“حدت كم”تفتح ملف قضايا الهجرة المغربية بأوروبا 7/7 – حدث كم

“حدت كم”تفتح ملف قضايا الهجرة المغربية بأوروبا 7/7

اليونان  ..  ألغام تحت أقدام المهاجرين .

أثينا  _  عبد العلي جدوبي : بالرغم من التحصينات الأمنية على الحدود الشرقية للقارة الأوروبية ، ما يزال تهريب المهاجرين غير الشرعيين إليها يمر عبر اليونان ، باعتبار ان هذه الدولة ” جبهة للهجرة الجديدة ” عبر تركيا في اتجاه بحر (إيجه ) بعدما تخلى مهربوا البشر على طريق الساحل الليبي الى جزيرة ( لامبيدوسا ) الإيطالية نظرا للحصار الكامل المضروب على تلك الجبهة .

قادتنا تحقيقاتنا الى ميدان ( أومونويا )  وسط العاصمة اليونانية اثينا ، يقع عند تقاطع شوارع رئيسية تربط بينها أزمة ضيقة  تتواجد بها متاجر ومحلات صغيرة أغلبها لمهاجرين أسيويين،  وليس ببعيد عن المكان توجد حديقة ( فيكتوريا بارك ) أو الحديقة الأفغانية _ كما يسميها السكان المحليون _ وهي ملجأ للمشردين وتجار المخدرات ..

في اثينا وفي عدد من المقاهي يمكن بسهوله التعرف والتواصل مع افراد المهربين  بإحدى تلك المقاهي “تحت إشراف ” أصحابها  الذين يقوموم بدور الوساطة بين الراغبين في الوصول الى دولة أوروبية معينة ، وبين المهربين أو قد تتم الصفقة أيضا تحت ” “ضمانة” صاحب متجر أسيوي  ! كما أخبرنا بذلك عدد من  المهاجرين !!

صعوبة التحقيق ..

مقابل هذه الصورة ، واجهتنا صعوبة كبيرة  في الوصول الى العديد من مخيمات المهاجرين غير شرعيين نظرا لأن السلطات المحلية تضع العراقيل أمام الصحفيين الذين يودون إجراء مقابلات وتحقيقات مع المهاجرين في اماكن تواجد تواجدهم بالمخيمات ، وقد تزامن وجودنا مع صدور تحقيق مطول بالصوت والصورة للصحيفة الامريكية ( نيورك تايمز ) التي فضحت فظاعة معاملات حرس الحدود اليونانية مع المهاجرين وطالبي اللجوء عندما أرغمت مجموعة من المهاجرين الذين وصلوا للتو الى إحدى الشواطئ اليونانية ،بالعودة من حيث اتوا ،  وركوب المركب المطاطي الذي اقلهم الى الساحل اليوناني ، والقوا بهم في البحر من بينهم اطفال ونساء ! ورأت الصحيفة الأمريكية المدكورة  ، ان خفر حدود السواحل اليونانية قد ضرب بعرض الحائط القانون الدولي ومعاهدة الدولية للهجرة واللجوء وقوانين الاتحاد الأوروبي ا التي وقعت عليها اليونان .

لما نتمكن من زيارة جميع مخيمات اللاجئين ( المعتقلات) نظرا لتباعدها بعضها البعض ، فهي تضم حسب بيانات المفوضية الأوروبية للأمم المتحدة  للشؤون اللاجئين ازيد من 35 ألف مهاجر غير شرعي، وهي مخيمات : ( كاراتيه وليسبوس وخيوس وساموس واليروس وكوس ) وكانت  مفوضية الشؤون الداخلية  بالإتحاد الاوروبي لعام 2021 قد خصصت مبلغ 2000 يورو لمن يريد من المهاجرين مغادرة اليونان لكن لم تكن هناك استجابه لهذا العرض من طرف المهاجرين نظرا لانهم دفعوا اضعاف المبلغ المقترح للمهربين .

درع أوروبا

وتؤكد الأدلة  وتقارير المنظمه الحقوقيه ، أن هناك خروقات وتجاوزات في حق المهاجرين بين عامين 2020 و 2022 كل هذا جعل الامر مصدر قلق للمنظمة السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة  ، وقد كشفت منظمة العفو الدولية الأدلة  الدامغة لتعذيب اللاجئين والمهاجرين وإساءة معاملتهم وترحيلهم الى تركيا بعد الاعتداء عليهم بالضرب المبرح وتجريدهم من ملابسهم وتركهم هائمين عراة فوق  مراكبهم المطاطية وسط البحر !

