نص الكلمة التي ألقاها رئيس مجلس المستشارين ورئيس برلمان البحر الأبيض المتوسط في الدورة الثانية لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الاورومتوسطية والخليج | حدث كم

نص الكلمة التي ألقاها رئيس مجلس المستشارين ورئيس برلمان البحر الأبيض المتوسط في الدورة الثانية لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الاورومتوسطية والخليج

افتتح يومه الخميس بمدينة مراكش أشغال الدورة الثانية لمنتدى مراكش ١لبرلماني الدولي للمنطقة الاورو متوسطة والخليج. تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وبالمناسبة القى رئيس مجلس المستشارين ورئيس البحر الأبيض المتوسط. النعم ميارة كلمة جاء فيها:

“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على أشرف المرسلين

السيد نائب رئيس مجلس النواب المحترم،
السيد رئيس الإتحاد العام لمقاولات المغرب المحترم،
السيدات والسادة رئيسات ورؤساء الجمعيات البرلمانية المحترمين،
السادة رؤساء البرلمانات الوطنية المحترمين،
السادة رؤساء الوفود المحترمين،
أيها الحضور الكريم،

يسرني ويسعدني، بصفتي رئيسا لمجلس المستشارين بالمملكة المغربية ورئيسا لبرلمان البحر الأبيض المتوسط، أن أرحب بكم جميعا في مدينة مراكش الحمراء، أرض اللقاء والحوار وتلاقح الثقافات والحضارات، في أشغال الدورة الثانية لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأورومتوسطية والخليج الذي ينعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وعلى جدول أعماله مواضيع ومحاور على قدر كبير من الأهمية الإستراتيجية بالنسبة لبلداننا واتحاداتنا، كما تشكل امتدادا وتجسيدا لخلاصات وتوصيات النسخة الأولى من هذا المنتدى الهام، ضمن استمرارية الدينامية التي وضعنا معا، حجرها الأساس، خلال الدورة التأسيسية في دجنبر 2022، والتي كانت دورة ناجحة بكل المقاييس، حيث أرست تعاونا وشراكة استراتيجية إقليمية بين المنطقة الأورومتوسطية والخليج ومنطقة أمريكا اللاتينية.

واسمحوا لي أن أتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى كل المشاركين الحاضرين معنا في هذا المحفل المتميز، من مختلف الدول والاتحادات الإقليمية والقارية، في إفريقيا والعالم العربي والمنطقة الأورومتوسطية وأمريكا اللاتينية، متمنيا لهم مقاما طيبا بين ظهرانينا في بلدهم الثاني المغرب، كما أخص بالشكر والعرفان كل الجهات المشرفة على تنظيم هذا اللقاء.
وإننا على يقين تام بأن أشغالنا سيحالفها التوفيق والسداد، ليس فقط اعتبارا للجهود التنظيمية المبذولة والتأطير العلمي المتميز لهذا المنتدى، ولكن أيضا، وأساسا، بفضل القيمة العلمية الكبيرة والخبرة المهنية الواسعة والالتزام السياسي الجاد لمختلف المتدخلين والمشاركين الذين نراهن على مداخلاتهم ومساهماتهم القيمة في إثراء أشغالنا وتتويجها بالخلاصات والتوصيات المرجوة.

السيدات والسادة،
من البديهي التأكيد لكم أن انعقاد منتدانا هذا يأتي في سياقات دولية وإقليمية ووطنية مطبوعة بالكثير من التحديات والمخاطر متعددة الأبعاد التي تغذيها أسباب وعوامل مختلفة، لاسيما المرتبطة منها بالتغيرات المناخية واستمرار التداعيات المقلقة لوباء كوفيد 19 وتفاقم الأزمات.
ولا شك أن هذا السياق الجيواستراتيجي الصعب يضعنا جميعا أمام مسؤوليات جسام من أجل تحويل مخاض إعادة تشكل النظام الدولي إلى فرص حقيقية للتنمية الشاملة، وكذا التنسيق الفعال للاستجابة الدولية المطلوبة للتعامل مع هذا السياق وما يؤدي إليه من ظواهر تزعزع الاستقرار والأمن العالمي من الناحيتين السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

وفي صدارة هذه الظواهر هشاشة نظام الأمن الغذائي العالمي، وتقلب الأسواق المالية والدولية، وأزمة الطاقة والتضخم وارتفاع أسعار المواد الأولية والأساسية، مما يرسم صورة قاتمة عن وضع دولي عنوانه العريض عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.

