إسماعيل الحمراوي:الملكُ محمدٌ السادس.. نهجُ حُكمٍ بعنوانِ سياسةِ الأوراشِ الكبرى.. قراءة وتحليل لمسار ربع قرن.. 2/2 | حدث كم

إسماعيل الحمراوي:الملكُ محمدٌ السادس.. نهجُ حُكمٍ بعنوانِ سياسةِ الأوراشِ الكبرى.. قراءة وتحليل لمسار ربع قرن.. 2/2

عشرون: مشروع تأهيل الحقل الديني: تطوير الخطاب الديني وتعزيز القيم المغربية

مشروع تأهيل الحقل الديني هو أحد المشاريع الهامة التي أطلقها الملك محمد السادس، والذي يهدف إلى تطوير الخطاب الديني وترسيخ قيم التسامح والوسطية في المجتمع المغربي. ويعتبر هذا المشروع، هو الآخر جزءًا من اهتمامات المؤسسة الملكية والتي تسعى إلى تحديث البنية الدينية في المغرب، بما يتماشى مع المبادئ الإسلامية السمحة وقيم المجتمع المغربي، ويهدف إلى تحصين البلاد من التطرف والإرهاب.

أحد الأهداف الرئيسية لورش تأهيل الحقل الديني هو تأهيل الأئمة والدعاة، حيث يتم التركيز على تدريبهم وتطوير مهاراتهم ليتسنى لهم تقديم خطاب ديني يتسم بالوسطية والاعتدال. كما يشمل هذا التأهيل برامج تدريبية متقدمة تهدف إلى تحسين فهم الأئمة والدعاة للقضايا الدينية والاجتماعية المعاصرة، وتمكينهم من التصدي لأفكار التطرف والإرهاب بنهج علمي ومستند إلى الشريعة الإسلامية السمحة.

إلى جانب تأهيل الأئمة والدعاة، يتضمن المشروع تطوير مناهج التعليم الديني في المدارس والمعاهد الدينية. تهدف هذه الخطوة إلى تحديث المناهج بما يتوافق مع التطورات الحديثة ومتطلبات العصر، مع الحفاظ على القيم الإسلامية الأساسية.

وفي هذا السياق، يعكس خطاب الملك محمد السادس أمام المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية الإقليمية رؤية جلالته نحو تأهيل الحقل الديني وتجديده. فقد أكد الملك على أن هذه الاستراتيجية هي نهج متكامل وشامل يهدف إلى الحفاظ على الهوية المغربية المتميزة بالوسطية والاعتدال. قال الملك في خطابه: “ها نحن اليوم، نشرع في إرساء وتفعيل ما سهرنا على إعداده، من استراتيجية مندمجة وشمولية، متعددة الأبعاد، ثلاثية الأركان، لتأهيل الحقل الديني وتجديده، تحصينا للمغرب من نوازع التطرف والإرهاب، وحفاظا على هويته المتميزة بالوسطية والاعتدال والتسامح.”

من خلال هذا المشروع، يسعى المغرب إلى تحقيق توازن بين تحديث الخطاب الديني والحفاظ على القيم الإسلامية الأصيلة. يعتبر هذا التوازن أمرًا حيويًا لضمان أن يبقى الدين عنصرًا إيجابيًا في حياة الناس، وأن يسهم في التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية.

  1. ورش تشجيع الاستثمار وتطوير القطاعات الحيوية: فرصة المغرب للإقلاع التنموي

تشجيع الاستثمار وتطوير القطاعات الحيوية يعدان من الركائز الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي والاستدامة في المغرب. تحت قيادة الملك محمد السادس، تم إطلاق العديد من المبادرات التي تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. من أبرز هذه المبادرات مشروع تشجيع الاستثمار الذي يهدف إلى تقديم حوافز استثمارية جذابة وإنماء الاقتصاد الوطني. كما أن مبادرة المغرب الأخضر والاستراتيجية الوطنية للسياحة تسعيان إلى تحديث القطاع الفلاحي و السياحي كقطاعات حيوية. هذه المبادرات تعكس بشكل جلي  جهود الملك في تحقيق تنمية اقتصادية مستمرة ومهيكلة، تخلق فرص عمل جديدة وتعزز من مكانة المغرب كوجهة استثمارية مفضلة.