في هذا الاطار يحول حزب (الديمقراطيه الجديده) في اليونان الترويج لسياسة يعتبرها عادلة  بشأن المهاجرين باعتبار الحدود اليونانية هي بمثابة ” درع اوروبا ” وكأنه يشير الى ان التصدي للمهاجرين يجب ان يستمر بلا هوادة بمقاربة أمنية صرفة ! ومن فتره لأخرى تنظم بأثينا تظاهرات حاشدة  ضد السياسة اليونانية  المتبعة بشأن الهجرة  والمهاجرين غير النظاميين ؛ فخلال السنة الماضية تم العثور على 19 مهاجرا بولاية( ادرنه ) التركية المتاخمة لليونان ماتوا جراء البرد ، بعدما وجدوا عراة مكبرين الايدي  قرب الحدود التركية ، واعتبر ما جرى حسب المنظمة السامية  للامم المتحدة للشؤون اللاجئين مجزرة  وعملية ممنهجة  ومخطط لها !! ونظمت جمعيات حقوق الانسان التركية مظاهرات  باسطنبول وفي عدد من المدن التركية  تنديدا لسياسة اليونان بشأن المهاجرين .

المحطة الاولى للمهاجرين غير النظاميين تكون عبر ميناء (باتراس)  ، قطعنا 200 كلم  للوصول الى معسكرات هذا الميناء الذي يقع شمال شرق اثينا ، في هذا الميناء يعيش المئات من اللاجئين والعديد من المهاجرين الذي وصلوا الى هناك من أجل حلم الوصول الى احدى الدول الأوروبية ، مئات المهاجرين ينتمون الى عدد من الدول من بينهم مغاربة يقيمون داخل اكواخ خشبية لا تليق بالبشر ، ويشربون المياه الملوثة ، ولا يتوفر لديهم اي شيء   للحياة ، وتنتشر الاوبئة هناك بين المهاجرين وامراض متعددة ، بسبب سوء التغذية ، وانعدام النظافة .

وتقول السلطات اليونانية انها لا تتوفر في الوقت الرهن على رقم دقيق لاعداد المهاجرين المغاربة الموجودين في اليونان بشكل قانوني بحكم مغادرة العديد منهم اليونان الى دول أوروبية اخرى ، ونفس الشيء بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين ، ويجري الحديث عبر وسائل الاعلام اليونانيه على اكثر من عشرة آلاف مهاجر غير قانوني دخلوا البلاد عبر تركيا ودول اوروبا الشرقية، حيث تشكل اليونان محطة لهم  قبل الانتقال نحو دولة أوروبية اخرى خاصة هولندا وبلجيكا والنمسا والمانيا.. ويختار بعض المهاجرين غير الشرعيين المغاربه تركيا كمعبر نحو اليونان لأن تركيا لا تفرض التأشيرة على المغاربة .

فخلال شهر غشت الماضي أجمعت العديد من وسائل الاعلام اليونانية على ان اليونان تشهد اكبر عملية تمشيط في مختلف مناطق البلاد وخاصه في العاصمة اثينا وبالقرب من الحدود مع تركيا ، بعد عمليات تسلل كبيرة وقعت خلال الصيف الماضي ، وقد تم خلال عملية التمشيط اعتقال عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين    من جنسيات عربية وإفريقية وأسيوية  .

هذا ونظرا للمسافات الحدودية اليونانية مع دول الجوار والتي لا يمكن مراقبتها كنقاط الحدود مع تركيا ومقدونيا والمانيا ، تزدهر تجارة السلاح ونشاط العصابات المسيطرة على تلك المناطق ، وأيضا كثرة الجزر المحيطة باليونان ، ونظرا لهذه الصعوبات إلتجأت الحكومة اليونانية   “كوقاية حمائية ”   لحدودها مع تركيا ، إلى زرع مسافة طويلة بالألغام الأرضية ، بالرغم من أن الحكومة اليونانية ، قد وقعت على اتفاقية( اوتافا ) عام 1997 التي تنص على منع استخدام الالغام ضد البشر ، وأقر البرلمان اليوناني هذه الاتفاقيه بصورة  نهائية عام 2002 .. هذه المسافات المزروعة بالالغام تسببت في مآسي عدة ، ذهب ضحيتها مهاجرون من جنسيات مختلفة ، كما تؤكد تقارير جمعيات حقوق الانسان ، ارادوا اختصار الطريق، عن طريق اليونان فدخلوا في عداد المفقودين ! اما الناجين منهم فتعرضوا لإعاقات مدى الحياة .

