+ إسماعيل الحمراوي: منذ اعتلائه العرش في سنة 1999، أصبح الملك محمد السادس رمزاً للتغيير والإصلاح في المملكة المغربية. يوم الجمعة 30 يوليوز 1999، ألقى الملك محمد السادس أول خطاب عرش له، حيث كانت أنظار قادة العالم كلها متجهة نحو الملك الشاب، في انتظار رؤيته الاستراتيجية وطموحاته الكبيرة. بعد هذا الخطاب، انطلق المغرب في مسلسل جديد نحو التنمية. سياسة “الأوراش الكبرى” التي تبناها الملك محمد السادس كانت وما زالت الركيزة الأساسية لهذه الرؤية، حيث تهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين، وتقوية الاقتصاد الوطني، وتطوير البنية التحتية، بالإضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
خلال أكثر من عقدين من الزمن، أطلق الملك محمد السادس العديد من المشاريع والمبادرات التي تغطي مختلف جوانب الحياة في المغرب. من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي تهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة، إلى مشروع الإصلاحات الدستورية التي تعزز الديمقراطية والشفافية، مرورًا بمشاريع الطاقة المتجددة والمدن الذكية التي تسعى لتحقيق الاستدامة البيئية، يظهر الملك محمد السادس التزامه العميق بتحقيق التقدم والرفاهية لشعبه.
كما شملت هذه الأوراش الكبرى مشاريع ومبادرات لتحقيق العدالة الاجتماعية مثل مشروع الحماية الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، وضعت مشاريع طموحة في مجال تحسين البنية التحتية، بحيث تم تنفيذ مشاريع مثل القطار الفائق السرعة وتطوير الأقاليم الجنوبية، مما ساهم في الربط الإقليمي والتنمية الاقتصادية. كما لم تغفل هذه السياسة عن تطوير التعليم والتكوين المهني، تطوير السياحة، والحفاظ على التراث الثقافي الغني للمملكة.
وشكل موضوع العلاقات مع الدول الأفريقية إحدى أهم التوجهات الاستراتيجية من خلال مشروع الانفتاح الأفريقي، وتطوير البنية التحتية الوطنية عبر مشاريع مثل أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا وترسيم المجالات البحرية، يؤكد على نهج الملك في تحويل المغرب إلى مركز إقليمي محوري في مختلف المجالات.
تُظهر هذه المشاريع التزام الملك محمد السادس بتحقيق سياسة عامة مندمجة ومتكاملة للتنمية، حيث يتم التركيز على جميع القطاعات الحيوية لضمان مستقبل أفضل لجميع المواطنين. تطلبت هذه الأوراش استثمارات كبيرة، وتخطيطاً محكماً، وتنفيذاً دقيقاً، وكل ذلك ضمن إطار تصور موحد يهدف إلى جعل المغرب نموذجاً للتنمية المستدامة في المنطقة العربية والإفريقية والدولية بصفة عامة.
من خلال تحليل هذه الأوراش الكبرى، نستطيع أن ندرك كيف سعى الملك محمد السادس إلى بناء دولة حديثة ومتقدمة، تعتمد على الابتكار والاستدامة والشمولية. هذه الجهود المتواصلة تعكس استراتيجية الملك الطموحة وتحمله المسؤولية تجاه شعبه، وتضع الأسس لمستقبل مشرق للمملكة المغربية.
ولكي نفهم جيدا نهج حكم الملك محمد السادس طيلة خمسة وعشرون سنة، سنحاول الغوص في كرونولوجية بعض الأوراش الوطنية الكبرى من خلال البحث عن أهم التفاصيل لمجموعة من المشاريع الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس في إطار سياسة الطموح والواقعية، موضحا الأهداف، المكونات، التحديات، ومقتطفات من خطب الملك السامية المؤسسة لكل تلك الأوراش التي أعلن فيها عن هذه المشاريع، ليظهر بذلك كيف أن كل مشروع يعكس جزءاً من رؤية مندمجة تهدف إلى بناء مغرب التنمية والمستقبل.
- ورش التنمية البشرية والاجتماعية: الإنسان أولا
تعد التنمية البشرية والاجتماعية من الركائز الأساسية لتحقيق التقدم والنمو في أي مجتمع. ومنذ تولي الملك محمد السادس العرش، كانت رؤيته واضحة في ضرورة وضع الإنسان في صلب الاهتمام التنموي. تجسد ذلك من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقت عام 2005، والتي تهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة وتحسين ظروف عيش المواطنين. من خلال مشاريع متعددة ومتنوعة، تسعى هذه المبادرة إلى تحفيز التماسك الاجتماعي، ودعم الأنشطة المدرة للدخل، وتحسين البنية التحتية في المناطق الفقيرة. إضافة إلى ذلك، تبرز جهود الملك في مشروع الحماية الاجتماعية الذي يهدف إلى تعميم التغطية الصحية والاجتماعية، وتقديم الدعم المالي المباشر للأسر المحتاجة. كل هذه الجهود تؤكد على التزام الملك محمد السادس بتحقيق تنمية متكاملة ومستدامة تستهدف الإنسان في المقام الأول.
