“حدث كم” تفتح ملف قضايا الهجرة المغربية بأوروبا 7/3 – حدث كم

“حدث كم” تفتح ملف قضايا الهجرة المغربية بأوروبا 7/3

فرنسا  :  العودة إلى ثقافة التعايش .

باريس _ عبد العلي جدوبي : شهدت الهجرة المغربية  الى فرنسا تغييرات جوهرية خلال العشرية الأخيرة ، كما اتضح من خلال خصائصها الديموغرافية وتوجهها نحو التوازن بين الجنسين ، أو من النواحي الثقافية بتطور مستوياتها التعليمية ،خاصة  لدى غالبية الشباب أو من النواحي السلوكية الإجتماعية  إلى حد ما ، أو على مستوى القرار السياسي .

لقد بادرت فرنسا كما هو الحال في عدد من الدول الأوروبية خلال السنوات الأخيرة الى سن قوانين جديدة للحد من تدفق المهاجرين ، وتشديد الرقابة على تواجد المقيمين على اراضيها وهي قوانين اعتبرتها العديد من المنظمات الحقوقية غير لائقة تتعارض ومبادئ حقوق الانسان .

لقد تصدرت قضيه المهاجرين المغاربيين المقيمين في فرنسا من جديد واجهة الاحداث والإنشغالات على أكثر من مستويات وبأكثر حدة ، وبدات تطرح اشكاليات وظواهر افرازاتها معطيات العقود الثلاثة الأخيرة حينما قررت اوروبا ان تلفح منطقة المغرب العربي بلهيب الازمة الاقتصادية من خلال سياسة تختلف حسب الظرفية   لكل بلد ، وتكريس إنزوائيتها وتوجهها نحو النهج الحمائي ، وذلك بالاقدام على خطوة تنم  عن أنانية واجحاف ونكران للجميل !.

في الايادي التي صنعت الاقتصاد الفرنسي طيلة نصف القرن الاخير ، تواجه عمليات المضايقه والاستفزاز والتهديد بالطرد من البلاد و بالرغم من ان تصريحات المسؤولين الفرنسيين تبدو مطمئنة نسبيا ، الا ان الواقع ينطق عكس ذلك .

لقد ادانت خلال مناسبات عديده تنظيمات جمعوية ونقابية فرنسية  أمر القيام بحملات تفتيش انتقائية ضد المهاجرين الذين يوجدون في وضعية غير قانونية بهدف طردهم وترحيلهم من فرنسا !! فلقد  اصبحت مهاجمة التجمعات السكنية للمهاجرين من الامور الروتينية ، والشيء نفسه يقال عن عمليات قتل بعض الشباب المغترب في احداث مفتعلة . 

لقد تصاعد الحديث في الآونة الأخيرة عن ” الغزو ” ووصل الامر الى التنديد برائحة المهاجرين واستحالة اندماجهم في المجتمع الذي وفدوا اليه ، وكأن فرنسا مثلا معرضة لغزو شنيع من لدن الاجانب ، وخاصة منهم العرب والمسلمين الذين يهددون الشعب الفرنسي في كيانه وفي شخصيته وفي نقاوة ذاته وعقله وروحه..! والحقيقه المؤكدة قبل الخوض في تحليل هذه الإشكالية ان موضوع الهجره والمهاجرين يشكل اطارا سياسيا تحوم حوله الاحزاب السياسية الفرنسية التي تنتزع منه اوراق اللعبه الانتخابية !  الراي العام الفرنسي ينقسم الى مجموعة من التيارات فمنهم من يصاهر المهاجرين او يتعايش معهم الى من يتعدى عليهم مرورا بالساخطين في صمت والعنصريين على الملأ.. وقد كشفت مؤسسات استطلاع الراي ان 43% من الشعب الفرنسي تعارض الوجود الاجنبي في فرنسا وتنظر الى المهاجرين على انهم خلايا مريضة داخل المجتمع يجب التخلص منها وأي ثمن !!

الاندماج المنشود ..