حول هذا الموضوع  قال لنا المغربي عبد السلام المذكوري المقيم باليونان منذ 26 سنه وهو استاذ اللغة الانجليزيه باحدى المعاهد الخاصةباليونان ، ان هناك العديد من المهاجرين المغاربة غير الشرعيين الذين تضرروا كثيرا خلال عبورهم الاراضي الملغمة ، فمنهم من فقد احد اعضائه ، ومنهم من فقد صديق له واصيب بصدمه نفسية قوية  ، واخرون تعرضوا لإصابات بالغة  الخطورة ، فهناك حالات جد خطيرة كانت قد وصل اصحابها الى مستشفيات البلاد وبعض من اعضائهم مبثورة تماما !! مما تطلب الامر إجراء عملية جراحية طارئة  لإنقاد حياة  بعض هؤلاء .. وهناك ايضا من فقد حياته كليا!.

(رضوان )مهاجر غادر المغرب قبل سنوات باتجاه اوروبا متطلعا وراء حياة جديدة بالضفة   الاخرى من البحر المتوسط ، حيث دفع لمهرب تركي ألف يورو للمرور الى اليونان عن طريق نهر( ايفرو ) لكن ولسوء حظه اختار طريق حقوق الالغام الارضية المزروعة بالمنطقة ، ليفقد احدى ساقيه ، وفقد اخر حياته.. اما ثلاثه اخرين فقد تعرضوا  لجروح بليغه أصيبوا خلالها باعاقات جسدية دائمه ..!

طريق الموت 

هذا وتحمل تقارير بعض المنظمات الانسانيه من حين لاخر بعض الحالات الاخرى الكارثية التي وقعت بالمنطقة نفسها ، وكان ضحيتها مهاجرون  ينتمون الى افريقيا ،وإلى بلدان المغرب العربي واسيا ..  وتشير هذه التقارير أن عصابة  تهريب البشر والتجار به يتعمدون الدفع بمهاجرين السريين السير في المسالك الخطيرة لمعرفة اماكن الألغام الأرضية ، حتى يتسنى لهم في رحلة قادمة ، تمرير سلاح او المخدرات ..( رضوان) وصديقه سمير طلبا من سلطات  شؤون الهجرة باليونان رد على طلبهما المتعلق باللجوء الاقتصادي ، وكانت الشرطة قد اصدرت قرارها بترحيلهما عندما كان في مستشفى مدينة( الكسندر بولو)  اليونانيه الحدودية مع تركيا بعد إصابة مباشرة ، وقد تطوعت محامية يونانية  اسمها( ديمي تسانداكي ) للدفاع عنهما والسعي لتعويضهما عن الضرر البليغ الذي لحق بهما جراء الالغام الأرضية المزروعة  التي اصابتهما ولحق ولاحقت بهما اضرار جسيمة .

تسهيل مسطرة الإقامة 

مقابل هذه الصورة المؤلمة  لهؤلاء المهاجرين الضحايا، يعمل المسؤولون اليونانيون  على تسهيل الاجراءات وتبسيطها حتى يستفيدوا منها كل المهاجرين على اختلاف أوضاعهم القانوية ، فخلال بداية هذه السنة (2024) قررت السلطات اليونانية فتح ملفات طلبات المهاجرين ، لطالبي  اللجوء وحددت نسبة معينة  للموافقة على الملفات التي تتوفر فيها الشروط الضرورية ، كما ان المهاجرين غير الشرعيين الذين أقاموا باليونان لمده سنتين سيتم   النظر في طلباتهم للإقامة خصوصا وان وزاره الزراعة اليونانية تقول أنها في حاجة  الى 180 ألف عامل زراعي نظرا للنقص الحاصل في هذا المجال .

