بعد سنوات من الانتظار والترقب : سنة 2017 تشهد الإطلاق العملي للأبناك التشاركية بالمغرب | حدث كم

بعد سنوات من الانتظار والترقب : سنة 2017 تشهد الإطلاق العملي للأبناك التشاركية بالمغرب

18/12/2017

لعل أبرز حدث طبع المشهد الاقتصادي المغربي خلال سنة 2017، التي تفصلنا عن نهايتها أياما معدودة، هو الإطلاق العملي للأبناك التشاركية، في خطوة من شأنها استكمال وتعزيز العرض المرتبط بالمنتوجات التي يقدمها القطاع البنكي الوطني وضمان انفتاحه على سبل أخرى للتمويل.
ويندرج الإطلاق العملي لهذه الأبناك في إطار الإصلاحات القانونية والتنظيمية التي يعرفها القطاع البنكي والمالي والتي همت مجموع مكونات المنظومة المالية (سوق الرساميل، والتسنيد والعقود الآجلة …)، كما يعبر عن إرادة واضحة نحو تحديث مزيد من العصرنة والتنظيم للقطاع من أجل مواجهة رهانات التنمية الوطنية، والاستجابة لمتطلبات الحكامة الجيدة وتدبير المخاطر الشمولية. وبعد سنوات من تردد الإطار القانوني والتنظيمي لهذه الأبناك بين دهاليز الحكومة والبرلمان، أعلن البنك المركزي مطلع يناير 2017، منحه تراخيص لإحداث خمسة أبناك تعمل وفق قواعد الشريعة الإسلامية، أطلق عليها القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها إسم “الأبناك التشاركية”.
الخبر نزل بردا وسلاما على شريحة “كبيرة” من المواطنين، لاسيما تلك التي كانت تتحفظ على التعامل مع البنوك التقليدية بفعل “سطوة” الفائدة وارتمائها “الواسع” على كل العقود البنكية، فيما رحب عدد من الفاعلين والخبراء في مجال الاقتصاد بهذا الوافد البنكي الجديد الذي “سيكون محركا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بصفته مصدرا جديدا لتمويل الاقتصاد، مع ما يترتب عن ذلك من آفاق للنمو وخلق لفرص الشغل”.
وهكذا، حصلت خمس مؤسسات مالية تشاركية على الضوء الأخضر لتسويق المالية التشاركية. ويتعلق الأمر بكل من القرض العقاري والسياحي، والبنك المغربي للتجارة الخارجية لإفريقيا، والبنك الشعبي، والقرض الفلاحي، والتجاري وفابنك، فيما ستقدم ثلاثة أبناك أخرى هي البنك المغربي للتجارة والصناعة ومصرف المغرب والشركة العامة، لزبنائها نوافذ للتمويلات التشاركية. وإلى حدود الآن، افتتحت أربعة أبناك تشاركية رسميا أبوابها أمام العموم، أولها “أمنية بنك” التابع للقرض العقاري والسياحي، تلاها “بنك الصفاء” التابع للتجاري وفا بنك، ثم “بنك اليسر” التابع للبنك الشعبي و”الأخضر بنك” التابع لمجموعة القرض الفلاحي. وبمقتضى القانون المذكور، فإن هاته المؤسسات يمكنها تسويق خمس منتجات تشاركية تشمل المرابحة، والمضاربة، والإجارة، والمشاركة وبيع السلم.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، إن الأبناك التشاركية ستمنح قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد المغربي، وذلك بالنظر إلى ثلاثة عوامل، في مقدمتها استقطاب أموال جديدة من البنوك الأجنبية، لاسيما الخليجية التي ستساهم في تمويل قطاع السكن، ثم المساهمة في تأسيس أساليب جديدة للتمويل غير موجودة في البنوك التقليدية، وكذا إرساء ثقافة اقتصادية تشاركية كانت غائبة في السوق المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بالمعاملات المالية والإنتاجية.
وأضاف الكتاني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن من بين إيجابيات المالية التشاركية، مساهمتها في تطوير القطاع الاجتماعي من خلال شبكة من المؤسسات الاجتماعية التي تعتمد على المجتمع المدني بدل الدولة والقطاع الخاص، وبالتالي فتح آفاق للاستثمار الاجتماعي عن طريق المعاملات التشاركية.

