كيف تكون أولًا في التصويت وثالثا في المقاعد ؟: فقط في الإنتخابات البرلمانية الفرنسية | حدث كم

كيف تكون أولًا في التصويت وثالثا في المقاعد ؟: فقط في الإنتخابات البرلمانية الفرنسية

+د.الحسن عبيابة:حل الرئيس الفرنسي البرلمان يوم 9 يونيو الماضي بناء على صلاحيته الدستورية بعد أن تفوق حزب التجمع الوطني في الفرنسي في الإنتخابات الأوروبية ، ولم يفهم الفرنسيون لماذا قام الرئيس الفرنسي بذلك ، فكثير من المحللين السياسيين إعتبروها مغامرة غير محسوبة والبعض إعتبرها خطة مدروسة لإضعاف اليمين المتطرف قبل طغيانه في المستقبل ، وخلال فترة قصيرة تمت الإنتخابات التشريعية في الدورة الأولى ، وجاء حزب التجمع الوطني في المقدمة من حيث المقاعد ، وهنا تغير كل شيىء في فرنسا حيث بدأت جميع البرامج السياسية للأحزاب السياسية تتلخص في برنامج واحد هو “التصدي لليمين المتطرف المتمثل في حزب التجمع الوطني”، ولعب الإعلام الفرنسي دورا مهما في ترسيخ فكرة التخويف من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة ، هذا الوضع السياسي المفاجىء جعل أحزاب اليسار المتشتت تتوحدا ظرفيا لتقوية فرصتها في حكم فرنسا ، كما أن المعسكر الماكروني توحد بإسم “الجبهة الجمهورية “بحيث أصبحنا أمام جبهات وكأننا في حروب داخلية ، لكن الذي لايفهم الدستور الفرنسي  والقوانين الإنتخابات الفرنسية لايعرف مساحة المناورات السياسية التي تتيحها هذه القوانين التي تكونت منذ الأربعينيات لمواجهة الحزب الشيوعي الفرنسي ، لأن نظام الإنتخابي للدورة الثانية يتيح فرصة التحكم في نتائج الإنتخابات في الدورة الثانية بسسب تدخل الفاعل السياسي الذي يقرر التحالف ويقرر الإنسحاب من الدور الثاني ، وهنا يتم توجيه الناخب بطريقة غير مباشرة إلى توجه معين إما إراديا أو مضطرا ، ولهذا تم تكوين “تحالف اليساري”، لأن ترتيب الأحزاب السياسية حسب النتائج الفردية تعطي الأولوية لحزب التجمع الوطني الذي حصل على أكبر عدد من الإصوات على الإطلاق بنسبة 28%, من الأصوات المعبر عنها ، ورغم أن تحالف اليسار، المجتمع تحت راية “الجبهة الشعبية الجديدة ” في الجولة الثانية ب180 مقعدا ، فهو لايعكس إرادة الناخبين حسب ترتيب النتائج الفردية ، لأن تحالف اليسار هو تحالف سياسي ولا يعكس بالضرورة قوة موحدة أو إدارة موحدة للناخبين ، في حين نجد الجبهة الجمهورية للرئيس الفرنسي قد حصلت على 168 مقعدا، وفي المقابل حصل التجمع الوطني (أقصى اليمين) وحلفاؤه على 143 مقعدا ، بينما نجد الأغلبية المطلقة البالغة 289 نائبا لم تحصل عليها أي جبهة ، وهو ماترك المجال مفتوحا للرئيس الفرنسي ، لأن الإعلان عن النتائج النهائية لاتعني الحسم في في تشكيل الحكومات ، لأن طبيعة الدساتير هي التي تحدد

