الذكرى 25 لعيد العرش: صرامة الخطاب في مواجهة أزمة الماء | حدث كم

الذكرى 25 لعيد العرش: صرامة الخطاب في مواجهة أزمة الماء

+اسماعيل الحمراوي: في خطاب سامي ألقاه جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لتوليه عرش أسلافه الميامين، تطرق جلالته إلى العديد من القضايا الحيوية التي تواجه المملكة المغربية. كان من بين أبرز هذه القضايا إشكالية الماء، كما أشاد بالإنجازات التي حققتها البلاد في مجالات الإصلاحات السياسية والمؤسسية والتنموية، مشدداً على ضرورة تكثيف الجهود لمواجهة التحديات المستقبلية.

إشكالية الماء: تحديات وحلول

تصدرت قضية الماء محاور الخطاب الملكي، حيث أشار جلالته إلى أن المغرب يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالموارد المائية بسبب الجفاف والتغيرات المناخية والارتفاع الطبيعي للطلب. وأكد على أن ست سنوات متتالية من الجفاف قد أثرت بشكل عميق على الاحتياطات المائية وجعلت الوضعية أكثر هشاشة وتعقيداً. إشكالية موضوع الماء تناولها جلالة الملك في عدة مناسبات ملكية وشكلت اهتماماً محورياً لدى المؤسسة الملكية، ففي الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2019، أشار جلالته إلى أن الاحتياجات المائية المتزايدة والضغط على الموارد المائية تتطلب مزيداً من الاستثمار في البنية التحتية للمياه. وقد سجل المغرب حينها زيادة في الطلب على المياه بنسبة 30% على مدى العقد الماضي.

البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي

أشار جلالة الملك إلى البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي ساهم بشكل كبير في التخفيف من حدة الأزمة المائية. وقد خصص لهذا البرنامج ميزانية قدرها 115 مليار درهم، بهدف تحسين الوصول إلى المياه الصالحة للشرب ومياه السقي في المناطق القروية والحضرية. ووفقاً لتقرير وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، تم الانتهاء من بناء 20 سداً جديداً بين عامي 2017 و2022، مما أضاف طاقة تخزين إجمالية تقدر بـ 1.6 مليار متر مكعب.

مشاريع البنية التحتية والتحلية

شدد الملك محمد السادس على أهمية استكمال برنامج بناء السدود وتسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية. كما دعا إلى تسريع إنجاز محطات تحلية مياه البحر لتحقيق تعبئة أكثر من 1.7 مليار متر مكعب سنوياً، مما سيمكن المغرب من تغطية أكثر من نصف حاجياته من الماء الصالح للشرب بحلول عام 2030. كما نستحضر في هذه المناسبة خطاب عيد العرش لسنة 2018، حيث سبق لجلالة الملك أن أكد على ضرورة مواصلة سياسة بناء السدود، التي يعد المغرب رائداً فيها. وقد حرص المغرب على السير على هذا النهج، حيث تم بناء ثلاثين سداً من مختلف الأحجام خلال الثمانية عشر سنة الماضية.

نقل المياه بين الأحواض المائية

أبرز جلالة الملك في خطابه أهمية تسريع إنجاز المشاريع الكبرى لنقل المياه بين الأحواض المائية كجزء من الحلول المستدامة لمواجهة أزمة الماء. وأشار جلالته إلى ضرورة الاستفادة من الموارد المائية المتاحة في بعض الأحواض المائية عبر نقلها إلى الأحواض التي تعاني من نقص حاد. هذا المشروع الطموح يهدف إلى تحسين توزيع الموارد المائية على الصعيد الوطني، مما يساهم في تلبية احتياجات المناطق المتضررة وتحقيق التوازن في استغلال الموارد المائية.

الابتكار والصناعة الوطنية

أكد جلالة الملك على ضرورة تطوير صناعة وطنية في مجال تحلية المياه، وتكوين المهندسين والتقنيين المتخصصين، وتشجيع إنشاء مقاولات مغربية مختصة في إنجاز وصيانة محطات التحلية. وأشار إلى أن مشروع محطة الدار البيضاء لتحلية الماء سيكون الأكبر من نوعه في إفريقيا والثاني في العالم الذي يعمل 100% بالطاقة النظيفة.

الحفاظ على الموارد المائية

دعا الملك المواطنين والمؤسسات إلى ترشيد استخدام المياه وحمايتها، مشدداً على أهمية تفعيل شرطة الماء للحد من الاستغلال المفرط والضخ العشوائي. كما أكد على ضرورة التنسيق بين السياسة المائية والسياسة الفلاحية، واعتماد برنامج طموح لمعالجة وإعادة استعمال المياه لتلبية حاجيات السقي والصناعة. وفي هذا الصدد، نجدد التذكير أنه في خطاب عيد العرش 2018، سبق وأن تناول جلالة الملك إشكالية الماء، حيث قال: “المخطط الوطني للماء يجب أن يعالج مختلف الإشكالات المرتبطة بالموارد المائية خلال الثلاثين سنة القادمة. كما أن الحكومة والمؤسسات المختصة مطالبة باتخاذ تدابير استعجالية وتعبئة كل الوسائل لمعالجة الحالات الطارئة المتعلقة بالنقص في تزويد السكان بالماء الصالح للشرب وتوفير مياه سقي المواشي، خاصة في فصل الصيف.”