وكان محافظ مدينة (بيري ) في وقت سابق قد وزع منشورات بخمسة لغات مختلفة تشمل معلومات لها علاقة مباشرة  بالمهاجرين ، مثل اجراء الحصول على الإقامة والعمل وتجديد بطاقات الإقامة ، وكان المحافظ قد طلب من وزاره الداخلية اليونانية  منح تصاريح الإقامة للمهاجر الاجنبي للمرة الاولى لمدة عامين بدل عام واحد وتخفيض عدد الاوراق المطلوبة وتمكينه من متابعه دروس خاصة في اللغة اليونانية  عن طريق اللجنة الوطنية  للتعليم ، وقد تم الشروع في تطبيق هذا البرنامج الذي حقق حسب المسؤولين نتائج مهمة .

وحسب ما ذكرت احصائيات هيأة الاحصاء الوطني اليونانية فان  نسبة الشباب المهاجر تشكل 52% هم تحت السن 30 عاما ونسبه 9.1% هم فوق السن 45 سنه نسبه 29% من المهاجرين تعمل في قطاع الزراعة والبناء والخدمات ونسبه 21% في البيوت خصوصا من النساء.

هذا وعلمنا من بعض المغاربه في اثينا بان نسبه كبيرة منهم غير مسجلة لدى الدوائر المسؤولة ، وهناك نسبة اخرى تتوفر على تصاريح الاقامه كانت تمارس نشاطها خصوصا في قطاع الخدمات والبناء والتجارة ، والمغاربة المقيمون بصفة قانونية باليونان مشهود لهم حسب نفس المصادر باحترام قوانين البلد وبسلوك المتزن ويحرصون على تجديد حضور إيجابي على كل المستويات في اليونان.. وفي مجال تعليم الاجانب من خلال بحث أجراه مركز البرامج والبحوث اليونانية، أن مستوى تعليم مهاجرين مرتفع بالرغم من أن عددا  منهم  يجد صعوبة في تطويع اللغه اليونانية ،         

تنامي العنصرية 

ويعمق القلق أكثر   لدى المهاجرين المغاربة المقيمين في اليونان كما باقي الاجانب الاخرين في هذا البلد كون اليمين المتطرف ممثلا في اشد قواه تطرفا بدأ يزحف على المؤسسات التشريعية ،  ويقترب من آليات السلطة في البلاد ، فقد استطاع حزب ( الفجر المذهب) الذي يمثل النازيين الجدد ان يظفر في الإنتخابات العامة  اليونانية الأخيرة  بنسبه تصل الى 7% من الاصوات ، وتحول بذلك الى قوه سياسية خامسة  في البلاد الاكثر تصويتا عليها من قبل اليونانيين.  ويوازي هذا الحضور اليميني   في البرلمان اليوناني تنامي القناعات التي رسختها الخطابات الشعبوية للاحزاب السياسية وقوى اجتماعية مناهضة  للاجانب ، ربطت مند الأزمة الإقتصادية. و بين الازمه والهجرة.  ثم الهجرة والجريمة  حتى  بات امرا شبيها باليقين بان الازمه سببها الاجانب المخرج منها طردهم .!!

وكان مهاجرون مغاربة باليونان قد تعرضوا من قبل ، وفي وقت غير بعيد الى الاعتداء عليهم   من قبل عناصر النازيون الجدد ، وكتبوا على الجدران   “الهجرة تساوي الجريمة ” وهو المبرر الذي عادة ما تستند  اليه ليس القوى النازية فقط ،بل حتى احزاب أوروبية تقود حكومات لتمرير سياستها المتشددة ضد المهاجرين !! وتداولت مختلف وسائل الاعلامي خلال المدة الأخيرة  استنادا الى تقرير منظمة حقوقية   تعني بالمهاجرين  الى تسجيلات مرئيه توثق  عرض مختلف المواقع  لمشاهد متكررة من مظاهر الاعتداءات العنصرية ضد الاجانب خاصه العرب والأفارقة ، من بينهم المغاربه مبرزة ازدياد وثيقة تلك الإعتداءات تلك  على نحو غير مسبوق.

شعور بالقلق !!

جاء في بحث للبارومتر الاوروبي ان اليوناني شخص قلق ومضطرب مدخن شره ، يعيش حياه غير صحية مقارنة بنظيره  الاوروبي ، وبالرغم من ان عدد الاطباء كبير في اليونان ، فإن العيادات الطبية هي الاقل عددا مقارنة بباقي دول اتحاد الاوروبي .. معدل استهلاك السنوي لكل فرد يوناني من السجائر هو ثلاثة آلاف سيجاره سنويا ، يعتبر هذا المعدل  الاعلى أوروبية.  .

 

 

 

التعليقات مغلقة.