أولا : المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: تحويل التحديات إلى مبادرات
تم إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH) في سنة 2005 بمبادرة من الملك محمد السادس بهدف تحسين الظروف المعيشية للسكان، وتقليل نسبة الفقر، وتوطيد التنمية المستدامة. ترتكز المبادرة على مبادئ المشاركة والمواطنة والمساواة، وتستهدف الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع المغربي، من خلال دعم الأنشطة المدرة للدخل والتأهيل العنصر البشري. تتنوع مشاريع المبادرة بين تحسين البنية التحتية الأساسية وتقديم الدعم الاجتماعي وكذا تأهيل المناطق الفقيرة. وفي خطاب الملك بمناسبة إطلاق هذه المبادرة المواطنة، قال: “فقد قررت أن أخاطبك اليوم بشأن قضية تهم المغاربة جميعا في العمق. قضية تسائل كل المؤسسات، والفاعلين السياسيين والنقابيين، والاقتصاديين، والهيئات الجمعوية. بل إنها تشكل الهاجس الملح لكافة الأسر والمواطنين. إن الأمر يتعلق بالمعضلة الاجتماعية، التي نعتبرها بمثابة التحدي الأكبر، لتحقيق مشروعنا المجتمعي التنموي، والتي قررنا، بعون الله وتوفيقه، أن نتصدى لها بإطلاق مبادرة طموحة وخلاقة، باسم “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”.”
ثانيا : برنامج الدعم الاجتماعي المباشر: تجسيد وطني لقيم التضامن الاجتماعي
من المبادرات المهمة والتي لقيت استحسانا أوساط الشعب المغربي، هي مبادرة الملك محمد السادس بخصوص برنامج الدعم الاجتماعي المباشر الذي يهدف إلى تقديم دعم مالي مباشر للأسر الفقيرة والمحتاجة في المغرب وتحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر ضعفاً وتحسين العدالة الاجتماعية. ورغم نقاش “المؤشر” الذي طبقته الحكومة المغربية والمطروح على ساحة النقاش العمومي، يبقى هذا البرنامج ذي بعد اجتماعي وتنموي مهم حيث خلف وقعا إيجابيا وجاء في وقت مناسب أمام ما تعرفه الساحة الاقتصادية الوطنية والدولية من ارتفاعات صاروخية للأسعار.
وفي خطاب توجيهي للملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، قال: “وسنشرع، بعون الله وتوفيقه، في نهاية هذه السنة، في تفعيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر. وتجسيدا لقيم التضامن الاجتماعي، الراسخة عند المغاربة، فقد قررنا ألا يقتصر هذا البرنامج، على التعويضات العائلية فقط؛ بل حرصنا على أن يشمل أيضا بعض الفئات الاجتماعية، التي تحتاج إلى المساعدة.”
ثالثا : ورش الحماية الاجتماعية: مشروع وطني كبير وغير مسبوق
في شق التنمية الاجتماعية أيضا، نجد حضور ورش ملكي مهم مرتبط بمشروع الحماية الاجتماعية الذي أطلقه الملك محمد السادس بهدف توفير تغطية صحية واجتماعية لجميع المغاربة، بما في ذلك الفئات الهشة والمحرومة. يهدف المشروع إلى تحسين مستوى المعيشة وترسيخ العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني.
يرتكز المشروع تعميم التغطية الصحية وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية وتحسين الخدمات الصحية، وهذا الورش كان حاضرا في خطاب الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة، حيث قال: “إننا نحرص دائما على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية، بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين. لذلك، دعونا لتعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة وهو مشروع وطني كبير وغير مسبوق، يرتكز على أربعة مكونات أساسية: أولا: تعميم التغطية الصحية الإجبارية، في أجل أقصاه نهاية 2022، لصالح 22 مليون مستفيد إضافي، من التأمين الأساسي على المرض، سواء ما يتعلق بمصاريف التطبيب والدواء، أو الاستشفاء والعلاج. ثانيا: تعميم التعويضات العائلية، لتشمل ما يقارب سبعة ملايين طفل في سن الدراسة، تستفيد منها ثلاثة ملايين أسرة. ثالثا: توسيع الانخراط في نظام التقاعد، لحوالي خمسة ملايين من المغاربة، الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من معاش. رابعا: تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل، بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون على عمل قار.”
رابعا: مشروع التعليم والتكوين المهني والتشغيل : تحديات وأولويات
ورش التعليم والتكوين المهني هو جزء من استراتيجية مندمجة لإصلاح النظام التعليمي في المغرب. يهدف المشروع إلى إنماء التعليم والتكوين المهني لتحسين فرص الشباب في الحصول على وظائف تتماشى مع متطلبات سوق العمل. ورغم الصعوبات التي يعرفها هذا القطاع، إلا أن جلالة الملك يحرص على أن يكون من أولويات المغاربة، بحيث يشمل تصور الملك تحسين جودة التعليم، تطوير التكوين المهني، وتمثين الربط بين التعليم وسوق العمل. وفي رسالة ملكية بمناسبة انطلاق الموسم الدراسي الجديد، قال: “أؤكد مرة أخرى، على أهمية التكوين المهني، في تأهيل الشباب، وخاصة في القرى، وضواحي المدن، للاندماج المنتج في سوق الشغل، والمساهمة في تنمية البلاد.” وهو بذلك يؤكد على مسألة المجال بعلاقتها بقضية التعليم. وكما يقال المناسبة شرط، لابد من الإشارة لقلق ملك البلاد من هذا الموضوع، وهو ما أكده في الخطاب الملكي السامي الموجه إلى الأمة يوم 20 غشت 2018 بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لثورة الملك والشعب، حيث قال جلالة الملك ” ورغم المجهودات المبذولة، والأوراش الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية المفتوحة، فإن النتائج المحققة، تبقى دون طموحنا في هذا المجال. وهو ما يدفعنا، في سياق نفس الروح والتوجه، الذي حددناه في خطاب العرش، إلى إثارة الانتباه مجددا، وبكل استعجال، إلى إشكالية تشغيل الشباب، لاسيما في علاقتها بمنظومة التربية والتكوين.