ومن هنا، أيها السيدات والسادة، تكمن الأهمية الخاصة والقيمة الأكاديمية للمحاور والمواضيع التي ارتأينا الاشتغال عليها طيلة هذين اليومين، وتتعلق بآفاق الاقتصاد الكلي للمنطقة الأورومتوسطية والخليج، وضمان إمدادات الطاقة والتحول الأخضر في المنطقتين، وتمويل المشاريع، لاسيما الصغيرة والمتناهية الصغر، وريادة الأعمال في العالم الرقمي وتحدي الذكاء الاصطناعي، ودور الابتكار في الازدهار والتنمية الشاملة، وغيرها من المحاور الفرعية التي لا شك أنها ستأتي على متن المداخلات والنقاشات المتعلقة بها.

إن هذه المحاور تجعلنا بالفعل في مواكبة آنية ومرافقة مستمرة للنقط الساخنة والملفات الحارقة التي تستأثر باهتمام المجموعة الدولية، خاصة وأنها ترتبط بشكل وثيق بالجهود المبذولة، وطنيا وفي نطاق التعاون المتعدد الأطراف، من أجل إرساء نماذج اقتصادية بديلة وأكثر ملائمة للاحتياجات الوطنية والإقليمية والعالمية.

ومن هذا المنظور تتجلى الأهمية الاستثنائية للمنتدى البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأورومتوسطية والخليج، ذلكم أنه إطار برلماني يشجع التعاون والحوار والعمل المشترك داخل منطقتين تتمتعان بثقل استراتيجي وازن استعادتا، عن جدارة واستحقاق، اهتمام الجهات الفاعلة في الأسرة الدولية، بحكم موقعهما الجغرافي المتميز ومؤهلاتهما المادية والبشرية التي تجعلهما في صلب دوائر النقاش وروابط التعاون العالمي الهادف إلى استعادة العافية الاقتصادية الدولية ودعم الأمن والسلم الاجتماعي داخل وبين دول المعمور.

السيدات والسادة،
إن بلدي المغرب، العضو الفاعل في المنطقتين المتوسطية والخليجية، وارتباطهما بمنطقة أمريكا اللاتينية، ما فتئ يبذل، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وبالانخراط الكلي لجميع المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة البرلمانية، جهودا مقدرة تحظى بالإشادة والتقدير من قبل شركائه من دول ومنظمات وهيئات مختلفة، بغاية إيجاد الحلول المبتكرة والمناسبة للإشكالات والتحديات المطروحة عليه في المجالات والقطاعات التي تحظى بالأولوية في لقاءنا هذا، ولاسيما المتصلة بالتحول الطاقي والطاقات المتجددة.

وفي هذا الإطار، لابد من التذكير أن المغرب كان سباقا للاستثمار في الحلول المستدامة، حيث مكنه موقعه الإستراتيجي ومؤهلاته من الارتقاء إلى مصاف البلدان الرائدة في مجال تمويل وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية والهيدروجين الأخضر، وذلك ضمن استراتيجيته الطموحة لتسريع الانتقال الطاقي وتحقيق الحياد الكربوني.

علاوة على ذلك، وبهدف جعل قطاع الطاقات المتجددة أكثر جاذبية للاستثمار الخاص، تم إرساء إطار تشريعي وتنظيمي ومؤسساتي مناسب، والذي تواصل المملكة تحيينه بشكل مستمر، حيث يلعب البرلمان وضمنه مجلس المستشارين، أدورا هامة في تناغم تام مع تركيبته الفريدة والصلاحيات التي يخولها له دستور المملكة في المجالات التشريعية والرقابية وفي مجال تقييم السياسات العمومية.

