مدريد _ عبد العلي جدوبي :
1 _ الثابت والمتحول .
أضحت قضية الهجرة اليوم ،وأكثر من اي وقت مضى مشكلة أوروبية ، وسؤالا عريضا مطروحا على الأوروبيين : فهل نحن أمام تحول الهجرة المغربية إلى أقلية ثقافية من أصل مغربي مقيمة بصفة دائمة ونهائية في الدول الأوروبية ؟
ففي كل موسم عبور (عملية مرحبا ) يتصدر موضوع الهجرة مختلف وسائل الاعلام المغربية و الأوروبية ، ويزداد الاهتمام بالمهاجرين اكثر إبان الحملات الانتخابية في اوروبا ، ويختلف التعامل مع هذه الظاهرة ،ظاهرة الهجرة من منبر لاخر حسب القائمين عليه، وحسب توجهه الاعلامي ..
مشاكل الجالية المغربية المقيمة باوروبا عديدة ؛ بروز الجيل السادس من المهاجرين المتأقلمين ، ازدياد خوف الآباء على مصير أبنائهم من ذوبان الشخصية المغربية في براثين من الثقافة والعادات الغربية ، خاصة بالنسبة للجيل الذي ولد وترعرع في أوروبا ، وايضا المشاكل المترتبة عن ظروف الإقامة : العمل ، والسكن والتمدرس..إلخ
ان الطابع الاساسي الذي يميز وضعية الهجرة المغربية الهجرة المغربية في الدول الأوروبية خلال العقد الاخير، هو اختيار غالبية المهاجرين المغاربة بلدان الإقامة كدول المستقبل ، فبعد مرحلة التجمع العائلي خلال بداية السبعينات ، تمر الهجرة المغربية الآن من مرحلة جديدة يمكن تسميتها بمرحلة الاندماج الكامل ، او مرحلة المواطنة ، اذ شجع تواجد ازيد من خمسة ملايين مغربي في اوروبا على التبادل والتداخل الثقافي ما بين المغرب ودوار الاتحاد الاوروبي ، الا ان عبور هذا الجسر لا يمر دون ان تصاحبه توترات في الظرف الراهن نظرا لتزامن استقرار موجات من المهاجرين مع صعود الحركة الأصولية المتطرفة في بلدانهم الأصلية، وايضا مع تزايد العنصرية والحقد ضد الاجانب في الدول الأوروبية ، اذ لم تعد اوروبا تلك القارة التي تتباهى امام قارات العالم الاخرى بتجانس اعراقها وبانسجام حضارتها وثقافتها وديانتها ، فأمام تدفق موجات من المهاجرين من اسيا وافريقيا والكاريبي وامريكا اللاتينيه ، بدأت تتغير ملامح القارة العجوز شيئا فشيئا ولم تعد مجتمعاتها تقف كثيرا عند مفهوم ” النقاء العرقي ” والتفوق الحضاري !! واذا كان الشاعر الانجليزي الكبير (كاين بلينج( قد قال قبل قرن ان الشرق والغرب لا يمكن ان يلتقيان ، فان واقع اليوم يكذب مقولته تلك ، اذ اصبح الشرق والغرب يعيشان جنبا الى جنب القارة العجوز مهد العنصرية .. وحسب تقرير الامم المتحدة فان عدد السكان في اوروبا ينخفض بشكل مخيف مع مطلع العام 2050 كما تشير توقعات تقرير اللجنة الأوروبية ولجنة السياسة الاقتصادية الأوروبية إلى ان معدل حجم النمو في الإتحادالأوروبي سينخفض بنسبة2,4% بحلول العام 2030 .
تزايد أعداد المهاجرين
يشار أيضا الى ان عدد المغاربة المقيمين بأوروبا تضاعف خلال 30 سنه الأخيرة ، إذ يوجد القارة الأوروبية وحدها 85% من المغاربة، وتأتي فرنسا في المرتبه الاولى من حيت عدد المغاربه ،إذ يقيم بها ازيد من مليونين مغربي يتوفر جزء كبير منهم على الجنسية الفرنسية ، وتاتي اسبانيا في المرتبة الثانية بحوالي 870ألف مغربي يشكلون أول جالية أجنبية من خارج الإتحاد الاوروبي ، كما تشكل النساء 35% من مجموع المهاجرات
هذا وعندما نحاول صياغة مقاربة لتاريخ الهجرة المغربية في اتجاه اوروبا على وجه الخصوص ، فعادة ما يتم تناول مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كمرجعية أساسية دون غيرها ، مع ان الوثائق التاريخية تثبت أن هجرة المغاربة الى الشمال تعود الى القرون الخوالي.. فمنذ ان كانت صفوة من التجار المغاربة تقيم علاقات تجارية مع البورجوازية الأوروبية ،إبان الحقبة الميركانتيلية.. واذا كانت الجيل الخامس والسادس من المهاجرين المغاربة قد تفوق على سلفه على المستوى الثقافي والعلمي فإن ما تم تسجيله في هذا الصدد ان طبيعة الخطابات المجترة، المألوفة لدى الحكومات المغربية لم تكن تدرك بعد مع كامل الأسف التطور التي طال عقلية ابناء المهاجرين في الخارج ومستوياتهم الثقافية والعلمية، بحيث أقل حكم يمكن أن نصدره في حق الخطاب المغربي الرسمي كونه خطابا متقادما متجاوزا وبالتالي فهو لا يتجاوب مع بتاتا مع مستوى وطموحات الجيل الجديد ! وبإمكاننا ملاحظة هذا النقص وهذا الخلل من خلال مضمون التواصل الاجتماعي الذي يتم اجتراره كل موسم عبور لأفراد الجالية المغربية العائدين الى وطنهم خلال عطله الصيف .
