المملكة العربية السعودية سنة 2017: تنزيل أسرع للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية | حدث كم

المملكة العربية السعودية سنة 2017: تنزيل أسرع للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية

24/12/2017

يوسف صدوق: مضت وتيرة الإصلاح الاقتصادي بالمملكة العربية السعودية سنة 2017 على نحو سريع في وقت تسعى فيه المملكة باعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم، إلى تجاوز آثار الهبوط الحاد لأسعاره منذ العام 2014، حيث انحدرت إلى ما دون الخمسين دولارا للبرميل.
وفي غضون ذلك، أدركت القيادة السعودية حاجتها إلى رسم سياسات جديدة تضمن الاستدامة لاقتصاد الدولة المرتهن بإيرادات الذهب الأسود الأسير بدوره لتقلبات العرض والطلب، وحتمية نضوبه من جوف الأرض.
واليوم، بات الإصلاح الكلمة المفتاح لقراءة التابث والمتحول في المشهد الاقتصادي السعودي الذي ينتظم كله في إطار واحد: رؤية 2030، تلك الخطة التي رسمت ملامح اقتصاد حديث وتنافسي من خلال حزمة برامج وإجراءات محقبة زمنيا في التنفيذ والتنزيل.
فقد برزت أولى ملامح “رؤية 2030” وبرنامجها التنفيذي”التحول الاقتصادي 2020″، في ميزانية 2017، التي اعتبرت بمثابة تمرين اقتصادي لمرحلة ما بعد الطفرة النفطية، بحيث تضمنت إجراءات وصفت “بالاستثنائية”، في مسار تعزيز الاستدامة المالية وتنويع مصادر الدخل، وترشيد الإنفاق الحكومي، ودعم القطاع الخاص، إضافة إلى إطلاق برامج موازية لتحقيق التوازن المالي.
وترافق ذلك مع بدء السلطات السعودية على مدى السنة الجارية في تطبيق عدد من الإجراءات، من قبيل توطين الوظائف والمهن في العديد من القطاعات الاقتصادية، وتحصيل الرسوم المالية من الوافدين، وإقرار ضريبة القيمة المضافة، وفرض ضريبة “السلع المنتقاة” الخاصة بالمنتجات التي تتسبب في أضرار على الصحة.
ولتخفيف الآثار المتوقعة لهذه الإجراءات على وضع الأسر ذات الدخل المنخفض والمحدود، أطلقت الحكومة برنامج “حساب المواطن”، لدعم هذه الفئات المتضررة من التعديلات الجديدة لأسعار منتجات الطاقة والمياه، والتي قد تحدث تغييرا جذريا في تكاليف منتجات الطاقة لدى الأسر وتكلفة المعيشة بشكل عام.
كما سعت السعودية في إطار سياساتها لإنهاء حالة الإدمان النفطي لاقتصادها، إلى تعزيز بيئة الاستثمار المحلي، وتحفيز الطلب الداخلي، وتشجيع الإنفاق الأسري على الترفيه، وبناء مئات المراكز الترفيهية في المملكة بحلول العام 2020، فيما تنفتح على العالم كوجهة للاستثمار والسياحة بفضل التشريعات والأنظمة التي أقرتها “رؤية 2030″، من أجل إرساء أسس اقتصاد عصري ومستدام.
وفي هذا الإطار، أعلن صندوق الاستثمارات العامة، الذراع الاستثمارية للمملكة، عددا من المشاريع الاستثمارية الضخمة، من أبرزها مشروع منطقة اقتصادية شمال غرب البلاد وتشمل كذلك أراض في الأردن ومصر باستثمارات تبلغ أكثر من 500 مليار دولار.
وسيقام هذا المشروع، الذي أطلق عليه اسم “نيوم”، على مساحة 26 ألفا و500 كلم مربع، ويطل على البحر الأحمر وخليج العقبة من الشمال والغرب بطول 468 كيلومترا. ويستمد جدواه الاقتصادية من موقعه الاستراتيجي كنقطة التقاء بين المنطقة العربية وآسيا وأفريقيا وأوروبا ، إضافة إلى ما يمثله ساحل البحر الأحمر من شريان اقتصادي مهم كمعبر لحوالي 10 في المائة من حركة التجارة العالمية.