أيها السيدات والسادة،
إن المملكة المغربية، إدراكا منها لموقعها الاستراتيجي الذي يجعل منها نقطة تلاقي وصلة وصل بين إفريقيا والعالم العربي وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وتصريفا لقناعاتها الثابتة بأهمية التعاون المشترك وخاصة التعاون جنوب-جنوب، كما يرعاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لا تكتفي بوضع ما تستلزمه التحديات المذكورة من سياسات عمومية وطنية فاعلة وناجعة، بل تتعدى ذلك إلى طرح وقيادة مبادرات إقليمية تستهدف تحقيق أهداف مشتركة على مستوى التنمية الشاملة مع محيطه المتعدد، ولاسيما في عمقه الإفريقي.

فبفضل ما تحقق لها من تراكم مهم في المجالات المذكورة، تعمل بلادنا على تعزيز وتطوير علاقات التعاون والشراكة مع البلدان الصديقة وبالخصوص الإفريقية لأجل تنمية قارية مستدامة.

وفي هذا الصدد أود التذكير بالمبادرة الأطلسية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله لتعزيز ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي والتي تشكل إطارا متفردا لتحقيق تعاون إفريقي متعدد الأبعاد وتنسيق جهود التنمية بما يؤسس لميلاد إفريقيا جديدة مزدهرة ومستقرة.

كما اغتنم هذه الفرصة للتذكير بالجهود المكثفة التي تبدلها المملكة لتنفيذ مشروع خط أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا وفقا لمقاربة اقتصادية تركز على تحسين الأوضاع الاقتصادية للدول الإفريقية ذات الدخول المتوسطة التي سيمر بها المشروع، وذلك في إطار تعظيم المكاسب الاقتصادية لهذه الدول وفق مبدأ “رابح-رابح”، كلها مشاريع تهدف إلى جعل المواطن الإفريقي في صلب التنمية وخلق فضاء للتكامل والتنمية المشتركة مع هذه الدول.

وتنضاف إلى هذه المبادرات الخلاقة الجهود المبذولة مع شركائنا في شمال المتوسط ومع الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي الذين تربطنا معهم شراكات نموذجية، متجددة وشاملة قائمة على التكامل والتعاون في مختلف المجالات.

ولا تفوتنا المناسبة في هذا الصدد دون الإشادة بمستوى التقدم المحرز في العلاقات بين المغرب وأمريكا اللاتينية، لاسيما على المستوى البرلماني، حيث يحظى البرلمان المغربي بوضعية خاصة لدى التكتلات البرلمانية الفاعلة في هذه المنطقة.

السيدات والسادة،
لعل من أبرز اللحظات القوية لهذا المنتدى والتي تضفي عليه قيمة استثنائية تلك المرتبطة بتسليم جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لفائدة وكالة بيت مال القدس الشريف الذراع التنفيذية للجنة القدس، برئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وذلك نظير ما تقدمه الوكالة من خدمات جليلة ومجهودات قيمة، من أجل العمل الإنساني والاجتماعي الميداني الملموس، والذي يتلازم مع المسار السياسي والقانوني للقضية الفلسطينية، الذي تضطلع فيه الدبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بدور ريادي وإنساني مشهود بثباته ونبل مساعيه.

وهذه فرصة للتذكير بما تقدمه المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لجلالته من إسهامات قيمة من أجل مد جسور التفاهم بين شعوب المنطقة الأورومتوسطية وتعزيز قيم الاحترام المتبادل والعيش المشترك والتعاون والتضامن.

وبالمناسبة، نجدد تعبيرنا عن أسفنا الشديد وقلقنا البالغ من استمرار فصول الحرب في غزة وتداعياتها المدمرة على المدنيين الأبرياء وعلى البنيات التحتية التي بدونها لا يستقيم الحديث عن التنمية المستدامة والكرامة الإنسانية.

كما ستتميز هذه الدورة بإطلاق “المرصد البرلماني للجنوب العالمي من أجل التنمية المستدامة للمنتدى البرلماني جنوب جنوب” بشراكة مع برلمان البحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار تنزيل قرارات الإعلان الختامي للمؤتمر البرلماني للتعاون جنوب – جنوب المنعقد بالرباط في فبراير 2024 والذي شارك فيه ممثلو مجالس الشيوخ الشورى والمجالس المماثلة والاتحادات البرلمانية الإقليمية من إفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والذي دعوا من خلاله إلى تعزيز التنسيق والتعاون والتشاور، وذلك عن طريق إنشاء مؤسسات دائمة.

