الفرق بين الهروب والركوب .. في أحداث هجرة لفنديق ! | حدث كم

الفرق بين الهروب والركوب .. في أحداث هجرة لفنديق !

+ د.الحسن عبيابة: عندما تقع مثل هذه الأحداث ، وأقصد هنا أحداث الهجرة الجماعية نحو مدينة سبتة المحتلة  في يوم 15 سبتمبر 2024, يجب على الإنسان  التريت وإنظار مهلة زمنية معينة لمعرفة الخلفيات المختلفة التي أدت إلى إتخاذ قرار الهجرة الجماعية مخالفة للقوانين الدولية والمحلية ، وذلك من أجل عدم الوقوع في إصادر أحكام عامة ، أو توجيه إتهامات باطلة أو تضليل الرأي العام حول أحداث ظرفية .

 فالهروب ليس هو إجتماع لأشخاص مرشحين للهجرة نحو مكان معين ، لكن الهروب هو الهروب في  الحقيقة الجيوسياسية التي يعيشها المغرب،  بسبب سياسة الجوار العدائية التي تتمثل في دولة الجزائر ، وبسبب قرار الإتحاد الأوروبي الذي إعتبر الحدود المغربية مع سبتة حدود الإتحاد الأوروبي، لأن هذا القرار هو الذي شجع الهجرة السرية من المغرب ، لأنه في نظر المهاجرين عبور الحاجز الحدودي بين المغرب وسبتة يعني دخول أوروبا ، وهذا خطأ يجب استدراكه من إسبانيا ومن دول الإتحاد الأوروبي،  ومع الآسف بوجود أفراد ومجموعات يركبون على مثل هذه الأحداث قصد الإساءة لصورة المغرب في كل مناسبة ممكنة وغير ممكنة .

 نحن في المغرب ندرك علم اليقين أن أزمة التشغيل لازالت قائمة وتزداد كل سنة ، وندرك أن نمو الاقتصاد الوطني لازال  ضعيفا لا يساعد على القيام بالتنمية الاقتصادية المستدامة ، وندرك أن هناك أيضا قطاع الشباب ينتظر المزيد من الإهتمام وإيجاد الحلول ، ونوجه إنتقادات كبيرة للقطاعات الإقتصادية والإجتماعية ونطلب منها المزيد،  لكن يبقى ذلك في إطار احترام المؤسسات وإحترام ضوابط الحوار والتواصل الاجتماعي .

لكن هجوم وسائل التواصل الاجتماعي غير مسؤول وغير المنظم، بشكل غير أخلاقي، وغير مهني على مؤسسات الدولة وعلى رموزها قصد تكوين رأي عام معين لهدف ما ! ، مرفوض تماما ، لأن صورة المغرب تعني في السياسة الخارجية الشىء الكثير ، كما أن الحفاظ على سمعة المغرب واجب وطني، ومثل هذه الأحداث وغيرها لا تبخس العمل الكبير والمتميز الذي بُذل طيلة 25 سنة في الفترة الماضية في كل المجالات بشهادات وتقارير دولية .

 وللإشارة فإن جميع التقارير الدولية وخاصة تقارير البنك الدولي ، تؤكد بالأرقام والدراسة الميدانية بأن جميع دول العالم بدون إستثناء لم تتمكن بشكل نهائي ونموذجي تحقيق التنمية المستدامة والشاملة ، ولننظر الى ما يحدث في فرنسا حاليا وغيرها من الدول الأوربية والآسيوية والإفريقية وأمريكا اللاتينية .

 علينا جميعا أن نقرأ بتمعن المواطن الواعي،  ما يجري في العالم سواء كان هذا العالم متقدما أم ناميا ، فالوضع الجيوسياسي والجيواقتصادي الدولي،  جعل معظم سكان الدول يرغبون في الهجرة ، حيث نجد معظم سكان جنوب أسيا ، وسكان أمريكا اللاتينية كلها يرغبون في الهجرة ، وحسب بعض التقديرات السكانية المرتبطة بالهجرة فإن سكان 75 دولة يرغبون في الهجرة من أصل 185 في العالم معترف بها ، مع العلم أن الاسباب متعددة ، منها ما هو داخلي وما هو خارجي ، لكنها أصبحت توجها عاما لدى العديد من الشعوب، بفعل الإغراء الإفتراضي وغير الواقعي ، بل أن الهجرة أصبحت خطابا سياسيا في البرامج الحزبية في أوربا ، ومادة سياسية في الحملات الانتخابية بما فيها الانتخابات الأمريكية .

 وعلى ذكر الولايات المتحدة الأمريكية التي تربطها بالمكسيك حدود طويلة ، فإنها تعاني يوميا من طوابير بشرية تمتد إلى عشرات الكيلومترات قادمة من المكسيك وغيرها من أمريكا اللاتينية ، ومعظم المهاجرين من دولة المكسيك ، وهي ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية ، كما يصنف اقتصاد المكسيك الخامس عشر في العالم ، وفقا لتقارير البنك الدولي، وهي ضمن دول العشرين G20 ،ويبلغ إناتجها المحلي الإجمالي GDP حوالي 1.29 تريليون دولار، وفقًا لتقارير دولية فإن المكسيك بحلول عام 2050 سيكون من بين أكبر 5 اقتصادات في العالم .

 أكتفي بهذا المثل مع وجود أمثلة كثيرة بين أوروبا الشرقية ودول الإتحاد الأوروبي ، ولذلك فلا يجب أن نهرب من الوضع الجيوسياسي الإقليمي والدولي ، فلو فتحت الحدود في أي دولة إفريقية نحو أوروبا لحصل هروب الملايين برا وبحرا في شهر واحد ، وبالتالي لا يمكن أن نعالج مشاكلنا بالركوب على بعض الأحداث العابرة او بالهروب من أوضاع معينة ، بل يجب أن تنخرط وسائل الإعلام والتواصل في الحوار المسؤول ، وبإحترام المؤسسات بعيدا عن التنابز بالألقاب وغير ذلك من الأشياء التي تسيء إلى سمعة بلادنا ، وأعطاء فرصة لأعداء المغرب للنيل منه ، ونحن نعلم علم اليقين أن هناك جوارا يتربص بنا وبسيادتنا ووحدتنا الترابية .

+ د.الحسن عبيابة وزير سابق واستاذ التعليم العالي

التعليقات مغلقة.