واحد وعشرون: مشروع ورش تشجيع الاستثمار: تحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية

ورش تشجيع الاستثمار الذي أطلقه الملك محمد السادس يمثل جزءاً أساسياً من استراتيجية المملكة لإنماء الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة في المغرب. وفي الخطاب السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشر، يعكس الاهتمام الذي يوليه جلالته لمجال الاستثمار.

يهدف هذا المشروع إلى تحسين مناخ الأعمال من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتطوير البنية التحتية، وتقديم حوافز استثمارية متنوعة لجذب المستثمرين المحليين والأجانب. تشمل هذه الحوافز تخفيضات ضريبية، تسهيلات تمويلية، ودعماً فنياً وتقنياً، مما يعزز من جاذبية المغرب كوجهة استثمارية مفضلة.

يركز المشروع على تمثين التنافسية الاقتصادية للمغرب على الصعيد الدولي، من خلال تطوير المناطق الصناعية والتجارية في جميع أنحاء المملكة، بما في ذلك المناطق الصاعدة التي تحتاج إلى تنمية اقتصادية. كما يهدف إلى خلق فرص عمل جديدة للشباب، مما يسهم في تقليل معدلات البطالة وتحسين مستوى المعيشة. هذه الجهود تأتي في إطار السعي لتحقيق توازن إقليمي في التنمية الاقتصادية وتقليل الفوارق بين المناطق الحضرية والقروية.

يتضمن المشروع أيضاً تحسين البنية التحتية اللازمة لدعم الأعمال التجارية والاستثمارية، مثل تطوير الموانئ والمطارات والطرق السريعة والمناطق الصناعية الحرة مما يسهل حركة البضائع والأشخاص ويعزز من فعالية وسرعة العمليات التجارية. يساهم هذا بدوره في تحسين بيئة الأعمال وزيادة القدرة التنافسية للمغرب على المستوى العالمي، وجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية..

إثنان وعشرون: مبادرة المغرب الأخضر : تعزيز الأمن الغذائي وزيادة الإنتاجية

مبادرة المغرب الأخضر تهدف إلى تحديث القطاع الفلاحي في المغرب من خلال تحسين التكنولوجيا الفلاحية و دعم الفلاحين وتطوير البنية التحتية للمجال الفلاحي. يركز المشروع على تحسين الأمن الغذائي وزيادة الإنتاجية الفلاحية. وما يعكس الاهتمام الذي يوليه جلالة الملك لهذا الورش الكبير، نستحضر ماقاله جلالته في خطاب الذكرى الرابعة عشر لاعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين، حث قال: “لقد عمل برنامج “المغرب الأخضر” على تحديث القطاع الفلاحي، آخذا بعين الاعتبار، الاهتمام الموصول بصغار الفلاحين، من أجل تحسين ظروفهم المعيشية. وحرصا منا على تجسيد رعايتنا لهذه الفئة، فإننا سنظل نخصها بالاستثناء الضريبي، الذي سينتهي العمل به في آخر السنة الجارية، بالنسبة للاستثمارات الفلاحية الكبرى، وسوف نحتفظ بسريان هذا الاستثناء، على الفلاحة المتوسطة والصغرى.”

ثلاثة وعشرون: الاستراتيجية الوطنية للسياحة : دينامية وتنافسية دولية

الاستراتيجية الوطنية للسياحة تهدف إلى زيادة عدد السياح، تنويع العرض السياحي، وتحسين البنية التحتية السياحية. ويسعى هذا الورش إلى تحسين مكانة المغرب كوجهة سياحية رائدة من خلال تطوير المنتجات السياحية وتحسين جودة الخدمات، وكذا زيادة عدد السياح، وفي خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية التاسعة للسياحة بالسعيدية، قال: “وإننا لحريصون على ضمان المناخ المناسب لخلق دينامية دائمة داخل القطاع السياحي، وتدعيم حيويته وتنافسيته. ولهذه الغاية، ندعو الحكومة والسلطات المحلية، ومهنيي القطاع، إلى المزيد من التعبئة وتضافر الجهود، من أجل تطوير الصناعة السياحية ببلادنا، باعتبارها قطاعا يحظى بالأولوية في سياستنا الاقتصادية. فضلا عن كونه يفتح آفاقا واعدة، في مجال توفير فرص الشغل للشباب.”

