“حدث كم” تفتح ملف قضايا الهجرة المغربية بأوروبا 7/4 – حدث كم

“حدث كم” تفتح ملف قضايا الهجرة المغربية بأوروبا 7/4

ألمانيا. ..بلد المعجزة الإقتصادية 

فرانكفورت ـ عبد العلي جدوبي : لم تكن جمهورية ألمانيا  تعتبر من بلدان الاستقبال التقليدية للهجرة المغربية ، بالرغم من انها كانت داخل تحركات عمالنا المهاجرين في الإطار الاوروبي الى حدود عام 1963 ، السنة التي تم فيها إبرام الاتفاقية المغربية _ الألمانية ، التي نصت على منح وضعية قانونية لحوالي عشرين ألف عامل مغربي كانوا مستقرين من قبل في المانيا ، وكذا تشغيل اليد العاملة المغربية   على الاخص في مناجم الفحم ، ثم بعد ذلك في الصناعات الاخرى والخدمات .

لقد خضعت الجالية المغربية  الى تحولات ديموغرافية وهيكلية ، ادت الى تراجع تطور اعدادها ( 300 ألف مهاجر ) واظهرت الإقامة الطويلة ان اهداف الهجرة المؤقتة التي كانت تستهدف تحقيق افضل ربح لم يتحقق لها الا القليل من تلك الاهداف والطموحات ، فالجالية المغربية  تحتل المرتبة السابعة  من بين جاليات ثماني دول كانت تجمعها بألمانيا اتفاقيات في مجال اليد العاملة ، وهي : المغرب وتونس وتركيا واسبانيا وايطاليا واليونان وبلجيكا ؛ وبالقاء نظرة على الهرم العمري لأفراد جاليتنا ، فاننا نستنتج ان الجالية المغربية  فضلا عن كونها جالية متميزة  بالاستقرار ، فانها تتميز كذلك بكونها تمثل نسبة 60% من الشباب .. وقد افاد مكتب الاحصاء الفيدرالي الالماني ان عدد السكان المنحدرين من الهجرة   في المانيا بلغ حوالي 7.15 مليون نسمة اي بنسبة 3.19% من مجموع السكان البالغ عددهم نحو 82 مليون نسمة ، واضاف مكتب الاحصاء الالماني استنادا الى الاحصاء العام للسكان لعام 2020 ان هذه الفئة من السكان تتكون من المهاجرين الذين قدموا الى المانيا منذ العام 1950 ومن حفدتهم . وحصلت أغلبية هؤلاء( 6.8 مليون) على الجنسية الألمانية ، اما الباقي 1.7 مليون فما زال في وضعية الاجانب ، وأشار المصدر نفسه ان ثلث الاشخاص المنحدرين من الهجرة ولدوا في المانيا ، اما الثلثين الباقيين فهم مهاجرون يبلغ عددهم 6.10 مليون جاء اغلبهم من اوروبا ، فيما قدم الباقي من اسيا وافريقيا .

والظاهر ان الهجرة ما زالت ينظر اليها من طرف الأوروبيين  نظرة سلبية ، خصوصا مع بروز الازمات الإقتصادية ، لكن يبدو أن الالمان حسب دراسة حديثة ، يعتبرون اكثر الاوروبيين قبولا للمهاجرين فيما يعد البريطانيون الاكثر رفضا بنسبه 68% اليهم الفرنسيون ب 58 % والايطاليون ب 56% فيما يقف الاسبان موقفا وسطا..

4 ملايين مسلم وتعداد المسلمين بالمانيا نصفهم تقريبا لديهم الجنسية الألمانية ، وجاء كثيرون منهم من تركيا كعمال زائرين خلال سنوات ستينات والسبعينات قبل ان يستقروا في المانيا ويساهمون في النمو الاقتصادي كبقيه المهاجرين الاجانب بما فيهم المغاربه .

