عبد الرحمن عبد الوالي: لتنظيم الندوات أو اللقاءات الصحفية بطريقة مهنية تراعي القواعد الأساسية التي يشترطها نجاح هذا الجنس الصحفي ، تقوم الجهة المعنية إما بتكليف مكتب ذي خبرة في المجال، أو توظيف مسؤول عن التواصل داخل المؤسسة له خبرة في ميدان التواصل المؤسساتي (ملحق صحفي، أو مستشار إعلامي، أو مدير التواصل …).
ومن الأهداف الرئيسية لمهام هذا المكلف بالتواصل المؤسساتي يمكن تلخيصها في جعل المؤسسة التي ينتمي أليها تنخرط في عملية تسهيل حصول المواطن على المعلومة،و ترشيد العلاقة بين الصحافيين ومصدر الخبر، والعمل بشكل فعال وشفاف داخل المؤسسة لتطوير تواصلها المؤسساتي.
من هنا نتساءل هل حضور الصحافي في مثل هذه اللقاءات يقتصر على طرح الأسئلة فقط؟ وهل طرح الصحافي وجهة نظره ورأيه في الندوة يعتبر خطا أحمرا؟ وهل يحق للمسؤول عن التواصل المؤسساتي باعتباره يشرف على تنظيم الندوة الصحفية أن يتدخل للجواب على أسئلة الصحافيين عوض المسؤول الإداري الذي دعا إلى عقد هذا اللقاء الصحفي؟ مشروعية هذه الأسئلة تحيلنا على نازلة أحد الصحافيين مع المسؤول الإعلامي بالجامعة الملكية المغربية لكرة القدم خلال اللقاء الصحفي الذي عقده وترأسه مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم بمناسبة إخبار الرأي العام الوطني بمستجدات الاستعدادات لمواجهة منتخب زاميا لكرة القدم.
وتتمثل هذه الواقعة في تدخل صحافي قائلا لمدرب المنتخب الوطني إن “الجدية نقصات في نظري”، ليأتيه الرد مباشرة من عند المسؤول الإعلامي داعيا إياه بأن يحتفظ برأيه لنفسه، وأن عليه أن يطرح سؤالا عوض إبداء وجهة نظر. وقد عرفت هذه القضية ردود فعل كثيرة ما بين مؤيدين ومعارضين لهذا الاتجاه أو للاتجاه الآخر.
قبل الخوض في هذه الواقعة، نشير إلى أن العملية التواصلية ليست سهلة أو بسيطة، كما يتبادر للوهلة الأولى. إنها عملية معقدة تشترك فيها عدة خصائص مرتبطة فيما بينها، وذات طبيعة تأثر وتأثير متبادل، عملية يتفاعل فيها المرسل والمستقبل على السواء.
ومن هذا المنطلق، ينبغي على المكلف بالتواصل داخل المؤسسة، أن يمارس إعلاما مؤسساتيا قويا وفعالا، وتكون له دراية بوسائل الإعلام وبقواعد اللعبة. ويعرف جيدا مهامه وواجباته. وعليه وهذا هو الأهم، أن يمارس تواصلا مبنيا عل استراتيجية إعلامية نموذجية. ويعطي الأولوية في تصوره للأخبار التي تجد صدى قويا لدى القراء والمشاهدين والمستمعين من خلال ،طبعا التجاوب بسهولة وبسرعة وبطريقة سلسة مع مختلف ممثلي وسائل الإعلام، وتكوين علاقات دائمة مع صحافة الإعلام العام أو الإعلام المختص أو صحافة الرأي، وتقوية الروابط والعلاقات الوثيقة والدائمة للتواصل معهم وتزويدهم في حينه بالمعلومة التي يرغبون في الحصول عليها، وبالتالي الاستفادة بسهولة من وسائل إعلامهم.
ولا يمكن للمكلف بالتواصل من بلوغ الهدف المنشود إذا لم تكن تتوفر فيه الكفاية والمروءة والقدرة على وضع استراتيجية اتصالية، ومتابعة المعالجة الإعلامية وتقييم أدائه التواصلي واعتماد آليات للتتبع والرصد، والتفاعل واليقظة والاتصال الاستباقي بهدف تحسين العملية التواصلية برمتها.
ومراعاة لكل ما سبق، فإن المكلف بالإعلام لما يدعو الصحافيين لتغطية حدث معين، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار مبدأ استقلال الصحافة ويستحضر بأن الصحافة حرة ومتعددة، وأن تعدد المنابر الإعلامية يفضي إلى تعدد الآراء في المقاربات خاصة وأن الصحافي المحترف غالبا ما يتوخى في سعيه للحصول على المعلومة، الحذر بينه وبين مصادره حتى لا يبقى رهينا وتابعا لها.