وحينما تحدث البعض عن الاندماج يعني من الوهلة الاولى وجود فئة خارجة عن بوثقة المجتمع الفرنسي ، ومعنى هذا أيضا وجود جمعيات صغيرة حافظت على هويتها وثقافتها تشكل تقابلا سوسيولوجيا بين حضارتين في أوجه تلاقيها واختلافها ؛ فإذا كان انصهار العمال البرتغاليين والاسبان والايطاليين داخل المجتمع الفرنسي يعبر عن وحدة الثقافة الأوروبية ،  ووحدة الانتماء  العقائدي ، واذا كان إنصهار المهاجرين الروس والتشيكيين البولنديين يتم هو الآخر ضمن هذا التوجه في اطار الوحدة التاريخية للقارة العجوز ، فإن عمال عائلات مهاجري المغرب العربي ، يشكلون مجتمعا مصغرا قائم الذات باعرافه وتقاليده وثقافته ، ويرفض هذا الانصهار الاجباري من جهة ، ويربط من جهة اخرى وجوده في فرنسا  بما يود تحقيقه للحد الادنى من اشباع الحاجيات المادية التي جاء من اجلها .

لقد عاد الجدل من جديد في شان فشل ادماج المهاجرين المهمشين  القضية التي تتصدر واجهة الاحداث والتصريحات السياسية في فرنسا ، في حين لم يتردد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في التعامل على المقاربة الأمنية الامنيه لإخماد الاحتجاجات التي اشتعلت في انحاء فرنسا مؤخرا  وكأنها انتفاضة  الضواحي التي التي تعج بالفرنسيين المسلمين ، وتطلب الامر من فرنسا الدولة اليموقراطية والمدافعة  عن حقوق الانسان وحقوق المستضعفين ، نزع فتيل  الاحتجاجات التي كانت انطلقت إبان مقتل الشاب الجزائري وائل من طرف عنصر من افراد الشرطه الفرنسيه خلال فحص مروري عادي باحدى شوارع الضاحية الباريسية .. وانطلقت اصوات الحقوقيين مطالبة بضرورة العودة إلى ثقافة التعايش المشهود لفرنسا بها .

ويمكن نظريا تقسيم تطور الهجرة المغربية  في اوروبا على ستة مراحل .

1_ مرحلة مابعد الحرب العالمية الأولى .

2_ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى بداية الستينات ( 1947 _1960 ) 

3_ مرحلة فترة الستينات إلى الأزمة الإقتصادية البترولية (1960_1973) 

4_ فترة حكم الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان  ،إلى صدور قانون ماي 1977 الخاص بالحد من الهجرة ،وتشجيع المهاجرين إلى العودة إلى أوطانهم .

5_الفترة الخامسة من 1977ألى 1990 .

6_الفترة السادسة هجرة الكفاءات والأدمغة المغربية إلى فرنسا .

ويمكن تلخيص الاستفادة الفرنسية من وجود المهاجرين كالتالي :

_ فرنسا لم تتحمل مصاريف التربية والتنشئة  طوال العشرين سنه الاولى من حياتي العامل ، تستنزف ما بين 20 و 30% من مرتب العامل في شكل اقتطاعات وضرائب ورسوم وضمان اجتماعي وتقاعد تستثمرها في مشاريع خاصة في انتظار رحيل المهاجر قبل سن التقاعد او بقائه الى ذلك التاريخ .

_ تشغيل العمال ساعات إضافية  تصل الى معدل 12 ساعه في اليوم قصد انتاج سلع اكبر بتكاليف اقل ..

لقد ساهم العمال المغاربه طيلة نصف قرن التي تلت الحرب العالمية الثانية  الى تاريخ صدور قانون الحد من الهجره الأجنبية بنسبة وصلت الى 25% بينما لم تكن إيرادات المغرب سوى 24.7% ولم يستفيد العمال المغاربة الشيء الكثير فيما يتعلق بتطوير مستوى معيشتهم في بلد المهجر لانهم كانوا يحولون ما يدخرونه لبناء المساكن واقامه مشاريع صغيره في بلدهم الاصلي .