أربعة وعشرون: ورش تدبير الموارد المائية وتحلية المياه : مخطط استعجالي

ورش تدبير المياه هو ينال اهتماما كبيرا وشخصيا لدى جلالة الملك، فهو مبادرة استراتيجية أطلقتها المملكة المغربية لمواجهة ندرة الموارد المائية وضمان توفير مياه الشرب للمناطق التي تعاني من نقص المياه، بما في ذلك المدن الكبرى والمناطق الجافة. يهدف المشروع إلى تحقيق التنمية المستدامة من خلال استغلال التكنولوجيا الحديثة لتحلية مياه البحر وتوفير مياه الشرب لتحقيق الأمن المائي. ومايجسده الانشغال الكبير للمؤسسة الملكية هو الحضور الكبير لهذا الإشكال في خطب واجتماعات جلالة الملك، ففي خطاب الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة في 13 أكتوبر 2017، قال الملك: “وفي مواجهة هذا الوضع، بادرنا منذ شهر فبراير الماضي، باتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية. وإدراكا منا للطابع البنيوي لهذه الظاهرة ببلادنا، ما فتئنا نولي كامل الاهتمام لإشكالية الماء، في جميع جوانبها. وقد خصصنا عدة جلسات عمل لهذه المسألة، تكللت بإخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020 – 2027.”

وهذا الالتزام تجسد بشكل كبير في جلسات عمل، حيث ترأس جلالة الملك محمد السادس، جلسة عمل يوم الخميس 18 أبريل 2019 بالقصر الملكي بالرباط، خصصت لإشكالية الماء، حيث أكد على أهمية التزود بالماء في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية للمملكة التي تتزايد حاجياتها من الماء خلال فصل الصيف وطوال السنة نظراً لتطور السياحة والمشاريع الصناعية. أشار جلالته إلى ضرورة تعزيز قدرة التزود بالماء عبر تشييد سدود كبرى، مثل سد بني منصور بطاقة استيعابية تتجاوز مليار متر مكعب، ووجه الحكومة لاستكمال البرنامج الوطني الأولوي المتعلق بالماء.

وفي إطار العناية المستمرة بقضية الماء، ترأس جلالة الملك جلسة عمل أخرى يوم 16 يناير 2024 بالقصر الملكي بالرباط، لمتابعة البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027. اطلع جلالة الملك على الوضعية المائية التي عرفت عجزاً في التساقطات بنسبة 70% مقارنة بالمعدل، ونسبة ملء السدود التي بلغت 23.2%. مكنت الإجراءات المتخذة تنفيذاً للتوجيهات الملكية من تزويد العديد من الأقاليم والجهات بمياه الشرب بشكل كاف، من خلال الربط بين حوضي سبو وأبي رقراق وتشغيل محطتي تحلية المياه بأكادير وآسفي.

وفي جلسة عمل ثالثة عقدت يوم الثلاثاء 16 يناير 2024 بالقصر الملكي بالرباط، خصصت لمناقشة إشكالية الماء في البلاد، اطلع على عرضاً حول الوضعية المائية ونسبة ملء السدود والكشف عن مخطط العمل الاستعجالي، والذي يشمل مجموعة من الإجراءات على المدى القصير والمتوسط، لضمان توفير المياه الصالحة للشرب في المدن والمراكز والقرى التي تعرف عجزاً. ودعا جلالة الملك الحكومة خلال هذه الجلسة إلى اعتماد تواصل شفاف ومنتظم مع المواطنين حول تطورات الوضعية المائية والرفع من الوعي بأهمية الاقتصاد في استهلاك الماء.