دولة المفاجآت

فلماذا الحديث عن المانيا بالذات رغم احتضان العديد من بلدان الأوروبية لآلاف من المهاجرين المغاربة اكثر من المانيا ؟! هذا السؤال يفرض نفسه بحده لأن  المانيا بكل بساطة هي دولة  المفاجات والتغييرات في اوروبا ، وهي المحور الذي استقطب لسنين عديدة مجمل التحولات التي شهدت الحضارة الأوروبية  على كل الأصعدة.. في المانيا بزغ الراس المال مع ماركس وانجلز يبشر بميلاد ثقافة جديدة ، تحولت بسرعة مع ( لينين ) الى النظام الشيوعي .. وفي المانيا بالذات ظهر (كفاحي) الذي سيعصف بالعالم مبشرا بالنازية ..  وفي المانيا كذلك تحققت المعجزة الإقتصادية  والتي سوف تنشر خيوطها سريعا عبر  كافة البلدان الأوروبية لتفرض واقعا جديدا وعصرا يحتم على الكل بلوغه .. واخيرا حدث ما كان متوقعا حينما اختارت ألمانيا / ألمانيا  الحقيقية( الشرقية) والتي اصرت دوما على ان تكون ..

افلا يحق لنا ان نتكهن بمفاجآت اخرى قد يكون محورها هذه المرة كل ما هو غير ألماني الاصل وبالخصوص الجالية المغربية ؟!  هذا السؤال والتي جعل من الضروري انتباه الى العقل الجرماني لمعرفة طبيعة وضعية   المهاجر المغربي في المانيا التي تمسك ولو بخجل بخيوط التغييرات السياسية في العالم عن طريق مقولة ( ان الاقتصاد هو الذي يصنع السياسه ) وهناك مبرر أخر ، لا محيد عنه لاختيارنا هذا البلد الذي توحد شرقه بغربه ، حيث فضل غالبيه الالمان الشرقيين العيش في غرب البلاد بعد الوحدة ، وهم بحسب الدستور الالماني مواطنون لهم الأسبقية والأولوية  في كل شيء وهو أمر اثر بطبيعة الحال على وضعية جاليتنا المغربية  منذ سنوات التسعينات التي بدات تشعر بنوع من المضايقة وضياع فرص الشغل .

كان من المفروض على المانيا التي انشئت رسميا عام 1949 ان تعيد بناء نظامها الراسمالي المعتمد على النظام السوق وفي تلك الفتره ذاتها اعلنت الدول الغربية المجتمعة في العاصمة الفرنسية  ضمها للدوله الألمانية الغربية عضوا في نظام التحالف الغربي ، في ذلك الوقت بالذات لم يكن جدار برلين حقيقة مؤلمة ، ولكن ما كان واضحا هو الموقف السوفياتي السابق الذي اعلن صراحة تدشينه للحرب الباردة مع الغرب ، وبالتالي مع الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن حسنات نظام المانيا في الحرب العالمية الثانية  وخضوعها لإشراف الدول الحليفة مساعدة هذه الأخيرة لألمانيا لإصلاح  ما دمرته الحرب ، فكانت هذه المناسبه لتعيد بناء قواعد مثينة لإقتصادها المتداعي ، فبدأت حركة الانشاء تتصاعد بوثيرة متسارعة  في اتجاه التنافس الشديد للجارة الشيوعية الوليدة ( المانيا الشرقيه  ) فكان من حسنات تقسيم الالمانيتين بزوغ إرادة قوية لبناء قوة إقتصادية   بالاساس وهو ما تم بالفعل .

خريطة جديدة 

اما على الصعيد السياسي فإن ألمانيا  الغربيه لم تعترف على الاطلاق _  وهذه مفارقة من مفارقات السياسيه في دستورها _  بفصل المانيا وكأنها كانت تفرض دوما كل النتائج المترتبة عن الحرب وهو ما تحقق بالفعل ، حيث اعادت المانيا نصفها الثاني ، وفي اطار التكتلات السياسية الحالية  رسم خريطه جديده للعالم كان لابد للالمان الشرقيين ان ينخرطوا في مجتمعهم الاصلي ويندمج بسرعة في كل شيء من تغيير لوحه ترقيم السيارة الى الحساب البنكي ، مما جعل بعضهم يقول مازحا إبان الوحدة ” هل تعتبر شهادات الميلاد مقبوله ” ؟!.