الأمن والإقتصاد

وحسب المحللين السياسيين الفرنسيين ، فإن فرنسا كان عليها ان تختار بين عدة حلول تأرجحت في الغالب بين المنطق الامني بمعناه الضيق والمنطق الاقتصادي الذي بدأ يخيم بعواقبه على مسار التنمية الداخلية ، وهكذا تم اتخاذ مجموعة من الخطوات التي استجابت في الحقيقة الى الضغوط الداخلية ومقتضيات التنمية الأوروبية  التي كانت تفرض مجموعة من القيود الصارمة على كل البلدان الأوروبية .. لقد ساهمت فرنسا في تقليص اعداد المهاجرين العاملين النشيطين خاصة منذ بدايه العمل بالتوقيف الرسمي للهجره بفرنسا العام 1977 ، وبدأت مدة تحديد الإقامة  وتاريخ تجديدها مع العمل بالقوانين التي تدخل في اختصاص المؤسسات الضبطية الأمنية  على السواء ، الى تجديد الرقابة على الحدود وقبل ذلك تجديد الرقابة على منح التأشيرة ، وفرض شروط تعجيزية على طالبيها .

فرنسا عملت على الحد من  نشاطات المهاجرين داخل القطاع الثالث وبنسبة كبيرة  جدا تصل في الغالب الى 35% من مجموع المهاجرين النشيطين مما يحرمهم من الحصول على وضعيات قارة ، لأنها محدودة  ومشروطة بالحصول على الجنسية الفرنسية  في حاله استثنائيه معينة ..

نسبه كبيره من الفرنسيين ترجع اسباب تزايد البطالة الى تزايد أعداد المهاجرين ، وبالتالي حرمان أكثر من ثلاثة   ملايين فرنسي من فرص العمل ( 12.6% من السكان القادرين على العمل ) وفي استقراء انجزه صندوق الأمم المتحدة نشرت نتائجه صحيفة( لوفيجارو الفرنسية ) جاء فيه ان 14% من الفرنسيين الذين شملهم الاستقراء الخاص بالسكان يعتبر المشاكل المرتبطة بالهجرة والعنصرية من ضمن مشاكلهم ، وأوضح الاستقراء ان خمسة من ستة  من سكان فرنسا يراهنون انه ليس هناك صلة كبيرة  من المهاجرين والعاطلين ، وبخصوص الارهاب في فرنسا أبدى واحد في المائة فقط من الاشخاص التي الذين تم استجوابهم قلقهم بهذا الخصوص في حين ابدى ثلاثة في المائة في المائة انشغالهم بالارهاب الدولي مقابل 7.7% من الاوروبيين .

البناء الأوروبي .

ويستفاد من استطلاع للراي نشرت نتائجه صحيفة ( لو موند) الفرنسيه ان نحو 60% من الفرنسيين يعتبرون ان عدد المهاجرين كبير جدا في فرنسا بينما يرى 73% منهم انهم لا يتم الدفاع بشكل كاف عن القيم التقليدية ، كما ان 73% من الفرنسيين يعتبرون ان البناء الاوروبي يشكل تهديدا لهوية فرنسا ..

وهكذا اصبحت الاحزاب السياسه اليمينيه في فرنسا المتطرفه قوه انتخابيه كبيره خلال 20 سنه الماضية وايضا في عدد من الدول الأوروبية ، واصبحت مسألة مكافحة الهجرة  والمهاجرين هي الرسالة الاساسية لهذه الاحزاب وتمجيد القومية والرفض التام للمهاجرين وتصاعدت هذه الافكار في فرنسا خاصه بعد استفتاء البريكسيت ( خروج بريطانيا من اتحاد الاوروبي) وذلك لأن كثير من قوى اليمين الأوروبية أعلنت رغبتها في السير على نهج بريطانيا والتخلص من التكتل الاوروبي الذي ينخر اقتصادها كما تقر بذلك ، وتستغل الحركات والنزاعات المختلف للصعود على الساحة الدولية  بسبب تنامي ظاهرة الهجرة  غير النظامية وما تشكله من تقليل اخلاقي وانساني على اوروبا ، بالإضافة إلى ظاهرة   الاسلامفوبيا والكراهية للمسلمين ، مما اتاح فرصة اخرى للمتشددين لإبراز  نواياهم العنصرية في فرنسا .