إذ لا يمكن أن نقبل لنظامنا التعليمي أن يستمر في تخريج أفواج من العاطلين، خاصة في بعض الشعب الجامعية، التي يعرف الجميع أن حاملي الشهادات في تخصصاتها يجدون صعوبة قصوى في الاندماج في سوق الشغل. وهو هدر صارخ للموارد العمومية، ولطاقات الشباب، مما يعرقل مسيرات التنمية، ويؤثر في ظروف عيش العديد من المغاربة…
….. ومن أجل التصدي للإشكالية المزمنة، للملاءمة بين التكوين والتشغيل، والتخفيف من البطالة، ندعو الحكومة والفاعلين لاتخاذ مجموعة من التدابير، في أقرب الآجال، تهدف على الخصوص إلى : سادسا : وضع برنامج إجباري على مستوى كل مؤسسة، لتأهيل الطلبة والمتدربين في اللغات الأجنبية لمدة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وتعزيز إدماج تعليم هذه اللغات في كل مستويات التعليم، وخاصة في تدريس المواد التقنية والعلمية…”
- ورش العدالة والإصلاح المؤسساتي والحقوقي: جهود وطنية وإشادة دولية
يشكل موضوع العدالة والإصلاح المؤسساتي والحقوقي أحد المحاور الرئيسية في سياسة الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش. كانت بداية هذه الجهود مع مشروع إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة كان خطوة مهمة في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان السابقة وإعلاء المصالحة الوطنية. هذه المبادرات حظيت بإشادة دولية، وعززت من مكانة المغرب كدولة ملتزمة بحقوق الإنسان وسيادة القانون وتعززت أيضا مع إصلاح منظومة القضاء الذي أطلق سنة 2008، بهدف تحديث النظام القضائي وترسيخ العدالة والشفافية والمساواة أمام القانون. واستمرت هذه الجهود من خلال إصلاحات دستورية سنة 2011 ساهمت في ترسيخ الديمقراطية والشفافية والمساواة.
خامسا : ورش رد الاعتبار للثقافة الأمازيغية: النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية
يعتبر ورش رد الاعتبار للثقافة الأمازيغية أحد الانفراجات المهمة في تاريخ المغرب الحديث، حيث شكل هذا الورش محطة مهمة ساهمت في حماية الهوية الثقافية واللغوية الأمازيغية في المملكة. ركز هذا المشروع على إدماج اللغة الأمازيغية في التعليم والإعلام والحياة العامة، مما أتاح لها مساحة أكبر للتعبير والتطور. وقد تجسد هذا الاهتمام الملكي من خلال السياسات والتوجيهات التي تضمنتها خطبه السامية، ما ساهم في نشر اللغة والثقافة الأمازيغية بشكل أوسع وأعمق.
عبر الملك محمد السادس عن التزامه العميق بهذه القضية في العديد من المناسبات، ومن أبرزها الرسالة الملكية بمناسبة وضع الطابع الشريف على الظهير المحدث والمنظم للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. في هذه الرسالة، أكد الملك أن “النهوض بالأمازيغية مسؤولية وطنية”، مشددًا على أن الثقافة الوطنية لا يمكنها التنكر لجذورها التاريخية. كما دعا الملك إلى انفتاح الثقافة الأمازيغية ورفض الانغلاق، باعتبار أن التطور والازدهار الحضاري يعتمد على التمسك بالجذور والانفتاح في آن واحد.
يعد خطاب أجدير أحد المحطات البارزة في مسيرة الاعتراف بالثقافة الأمازيغية. في هذا الخطاب التاريخي، جدد الملك محمد السادس التأكيد على أن الأمازيغية جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية للمغرب، وأن الاهتمام بها يعكس حرص المملكة على احترام تنوعها الثقافي وتاريخها العريق. أطلق هذا الخطاب ديناميكية جديدة للثقافة الأمازيغية على جميع الأصعدة، مما ساهم في إعلاء الوحدة الوطنية من خلال احترام وتقدير التنوع الثقافي.
سادسا: مشروع هيئة الإنصاف والمصالحة: تعزيز المصالحة الوطنية.
ورش كبير، يعتبر من أهم الأوراش الحقوقية ومرجعا في القانون الدولي الإنساني، وهو ورش الإنصاف والمصالحة الذي أطلقه الملك سنة 2004 بهدف معالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في الماضي وتثمين المصالحة الوطنية. تم إنشاء الهيئة كجزء من جهود المغرب في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.
وتعد هيئة الإنصاف والمصالحة هيئة غير قضائية أنشئت لتصفية ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب من 1956 إلى 1999، وذلك بالكشف عن حقيقة حالات الإخفاء القسري والاعتقال السياسي وتعويض الضحايا، وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات. نشأت الهيئة في إطار سلسلة من الإجراءات التي بدأت في التسعينيات من عهد الملك الحسن الثاني وتكرست في عهد الملك محمد السادس، ضمن مساعي تحقيق انفراج سياسي وتحسين صورة المغرب دولياً بعد سنوات من الاحتقان والصراع مع المعارضة.
هدفت الهيئة إلى جمع الشهادات والوثائق المتعلقة بالانتهاكات، وتنظيم جلسات استماع، وتعويض الضحايا وأسرهم مادياً ومعنوياً، وتقديم توصيات للحكومة لإصلاح المؤسسات ومنع تكرار الانتهاكات. قدمت الهيئة تقريراً شاملاً يتضمن توصيات لإصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية والتوعية بشأن حقوق الإنسان، مما ساهم في ترسيخ قيم المصالحة والعدالة وبناء مجتمع يحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون. حظيت تجربة الهيئة بإشادة دولية واعتبرت نموذجاً للعدالة الانتقالية في العالم العربي والإفريقي.