وتتمثل فرادة المشروع في استحداثه على بيئة جغرافية شبه خالية، “ما يؤهله لأن يكون مشروعا للحالمين وليس للمستثمرين التقليديين”، بحيث تطمح السلطات السعودية إلى أن تكون المدينة المستحدثة مختلفة عن بقية المناطق التي نشأت وتطورت عبر مئات السنين.
وفي حديثه عن المشروع أمام المشاركين في منتدى اقتصادي عالمي عقد في أكتوبر الماضي بالرياض، قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، رئيس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، إن كل عناصر نجاح المشروع من الفرص والمقومات وأرض شبه خالية متوافرة، مبرزا القدرة الاستثمارية “الضخمة” للسعودية والموقع الجغرافي للمشروع بين ثلاث قارات، إضافة إلى التضاريس الطبيعية المتنوعة في المنطقة.
وقال الأمير محمد بن سلمان إن ثمة “فرصا كثيرة نعمل عليها، ونحاول ألا نعمل إلا مع الحالمين، فهذا المشروع ليس مكانا لأي مستثمر أو شركة تقليدية، إنه موقع ومكان للحالمين لخلق شيء جديد في هذا العالم”، مؤكدا العمل مع العديد من الشركات والمستثمرين ورواد الأعمال لتبني هذه الأفكار من أجل خلق شيء جديد ومبتكر“.
ومن المشاريع الاستثمارية التي أطلقها الصندوق خلال العام الحالي، بناء مدينة ترفيهية ضخمة (القدية) تمتد على مساحة 334 كلم مربع قرب العاصمة الرياض، ستكون “الأولى من نوعها في العالم”، ويتوقع بدء أشغال إنجازها مطلع العام المقبل وإطلاق مرحلتها الأولى عام 2020.
وأكد الأمير محمد بن سلمان أن هذا المشروع “الرائد والأكثر طموحا في المملكة (…)، سيسهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، ودفع مسيرة الاقتصاد السعودي، وإيجاد المزيد من الفرص الوظيفية للشباب“.
وقال إن مشروع “القدية” يمثل رمزا حضاريا بارزا ومركزا مهما لتلبية رغبات واحتياجات جيل المستقبل الترفيهية والثقافية والاجتماعية في المملكة، ويأتي ضمن الخطط الهادفة إلى دعم رؤية المملكة 2030 بابتكار استثمارات نوعية ومتميزة داخل المملكة“.
وفي مطلع غشت الماضي، أعلنت السعودية عن مشروع سياحي عالمي يمتد على نحو 50 جزيرة تقع قبالة سواحل المملكة على البحر الأحمر، “سيقام على إحدى أكثر المواقع الطبيعية جمالا وتنوعا في العالم”، ويشمل منتجعات سياحية استثنائية” سيتم تشييدها على أكثر من 50 جزيرة طبيعية بين مدينتي (أملج) و(الوجه).
وبحسب بيان للصندوق، فإن “المشروع تحكمه معايير جديدة تطمح للارتقاء بالسياحة العالمية عبر فتح بوابة البحر الأحمر أمام العالم من أجل التعرف على كنوزه وخوض مغامرات جديدة تجذب السياح محليا واقليميا وعالميا”، إضافة إلى ما سيتيحه للزوار من فرصة التعرف على الكنوز الخفية في هذه المنطقة من البحر الأحمر.
بيد أن تعزيز منظومة الاستمثار وزيادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد السعودي، يتطلب، بحسب السلطات السعودية، تحصينه من الممارسات التي تحد من تنافسيته، وهو ما ترجمته في إعلانها في الرابع من نونبر الماضي تشكيل لجنة عليا لحصر أعمال الفساد وأسندت إليها مهمام التحقيق في “المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام“.