وإن أملنا كبير في أن يكون هذا المرصد إطارا فاعلا ومنتجا من أجل مواكبة المنتدى في تحقيق أهدافه واقتراح الحلول والخطط العملية التي من شأنها تقوية وتعزيز قدراتنا كبرلمانيين في المنطقيتين من أجل النهوض بمسؤولياتنا المشتركة على أحسن وجه، حيث يظهر تقرير أهداف التنمية المستدامة الأخير، الذي نشرته الأمم المتحدة في 28 يونيو 2024، أن 15% فقط من الأهداف المرتبطة بأهداف التنمية المستدامة تنحو حاليا منحى صحيحا نحو تحقيقها.

إن جائحة كوفيد-19 والصراعات والتوترات الجيوسياسية والتجارية والآثار المتفاقمة لتغير المناخ تتضافر لكبح الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ولا شك أن بلدان الجنوب هي الأكثر تضررا في ظل هذه السياقات، بسبب افتقارها إلى الموارد المالية وإلى المرونة الموازناتية اللازمة للاستثمار بشكل مستدام في مستقبلها وفي مستقبل شعوبها.

ولأن للبرلمانات أدوارا أساسية في النهوض بالرؤية الشاملة لأهداف التنمية المستدامة، لاسيما من خلال العمل على تأمين آليات التحمل الأفقي لمهام التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية والإذن بتعبئة الموارد ضمن الميزانية، وكذا مهام التمثيل عبر السهر على إسماع صوت مختلف شرائح المجتمع في عملية صنع القرار، فإني أعتبر هذه المناسبة سانحة للدعوة إلى إحداث هذا المرصد.

إن من شأن هذا المرصد، الذي لابد أن تتفرع عنه مراصد إقليمية ووطنية، أن يشكل إطارا مؤسساتيا لتعزيز التعاون جنوب-جنوب وأن يتيح لبرلمانات وبرلمانيي الجنوب إمكانية تبادل التجارب والممارسات الفضلى فيما يتصل بتتبع تعهدات حكوماتهم وتقييم الاستراتيجيات والسياسات العمومية من منظور أهداف التنمية المستدامة، وكذا إمكانية التنسيق المنتظم وبلورة مواقف مشتركة للترافع في المحافل والتظاهرات الدولية لصالح بلدان وشعوب الجنوب.
السيدات والسادة،

إبرازا للأدوار الطلائعية التي تلعبها المرأة في عمليات صنع القرار والمشاركة السياسية سيعرف اليوم الثاني من هذا المنتدى عرض الأنشطة التي قام بها “منتدى النساء البرلمانيات ببرلمان البحر الأبيض المتوسط” خلال الفترة الممتدة من 2021 ولغاية 2023، وكذا بسط نتائج الاجتماع التنسيقي للمجلس الاستشاري الموسع للمنتدى إضافة إلى توقيع اتفاقية التعاون بين “منتدى النساء البرلمانيات ببرلمان البحر الأبيض المتوسط” و”الشبكة البرلمانية للسيدات البرلمانيات في إفريقيا والعالم العربي”.

وفي الختام أجدد شكري لكم وأتمنى لأعمال الدورة الثانية لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأورومتوسطية والخليج التوفيق والنجاح لما فيه مصلحة بلداننا.

كما أتمنى أن تسفر هذه الدورة عن توصيات ومقترحات ملموسة تسهم في تعزيز التعاون والتكامل بين برلمانات المنطقة الأورومتوسطية والخليج وشركائنا في أمريكا اللاتينية، وتدعم جهودنا المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية لشعوبنا.

كما نأمل أن تكون هذه التوصيات بمثابة خارطة طريق تقودنا نحو مستقبل أكثر ازدهارا واستقرارا في منطقتينا، وتسهم في تعزيز دور برلمان البحر الأبيض المتوسط على الساحة الدولية.
شكرا على حسن الإستماع والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.

التعليقات مغلقة.