وهنا نستحضرخطاب الملك بمناسبة الرسالة الملكية بمناسبة انتهاء مهمة هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث قال: “لقد أقدمنا، بكل شجاعة وحكمة وثبات، على استكمال التسوية المنصفة لماضي انتهاكات حقوق الإنسان، التي أطلق مسارها الرائد، منذ بداية التسعينيات، والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه. وإننا لنستحضر، بكل خشوع وإجلال، إلحاحه، أكرم الله مثواه، من أعلى منبر البرلمان، في آخر افتتاح له، للدورة النيابية لأكتوبر 1998، على الطي النهائي لكل الملفات العالقة.”
سابعا : مشروع ورش إصلاح منظومة القضاء : تحديث النظام القضائي المغربي
مشروع ورش إصلاح منظومة القضاء من أبرز مقومات نهج الحكم الملكي، حيث سعى الملك إلى تحديث النظام القضائي المغربي وتعزيز العدالة والشفافية والمساواة أمام القانون. يركز هذا الورش إلى تطوير البنية التحتية للمحاكم، تحسين ظروف عمل القضاة، وتحديث القوانين والإجراءات القضائية، بالإضافة إلى ضمان فصل السلطات واستقلالية القضاء. وفي خطاب الملك بمناسبة الذكرى التاسعة لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، قال: “النهج القويم للإصلاح يرتكز على ترسيخ ثقة المواطن في سيادة القانون والأمن القضائي. ومن هنا، نحرص على مواصلة تحديث جهاز القضاء وصيانة استقلاله وتخليقه، ليس فقط لإحقاق الحقوق ورفع المظالم، وإنما أيضاً لتوفير مناخ الثقة والأمن القضائي، كمحفزين على التنمية والاستثمار.”
ثامنا: مشروع الإصلاحات الدستورية : دستور الحقوق والحريات
مشروع الإصلاحات الدستورية لسنة 2011، الذي أطلقه الملك محمد السادس، بعد التفاعل الإيجابي مع مطالب الحراك المجتمعي، هذا الورش يمثل إحدى الخطوات الكبرى في مسيرة الإصلاحات السياسية والمؤسساتية في المغرب. جاءت هذه الإصلاحات في سياق حراك اجتماعي وسياسي، حيث استجاب الملك لمطالب الشعب بضرورة تحديث الدستور المغربي وترسيخ الديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد. تضمنت الوثيقة الدستورية الجديدة توسيع صلاحيات البرلمان والحكومة، وتكريس حقوق الإنسان وفصل السلطات، مما عزز من نظام الحكم الديمقراطي في المملكة.
أحد أبرز ملامح هذه الإصلاحات هو تطوير حقوق الإنسان وتأكيد استقلالية القضاء. حيث كرست الوثيقة الدستورية حقوق المواطنين في حرية التعبير والصحافة والمساواة، مع التركيز على حماية حقوق المرأة والأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. كما تم العمل بمبدأ فصل السلطات لضمان نزاهة القضاء واستقلاليته، مما يساهم في إرجاع ثقة المواطنين في النظام العدلي.
ركزت الإصلاحات أيضاً على الجهوية واللامركزية كجزء من تصور الملك لتحقيق تنمية مستدامة. تهدف الجهوية الموسعة إلى تمكين الجهات من اتخاذ قراراتها بشكل مستقل وتطوير اقتصاداتها المحلية، مما يعزز التكامل التنموي الوطني ويتيح للجهات تحديد احتياجاتها وأولوياتها. أكد الملك في خطابه على أهمية هذه الجهوية كوسيلة لتحقيق التوازن والتنمية المستدامة في مختلف مناطق المملكة.
تعتبر الإصلاحات الدستورية لسنة 2011 نموذجاً في التكيف مع التحولات السياسية والاجتماعية، حيث جاءت كاستجابة ذكية لمطالب الشعب بالتغيير. شملت هذه الإصلاحات مسألة الشفافية ومكافحة الفساد، والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية، مما يعكس التعددية الثقافية في المغرب. تعكس هذه الإصلاحات التزام الملك محمد السادس بتحقيق تقدم شامل للمملكة، وتضع أسساً قوية لبناء دولة حديثة تعتمد على سيادة القانون وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.
وفي خطاب الملك بمناسبة الخطاب الملكي حول مشروع الدستور الجديد، قال: “يندرج المحور العاشر، المتمثل في التكريس الدستوري للمغرب الموحد للجهات. مغرب يقوم على لامركزية واسعة، ذات جوهر ديمقراطي، في خدمة التنمية المندمجة، البشرية والمستدامة، وذلك في نطاق وحدة الدولة والوطن والتراب، ومبادئ التوازن، والتضامن الوطني والجهوي.”
تاسعا: مشروع الإصلاح الإداري :تحديث الإدارة وتحسين جودة الخدمات
مشروع الإصلاح الإداري من بين التحديات الكبيرة والأوراش الهيكلية الهادفة إلى تحديث الإدارة العامة في المغرب وتوطين قيم الشفافية والكفاءة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. يركز المشروع على تبسيط الإجراءات الإدارية، تحسين أداء الموظفين العموميين، و استخدام التكنولوجيا في الإدارة العامة. وفي خطاب للملك بمناسبة الرسالة الملكية إلى المشاركين في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا، في فبراير 2018 قال: ” فعندما نتكلم عن الإدارة العمومية، بقسوة أحيانا، وننتقد أداءها وضعف نجاعتها، فهذا لا يعني أنها لا تقوم بدورها، أو يعني تبخيس الكفاءات التي تتوفر عليها، والجهود المبذولة للارتقاء بعملها، لأننا نعرف التطور الملحوظ الذي تعرفه منذ سنوات، والمنجزات المتميزة والأوراش الكبرى التي ساهمت في تحقيقها. وإنما نريد الرفع من أدائها، وتوجيهها للتكيف مع المتغيرات الوطنية، واستيعاب التطورات العالمية، والمساهمة في رفع التحديات التنموية التي تواجه بلادنا. لذا، ما فتئنا نلح على ضرورة إصلاح الإدارة، وتأهيل مواردها البشرية، باعتباره خيارا استراتيجيا لبلادنا، سيساهم لا محالة في إرساء الركائز الأساسية للنموذج التنموي الذي نطمح إليه، وفي جعل الإدارة أداة فاعلة في تطوير السياسات العمومية في مختلف المجالات.