وعن مميزاتها أشار المتحدث ذاته، إلى أن البنك التقليدي على سبيل المثال، يتيح إمكانية فتح حسابين حساب تحت الطلب وحساب للإدخار، فيما تسمح البنوك التشاركية بفتح حساب ثالث، هو حساب استثماري، يتيح للزبون إمكانية وضع مبلغ يريد استثماره في حسابه البنكي، والذي توظفه المؤسسة البنكية وتمنح لصاحبه نسبة من الأرباح.
أما عن الشروط الكفلية بإنجاح هذه التجربة، فقد شدد على ضرورة وجود إرادة سياسية ورؤية “واضحة” لإنجاحها، وتشجيع ودعم هذه التجربة من طرف بنك المغرب، إضافة إلى تأهيل الموارد البشرية في مجال المالية التشاركية، وتركيز هذه الأخيرة على الجانب الاستثماري لاسيما في مجالي الصناعة والفلاحة ودعم تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة.
من جانبه، قال الخبير في المالية التشاركية عبد السلام بلاجي، إن إطلاق تجربة البنوك التشاركية يأتي استجابة لشريحة “واسعة” من الشعب المغربي، كما سيساهم في مواكبة استراتيجية تطوير القطب المالي لمدينة الدار البيضاء، وتعزيز تموقعها كمركز مالي قوي على الصعيدين الإقليمي والقاري.
وأبرز البلاجي، في حديث مماثل، أن هذه الأبناك ستستقطب عملاء جددا كانوا غائبين عن الدورة الاقتصادية المغربية، ما يعني سيولة إضافية تنضاف إلى هذه الدورة، وإحداث طلبات جديدة لاسيما في القطاع العقاري وإنتاج السيارات وغيرها، وهو ما سيساهم لا محالة في إنعاش الاستثمار والتشغيل والرفع من الإنتاجية.
ولفت إلى أن المغرب اتخذ جملة من الاحتياطات لإنجاح هذه التجربة، حيث لم يكن هناك تسرع في إطلاقها في البداية، بل تم استثمار التراكمات في هذا المجال بدول أخرى، وهو ما مكن من الاستفادة من الإيجابيات وتفادي بعض السلبيات، مشددا على أن المغرب منح التخويل الحصري للمجلس العلمي الأعلى مسؤولية إصدار أراء المطابقة في ما يتعلق بأنشطة البنوك التشاركية.
وبالرغم من مزاياها الاقتصادية والاجتماعية العديدة، اعتبر البلاجي أن هذه التجربة تواجه تحديات جمة، من بينها إعداد أطر مؤهلة في مجال المالية التشاركية، والاشتغال على الجانب التوعوي والتوجيهي للعملاء، وتوسيع قاعدة أعضاء اللجنة الشرعية للمالية التشاركية التابعة للمجلس العلمي الأعلى، علاوة على تحديات على المستوى التشريعي تتعلق بتحيين وتجويد القانون المنظم لهذه الأبناك لتجاوز الثغرات التي يمكن أن تظهر مستقبلا.
وخلص إلى أن المغرب يحظى بثقة “كبيرة” في القارة الإفريقية، “فبالإضافة إلى الإشعاع الروحي للمملكة بها، فإن دخول البنوك التشاركية للمنظومة البنكية الوطنية سيسهم في تعزيز موقع المغرب كقطب مالي على الصعيدين الإقليمي والقاري”.
وتبقى الإشارة إلى أنه على الرغم من التقدم الذي سجله القطاع البنكي في بلادنا خلال السنوات الأخيرة، فإن الأبناك التشاركية ستكون مطالبة برفع التحديات التي يشكو منها القطاع لاسيما في مجال الولوج إلى التمويل من طرف المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، وبتوجيه القطاع، الذي لازال يعمل على تمويل الاستهلاك، نحو تمويل الاستثمارات والمشاريع الإنتاجية. 

ح/م

التعليقات مغلقة.