تبقى إذا، العلاقة بين المكلف بالتواصل داخل المؤسسة والصحافي المهني علاقة تكامل يطبعها الاحترام المتبادل. فإن كان المكلف بالتواصل يعمل من خلال الصحافة على التعريف ببرنامج عمل المؤسسة المشغلة وبإنجازاتها، فإن الثاني يهدف إلى الحصول على المعلومة من مصدرها لتبليغها إلى الرأي العام.
من هنا، يجب على المكلف بالتواصل التحلي بالديبلوماسية لكسب ود الصحافي لا لقمعه وإسكات صوته. فمن حق الصحافي أن يطرح في ندوة صحفية السؤال الذي يتبادر إلى ذهنه. كما من حقه أن يبدي رأيه في الموضوع. مقابل ذلك، من حق المستجوب (بفتح الواو) أن يرد على السؤال، كما من حقه أن يلتزم الصمت ويمر إلى إعطاء الكلمة لصحافي آخر. أما والحال هذه، أن يأخذ المكلف بالتواصل المبادرة ويجيب على السؤال مكان المستجوب، بل أكثر من هذا يعطي لنفسه الحق في قمع صحافي أبدى رأيه، فهذا عمل وتصرف غير مهني.
فعوض أن يتم قمع الصحافي صاحب الرأي، كان من المفروض الاستماع إليه خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن “حوار الرأي” لا يتقنه إلا الصحافي المتخصص في عرض وتناول قضية معينة تشغل بال الرأي العام. وهنا لا بأس من استحضار تراجع صحافة الرأي في بلادنا وافتقادنا إلى افتتاحيات الرأي التي كانت تطل علينا بها كل يوم الصحافة الوطنية. فما أحوجنا إلى صحافة الرأي هاته!
فكم سيكون سعيدا المسؤول عن التواصل المؤسساتي بوجود “صحافي رأي” ضمن الوفد الصحافي المكلف بالتغطية الإعلامية للندوة صحفية. فحضوره يعتبر مقياسا لنجاح الندوة وليس العكس، خاصة وأننا افتقدنا هذا الجنس الصحفي وسط مشهد صحافي يستعصي فهمه، في ظل واقع يشهد تحولات رقمية سريعة، وانفتاح بلادنا أكثر على حرية التعبير والرأي.
إن إبداء رأي في لقاء صحافي لا يقل أهمية من طرح الأسئلة. فإبداء الرأي هو طريقة ذكية لطرح السؤال ولو كان مستفزا. فاللقاء الصحفي الذي يخلو من استفزاز الصحافيين للمستجوب يفقد روحه وحلاوته، ويبقى لقاء روتينيا، ولا يخول المساحة الكافية للمستجوب بأن يصرح ويبوح إن صح التعبير، بأشياء جديدة وتقديم معطيات حصرية تتجاوب وتطلعات وانتظارات الصحافيين. وهذا ما يبحث عنه الصحافي المهني والمقتدر في أي لقاء أو ندوة صحفية.
نعتقد من وجهة نظرنا أن المسؤول عن التواصل داخل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ارتكب خطا مزدوجا، أولا لرفضه طرح رأي ووجهة نظر صحافي في صميم موضوع الندوة قد يكون مخالفا لرأيه الشخصي. وثانيا أليس السؤال ووجهة النظر المعبر عنها موجهة إلى المدرب الوطني الذي هو المؤهل والمسؤول عن الجواب دون إحراج السائل؟
مهما يكن من أمر، لقد أضاع المسؤول عن التواصل داخل الجامعة فرصة الاستماع لجواب ورأي المسؤول عن المنتخب الوطني حول سبب “الجدية نقصات في المنتخب”.
خلاصة القول، يحق للصحافي أثناء حضوره لتغطية أشغال ندوة أو لقاء صحفي طرح سؤال محدد.
كما يحق له في نفس الوقت إبداء رأيه والتعبير عن وجهة نظره خاصة إذا استقى الفكرة من انتظارات الرأي العام.
المدرب الوطني هو المؤهل والمسؤول الوحيد على تقديم التصاريح لممثلي وسائل الإعلام خلال الندوة الصحفية. وله كامل الحرية في رفض أو قبول السؤال أو الرأي المعبر عنه.
لا ينبغي للمسؤول عن التواصل أن يعطي لنفسه حق الإجابة على أسئلة الصحافيين وعلى وجهات نظرهم مكان الناخب الوطني خلال الندوة الصحفية. وخير دليل على ذلك لما نوجه الدعوة للصحافيين نخبرهم بأن مدرب الفريق الوطني لكرة القدم سينظم ندوة صحفية ونشير إلى موضوع وتاريخ وساعة ومكان الندوة. والمسؤول عن التواصل يسهر على تنظيم وإخبار الصحافيين واستقبالهم وتزويدهم بملف صحافي وبالوثائق الضرورية لتسهيل عملهم.
التعليقات مغلقة.