- ورش التنمية الجهوية والمحلية: تقوية اللامركزية وتطوير الجهات
في إطار اللامركزية وتطوير الجهات، أطلق الملك محمد السادس مشروع الجهوية المتقدمة عام 2014. ويهدف هذا الورش إلى تمكين الجهات من اتخاذ قراراتها بشكل مستقل وتطوير اقتصادها المحلي. من خلال هذا النهج، يسعى الملك إلى تحقيق تنمية مستدامة تشمل كافة المناطق، مع التركيز على تحقيق العدالة المجالية وتقليص الفوارق بين المناطق الحضرية والقروية. هذا التوجه يعزز من كفاءة إدارة الشأن المحلي ويحفز المشاركة الفعالة للمواطنين في عملية التنمية.
عاشرا: مشروع الجهوية المتقدمة: تعزيز أدوار اللامركزية الترابية
ورش الجهوية المتقدمة يهدف إلى تفعيل اللامركزية وتطوير الجهات في المغرب، مما يمكنها من اتخاذ قراراتها بشكل مستقل وتطوير اقتصادها المحلي. يركز هذا المشروع على تمكين الجهات من تحقيق التنمية المستدامة من خلال تطوير البنية التحتية وتقديم الدعم المالي والفني.
وفي رسالة وجهها جلالة الملك محمد السادس، إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة، يوم الجمعة 20 دجنبر 2019 بأكادير، قال جلالة الملك “لقد قطع مسلسل الجهوية المتقدمة أشواطا هامة، منذ تنصيبنا للجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة، التي شكلت خلاصات تقاريرها أسس بناء النموذج المغربي، الذي يرتكز على المساهمة الفعلية للجهات وللجماعات الترابية في خلق التنمية المندمجة، على أساس الديمقراطية والفعالية والتشاركية:
وقد خطى المغرب مجموعة من الخطوات في إطار ورش اللامركزية الإدارية وتمكين الجهات من الإمكانيات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة على المستوى المحلي. كما نتذكر في هذا المضمار مضمون الرسالة الملكية إلى المشاركين في الدورة ال31 لمجلس وزراء الداخلية العرب، حيث قالت الرسالة السامية: “حرصنا على إقرار تنظيم ترابي جديد، يقوم على اللامركزية، وأطلقنا ورش الجهوية المتقدمة؛ غايتنا ترسيخ نهج الحكامة الترابية الرشيدة، والتأسيس لمنظومة تدبير ديمقراطي للشأن المحلي، عمادها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مندمجة.”
أحد عشر: تطوير الأقاليم الجنوبية: منظور تنموي متكامل
لم تقتصر الجهود الملكية على العمل التعاوني الخارجي فقط، بل شملت أيضًا التنمية الداخلية في الأقاليم الجنوبية. من خلال مشاريع البنية التحتية الكبيرة، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، وتطوير البنية التحتية السياحية والفلاحية، بغية تحسين الظروف المعيشية للسكان و اندماج الأقاليم الجنوبية في الاقتصاد الوطني.
هذه الجهود التنموية تسهم في خلق واقع اقتصادي واجتماعي مستقر ومزدهر في الأقاليم الجنوبية، مما يعزز من موقف المغرب في الدفاع عن سيادته على هذه المناطق.
مشروع تطوير الأقاليم الجنوبية هو مبادرة استراتيجية أطلقها الملك محمد السادس بهدف تحويل الأقاليم الجنوبية للمملكة إلى قاطرة للتنمية الإقليمية من خلال استثمار المؤهلات البحرية وتنفيذ مشاريع كبرى لتعزيز البنية التحتية والتنمية الاقتصادية. ودعم القطاعات الحيوية. وبالفعل فتتنمية الأقاليم الجنوبية كان أولوية لدى المؤسسة الملكية، ونذكر هنا خطاب الملك بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء، حيث قال: “وتعزيزا لهذا المسار، فإننا حريصون على استكمال بلورة وتفعيل النموذج التنموي الجهوي لأقاليمنا الجنوبية، الذي رفعه إلى نظرنا السامي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. إن الأمر لا يتعلق بمجرد اقتراح حلول ترقيعية لظرفية طارئة، أو مشاريع معزولة لا رابط بينها، وإنما بمنظور تنموي متكامل، يرتكز على تحليل موضوعي لواقع الحال بأقاليمنا الجنوبية، ويهدف للتأسيس لسياسة مندمجة، على المدى البعيد، في مختلف المجالات.”
إثني عشر: ورش سياسة المدن الذكية : التهيئة المجالية والحضارية
برنامج المدن الذكية، ساهم بشكل كبير في خلق فرص تنمية داخل مجموعة كبيرة من المدن، وهذا النهج لازال قائما ومستمرا، بحيث يهدف إلى تحويل المدن المغربية إلى مدن ذكية تعتمد على التهيئة المجالية والحضارية واعتماد التكنولوجيا الحديثة لتحسين الخدمات العامة والرفع من جودة الحياة للمواطنات والمواطنين. يركز البرنامج على مخططات للتنمية دامجة لتحسين الخدمات العامة وتعزيز الاستدامة، ودعم الاقتصاد الرقمي. الأمر كان حاضرا بشكل قوي في تصورات وتوجيهات الملك، حيث أكد في رسالة ملكية موجهة إلى المشاركين في أشغال المنتدى الوزاري العربي الثاني للإسكان والتنمية الحضرية، قال: “كما ندعوكم إلى التفكير في اعتماد آليات جديدة ومبتكرة، لصياغة منظومة حضرية جديدة، تتوخى تمكين مواطنينا من مقومات العيش الجيد، بما يعنيه من سكن لائق يحفظ الكرامة الإنسانية، وبيئة نظيفة تنسجم وضرورات النمو الاقتصادي، وتخطيط عمراني ذكي يكون الإنسان منطلقه وغايته.”