بدائل تحويلات المهاجرين
بلغت التحويلات المالية لأفراد الجالية المغربية من مختلف انحاء العالم الى 35.42 مليار درهم خلال شهر ابريل 2023 وتصل حصة التحويلات المالية الى 8% من الناتج المحلي وتمثل 20% من الموارد التي تجمعها البنوك وتمول تلث العجز التجاري ، هذه التحويلات كما يرى الاقتصاديون سمحت للاحتياط النقدي المغربي من امكانية التوفر على احتياطي العملة الصعبة ، وساهمت بشكل ايجابي في انتعاش الحركة التجارية الإقتصادية بالمغرب ، وتشكل مجموع هذه التحويلات ما بين 50 الى 70% من الدخل في عدد من المناطق المغربية المصدرة للهجرة للهجره ، اضافه الى المشاريع الاستثمارية للمهاجرين المغاربة التي هي العمود الفقري للنشاط الاقتصادي في بعض الاقاليم المغربية ؛ ويحذر خبراء الاقتصاد في هذا الصدد من ان الاعتماد على تحويلات الجالية المقيمة بالخارج ، لا يمكنها ان تستمر الى امد بعيد بسبب السياسات الاوروبية الجديدة المضادة للهجره ورغبتها في وقف هذه الظاهرة ،وإدماج الشباب المهاجر الذي ولد فوق التراب الاوروبي بشكل نهائي في النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي لبلدان الاستقبال ، كما يرى الاقتصاديون انه يجب التفكير منذ الآن في بدائل اكثر قوة واستمرارا.. ومما لا شك فيه فان المهاجرين اصبحوا اليوم يشكرون طرفا مهما في معادلة عالم الاقتصاد مثلهم مثل الشركات المتعددة الجنسيات وهو ما اخذت تدركه اوروبا بوعي اليوم ، فسوق العمل في حركة دائبة ، من هنا كانت حاجة اوروبا الى اليد العاملة المهاجرة ،، ويمكن القول ان بلدان اوروبا سلكت في تعاملها مع قضية الهجرة والمهاجرين طريقا اقرب الى التواطؤ ، إلم نقل غض الطرف ، حيث سمحت منذ عدة عقود بتدفق موجة ضخمة من الشعوب الفقيرة نحو ابوابها ، لذلك لا غرابة اذا وجدنا ان كل واحد من عشرة سكان باريس او لندن او براغ مثلا هم من أصول اجنبيه ، وان 5% من سكان بودابست مثلا هم من الاجانب وان سدس السكان سويسرا هم من الاجانب ايضا ! أما في فرنسا فان الجالية المسلمة تحتل المرتبة الاولى قبل كل من البروستنتانية واليهوديه ، وان الاسلام ياتي في المرتبة الثانية بعد المسيحية في كل من ايطاليا واسبانيا وبلجيكا وبريطانيا .
مشاكل ” الغزاة ” !
هذا في الوقت الذي تراهن فيه الدول الأوروبية ونخبها السياسية على عامل الزمن من اجل تراجع ظاهرة الهجرة اليها بسبب صعود اجيال شابة ولدت وتربت في بيئة أوروبية ، تعالى بعض الاوساط الاصوات الأوروبية الحاقدة على تواجد المهاجرين ، اذ يعتبر كل شخص نفسه خبيرا في شؤون الهجرة عبر كتابات تسودها حكايات خيالية تصور الهجرة كمشكلة خطيرة على المجتمع برمته وقليل من الناس يقارن بين تلك الحكايات البئيسة والاجانب الذي يخدمونهم في المؤسسات العامة ، فمنهم اطباء وممرضين ومهندسين وخبراء اقتصاد واساتذة جامعات ومدرسين وفلاحين وعمال بناء وغيرهم .. وحتى عندما يلاحظون ذلك فان رد الفعل المباشر والشكوى من سرقة الاجانب لفرص العمل منهم ! واكثر ما يخشاه الناس في الغرب هو فقدان السلطة السياسية، لذلك ليس من قبيل الصدفة ان يعتبر العمال أجانب “غزاة ” !! بالرغم من كل هذه المخاوف فالطلب وليس العرض هو الدافع الرئيسي لزيادة هجرة القوى العاملة على الصعيد العالمي ، وسبب ذلك تدعم الاقتصاد العالمي الذي تجاوز نطاق الحدود السياسية بين الدول وارتفاع نسبة المتقدمين في السن باوروبا فلن يكون بامكان هذه البلدان تسيير اقتصادها من دون زيادة اعداد القوى العاملة المهاجرة المهاجرة .
قال( بير بورديو) وهو سوسيولوجي فرنسي : ” في أيامنا هذه يتم التمييز وبشكل خاطئ بين الفرنسيين والمهاجرين ، في حين يظل التمييز الحقيقي هو بين الفقراء والاغنياء ..” !
التعليقات مغلقة.