+د.الحسن عبيابة: لاشك أن الوضع الاقتصادي والإجتماعي في المغرب يعرف تحولات وإكراهات مختلفة ، وذلك لأسباب موضوعية بعضها داخلي وبعضها خارجي ، لكن تقييم الوضع أخذ أشكالا بعيدة عن تقييم موضوعي للسياسات العمومية المتبعة ، والتي هي موكلة لمؤسسة البرلمان ، كما أن السياسات العمومية ليست كلها أرقام ومواعد زمنية محددة ، وإنما هي كذلك الإنجازات العملية والتغلب على الصعوبات والإكراهات الداخلية والخارجية ، ويمكن أن نعتبر التغلبات بعض الصعوبات المالية والاجتماعية والاقتصادية هو إنجاز في حد ذاته ، ويلاحظ أن الجميع إنخرط في محاسبة بعض الأقام أو إنكارها أو الدفاع عنها ، بل وصل الأمر إلى المطالبة بأرقام بعينها التي تم تداولها في برامج مختلفة ، لكن برامج التنمية ليس أرقام فقط ، فإنجاز الطرقات والملاعب والبنيات التحتية ليست أرقام وإنما هي إنجازات عملية ، ولذلك يجب أن نفرق بين النمو الاقتصادي الغير الثابت سنويا لأسباب داخلية وخارجية ، وبين التنمية المستدامة التي تتمثل في المشاريع التنموية المجالية التي تنجز على المستوى الوطني والجهوي والمحلي ، ويبدو أن خطاب الأرقام الإفتراضية المصرح بها والمطالبة بها بعيد تماما عن تقييم السياسات العمومية ، لأن عملية التقييم تتطلب ثلاثة عوامل:
. تجهيز المشاريع المطلوبة
. وضع خطة زمنية للإنجاز
. توفير المواد المالية في وقتها والمناسب مع زمن الإنجاز ،
وعلية فمحاسبة البرامج كلها كعرض سياسي واقتصادي واجتماعي مطروح للعمل لايستقيم عمليا ولا محاسباتيا ،
وبدلا من الإنخراط في تقييم السياسات العمومية وفق تحوليها وزمنها وإنجازها ، تحول الجميع إلى حرب الأرقام ، وكأننا في إمتحان لمادة الرياضيات ، وتحولنا كذلك لحرب الأقلام التي تنتظر مادة للنشر والتوزيع تحث الطلب ، كل هذا جعل المواطن العادي يدرك أن هناك حربا سياسية قائمة ولكن لايعرف لصالح من ؟ ومع من ؟، علينا جميعا التحلي بالمسؤولية الكاملة ، وليس إحترام المؤسسات فقط ، وإنما إحترام مهام المؤسسات ، ونقتدي بجلالة الملك محمد السادس الذي يحترم ويقدر مؤسسات البلاد ، حيث وجه رسالة إلى رئيس الحكومة السيد السيد عزيز أخنوش بخصوص الإحصاء العام السابع للسكان والسكنى المقرر إجراؤه في نهاية صيف هذه السنة ، كما دعا جلالة الملك المندوبية السامية للتخطيط أن تبادر، بمجرد نهاية جمع المعطيات والبيانات، إلى معالجتها وتحليلها، مع الحرص على تمكين أصحاب القرار والفاعلين المعنيين من الوصول إلى نتائجها واستخدامها في أقرب الآجال ،
ولذلك فالتشكيك المتواصل في أرقام ومعطيات المندوبية السياسية للتخطيط التي تمثل معطيات الدولة الرسمية هو ضرب لمؤسسة الدولة ، وكلنا مدعون أحزاب ومؤسسات ومجتمع مدني للإنخراط في إنجاح عملية الإحصاء العام للسكان والسكنى ، لأن نجاحه سيوفر معطيات اقتصادية واجتماعية وثقافية لإستشراف المستقبل الواعد ببلادنا ، وللتذكير فإننا نرى في الإنتخابات السابقة لأوانها في فرنسا هذه الأسابيع حرب الأرقام قد ففشلت وإستنفذت زمنها ، وتعب منها المواطن الفرنسي ، لأنها تعدو أن تكون خطابات إستهلاكية إستعراضية ، تنهي بإنتهاء المرحلة التي تعيشها وهي مرحلة قليلة الزمن وخالية من الإنجاز ، ولأنها تريد أن تحارب تطرفا سياسيا بتطرف آخر ، وهذا ماجعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحذر من حرب أهلية .
+د. الحسن عبيابة.. أستاذ التعليم العالي الناطق الرسمي باسم الحكومة سابقا
التعليقات مغلقة.