4 ورش الطاقة والاستدامة البيئية: إلتزام دولة
تعد الطاقة والاستدامة البيئية من المحاور الاستراتيجية في توجه المؤسسة الملكية إلى التنمية. فمنذ إطلاق مشروع الطاقة الشمسية “نور” في عام 2009، سعى المغرب إلى استخدام الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. هذا المشروع الطموح يعكس التزام المملكة بتحقيق الاستدامة البيئية وتوفير طاقة نظيفة ومستدامة. إضافة إلى ذلك، أطلقت المملكة الاستراتيجية الوطنية للطاقة في عام 2011 التي تهدف إلى زيادة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتقليل انبعاثات الكربون. هذه الجهود تعزز من مكانة المغرب كدولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة، وتسهم في مواجهة التحديات البيئية العالمية.
ثلاثة عشر: الاستراتيجية الوطنية للطاقة : طاقة متجددة لتحقيق التنمية
الاستراتيجية الوطنية للطاقة، شكلت محورا مهما من سياسة الحكم الرشيد لملك البلاد والتي سعت إلى زيادة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الوطني وتحسين كفاءة استخدام الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون. تركز الاستراتيجية على الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح لتحقيق الاستدامة البيئية.
تشمل الأهداف الرئيسية للاستراتيجية زيادة نسبة الطاقة المتجددة، تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وتقليل انبعاثات الكربون. في خطاب الملك بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، قال: “وفي هذا الصدد، ينبغي الانخراط القوي في تنفيذ استراتيجية النجاعة الطاقية، لاسيما الطاقات المتجددة والنظيفة؛ وذلك بمواصلة الاستغلال الأمثل للطاقة الريحية، وتعميم محطاتها على كل المناطق الملائمة ببلادنا. وفي نفس السياق، يتعين الإقلاع القوي بمشروعنا الكبير، لإنتاج الطاقة الشمسية، الذي رصدنا له وكالة مختصة، واستثمارات ضخمة؛ داعين لمضاعفة الجهود، لجلب شراكات مثمرة، لإنجاز هذا المشروع الرائد عالميا.”
أربعة عشر: مشروع الطاقة الشمسية : طاقة نظيفة ومستدامة
مشروع الطاقة الشمسية هو جزء من استراتيجية المغرب من خلال استخدام الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. واشتغل المغرب بقيادة ملكه على وضع مشاريع ريادية في مجال الطاقة الشمسة، وخير دليل، مشروع “نور” الذي يعد واحدًا من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في العالم. يهدف المشروع إلى تحقيق الاستدامة البيئية وتوفير طاقة نظيفة ومستدامة.
وفي خطاب الملك محمد السادس الموجه إلى المشاركين في قمة كوينهاغن حول المناخ، قال: “وفي هذا الصدد، أطلقنا برنامجا مندمجا وموسعا لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، من خلال بناء محطات بقوة إجمالية قدرها: 2000 ميكاوات. وسيمكن هذا المشروع الضخم، الذي يعد من أكبر البرامج على الصعيد العالمي، من رفع نسبة الطاقات المتجددة لتشكل 42 % من الطاقة الكهربائية بالمغرب، في أفق سنة 2020، وكذا تفادي انبعاث ما يعادل 3.7 مليون طن من أوكسيد الكاربون سنويا.”
خمسة عشر: مشروع البيئة والتنمية المستدامة: سياسات ومبادرات من أجل البيئة
مشروع البيئة والتنمية المستدامة هو مبادرة استراتيجية أطلقتها المملكة المغربية لمواجهة التحديات البيئية وتحقيق التنمية المستدامة. يهدف المشروع إلى تبني سياسات ومبادرات تحافظ على البيئة ومكافحة التغير المناخي وكذا الحفاظ على الموارد الطبيعية. وما يشكل هذا الاهتمام الكبير للملكة بموضوع التغيرات المناخية والبيئية هو الحضور القوي لهذه التحديات في خطب جلالة الملك وحرصه على أن تكون من أولويات السياسة العامة للدولة، وخير دليل على هذا التشبث، ما قاله الملك في خطابه السامي خلال الجلسة الرسمية رفيعة المستوى لمؤتمر كوب 22 في 14 من شهر نونبر 2016، حيث أكد، أن تنظيم هذا المؤتمر العالمي بالمغرب للمرة الثانية بعد دورة 2001، يعكس تشبثنا بالاطار متعدد الاطراف، لمقاربة التحديات الدولية. وما احتضان مراكش اليوم لهذا المؤتمر، إلا دليل على الاهتمام الكبير الذي نخص به قضايا البيئة والمناخ ضمن اولويات المملكة. فبلادنا، يضيف جلالة الملك، تعتبر من بين أول الدول التي ساهمت في بلورة وعي عالمي بشأن تغير المناخ، ودلك منذ مشاركتي في قمة الارض ب “ريو” سنة 1992 ، حيث تراست آنذاك بصفتي ولي العهد وفد المغرب. أما اليوم، فان مؤتمر مراكش يشكل، منعطفا حاسما في مسار تنفيذ اتفاق باريس التاريخي. فالبشرية جمعاء، تعلق آمالا عريضة، على القرارات التي سيتخذها، فهي تنتظر أكثر من مجرد الإعلان عن التزامات ومبادئ للحد من الاحتباس الحراري والتخفيف من اثاره. وإنما تتطلع الى قرارات تساهم في إنقاذ مستقبل الحياة على الارض، والاقدام على مبادرات ملموسة، وتدابير عملية، تصون حقوق الاجيال القادمة. كما أن الموضوع أيضا كان محط خطاب الملك بمناسبة الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر العالمي السابع للتربية البيئية بمراكش في التاسع من شهر يونيو 2013، حيث قال جلالة الملك: “بيد أن الانتقال نحو التنمية المستدامة، لا يتطلب فقط تعبئة الوسائل والآليات التقنية والقانونية والمالية الضرورية، وإنما يقتضي بالأساس تحولا جذريا في أساليب ومناهج تفكيرنا وعملنا. ولن يتأتى هذا التحول المنشود، إلا بالاستثمار الأمثل في مجال الموارد البشرية والاجتماعية.”