هذا وقد يكون مؤشرا لبداية بناء الحجر الاساس لجدار برلين ، انفتح للالمان لكي ينغلق على غيرهم ! وفي هذا الاطار يمكن الحديث عن وضعية المهاجر المغربي بالخصوص بعد هذه التحولات ..

مسألة الوحدة  اثرت بشكل مباشر على دخل الفرد الالماني الغربي الذي اصبح من المحتمل عليه دفع ضريبة الوحدة بنسبه 7.2% من راتبه الشهري ، وان تمركز العمال المغاربة  في القطاع الغربي من المانيا ، ولابد ان تنعكس عليه هذه الوضعية، وكان لابد من القيام بدراسة ميدانية  في عين المكان للتعرف على وضعية المهاجرين المغاربة ومعرفة عن قرب  ظروفهم هناك .

ان وضعية المهاجرين المغاربة بالمانيا تختلف عن وضعية مهاجرين في الدول الأوروبية الاخرى ، ومن المثير للإنتباه ان تجد المغاربة في مقدمة   من يواجهون المشاكل في التجمعات السكنية ذات الكثافة  الأجنبية ، بالرغم من انهم لا يشكلون سوى أقلية !  وتثير وضعية السكن بالنسبه للعائلات المغربية عدة  نزاعات ، فالمساكن في اغلب الاحيان صغيرة جدا ولا يوجد اي مجال للتحرك بالنسبه للاطفال والشباب ، وينتج عن ذلك ان اغلبتهم يتوفرون على إمكانية القيام بواجباتهم المدرسية ، وبالتالي تنهار نتائجهم الدراسية ومستوى حياتهم العادية والمهنية ، وهناك مشكل نوعي اخر للتلاميذ المغاربة يرجع الى كون هؤلاء تلقوا تعليمهم في المغرب والتحقوا بالمانيا في اطار جمع الشتات العائلي وهم بذلك لا يتفرون على أية معرفة باللغة الألمانية   فيصدم بواقع ماله الضياع ، وبالتالي الخروج الى الشارع والتجارة في الممنوعات كما هو الحال في مدن فرانكفورت وميونيخ وديسلدوف ،  وتجد الفتاة المغربية صعوبة  في التاقلم مع محيطها كنتيجة لوضعها المعيشي الذي يمنحها سوى فرصا قليلة للاستقلال خارج اطار العائلة بحكم ان غالبية العائلات المغربية التي تقيم في المانيا ،تنتمي الر عائلات محافظة ،  وتحرص دائما على التشبت بالتقاليد والعادات المغربية و على تعليم الفتيات بالخصوص اللغة العربية والتربية الاسلامية  ، خلافا لاخوانها الذكور الذين يفلتون من قبضه الأب والأم و يتصرفون على هواهم .!

مشاكل بالجملة

وبالقاء نظره على الهرم العمري لأفراد جاليتنا نجد ان 60% من مجموع افرادها تتراوح اعمارها بين 20 و 30 سنه وان 31% تتراوح اعمارهم ما بين 30 و 72 سنه وحوالي 10% تتراوح اعمارهم بين 70 و 80% حسب مكتب الاحصاء  الفيدرالي الالماني .

اما الطلبة المغاربة ،فيأتون  في المرتبة الثانية  بين الطلبة العرب  المسجلين في الجامعات والمعاهد العليا الألمانية ، يدرسون فروع الهندسة والعلوم واللغات والاقتصاد ؛ وتاتي أزمة السكن وشحه ، وشح المنح الدراسية من  المشاكل اليومية التي يعانون منها الطلبة المغاربة .. وفي لقاءاتنا مع العديد منهم تحدثوا لنا بلغة واحدة  عن هزالة المنح المقدمة لهم و التي لا تكفي حتى لسد ثمن اسبوع واحد للكراء مما يضطرون  الى الخروج الى العمل للتغلب على مختلف الاعباء ولو مؤقتا وهذا هو السر كما يقول لنا الطالب احمد الليباني _ 25 سنه شعبه الكيمياء _ الذي اضاف بان الطالب المغربي موهوب ولكن تنقصه فقط الامكانيات المادية لتحقيق طموحاته الدراسيه ، فكثير من الطلبة ضاعت احلام عدد منهم  وتحولوا إلى عمال دائمين .!