  1. ورش التطوير الرياضي: تشجيع الرياضة كوسيلة للتنمية الاجتماعية

تعد الرياضة وسيلة فعالة لتنشيط التنمية الاجتماعية والصحية في أي مجتمع. تحت قيادة الملك محمد السادس، شهد المغرب نهضة رياضية تمثلت في سلسلة من المشاريع والمبادرات الطموحة التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية الرياضية، وتشجيع الرياضة كوسيلة للتنمية الاجتماعية. تشمل هذه المشاريع بناء وتحديث الملاعب والمراكز التدريبية، وتطوير الرياضة المدرسية، وتشجيع الرياضة النسوية.

خمسة وعشرون: النهضة الرياضية : وسيلة للتنمية الاجتماعية

في خطاب الملك بمناسبة الرسالة الملكية إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة سنة  (2008)بالصخيرات، قال: “الرياضة رافعة قوية للتنمية البشرية وللاندماج والتلاحم الاجتماعي ومحاربة الإقصاء والحرمان والتهميش.”

البنية التحتية الرياضية تعد العمود الفقري لأي نهضة رياضية. ومنذ بداية حكم الملك محمد السادس، تم التركيز على تحديث وإنشاء مجموعة واسعة من المنشآت الرياضية لتلبية احتياجات الرياضيين والمجتمع. شهد المغرب بناء وتحديث العديد من الملاعب الرياضية الحديثة التي تتوافق مع المعايير الدولية. من أبرزها ملعب مراكش الكبير وملعب طنجة الكبير، بالإضافة إلى إعادة تأهيل الملاعب التقليدية مثل ملعب محمد الخامس في الدار البيضاء. كما تم إنشاء مراكز تدريبية متخصصة تهدف إلى توفير بيئة تدريبية متكاملة للرياضيين في مختلف الرياضات، مثل مركز محمد السادس لكرة القدم في المعمورة الذي يعتبر من أحدث المراكز التدريبية في أفريقيا. ولتشجيع الشباب والمجتمع على ممارسة الرياضة، تم بناء العديد من المجمعات الرياضية في الأحياء والمناطق القروية، وتشمل هذه المجمعات ملاعب كرة القدم، السلة، التنس، ومسارات الجري.

الرياضة المدرسية تلعب دورًا حيويًا في تنشئة الأجيال القادمة من الرياضيين. ولهذا، تم إطلاق عدة برامج ومبادرات لتوطين الرياضة في المدارس. تم تحديث المناهج الدراسية لإدماج الرياضة بشكل أكبر، مع التركيز على أهمية النشاط البدني لصحة الطلبة وتنمية مهاراتهم الرياضية. كما تم تنظيم بطولات رياضية مدرسية على المستوى المحلي والوطني، مما يتيح للطلبة فرصة التنافس وتطوير مهاراتهم الرياضية في بيئة تنافسية صحية.

فيما يتعلق بالرياضة النسوية، تمثلت الجهود في توفير الفرص المتساوية للنساء والفتيات للمشاركة في الأنشطة الرياضية. تم إنشاء وتحديث مرافق رياضية مخصصة للنساء، بما في ذلك صالات رياضية وملاعب ومسابح. كما تم إطلاق حملات وبرامج تهدف إلى تشجيع النساء على المشاركة في الرياضة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي للرياضيات المتميزات.

تعتبر الرياضة أداة قوية لتوطيد التماسك الاجتماعي والتنمية المجتمعية. في هذا السياق، تم إطلاق مبادرات تهدف إلى جعل الرياضة متاحة للجميع، بما في ذلك الفئات المهمشة والأشخاص ذوي الإعاقة. تشمل هذه المبادرات تنظيم فعاليات رياضية مجتمعية وبرامج تدريبية مجانية. كما تم إطلاق مشاريع تهدف إلى تطوير الرياضة في المناطق القروية، مما يساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان وتدعيم التنمية المحلية.