- ورش تطوير البنية التحتية: الأساس المتين لتنمية اقتصاد الوطن
تعتبر البنية التحتية العمود الفقري لأي اقتصاد قوي ومستدام. ومن هذا المنطلق، أطلق الملك محمد السادس العديد من المشاريع الطموحة لتحسين البنية التحتية في المغرب. من أبرز هذه المشاريع مشروع القطار الفائق السرعة “البراق” الذي يهدف إلى تحسين شبكة النقل وتسهيل التنقل بين المدن، وتطوير البنية التحتية للموانئ وجذب الاستثمارات الأجنبية. هذه المشاريع تهدف إلى تحسين الربط الإقليمي والدولي، وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تحسين كفاءة النقل وتسهيل حركة البضائع والأشخاص. هذه الجهود تؤكد على فلسفة الملك في بناء اقتصاد قوي ومترابط يعتمد على بنية تحتية متطورة ومتكاملة.
ستة عشر: مشروع البراق: القطار الفائق السرعة الذي قرب المسافات الاقتصادية والاجتماعية
مشروع القطار الفائق السرعة “البراق” يهدف إلى تحسين شبكة النقل في المغرب من خلال توفير وسائل نقل سريعة وآمنة. يسعى المشروع إلى تحفيز الاقتصاد من خلال تحسين الربط بين المدن وتسهيل التنقل. وتحقيق التنمية المستدامة. ففي فبراير 2010 حرصت المملكة على التوقيع تحت رئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس على البرنامج التعاقدي بين الدولة والمكتب الوطني للسكك الحديدية 2015 – 2010 واتفاقية تمويل مع صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي يوليوز 2010، تمت المصادقة البيئية للمشروع من طرف اللجنة الوطنية لدراسة التأثيرات وفي دجنبر 2010، التوقيع تحت رئاسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على 6 اتفاقيات خاصة بتمويل المشروع والصفقة الخاصة باقتناء القطارات الفائقة السرعة، وهو مايدل الاهتمام الكبير والبالغ الذي يوليه ملك البلاد لمثل هذه المشاريع الاستثمارية الكبرى المرتبطة بتطوير البنية التحتية للملكة، خاصة أن أثر هذا المشروع بعد 14 سنة من اليوم يتضح أثره الإيجابي الكبير لا على المستوى الاقتصادي ولا على المستوى الاجتماعي.
سبعة عشر: تطوير البنية التحتية وانشاء المركب الميناني الكبير طنجة-المتوسط
ورش تطوير البنية التحتية وإنشاء الموانئ يشكر فخرا كبيرا للمكلة المغربية بحرص أعلى قمة في هرم الدولة على تبني سياسة دولتية ذات الصلة بهذا الورش والذي يهدف إلى تحسين قدرات المغرب اللوجستية وتقوية مكانته كمركز لوجستي إقليمي ودولي. وبناء على بحث في مجموعة من المواقع الالكترونية الرسمية وجدت أن هذا الورش يكتسي أهمية بالغة من خلال تطوير وتوسيع الموانئ الحالية وبناء موانئ جديدة وتحسين البنية التحتية الداعمة مثل الطرق والسكك الحديدية. وفي خطاب الملك بمناسبة الذكرى 44 للمسيرة الخضراء، قال جلالته: “وقد أولينا أهمية خاصة أيضا لتحديث وتقوية البنى التحتية لبلدنا من خلال إطلاق وإنجاز مشاريع هيكلية. نذكر منها على وجه الخصوص. المركب الميناني الكبير طنجة-المتوسط. وذلك بهدف إعطاء دفعة قوية لمؤهلاتنا اللوجستيكية والرفع من قدراتنا التنافسية.”
ثمانية عشر: ميناء الداخلة الأطلسي: واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري
يُعتبر ميناء الداخلة الأطلسي الجديد من المشاريع التنموية البارزة ضمن النموذج الجديد لتنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، الذي يأتي وفقاً للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله. هذا الميناء يعد تجسيداً لرؤية ملكية طموحة تهدف إلى تحويل المنطقة إلى واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي، وذلك في إطار تنمية الأقاليم الجنوبية.
ويأتي هذا المشروع كجزء من الجهود المستمرة لتطوير البنية التحتية البحرية في المملكة، بما يعزز من مكانة المغرب كجسر بين أوروبا وأفريقيا، ويساهم في تحقيق الاندماج الاقتصادي الإقليمي. الميناء الجديد يُشكل إضافة استراتيجية هامة إلى ميناء طنجة-المتوسط، ويعزز التوجه نحو بناء اقتصاد بحري قوي في الجنوب المغربي، ما يجعله محوراً رئيسياً للتنمية الاقتصادية والبحرية في المنطقة.