ورش تدبير المياه

في سياق الخطاب الملكي السامي للذكرى الخامسة والعشرين لعيد العرش المجيد، يجب التذكير أن ورش تدبير المياه هو مبادرة استراتيجية أطلقها جلالة الملك محمد السادس لمواجهة ندرة الموارد المائية وضمان توفير مياه الشرب للمناطق التي تعاني من نقص المياه، بما في ذلك المدن الكبرى والمناطق الجافة. يهدف المشروع إلى تحقيق التنمية المستدامة من خلال استغلال التكنولوجيا الحديثة لتحلية مياه البحر وتوفير مياه الشرب لتحقيق الأمن المائي. وفي هذا الصدد نسترجع خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة في 13 أكتوبر 2017، والذي تطرق فيه للإجراءات الاستباقية لمواجهة اشكالية ندرة المياه، حيث قال الملك: “وفي مواجهة هذا الوضع، بادرنا منذ شهر فبراير الماضي، باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية. وإدراكاً منا للطابع البنيوي لهذه الظاهرة ببلادنا، ما فتئنا نولي كامل الاهتمام لإشكالية الماء، في جميع جوانبها. وقد خصصنا عدة جلسات عمل لهذه المسألة، تكللت بإخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020 – 2027.”

تجسد اهتمام الملك محمد السادس بإشكالية الماء من خلال جلسات عمل متعددة. ففي جلسة يوم 18 أبريل 2019، بحيث أكد  جلالة الملك على أهمية التزود بالماء في المناطق الجنوبية والشمالية الشرقية، مشيراً إلى ضرورة بناء سدود كبرى مثل سد بني منصور. وفي جلسة أخرى يوم 16 يناير 2024، تم متابعة برنامج التزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، حيث أشار الملك إلى العجز في التساقطات ونسبة ملء السدود. وأكدت الإجراءات المتخذة على تحسين التزويد بالماء في الأقاليم من خلال مشاريع الربط بين الأحواض وتشغيل محطات تحلية المياه. وفي جلسة ثالثة في 16 يناير 2024، نوقشت إشكالية الماء وتم الكشف عن مخطط عمل استعجالي لضمان توفير المياه الصالحة للشرب، مع دعوة الحكومة إلى التواصل الشفاف مع المواطنين حول تطورات الوضعية المائية وزيادة الوعي بأهمية ترشيد استهلاك الماء.

تطوير الأقاليم الجنوبية

في سياق المناسبة السامية، تناول الخطاب الملكي موضوع تطوير الأقاليم الجنوبية، حيث أكد جلالة الملك أن محطات تحلية المياه، التي تم إنجازها، ساهمت في النهوض بقوة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة. لذا، نوجه الحكومة، يضيف جلالة الملك، لتوسيع محطة الداخلة، والرفع مستقبلاً من القدرة الإنتاجية للمحطات الأخرى؛ وذلك بالاعتماد على المؤهلات الكبيرة من الطاقات النظيفة، التي تتوفر عليها هذه الأقاليم. هذا التوجه يدل على حرص جلالة الملك على استكمال بلورة وتفعيل النموذج التنموي الجهوي لأقاليمنا الجنوبية، تعزيزاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بالصحراء الغربية المغربية. وهو ما سبق وأكده جلالة الملك في الخطاب السامي الذي وجهه للشعب المغربي بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء، حيث قال جلالته: “أما على المستوى الداخلي، وكما أكدت أكثر من مرة، فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي، في انتظار إيجاد الحل المنشود. بل سنواصل عملنا من أجل النهوض بتنمية أقاليمنا الجنوبية، وضمان الحرية والكرامة لأهلها. وفي هذا الإطار، سنواصل تطبيق النموذج التنموي الخاص بهذه الأقاليم، بموازاة مع تفعيل الجهوية المتقدمة، بما يتيح لساكنة المنطقة التدبير الديمقراطي لشؤونهم، والمساهمة في تنمية منطقتهم.”

القضية الفلسطينية

كما شكل موضوع دعم القضية الفلسطينية، التفاتة من جلالة الملك في خطاب الذكرى الخامسة والعشرين، حيث أكد جلالة الملك على دعم المغرب الثابت للشعب الفلسطيني. وأشار إلى فتح طريق غير مسبوق لإيصال المساعدات الغذائية والطبية الاستعجالية لأهالي غزة، مشدداً على ضرورة إيجاد حل نهائي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفق منظور حل الدولتين.

إشادة بالجهود الوطنية وقوى الأمن

أشاد جلالة الملك بالجهود التي تبذلها القوى الوطنية في القطاعين العام والخاص من أجل تقدم وتنمية البلاد. كما أشاد بتفاني القوات المسلحة الملكية والأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية في الدفاع عن وحدة وأمن واستقرار الوطن.

ختاماً، يعكس الخطاب الملكي التزام جلالة الملك محمد السادس بتعزيز التنمية المستدامة والتصدي للتحديات التي تواجه المملكة، لا سيما في مجال إدارة الموارد المائية. وقد دعا جلالته إلى تكثيف الجهود وتبني الابتكار لضمان مستقبل أفضل للمغرب ولشعبه، مشدداً على أهمية التضامن والعمل المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية.

إن الرؤية الاستراتيجية التي قدمها جلالة الملك تعكس الحرص الدائم على تحسين جودة الحياة لجميع المواطنين وضمان استدامة الموارد الطبيعية. إن التعامل مع إشكالية الماء ليس فقط ضرورة بيئية واقتصادية، بل هو أيضاً شرط أساسي لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة. ويظل التعاون بين جميع فئات المجتمع والمؤسسات الحكومية والخاصة هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات الراهنة وبناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة.

+باحث في قضايا الشباب والسياسات العمومية

التعليقات مغلقة.