  1. ورش قضية الصحراء المغربية: النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم

قضية الصحراء المغربية تشكل جزءاً لا يتجزأ من السيادة الوطنية، وقد شهدت تحت قيادة الملك محمد السادس جهوداً دبلوماسية مكثفة لدعم الموقف الدولي للمغرب. من خلال توسيع شبكة العلاقات الدبلوماسية والشراكات مع الدول المؤثرة، نجح المغرب في كسب دعم سياسي واسع لقضية الصحراء. كما عمل بشكل نشط في المنظمات الدولية للدفاع عن حقوقه التاريخية والقانونية. الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء في عام 2020 كان إنجازاً دبلوماسياً بارزاً يعكس نجاح الجهود المغربية في هذا المجال. هذه الجهود تؤكد على التزام الملك بتحقيق السيادة الوطنية وتقوية الموقف الدولي للمغرب.

ستة وعشرون: قضية الصحراء المغربية: جهود دبلوماسية ودعم الدولي

منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المغرب في عام 1999، تميزت السياسة الخارجية للمملكة بالتركيز على دعم الموقف الدولي للمغرب بشأن قضية الصحراء. فعلى مدى العقدين الماضيين، نجح المغرب في بناء علاقات قوية مع العديد من الدول الأفريقية، الأوروبية، الآسيوية، والأمريكية. هذا التوجه الدبلوماسي ساعد في كسب دعم سياسي واسع لقضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية.

على سبيل المثال، تمكن المغرب من كسب دعم العديد من الدول الأفريقية التي بدأت بفتح قنصليات لها في المدن الرئيسية في الصحراء المغربية، مثل الداخلة والعيون. هذه الخطوات الدبلوماسية لم تكن مجرد رمزية، بل عكست اعترافًا عمليًا وملموسًا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وفي خطابه السامي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، قال الملك محمد السادس “أوجه رسالة واضحة للجميع :إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”. لذا، يسترسل جلالة الملك “ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”. وأضاف جلالة الملك ” لقد تمكنا خلال السنوات الأخيرة، من تحقيق إنجازات كبيرة، على الصعيدين الإقليمي والدولي،لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة، بخصوص مغربية الصحراء،    وذكر جلالة الملك، بنفس المناسبة، أن العديد من الدول الوازنة عبرت عن دعمها ، وتقديرها الإيجابي لمبادرة الحكم الذاتي، في احترام لسيادة المغرب الكاملة على أراضيه، كإطار وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.

وإلى جانب تطوير الشراكات الثنائية، عمل المغرب بشكل نشط وحضور متميز في المنظمات الدولية لتعزيز موقفه بشأن قضية الصحراء. من خلال المشاركة الفعالة في الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الاتحاد الأوروبي، ومنظمات أخرى، سعى المغرب إلى إيصال صوته والدفاع عن حقوقه التاريخية والقانونية في الصحراء.

وقد أسفر هذا الجهد عن نتائج ملموسة، حيث تبنى مجلس الأمن الدولي قرارات تدعم الجهود المغربية لتحقيق حل سياسي دائم ومقبول من جميع الأطراف. كما تمكن المغرب من الحفاظ على مكانته في الاتحاد الأفريقي بعد العودة إليه في عام 2017، والعمل على تغيير موقف المنظمة من قضية الصحراء.

وقد شكل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020 أحد الإنجازات الدبلوماسية البارزة. هذا الاعتراف جاء نتيجة لجهود دبلوماسية حثيثة ومستمرة من قبل المملكة، وأسهم بشكل كبير في تغير الموقف الدولي تجاه المملكة المغربية. هذا القرار الأمريكي فتح الباب أمام دول أخرى لإعادة النظر في مواقفها ودعم الموقف المغربي بشكل أكبر.

أدرك المغرب أن الاقتصاد يمكن أن يكون أداة قوية في الدبلوماسية. من خلال مبادرات مثل “الحزام والطريق” مع الصين، واتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، والتعاون الاقتصادي الموسع مع دول الخليج، استطاع المغرب بناء علاقاته الاقتصادية والدبلوماسية مع العديد من الدول. هذه العلاقات الاقتصادية تعزز من دعم هذه الدول لموقف المغرب بشأن الصحراء، حيث تتزايد المصالح الاقتصادية المشتركة.