واللافت في حملة التطهير من الفساد التي أطلقتها السلطات السعودية بعيد إعلانها عن تشكيل اللجنة، أنها شملت لأول مرة، عددا من الأمراء والوزراء السابقين والحاليين وموظفين سامين ورجال أعمال بتهم الفساد والاغتناء غير المشروع.
وقال ولي العهد السعودي في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن المملكة عانت كثيرا من الفساد منذ فترة الثمانينات وإلى الوقت الراهن، مضيفا أن “تقديرات خبرائنا تشير إلى أن ما يقارب 10 في المئة من الإنفاق الحكومي، تعرض للاختلاس أو الهدر منذ بداية الثمانينات بواسطة الفساد، من قبل كلتا الطبقتين العليا والكادحة“.
وأوضح الأمير محمد بن سلمان، الذي يرأس لجنة مكافحة الفساد، أن الحكومة كانت على مر السنين، قد شنت أكثر من حرب على الفساد ولكنها فشلت جميعها. لأن جميع تلك الحملات بدأت عند الطبقة الكادحة صعودا إلى غيرها من الطبقات المرموقة“.
ويجمع خبراء اقتصاديون في السعودية أن مبدأ المحاسبة يعد خطوة مهمة في تطبيق “رؤية 2030” ، الرامية إلى تعزيز تنافسية الاقتصاد السعودي وزيادة ثقة المستثمرين في بيئة الأعمال والقوانين الداخلية للمملكة، مؤكدين أن هذه الإجراءات من شأنها أن تقطع دابر الفساد وآثاره المدمرة من قبيل تباطؤ النمو والبطالة وزيادة الفقر وانعدام العدالة الاجتماعية وارتفاع تكلفة المشروعات“.
وفي زحمة هذا الحراك الاقتصادي، تمضي التغيرات في المجتمع السعودي بوتيرة أسرع لتحقيق أهداف رؤية 2030، التي تعكس نظرة إيجابية للمرأة السعودية التي تشكل 50 في المائة من إجمالي خريجي التعليم الجامعي في المملكة.
وتراهن هذه الرؤية التنموية على رفع مشاركة المرأة في سوق العمل من نسبة 22 في المائة حاليا إلى 30 في المائة، والاستمرار في تنمية مواهبها واستثمار طاقاتها، وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة للإسهام في تنمية المجتمع والاقتصاد.
وهكذا، أصدر العاهل السعودي نهاية شتنبر الماضي، قرارا يقضي “بتطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما في ذلك إصدار رخص القيادة للذكور والإناث على حد سواء” ليحسم بذلك جدلا فقهيا واجتماعيا كبل أحقية المرأة في قيادة السيارة لسنوات طوال.
وبحسب دراسات سعودية، فإن قرار تمكين المرأة السعودية من قيادة السيارات، سيسهم في تخفيف العبء المالي على الأسر، ويقلل من النفقات على السائقين، ويمنح الأسر السعودية مزيدا من القوة الاقتصادية، كما سيعالج كثيرا من المشكلات الاجتماعية.
وحظي هذا القرار بترحيب واسع من لدن الهيئات الدينية والسياسية وكافة أطياف المجتمع السعودي، كما تردد صداه في الساحة الدولية، حيث توالت ردود الفعل المرحبة بتميكن المرأة السعودية من الحق في السياقة، سواء من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، أو من رؤساء دول العالم.
وفي رمزية الحدث أكثر من دلالة، أبرزها أن قرار تمكين المرأة السعودية من الحصول على رخصة القيادة، وهي التي أثبتت سلفا وجودها في مجالات أكثر تعقيدا من مجرد قيادة السيارة، سيمكنها، بلا شك، من الإسهام في قيادة المجتمع نحو مزيد من التنمية والانفتاح.

 حدث

 

التعليقات مغلقة.