملهم الأجيال.
وإذا كانت الصحافة هي مهنة المتاعب، فإن السي محمد برادة هو مذلل المصاعب. فعندما اقترح على كبار ذلك الزمان الذي كان فيه للصحيفة الورقية وزن ثقيل أن يجتمعوا في شبه تعاونية لضرب احتكار توزيع الفرنسيين للصحافة الوطنية، لم يكن أحد يتصور أن هذا الساحر قد بصم على إنجاز تاريخي أصبح يحمل اسم “سابريس”.
كبر الحلم، وغطى الإنجاز سنوات الفخر الإعلامي، وظل الطموح كبيرا في أن نصل إلى “صحيفة لكل مواطن”، ولكن، كل مواطن كانت تصله الصحيفة كان للسي محمد برادة فضل في ذلك. وبغض النظر عن الكبار الذين أسسوا مع السي محمد شركة التوزيع الوطنية في المحرر والبيان والعلم، فإن الرجل سيواصل رعاية المشاريع الواعدة وتغذية التعددية ودعم المواهب التي كانت له براعة في اكتشافها.
أكاد أجزم أن ليس هناك صحافي، من جيلي على الأقل، ليس للسي محمد برادة عليه فضل، هذا رجل قضى عمرا في نسج علاقات الخير والتدخل للمصالحة وتجميع المتفرقين ورأب صدع المتخاصمين حتى أصبحت أسميه “الخيط الأبيض شخصيا”. ومنذ أن عرفناه، إلى هذا اليوم الذي أكتب فيه هذه السطور الصادقة، لا يمر يوم إلا وتجد السي محمد في مكان السند لمن لا سند له من قبيلتنا. هذا الشاب السبعيني ضرورة. هذا الصديق فخر لمهنة كلما تذكرنا مآلاتها الحزينة، كلما خرج اسم السي محمد ليخفف ألم ما وصلنا إليه من ابتذال واستسهال في الممارسة الصحافية.
للسي محمد برادة فضل على العبد الضعيف لله شخصيا، فعندما أردنا تأسيس أسبوعية “الأيام” قبل 21 سنة، لم يكن عندي شخصيا رأس مال، فكان أن أقرضني السي محمد قرضا حسنا اقتطعه تدريجيا من مبيعاتنا. فعل هذا مع الكثيرين، وهذا ما نعرف، أما ما لا نعرف فإنه بالتأكيد أكبر وأنبل.
التقينا مع السي محمد مرة أخرى في الفيدرالية المغربية لناشري الصحف وكان عضوا في مجلس الرئاسة، ومجرد وجود الرجل بجانبنا كان يضاعف وزن هذا التنظيم قيمة ومصداقية وعطاء. لقد راكم الألقاب والرئاسات على المستوى الوطني والدولي من اتحاد الموزعين العرب إلى جمعية أصدقاء غوتنتبرغ، ولكن الثروة الكامنة في السي محمد هي التواضع الشامخ ونظافة ذات اليد والكفاءة.
أنت تذكر السي محمد صديقنا المشترك حسن العلوي فريموس الذي واكبته في رحلته الطويلة مع المرض إلى أن توفاه الله. لقد قال صادقا وهو يحتضر “سعدات اللي مات قبل من السي محمد برّادة” وهذا يلخص كل شيء، فشكرا لك وأطال الله عمرك”.
التعليقات مغلقة.