  1. ورش التعاون الدولي:مشروع انفتاح واشعاع وطني

تعزيز التعاون الدولي يعد من الركائز الأساسية في سياسة الملك محمد السادس الخارجية. من خلال مشاريع مثل الانفتاح الأفريقي ومبادرة الحزام والطريق، يسعى الملك إلى تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول الأفريقية والصين. هذه المبادرات تهدف إلى تطوير البنية التحتية للتجارة، تشجيع الاستثمارات، وتقوية الروابط التجارية بين المغرب وهذه الدول. إضافة إلى ذلك، يعد مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا واحداً من أكبر المشاريع الطاقية في القارة الأفريقية، الذي يجسد طموح المملكة المغربية في تنمية التعاون الإقليمي والدولي. هذه الجهود تعكس التزام الملك بتحقيق التنمية إبراز مكانة المغرب كدولة رائدة في الساحة الدولية.

سبعة وعشرون: مشروع الانفتاح الأفريقي : حضور دبلوماسي قوي و إرساء تنمية مشتركة

مشروع الانفتاح الأفريقي شكل قضية دولة لدى المؤسسة الملكية، يهدف إلى النهوض بالعلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول الأفريقية وتفعيل دور المغرب في القارة الأفريقية. فمن خلال هذا المشروع، يسعى المغرب إلى بناء جسور جديدة من التعاون مع الدول الأفريقية، مما يسهم في خلق تبادل تجاري وتطوير البنية التحتية للتجارة. يسعى المغرب إلى أن يكون شريكاً فاعلاً في التنمية المستدامة للقارة الأفريقية من خلال توسيع نطاق التعاون الاقتصادي والسياسي.

ويركز هذا الورش على تطوير البنية التحتية للتجارة، بما في ذلك بناء وتحسين الموانئ، الطرق، وشبكات النقل التي تربط المغرب بالدول الأفريقية الأخرى كما سبق وأشرنا سابقا. هذه الجهود تهدف إلى تسهيل حركة البضائع والخدمات بين المغرب وبقية القارة، مما يعزز التكامل الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة. بالإضافة إلى ذلك، يسعى المغرب إلى توقيع اتفاقيات تعاون جديدة مع الدول الأفريقية في المجال التجاري والدبلوماسي.

في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة القمة الاستثنائية للاتحاد الأفريقي في كيغالي، أكد على أهمية التعاون البيني الأفريقي والتكامل الاقتصادي لتحقيق التنمية المستدامة. قال جلالته: “يؤمن المغرب بضرورة إرساء تنمية مشتركة قائمة على أساس التعاون البيني الأفريقي والتكامل الاقتصادي، وعلى قاعدة التضامن الفاعل وتوحيد الوسائل والجهود. وهذه، باختصار، هي المقومات الضرورية الكفيلة بتحقيق النمو الشامل والتنمية البشرية المستدامة لقارتنا، ومن ثم الارتقاء بها إلى مصاف القوى الفاعلة والمؤثرة على الساحة الدولية، بما يخدم مصلحة شعوبنا قاطبة.” يعكس هذا الخطاب التزام المغرب العميق بدعم التنمية في القارة الأفريقية وتكثيف التعاون مع دولها.

ثامنية وعشرون: مبادرة الحزام والطريق : شراكة استراتيجية

مبادرة الحزام والطريق تمثل شراكة استراتيجية بين المغرب والصين تهدف إلى النهوض بالتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. تعتبر هذه المبادرة خطوة كبيرة نحو تطوير البنية التحتية في المغرب، حيث تشمل مشاريع ضخمة في مجالات النقل والطاقة والصناعة، مما يعزز قدرة المغرب على جذب الاستثمارات الأجنبية ويدعم التنمية الاقتصادية المستدامة. من خلال هذه الشراكة، يسعى البلدان إلى تقوية الروابط التجارية والتعاون الاقتصادي لتحقيق الفائدة المشتركة.