هذا المشروع الضخم، الذي تم توقيع اتفاقية خاصة به أمام جلالة الملك في فبراير 2016، يأتي في إطار التعليمات الملكية السامية التي شدد عليها جلالته في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء. وأكد جلالة الملك في خطابه قائلاً: “وانطلاقاً من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي. فإضافة إلى ميناء طنجة-المتوسط، الذي يحتل مركز الصدارة بين موانئ إفريقيا، سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي في تعزيز هذا التوجه”.
وأضاف جلالته: “سنواصل العمل على تطوير اقتصاد بحري حقيقي في هذه الأقاليم العزيزة علينا، نظراً لما تتوفر عليه من موارد وإمكانات في برها وبحرها، مما يجعلها جسراً وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي”.
- ورش الحفاظ على التراث الثقافي و تأهيل الحقل الديني: تنوع ثقافي ومواطنة مشتركة
الحفاظ على التراث الثقافي وتأهيل الحقل الديني يعدان من أهم أولويات الملك محمد السادس. تهدف هذه الجهود إلى حماية الهوية الثقافية للمغرب، التي تتسم بالتنوع والغنى. من خلال مشروع الحفاظ على التراث الثقافي الذي أطلق في عام 2022، يسعى الملك إلى حماية المواقع التاريخية والحرف التقليدية وتوثيق التراث الثقافي. إضافة إلى ذلك، يركز مشروع تأهيل الحقل الديني على تطوير الخطاب الديني وترسيخ قيم التسامح والوسطية في المجتمع المغربي. هذه المبادرات تعكس التزام الملك بالحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للمملكة، وتعزيز التعايش والتسامح بين مختلف مكونات المجتمع.
تسعة عشر: الحفاظ على التراث الثقافي : إلتزام تاريخي للوطن
في المملكة المغربية، حرص ملك البلاد طيلة ربع قرن على أن يلعب ورش الحفاظ على التراث الثقافي دورًا حيويًا في مسألة الهوية الوطنية والتنمية المستدامة وحماية المواقع التاريخية وتوثيق التراث الثقافي، وفي خطاب الملك بمناسبة الرسالة الملكية إلى المشاركين في الدورة الـ17 للجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لليونيسكو، قال: “إن المملكة المغربية، التزاما منها بالنهوض بالتراث الثقافي غير المادي، تقوم بدور هام في حمايته، سواء عبر تطوير ترسانتها القانونية في هذا المجال، والمشاركة الفاعلة في تنزيل مضامين اتفاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي، التي ساهمت في صياغتها؛ أو من خلال العمل على إعداد قوائم جرد للتراث، وجعلها إرثا إنسانيا حيا، انسجاما مع روح هذه الاتفاقية.”
وما يبرز أهمية سياسة الدولة في هذا المجال هو تعدد المؤسسات والوكالات التي تساهم في هذا الجهد من خلال برامج ومشاريع تهدف إلى حماية وصيانة المواقع التاريخية والثقافية، وتنمية الوعي بأهمية التراث بين الأجيال الحالية والمستقبلية. وهنا نعطي بعض الأمثلة عن هذه المؤسسات، وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس (ADER-Fès – Mèknes)ومكناس تُعَدّ واحدة من أبرز هذه الوكالات، حيث تركز جهودها على صيانة وترميم المواقع التاريخية والثقافية في مدينة فاس ومكناس، المدينتين العريقتين التي تُعَدّان إحدى أقدم المدن الإسلامية ومركزًا للعلم والثقافة. تعمل الوكالة على الحفاظ على المآثر العمرانية والمباني القديمة، بما في ذلك المساجد والمدارس العتيقة والحمامات والأسواق التقليدية، لضمان استدامتها واستمرارية دورها في الحياة الثقافية للمدينة. كما أنشئ معهدا متخصصا في الموضوع وهو المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث (INSAP) يلعب دورًا مهمًا في البحث العلمي والتعليم في مجالات الآثار والتراث. يهدف المعهد إلى تدريب الأطر المتخصصة وتطوير مهاراتهم في مجالات الحفريات الأثرية، والترميم، وإدارة المواقع التراثية. من خلال برامجه الأكاديمية والبحثية، يساهم المعهد في الفهم العلمي للتراث المغربي والحفاظ عليه. وكمثال آخر على هذا التوجه الثقافي والحضاري للمؤسسة الملكية، نذكر مؤسسة محمد السادس للتراث الثقافي والتي تُعَدّ من المؤسسات الرائدة التي تعمل على الحفاظ على التراث الثقافي المغربي. بحيث تسعى المؤسسة من خلال برامجها ومشاريعها المتنوعة إلى حماية التراث الثقافي المادي واللامادي، وتشجيع المشاركة المجتمعية في جهود الحفاظ على التراث.
بالإضافة إلى هذه المؤسسات، تلعب الوكالات الحضرية والجمعيات غير الحكومية دورًا محوريًا في الحفاظ على التراث الثقافي في مختلف المدن والمناطق المغربية. هذه الهيئات تعمل على تنفيذ مشاريع الترميم والحفاظ، وتنظيم الفعاليات الثقافية والتوعوية التي تهدف إلى إشراك المجتمع المحلي في جهود حماية التراث.
تتجلى أهمية هذه المؤسسات والوكالات في قدرتها على تحقيق توازن بين الحفاظ على التراث الثقافي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. من خلال جهودها المتكاملة، تسهم هذه الهيئات في ضمان استدامة التراث الثقافي المغربي ونقله إلى الأجيال القادمة.
يتبع
+ باحث في قضايا الشباب والسياسات العمومية
التعليقات مغلقة.