ان أهمية معالجة قضية الهجرة    باعتبارها ظاهرة حضارية ، وليست مجموعة مشاكل سياسية  وإقثصادية واجتماعية كما يرى محمد أركان،  ترجع بالاساس الى تراكمات حاجيات المهاجرين مبرزا ان هناك ادراك سلبي للعامل الديني باوروبا يعود الى عهد النور ، مضيفا ان المهاجر يقدم اليوم على انه ضحية للنظام الاستعماري وللتهميش الاجتماعي وللميز العنصري ، الشيء الذي يصعب معه التطرق للمشاكل في جوهرها وبالتالي  تحليلها  بعمق ، وأيجاد الحلول الملائمة لها ، والبحث عن انتروبولوجيا تتلائم التعددية العربية والثقافية ، شريطة ان يتم تصور هذا الابداع كنشاط اجتماعي ألا يتناقض مع مصطلحي الاندماج والاستيعاب اللذان  تستعملهما الصحافه الأوروبية بشكل واسع بالنسبه للبلدان المستعمرة سابقا .

فرنسا والمسألة الإسلامية 

لقد كثر الحديد خلال الآونة الأخيرة  عن وضع الجالية المسلمة  بفرنسا والتي أصبحت تشكل قوة اجتماعية  وسياسية ، ولذلك تعد التطورات في فرنسا اتجاه مواطنيها المسلمين مؤشرا مهما لباقي سكان اوروبا من المسلمين ، وان التطرق لموضوع انخراط المهاجرين المسلمين في المجتمع الفرنسي اصبح شبيه بالدوران في حلقة مفرغة ، فيصعب تحميل اي طرف من الاطراف مسؤولية  تردي هذه الوضعية ،وضعية  الجالية المسلمة ، ورغم معاناة فئه من أبناء الجالية  من الفقر ، فقد أساء عددا منهم استعمال بعض القوانين التي سنتها الدول الأوروبية للضمان الاجتماعي ، واستفاد هؤلاء للمهاجرون من بعض الثغرات في القوانين فشاع مثلا السعي للحصول على مساعدات البطالة والضمان الاجتماعي من دون وجه حق  !! وهذا ما أصبح يورق  بال الفرنسيين !!

هذا ومن جهة أخرى  عبرت لنا بعض الرموز الاسلاميه  بفرنسا عن تحفظها بخصوص النقاش العام السائد هذه الايام عقب تنزيل خطة الرئيس  الفرنسي ايمانويل ماكرون التي تهدف الى مواجهة النزعة الإسلامية – وفقا لموقع ميديا بار – وإلى رصد المزيد من الأئمة المغاربيين ، وسحب تراخيص عدد من الجمعيات الإسلامية التي تعمل بشكل قانوني في المنطقة الباريسية ، خطة الرئيس الفرنسي   زكتها تصريحات زعيمة حزب اليمين المتطرف مارلي لوبين التي تواصل هجومها ضد الجاليات المهاجرة المسلمة بفرنسا عبر تصريحات نارية مطالبة  من الراي العام الفرنسي اخذ الحيطة والحذر من تنامي سيطرة الأجانب على العديد من القطاعات الحيويه الهامة بالبلاد .. وبخصوص هذا الموضوع اكد وزير الخارجيه الفرنسي جيرالد برمانان في حوار صحفي مع قناه  ( ام بي اف) من أن هذه دالخطة الطارئة  تهدف ما لا يقل عن مائة شخصية من جنسيات مختلفة بمن فيهم المغاربة ، مضيفا بأن الحصول على الجنسية الفرنسية والإقامة لا يعني ان فرنسا ستسامح مع المتطرفين ، وقد تعمل على طردهم من فرنسا .

العديد من العوامل وراء الصعود اليمين المتطرفه فرنسا وفي عدد من الدول الاوروبيه وفي البرلمان الاوروبي ، أو البرلمانات الوطنية ، وقد تصدرت الاحزاب اليمينية المشهد السياسي بين فترات الإنتخابات ، وغالبا ما تتخللها ازمات إقتصادية ، يميل خلالها الناخبون الى معاقبة الاحزاب الحاكمة نتيجة  لأدائها الاقتصاد السيء    بالامتناع عن التصويت لها بالمقابل التصويت للأحزاب المعارضة التي تحمل في برامجها بدائل وحلول الازمات الإقتصادية ولظروف المعطلين من الشباب على وجه الخصوص .

 

 

 

التعليقات مغلقة.