تركز المبادرة على مفهوم الشراكات الاقتصادية بين المغرب والصين من خلال تطوير مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تسهم في تحسين الاتصال والنقل داخل المغرب ومع الدول المجاورة. تشمل هذه المشاريع تطوير الموانئ والطرق والسكك الحديدية، بالإضافة إلى تقوية قدرة المغرب على إنتاج وتوزيع الطاقة. تهدف هذه الجهود إلى خلق بيئة استثمارية جذابة وتحفيز النمو الاقتصادي في كلا البلدين.

في خطاب الملك محمد السادس خلال القمة العربية الصينية الأولى في السعودية، أكد جلالته على أهمية الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والصين والتي تم توقيعها في مايو 2016. قال الملك: “كما يحرص المغرب على المضي قدما في ترسيخ “الشراكة الاستراتيجية” المبرمة بين البلدين في ماي 2016، و”مذكرة التفاهم حول مبادرة الحزام والطريق”، وبالتالي توسيع آفاق التعاون الثنائي ليشمل قطاعات جديدة وواعدة وذات قيمة مضافة، للارتقاء بالعلاقات بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الصديقة إلى مستويات أعلى.

تسعة وعشرون: مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا: تقوية الاندماج الاقتصادي الإقليمي

مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا يمثل مبادرة استراتيجية تهدف إلى إعطاء نفس جديد للتعاون الاقتصادي بين المغرب ونيجيريا، وتوفير مصدر طاقة مستدام لأوروبا. يعد هذا المشروع من أكبر المشاريع الطاقية في القارة الأفريقية، حيث ينتصر لفكرة الملك محمد السادس في دعم التعاون الإقليمي والدولي، وذلك من خلال بناء بنية تحتية قوية تدعم التكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية وتساهم في تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة في المملكة و أوروبا.

يهدف المشروع إلى توفير طاقة نظيفة ومستدامة، مما يسهم في تنمية المناطق المحيطة بخط الأنابيب. وسيعمل على تحسين الاقتصاد المحلي للدول المشاركة، من خلال خلق فرص عمل جديدة واستثمارات في قطاع الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يسعى المشروع إلى تحقيق الاستدامة البيئية من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحسين كفاءة استخدام الطاقة.

في خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين للمسيرة الخضراء، أكد الملك محمد السادس على أهمية مشروع أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا، قائلاً: “إن أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا سيشكل مصدرا مضمونا لتزويد الدول الأوروبية بالطاقة، مذكرا بأنه هو نفس التوجه الذي دفع بالمغرب، لإطلاق مبادرة إحداث إطار مؤسسي، يجمع الدول الإفريقية الأطلسية الثلاثة والعشرين، بغية توطيد الأمن والاستقرار والازدهار المشترك.”

ثلاثون: ترسيم المجالات البحرية: خطوة سيادية وتعبير عن قوة المملكة

مشروع ترسيم المجالات البحرية للمملكة المغربية خطوة سيادية كبيرة تعبر عن قوة واستقلالية المغرب وتهدف إلى تقوية السيادة الوطنية واستغلال الموارد البحرية بشكل مستدام وفقًا لمبادئ القانون الدولي. يركز هذا المشروع على تأكيد سيادة المغرب على مياهه الإقليمية، المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري، مما يمكن المملكة من الاستفادة المثلى من الموارد البحرية وتطويرها بشكل يعزز الاقتصاد الوطني ويحافظ على البيئة البحرية.

المشروع وضع إطارا قانونيا وتنظيميا يضمن حماية الموارد البحرية واستغلالها بشكل مستدام. بالإضافة إلى ذلك، يسعى المشروع إلى ضبط التوافق مع القانون الدولي من خلال الالتزام بمبادئ قانون البحار، والتعاون مع الدول المجاورة لضمان إدارة مشتركة ومستدامة للموارد البحرية. هذا التوجه يعكس التزام المغرب بالحفاظ على البيئة البحرية واستغلالها بطريقة تحترم القوانين الدولية وتحقق التنمية المستدامة.

في خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء، أكد الملك محمد السادس على أهمية هذا المشروع، قائلاً: “إن المملكة أكملت خلال هذه السنة ترسيم مجالاتها البحرية، بجمعها في إطار منظومة القانون المغربي، في التزام بمبادئ القانون الدولي. المغرب سيظلّ ملتزما بالحوار مع جارتنا إسبانيا، بخصوص أماكن التداخل بين المياه الإقليمية للبلدين الصديقين، في إطار قانون البحار، واحترام الشراكة التي تجمعهما، وبعيدا عن فرض الأمر الواقع من جانب واحد.” يعكس هذا الخطاب التزام المغرب بالحلول السلمية والدبلوماسية في التعامل مع التحديات الحدودية البحرية، والعمل المشترك مع الدول المجاورة لإشاعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

خاتمة

ختاماً، تمثل الأوراش الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش عام 1999 فكرا وتصورا طموحا لتطوير المملكة المغربية على مختلف الأصعدة. تبرز هذه المشاريع التزاماً عميقاً بتحقيق التنمية التي لا تقتصر على جانب واحد بل تشمل كافة جوانب الحياة الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية، والثقافية. تدل على توجهات الملك محمد السادس في سعيه الدؤوب لتحسين مستوى معيشة المواطنين، وضمان العدالة الاجتماعية، وتشجيع التنمية المستدامة التي تأخذ في اعتبارها الأجيال القادمة.

من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تهدف إلى محاربة الفقر وإنماء حس التماسك الاجتماعي، إلى مشروع الانفتاح الأفريقي الذي يأمل إحياء فكرة التعاون الإقليمي، تبرز فلسلفة الملك في تحويل المغرب إلى دولة متقدمة وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل. تعكس المشروعات المتعلقة بتطوير البنية التحتية، مثل شبكة الطرق السريعة والقطار الفائق السرعة، التزام الملك بتحسين التنقل وتسهيل حركة البضائع والأشخاص، مما يسهم في النمو الاقتصادي وتحقيق التكامل بين مختلف مناطق المملكة.

ولا تقتصر جهود الملك محمد السادس على التنمية الاقتصادية والبنية التحتية فقط، بل تشمل أيضاً صيانة الهوية الثقافية والتراث الوطني من خلال مشاريع مثل الحفاظ على التراث الثقافي ورد الاعتبار للثقافة الأمازيغية. يعكس هذا الالتزام العميق بالهوية الوطنية والقيم الثقافية للمملكة، مع التأكيد على أهمية التعايش والتسامح في بناء مجتمع متماسك.

في مجال حقوق الإنسان، تعكس مشاريع مثل إصلاح منظومة القضاء وهيئة الإنصاف والمصالحة التزام الملك بتحصين العدالة والنزاهة وحماية حقوق المواطنين. تهدف هذه المشاريع إلى ضمان تحقيق العدالة والمساواة أمام القانون، وإرجاع الثقة في النظام القضائي. على الصعيد الدولي، يعكس مشروع التعاون الأفريقي توجه الملك نحو الدفع بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع دول القارة الأفريقية، مما يعزز مكانة المغرب كلاعب رئيسي في القارة ويشجع على التنمية المشتركة والتكامل الإقليمي.

وفيما يخص مشاريع الطاقة والاستدامة البيئية، مثل مشروع تحلية المياه ومشروع الطاقة الشمسية، يعكس التزام الملك بتحقيق الأمن المائي والطاقي للمملكة من خلال استغلال التكنولوجيا الحديثة والمصادر المستدامة للطاقة.

ختاماً، إن الأوراش الكبرى التي أطلقها الملك محمد السادس طيلة ربع قرن من الحكم تمثل إيماناً قوياً بضرورة تطوير المملكة. تُظهر هذه المشاريع التزاماً جلياً بتحقيق التنمية، وتحسين مستوى معيشة المواطنين، وتعزيز مكانة المغرب على الساحة الدولية. من خلال هذه الأوراش، يضع الملك محمد السادس أسساً قوية لمستقبل مشرق، مبني على العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والحفاظ على الهوية الثقافية وحماية البيئة.

 

.

التعليقات مغلقة.