الطالبة ياسمين المرشدي تدرس بنفس الجامعة الذي يدرس فيها زميلها احمد بمدينة (أخن )  شعبة العلوم التقنية ، قالت لنا هناك ايضا مشكل اللغة وهو اساسي.. ففي المغرب قبل المجيء للدراسة بالمانيا لا يستفيد الطلاب من أية  دروس للتقوية في اللغة الألمانية  كما هو الشان بالنسبة للطلاب القادمين من تونس او الكاميرون او موريتانيا ، مثلا فرغم ان شهاده البكالوريا المغربية المعترف بها في فرنسا ، فاننا في المانيا نضطر لقضاء سنه تحضيرية أو قد تطول المدة  قبل السماح لنا بمتابعة التخصص الذي جئنا من أجل دراسته ، وهذه السنة التهييئية تسبب للطالبات وللطلاب  متاعب مادية إضافية ، حيث يؤدي كل منا ضعف المبلغ محدد وهذا لم يستطع تحمله غالبيتنا ..

ومن جانب اخر هناك خوف ألماني من الاجانب يقول عبد السلام التازي فأول سؤال يوجهه الالماني إلى الطالب الأجنبي هو :  ماذا تعمل في المانيا ؟! تجيبه بانك طالبا فيرد عليك بسؤال اخر وكم بقي لك من سنه لتنتهي دراستك وتعود الى وطنك  ؟!!  اسئله مغلفة بطابع المجاملة ، لكنها تبقى أسئلة ملغومة !! .

هذا ومع ارتفاع عدد المغاربه المقيمين في المانيا وظهور ما يسمى بالجيل الجديد ، ونتيجة للصراعات الحضارية والتطورات السياسية والإجتماعية  في اوروبا ، برزت مشكلة الهوية الثقافية   التي تفرض نفسها في الحياة اليومية للمهاجر المغربي ،تأخد  نصيبا هاما من انشغالاته الفكرية بحثا عن افاق جديدة تربط الشعور الوطني والإنتماء الثقافي. بين التواصل الايجابي من ثقافة وحضارة بلد المهجر  ، كما ان التوزيع الجغرافي ، كما أن تمركز افراد الجالية المغربية  في عدد من المدن الألمانية لا يتيح لبعض الجمعيات من توسيع انشطتها الثقافية  والإجتماعية ، الشيء الذي يعطي لها صبغة  محلية صرفة ، وبالتالي تظل كل فئه من الجالية  تمارس نشاطها الخاص .

وهناك مشاكل إجتماعية اخرى يعاني منها عمالنا بالمانيا تنسجم مع واقع الهجرة نفسها ، ذلك ان الآباء مغاربة  واساليب ونمط عيشهم وتقاليدهم المغربية صرفة ، بينما ابنائهم الذكور بالخصوص متأثرون بالمجتمع الالماني مما يؤدي للاصطدام ، وبالتالي لصراع بين عقليتين وحضارتين وثقافتين داخل الاسرة والبيت الواحد .!

إن ما يميز   المغربة بالمانيا أن لهم حس سياسي ، خصوصا حينما يتعلق الامر القضية الوطنية ،  وهو ما لمسناه في حديثنا مع العديد منهم من مختلف المستويات ، والذين ألحوا على ان تستمر التعبئة الوطنية  لخدمة  قضايا المهاجرين طوال شهور السنة ، حتى لا يظل الاهتمام بهم مناسباتيا  خلال فصل الصيف  فقط من خلال إعلانات فلكلورية !! كما لمسوا حسن استقبال في نقاط العبور السنة الماضية  ، كما سجلوا بعض الحالات المشينة لبعض المسؤولين بنقاط العبور والذين لم يستوعبوا  التحولات التي شهدتها بلادنا في ظل العهد الجديد .

 

 

 

 

 

التعليقات مغلقة.