تشكيل المؤسسة التنفيذية ،

ويلاحظ أنه بالرغم من تنافس حوالي 1.094 مرشحا في هذه الجولة الأولى لشغل 501 مقعدا في الجمعية الوطنية الفرنسية ، لكن لم ينجح في الدور الأول إلا 75 نائبا من أصل 577، أي حوالي 13%, فقط ، وهو عدد ضئيل، لهذا إنسحب في الدور الثاني أكثر من 200 من مرشحي من كلا التحالفين السياسيين كثلة الوسط وتحالف اليسار من خوض الدور الثاني لصالح أي مرشح آخر منهما ينافس التجمع الوطني ، لأن تشتيت الأصوات في الدورة الأولى جعل النتائج ضعيفة جدا في الدوائر الانتخابية ، والتي توزعت كالتالي ، التجمع الوطني حصل على 39 مقعدا، مقابل 32 للجبهة الشعبية الجديدة، ومقعدين اثنين فقط للمعسكر الرئاسي ، وبالتالي يمكن القول أن الجولة الأولى كانت فقط لجس النبض ، وبفعل القوانين الإنتخابية والفاعل السياسي تحولت الجولة الثانية لإنتخابات جديدة ، وهي المستهدفة من الرئيس الفرنسي ، حيث تدخلت فيها الصلاحيات الدستورية للرئيس الفرنسي والقوانين الإنتخابية الفرنسية ، وفي قراءة ثانية للإنتخابات البرلمانية نجد أن جبهة الرئيس الفرنسي ( الجبهة الديمقراطية) كانت هي الفاعل السياسي الحقيقي في مراحل العمليات الانتخابية ونجحت في ذلك ، لأن الهدف من تكوين جبهات سياسية هو عدم حصول اليمين المتطرف من الأغلبية المطلقة حتى لايضطر الرئيس الفرنسي دستوريا تعين زعيم حزب اليمين المتطرف ، وفي نفس الوقت تم إستغلال حماسة اليسار الفرنسي الشعبوي للسطلة حتى لاتبقى كثلة الرئيس في مواجهة اليمين لوحدها  ، وبالتالي إستطاع الرئيس الفرنسي ومن معه من المعسكر الليبرالي والوسط ، أن يبقي صلاحيته الدستورية قائمة وغير مجبر دستوريا وقانونيا على تعيين أي رئيس الوزراء سواء تعلق الأمر بحزب التجمع أو بتحالف اليسار، لأن كلاهما يهددان الإقتصاد الفرنسي ، فتحالف اليسار لها برامج غير قابلة للتنفيذ بسبب وعوده الاجتماعية الثقلية والتي لايتحملها الاقتصاد الفرنسي حاليا ، مقابل حزب التجمع الذي له برامج مجهولة وغير واضحة ومرفوضة من طرف الإتحاد الأوروبي، ولذلك يمكن للرئيس الفرنسي الحالي أن يكون حكومة دستورية جديدة لمدة سنة واحدة، ويحل البرلمان مرة أخرى، وقد دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى “توخي الحذر” في التعامل مع النتائج الإنتخابية النهائية ، ولا زال يعتبر كتلة الوسط تمثل قوة سياسية متماسكة ، ورغم أن ظهور النتائج الانتخابية ومعرفة ردود الأفعال من جميع الأطراف ، إلا أنه لازالت أهم عملية سياسية منتظرة لهيكلة الجمعية الوطنية الفرنسية يتدخل فيها كذلك الفاعل السياسي، وهي تكوين الثكثلات والفرق البرلمانية في الجمعية الوطنية ، لأنها بمثابة نتائج نهائية أخرى ، سيسهل التعامل معها من طرف الرئيس الفرنسي ، لأنه يستقوي بالدستور الذي يمنحه ضمان المؤسسات واتخاذ قرارات مهمة للمصلحة العامة ، كما أن فرنسا محكومة بقوانين وإتفاقيات الإتحاد الأوروبي، ودولة نووية ولها عضوية دائمة في مجلس الأمن يعتمد عليها الإتحاد الأوروبي.

+الحسن عبيابة: أستاذ التعليم العالي، ووزير سابق

 

التعليقات مغلقة.